- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
أسس النظام الاقتصادي في المبدأ الرأسمالي (ح5)
إعداد وتنسيق
الأستاذ محمد أحمد النادي
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي لِلعَالِمِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. وَحَدِيثُنَا عَنْ أُسُسِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي المَبدَأ الرَّأسِمَالِيِّ. نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
جَاءَ فِي المُقَدِّمَةِ مَا نَصُّهُ: وَإِذَا استَعرَضْنَا النِّظَامَ الاقتِصَادِيَّ فِي المَبدَأ الرَّأسِمَالِيِّ نَجِدُ أَنَّ الاقتِصَادَ عِندَهُمْ هُوَ الذِي يَبحَثُ فِي حَاجَاتِ الإِنسَانِ وَوَسَائِلِ إِشبَاعِهَا، وَلا يَبحَثُ إِلاَّ فِي النَّاحِيَةِ المَادِيَّةِ مِنْ حَيَاةِ الإِنسَانِ. وَهُوَ يَقُومُ عَلَى ثَلاثَةِ أُسُسٍ:
أَحَدِهَا: مُشكِلَةُ النُّدرَةِ النِّسبِيَّةِ لِلسِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ بِالنِّسبَةِ لِلحَاجَاتِ، أَي عَدَمُ كِفَايَةِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ لِلحَاجَاتِ المُتَجَدِّدَةِ وَالمُتَعَدِّدَةِ لِلإِنسَانِ. وَهَذِهِ هِيَ المُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ التِي تُوَاجِهُ المُجتَمَعَ لَدَيهِمْ.
ثَانِيهَا: قِيمَةُ الشَّيءِ المُنتَجِ، وَهِيَ أَسَاسُ الأَبحَاثِ الاقتِصَادِيَّةِ وَأَكثَرُهَا دِرَاسَةً.
ثَالِثِهَا: الثَّمَنُ، وَالدَّورُ الذِي يَقُومُ بِهِ فِي الإِنتَاجِ وَالاستِهلاكِ وَالتَّوزِيعِ، وَهُوَ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ فِي النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ الرَّأسِمَالِيِّ.
أَمَّا مُشكِلَةُ النُّدرَةِ النِّسبِيَّةِ لِلسِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، فَهِيَ مَوجُودَةٌ لِكَونِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ هِيَ الوَسَائِلُ التِي تُشبِعُ حَاجَاتِ الإِنسَانِ. ذَلِكَ أنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ لِلإنسَانِ حَاجَاتٍ تَتَطَلَّبُ الإِشبَاعَ فَلا بُدَّ مِنْ وَسَائِلَ لإِشبَاعِهَا. أمَّا هَذِهِ الحَاجَاتُ، فَلا تَكُونُ إِلاَّ مَادِّيةً بَحتَةً؛ لأَنَّهَا إِمَّا حَاجَةٌ مَحْسُوسَةٌ مَلمُوسَةٌ لِلنَّاسِ، كَحَاجَةِ الإِنسَانِ إِلَى الغِذَاءِ وَالكِسَاءِ، وَإِمَّا حَاجَةٌ مَحْسُوسَةٌ لِلنَّاسِ، وَلَكِنَّهَا غَيرُ مَلمُوسَةٍ لَهُمْ، كَحَاجَةِ الإِنسَانِ إِلَى خِدْمَاتِ الطَّبِيبِ وَالمُعَلِّمِ.
أمَّا الحَاجَاتُ المَعنَوِيَّةُ، كَالفَخْرِ، وَالحَاجَاتُ الرُّوحِيَّةُ، كَالتَّقدِيسِ، فَإِنَّهَا غَيرُ مُعتَرَفٍ بِوُجُودِهَا اقتِصَادِيًّا مِنْ قِبَلِهِمْ، وَلا مَحَلَّ لَهَا عِندَهُمْ، وَلا تُلاحَظُ حِينَ البَحْثِ الاقتِصَادِيِّ. وَأَمَّا وَسَائِلُ الإِشبَاعِ، فَإِنَّهُ يُطلَقُ عَلَيهَا عِندَهُمْ اسمُ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، فَالسِّلَعُ هِيَ وَسَائِلُ الإِشبَاعِ لِلحَاجَاتِ المَحْسُوسَةِ المَلمُوسَةِ، وَالخِدْمَاتُ هِيَ وَسَائِلُ الإِشبَاعِ لِلحَاجَاتِ المَحسُوسَةِ غَيرِ المَلمُوسَةِ. أَمَّا مَا هُوَ الذِي يُشبِعُ فِي السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، فَإِنَّهُ فِي نَظَرِهِمُ المَنفَعَةُ التِي فِيهَا.
وَهَذِهِ المَنفَعَةُ هِيَ خَاصَّةٌ، إِذَا تَوَفَّرَتْ فِي الشَّيءِ، جَعَلَتْهُ صَالِحًا لإِشبَاعِ حَاجَة، وَمِنْ حَيثُ إِنَّ الحَاجَةَ مَعنَاهَا اقتِصَادِيًا الرَّغبَةُ، فِإِنَّ الشَّيءَ النَّافِعَ يَكُونُ اقتِصَاديًا، كُلُّ مَا يُرغَبُ فِيهِ، سَوَاءً أَكَانَ ضَرُورِيًا أَم غَيرَ ضَرُورِيٍّ، وَسَوَاءٌ اعتَبَرَهُ بَعضُ النَّاسِ نَافِعًا، وَاعتَبَرَهُ آخَرُونَ مُضِرًّا، فَإِنَّهُ يَكُونُ نَافِعاً اقتِصَادِيًا، مَا دَامَ هُنَالِكَ مُنْ يَرغَبُ فِيهِ. وَهَذَا مَا يَجعَلُهُمْ يَعتَبِرونَ الأَشيَاءَ نَافِعَةً مِنَ الوِجْهَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَلَو أَنَّ الرَّأْيَ العَامَّ يَعتَبِرُهَا غَيرَ نَافِعَةٍ أَو مُضِرَّةً. فَالخَمْرُ وَالحَشِيشُ هِيَ أَشيَاءُ نَافِعَةٌ عِندَ الاقتِصَادِيِّينَ إِذْ يَرغَبُ فِيهَا بَعضُ النَّاسِ. وَعَلَى ذَلِكَ يَنظُرُ الاقتِصَادِيُّ إِلَى وَسَائِلِ الإِشبَاعِ، أَي إِلَى السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ بِاعتِبَارِهَا تُشبِعُ حَاجَةً، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ أَيِّ اعتِبَارٍ آخَرَ، أَيْ يَنظُرُ إِلَى الحَاجَاتِ وَالمَنَافِعِ كَمَا هِيَ، لا كَمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ. فَيَنظُرُ إِلَى المَنفَعَةِ مِنْ حَيثُ كَونُهَا تُشبِعُ حَاجَةً، وَلا يَتَعَدَّى هَذِهِ النَّظرَةَ. فَيَنظُرُ إِلَى الخَمْرِ مِنْ حَيثُ كَونُهَا لَهَا قِيمَةٌ اقتِصَادِيَّةٌ لأَنَّهَا تُشبِعُ حَاجَةً لأَفرَادٍ، وَيَنظُرُ إِلَى صَانِعِ الخَمْرِ بِاعتِبَارِهِ يُؤَدِّي خِدْمَةً، مِنْ حَيثُ كَونُ هَذِهِ الخِدْمَةِ لَهَا قِيمَةٌ اقتِصَادِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُشبِعُ حَاجَةً لأَفرَادٍ.
هَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ الحَاجَاتِ عِندَهُمْ، وَهَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ وَسَائِلِ إِشبَاعِهَا، فَالاقتِصَادِيُّ الرَّأسِمَالِيُّ لا يَهتَمُّ بِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيهِ المُجتَمَعُ، بَلْ يَهتَمُّ بِالمَادَّةِ الاقتِصَادِيَّةِ مِنْ حَيثُ كَونُهَا تُشبِعُ حَاجَةً. وَلِذَلِكَ كَانَتْ مُهِمَّةُ الاقتِصَادِيِّ هِيَ تَوفِيرُ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، أَي تَوفِيرُ وَسَائِلِ الإِشبَاعِ مِنْ أَجْلِ إِشبَاعِ حَاجَاتِ الإِنسَانِ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ أيِّ اعتِبَارٍ آخَرَ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا يَبحَثُ الاقتِصَادِيُّ فِي تَوفِيرِ وَسَائِلِ الإِشبَاعِ لِحَاجَاتِ الإِنسَانِ. وَلَمَّا كَانَتِ السِّلَعُ وَالخِدْمَاتُ، التِي هِيَ وَسَائِلُ الإِشبَاعِ، مَحْدُودَةً فِي نَظَرِهِمْ، فَإِنَّهَا لا تَكفِي لِسَدِّ حَاجَاتِ الإِنسَانِ، لأَنَّ هَذِهِ الحَاجَاتِ غَيرُ مَحدُودَةٍ حَسَبَ رَأيِهِمْ. فَهُنَاكَ الحَاجَاتُ الأَسَاسِيَّةُ التِي لا بُدَّ لِلإِنسَانِ مِنْ إِشبَاعِهَا بِوَصفِهِ إِنسَانًا، وَهُنَاكَ عَدَدٌ مِنَ الحَاجَاتِ التِي تَزدَادُ كُلَّمَا ارتَقَى الإِنسَانُ إِلَى مَرتَبَةٍ أَعْلَى مِنْ مَرَاتِبِ المَدَنِيَّةِ. وَهَذِهِ تَنمُو وَتَزدَادُ فَتَحتَاجُ إِلَى إِشبَاعِهَا جَمِيعِهَا إِشبَاعًا كُلِّيًا، وَهَذَا لا يَتَأَتَّى مَهْمَا كَثُرَتِ السِّلَعُ وَالخِدْمَاتُ.
وَمِنْ هُنَا نَشَأَ أَسَاسُ المُشكِلَةِ الاقتِصَادِيَّةِ، وَهُوَ كَثرَةُ الحَاجَاتِ، وَقِلَّةُ وَسَائِلِ إِشبَاعِهَا، يَعنِي عَدَمَ كِفَايَةِ السِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ لإِشبَاعِ جَمِيعِ حَاجَاتِ الإِنسَانِ إِشبَاعًا كُلِّيًا؛ فَتُوَاجِهُ المُجتَمَعَ حِينَئِذٍ المُشكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ، وَهِيَ مُشكِلَةُ النُّدرَةِ النِّسبِيَّةِ لِلسِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ، وَالنَّتِيجَةُ الحَتمِيَّةُ لِهَذِهِ النُّدرَةِ هِيَ أَنْ تَظَلَّ بَعضُ الحَاجَاتِ إِمَّا مُشبَعَةً إِشبَاعًا جُزئِيًا فَقَطْ، أَو غَيرَ مُشبَعَةٍ إِطلاقًا.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِالأُسُسِ الثَّلاثِ التِي يَقُومُ عَلَيهَا النِّظَامُ الاقتِصَادِي الرَّأسمَالِيِّ وَهِيَ:
أَوَّلاً: النُّدرَةُ النِّسبِيَّةُ لِلسِّلَعِ وَالخِدْمَاتِ. وَهِيَ بَاطِلَةٌ كَمَا سَيَأتِي الحَدِيثُ عَنْهَا.
ثانيًا: قِيمَةُ الشَّيءِ المُنتَجِ, وَهِيَ أَسَاسُ الأَبحَاثِ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ.
ثالثًا: الثَّمَنُ وَدَورُهُ فِي الإِنتَاجِ وَالاستِهلاكِ وَالتَّوزِيعِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.