- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
خطأ قول الرأسماليين: الثمن هو الحافز على الإنتاج (ح21)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيةِ والعِشْرِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفحَة 35) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ "خَطَأ قَولِ الرَّأسِمَالِيِّينَ: "الثَّمَنُ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ".
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَيَقُولُ الاقتِصَادِيونَ الغَربِيُّونَ إِنَّ الثَّمَنَ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإنتَاجِ؛ لأَنَّ الدَّافِعَ لِلإِنسَانِ عَلَى بَذْلِ أيِّ مَجهُودٍ هُوَ مُكَافَأتُهُ المَادِّيةُ عَلَيهِ. وَهَذَا القَولُ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ، وَهُوَ غَيرُ صَحِيحٍ. فَكَثِيرًا مَا يَبذُلُ الإِنسَانُ المَجهُودَ لِمُكَافَأةٍ مَعنَوِيَّةٍ كَالفَخرِ مَثلاً أو لِمُكَافَأةٍ رُوحِيَّةٍ كَنَيلِ ثَوَابِ اللهِ، أو لِلتَّحَلِّي بِصِفَةٍ خُلُقِيَّةٍ كَالوَفَاءِ. وَحَاجَاتُ الإِنسَانِ قَدْ تَكُونُ مَادِّيةً كَالرِّبحِ المَادِّيِّ، وَقَد تَكُونُ رُوحِيَّةً كَالتَّقدِيسِ، أو مَعنَوِيَّةً كَالثَّنَاءِ. فَحَصْرُ الحَاجَاتِ بِالحَاجَاتِ المَادِّيةِ غَيرُ صَحِيحٍ. وَالإِنسَانُ قَد يَبذُلُ مَالاً لإِشبَاعِ حَاجَةٍ رُوحِيَّةٍ أو حَاجَةٍ مَعنَوِيَّةٍ بِسَخَاءٍ أكثَرَ مِنْ بَذلِهِ لإِشبَاعِ الحَاجَاتِ المَادِّيةِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَيسَ الثَّمَنُ هُوَ وَحْدَهُ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ، فَقَد يَكُونُ الثَّمَنُ، وَقَد يَكُونُ غَيرُهُ. ألا تَرَى أنَّ حَجَّارًا قَد يُخَصِّصُ نَفسَهُ لِلعَمَلِ أشهُرًا فِي قَطعِ الحِجَارَةِ مِنْ أجْلِ بِنَاءِ مَسجِدٍ، وَأنَّ مَصنَعًا قَد يَجعَلُ إِنتَاجَهُ أيامًا مِنْ أجْلِ تَوزِيعِ مَنتُوجَاتِهِ عَلَى الفُقَرَاءِ؟ وَأنَّ الأمَّةَ قَد تُخَصِّصُ جُهُودَهَا فِي حَفْرِ الخَنَادِقِ وَإِعدَادِ العُدَّةِ مِنْ أجْلِ الدِّفَاعِ عَنِ البِلادِ؟ فَهَلْ هَذَا الإِنتَاجُ وَمِثلُهُ كَانَ الحَافِزُ عَلَيهِ الثَّمَنُ؟ عَلَى أنَّ المُكَافَأةَ المادِّيةَ نَفسَهَا لا تَنحَصِرُ بِالثَّمَنِ، فَقَد تَكُونُ سِلَعًا أخْرَى أو خِدْمَاتٍ، فَجَعْلُ الثَّمَنِ وَحْدَهُ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ غَيرُ صَحِيحٍ. وَمِنْ أغرَبِ مَا يَنُصُّ عَلَيهِ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الرَّأسمَالِيُّ جَعْلُهُ الثَّمَنَ المُنَظِّمَ الوَحِيدَ لِتَوزِيعِ الثَّروَةِ عَلَى أفرَادِ المُجتَمَعِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ الثَّمَنَ هُوَ القَيدُ الَّذِي يَجعَلُ الإِنسَانَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الحِيَازَةِ وَالاستِهلاكِ عِندَ الحَدِّ الَّذِي يَتَنَاسَبُ مَعَ مَوَارِدِهِ، وَهُوَ الَّذِي يَجعَلُ استِهلاكَ كُلِّ فَردٍ قَاصِراً عَلَى مَا تَسمَحُ بِهِ مَوَارِدُهُ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الثَّمَنُ بِارتِفَاعِهِ لِبَعضِ السِّلَعِ، وَانخِفَاضِهِ لِبَعضِهَا، وَتَوَفُّرِ النَّقدِ عِندَ بَعضِ النَّاسِ، وَعَدَمِ تَوَفُّرِهِ عِندَ الآخَرِينَ، يَكُونُ الثَّمَنُ بِذَلِكَ مُنظِّمًا لِتَوزِيعِ الثَّروَةِ عَلَى المُستَهلِكِينَ، وَيَكُونُ نَصِيبُ كُلِّ فَردٍ مِنْ ثَروَةِ البِلادِ لَيسَ بِمِقدَارِ حَاجَاتِهِ الأَسَاسِيَّةِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُعَادِلٌ لِقِيمَةِ الخِدْمَاتِ التِي سَاهَمَ بِهَا فِي إِنتَاجِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، أي بِمِقْدَارِ مَا يَحُوزُ مِنْ أرْضٍ أو رَأسمَالٍ، أو بِمِقدَارِ مَا قَامَ بِهِ مِنْ عَمَلٍ أو تَنظِيمٍ لِمَشرُوعَاتٍ. وَبِهَذِهِ القَاعِدَةِ، وَهِيَ جَعْلُ الثَّمَنِ هُوَ المُنَظِّمُ لِلتَّوزِيعِ، يَكُونُ النِّظَامُ الاقتِصَادِيُّ الرَّأسمَالِيُّ قَد قَرَّرَ أنَّهُ لا يَستَحِقُّ الحَيَاةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى المُسَاهَمَةِ فِي إِنتَاجِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ. أمَّا مَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ ذَلِكَ لأنَّهُ خُلِقَ ضَعِيفًا، أو لأنَّ هُنَاكَ ضَعْفًا طَرَأ عَلَيهِ فَلا يَستَحِقُّ الحَيَاةَ، لأنَّهُ لا يَستَحِقُّ أنْ يَنَالَ مِنْ ثَروَةِ البِلادِ مَا يَسُدُّ حَاجَاتِهِ. وَكَذَلِكَ يَستَحِقُّ التُّخمَةَ وَالسِّيادَةَ وَالسَّيطَرَةَ عَلَى غَيرِهِ بِمَالِهِ كُلُّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ، لأنَّهُ خُلِقَ قَوِيًّا فِي جِسمِهِ أو فِي عَقلِهِ، وَكَانَ أقدَرَ مِنْ غَيرِهِ عَلَى الحِيَازَةِ بِأيِّ طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ. وَكَذَلِكَ يَزِيدُ فِي حِيَازَةِ الثَّروَةِ عَنْ غَيرِهِ كُلُّ مَنْ كَانَتْ مُيُولُهُ لِلمَادَّةِ قَوِيَّةً، وَيَقِلُّ فِي حِيَازَتِهَا عَنْ غَيرِهِ كُلُّ مَنْ كَانَتْ مُيُولُهُ الرُّوحِيَّةُ وَتَعَلُّقُهُ بِالصِّفَاتِ المَعنَوِيَّةِ أقوَى، لِتَقَيُّدِهِ فِي كَسْبِ المَادَّةِ بِمَا تَفرِضُهُ عَلَيهِ القُيُودُ الرُّوحِيَّةُ، أوِ المَعنَوِيَّةُ التِي التَزَمَ بِأفكَارِهَا. وَهَذَا يُبعِدُ العُنصُرَ الرُّوحِيَّ وَالخُلُقِيَّ عَنِ الحَيَاةِ، وَيَجْعَلُهَا حَيَاةً مَادِّيةً، أسَاسُهَا النِّضَالُ المَادِيُّ لِكَسْبِ وَسَائِلِ إِشبَاعِ الحَاجَاتِ المَاديَّةِ، وَهَذَا مَا هُوَ وَاقِعٌ فِعْلاً فِي البِلادِ التِي تَعتَنِقُ النِّظَامَ الرَّأسمَالِيَّ، وَالبِلادِ التِي تُطَبِّقُهُ. وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. قَولُ الرَّأسمَاليِّينَ: "إنَّ الثَّمَنَ هُوَ الحَافِزُ عَلَى الإِنتَاجِ" قَولٌ مُخَالِفٌ لِلوَاقِعِ, وَغَيرُ صَحِيحٍ.
2. لَيسَ الثَّمَنُ وَحْدَهُ الحَافِزَ عَلَى الإِنتَاجِ فَقَد يَبذُلُ الإِنسَانُ المَجهُودَ لمُكَافَأةٍ مَعنَوِيَّةٍ أو رُوحِيَّةٍ أو خُلُقِيَّةٍ.
3. المُكَافَأةُ المادِّيةُ نَفسُهَا لا تَنحَصِرُ بِالثَّمَنِ، فَقَد تَكُونُ سِلَعًا أخْرَى أو خِدْمَاتٍ.
4. حَصْرُ الحَاجَاتِ بِالحَاجَاتِ المَادِّيةِ غَيرُ صَحِيحٍ.
5. حَاجَاتُ الإِنسَانِ قَدْ تَكُونُ مَادِّيةً كَالرِّبحِ المَادِّيِّ، وَقَد تَكُونُ رُوحِيَّةً كَالتَّقدِيسِ، أو مَعنَوِيَّةً كَالثَّنَاءِ.
6. أغرَبُ مَا فِي النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسمَالِيِّ جَعْلُهُ الثَّمَنَ المُنَظِّمَ الوَحِيدَ لِتَوزِيعِ الثَّروَةِ عَلَى أفرَادِ المُجتَمَعِ.
7. يَقُولُ الرَّأسمَاليُّونَ: إِنَّ الثَّمَنَ هُوَ القَيدُ الَّذِي يَجعَلُ الإِنسَانَ يَتَوَقَّفُ عَنِ الحِيَازَةِ وَالاستِهلاكِ عِندَ حَدٍّ.
8. يُقَرِّرُ الرَّأسمَالِيُّونَ أنَّهُ لا يَستَحِقُّ الحَيَاةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى المُسَاهَمَةِ فِي إِنتَاجِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ..
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.