- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
السبب الثالث من أسباب التملك: الحاجة للمال لأجل الحياة (ح 79)
\n
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
\n
أيها المؤمنون:
\n
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالسَّبعِينَ, وَعُنوَانُهَا: \"السَّبَبُ الثَّالِثُ مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ: الحَاجَةُ لِلمَالِ لأجْلِ الحَيَاةِ\". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ بَعدَ المِائَةِ مِنْ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
\n
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:\"مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ الحَاجَةُ لِلمَالِ لأجْلِ الحَيَاةِ. وَذَلِكَ أنَّ العَيشَ حَقٌّ لِكُلِّ إِنسَانٍ، فَيَجِبُ أنْ يَنَالَ هَذَا العَيشَ حَقًا لا مِنحَةً وَلا عَطْفًا. وَالسَّبَبُ الَّذِي يَضمَنُ لِلفَردِ مِنْ رَعَايَا الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ الحُصُولَ عَلَى قُوتِهِ هُوَ العَمَلُ. فَإِذَا تَعَذَّرَ عَلَيهِ العَمَلُ كَانَ عَلَى الدَّولَةِ أنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ؛ لأنَّهَا الرَّاعِي لِهَذِهِ الرَّعِيَّةِ، وَالمُسؤُولَةُ عَنْ تَوفِيرِ حَاجَاتِهَا، قَالَ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «الإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ.
\n
فَإِذَا تَعَذَّرَ إِيجَادُ عَمَلٍ لَهُ، أو عَجِزَ عَنِ القِيَامِ بِالعَمَلِ، لِمَرَضٍ، أو كِبَرِ سِنٍّ، أو لأيِّ سَبَبٍ مِنْ أسْبَابِ العَجزِ، كَانَ عَيشُهُ وَاجِبًا عَلَى مَنْ أوْجَبَ عَلَيهِ الشَّرعُ الإِنفَاقَ عَلَيهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُ، أو وُجِدَ وَكَانَ غَيرَ قَادِرٍ عَلَى الإِنفَاقِ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بَيتِ المَالِ، أيْ عَلَى الدَّولَةِ. وَفَوقَ ذَلِكَ، كَانَ لَهُ فِي بَيتِ المَالِ حَقٌّ آخَرُ، وَهُوَ الزَّكَاةُ. قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)).
\n
وَهَذَا الحَقُّ فَرضٌ عَلَى الأغنِيَاءِ أنْ يَدفَعُوهُ. قَالَ تَعَالَى فِي آيَةِ: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ). مِنْ سُورَةِ التَّوبَةِ (فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ). أيْ حَقًّا مَفرُوضًا. وَإِنْ قَصَّرَتِ الدَّولَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَصَّرَتْ جَمَاعَةُ المُسلِمِينَ فِي مُحَاسَبَتِهَا، وَفِي كَفَالَةِ المُحتَاجِينَ، وَلَيسَ مُتَوَقَّعًا فِي جَمَاعَةِ المُسلِمِينَ أنْ تُقَصِّرَ، كَانَ لِهَذَا الفَردِ أنْ يَأخُذَ مَا يُقِيمُ بِهِ أَوَدَهُ مِنْ أيِّ مَكَانِ يَجِدُهُ، سَوَاءٌ أكَانَ مِلْكَ الأفْرَادِ، أمْ مِلْكَ الدَّولَةِ. وَفِي هَذِهِ الحَالِ لا يُبَاحُ لِلجَائِعِ أنْ يَأكُلَ لَحْمَ المَيتَةِ، مَا دَامَ هُنَاكَ أكْلٌ عِندَ أحَدٍ مِنَ النَّاسِ؛ لأنَّهُ لا يُعَدُّ مُضطَّرًا لأكْلِ المَيتَةِ، مَعَ وُجُودِ مَا يَأكُلُهُ فِي يَدِ أيِّ إِنسَانٍ. أمَّا إِذَا لَمْ يَستَطِعِ الحُصُولَ عَلَى الأكْلِ، فَإِنَّ لَهُ أنْ يَأكُلَ لَحْمَ المَيتَةِ لإِنقَاذِ حَيَاتِهِ.
\n
وَلَمَّا كَانَ العَيشُ سَبَبًا مِنْ أسبَابِ الحُصُولِ عَلَى المَالِ، لَمْ يَعتَبِرِ الشَّارِعُ أخْذَ الطَّعَامِ، فِي عَامِ المَجَاعَةِ، سَرِقَةً تُقطَعُ اليَدُ عَلَيهَا. عَنْ أبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَأنَّهُ قَالَ: «لا قَطْعَ فِي زَمَنِ المَجَاعِ». وَكَمَا ضَمِنَ الشَّرعُ حَقَّ الفَردِ فِي مِلْكِيَّةِ المَالِ لأجْلِ الحَيَاةِ بِالتَّشرِيعِ، ضَمِنَ إِعطَاءَهُ هَذَا الحَقَّ بِالتَّوجِيهِ، رَوَى الإِمَامُ أحْمَدَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَقَالَ: «أيُّمَا أهْلُ عَرْصَةٍ أصْبَحَ فِيهِمُ أمرُؤٌ جَائِعًا فَقَد بَرِئَتْ مِنهُمْ ذِمَّةُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى». وَرَوَى البَزَّارُ عَنْ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَقَالَ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ إِلَى جَنبِهِ وَهُوَ يَعلَمُ بِهِ».
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
\n
1. مِنْ أسبَابِ التَّمَلُّكِ الحَاجَةُ لِلمَالِ لأجْلِ الحَيَاةِ.
2. السَّبَبُ الَّذِي يَضمَنُ لِلفَردِ مِنْ رَعَايَا الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ الحُصُولَ عَلَى قُوتِهِ هُوَ العَمَلُ.
3. إِذَا تَعَذَّرَ عَلَيهِ العَمَلُ كَانَ عَلَى الدَّولَةِ أنْ تُهَيِّئَهُ لَهُ.
4. إِذَا تَعَذَّرَ إِيجَادُ عَمَلٍ لَهُ، أو عَجِزَ عَنِ القِيَامِ بِالعَمَلِ، لِمَرَضٍ، أو كِبَرِ سِنٍّ، أو لأيِّ سَبَبٍ مِنْ أسْبَابِ العَجزِ، كَانَ عَيشُهُ وَاجِبًا عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُ.
5. إِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تَجِبُ عَلَيهِ نَفَقَتُهُ، أو وُجِدَ وَكَانَ غَيرَ قَادِرٍ عَلَى الإِنفَاقِ، كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى بَيتِ المَالِ، أيْ عَلَى الدَّولَةِ.
6. وَفَوقَ ذَلِكَ، كَانَ لَهُ فِي بَيتِ المَالِ حَقٌّ آخَرُ، وَهُوَ الزَّكَاةُ.
7. إِنْ قَصَّرَتِ الدَّولَةُ فِي ذَلِكَ، وَقَصَّرَتْ جَمَاعَةُ المُسلِمِينَ فِي مُحَاسَبَتِهَا، وَفِي كَفَالَةِ المُحتَاجِينَ، كَانَ لِهَذَا الفَردِ أنْ يَأخُذَ مَا يُقِيمُ بِهِ أَوَدَهُ مِنْ أيِّ مَكَانِ يَجِدُهُ، سَوَاءٌ أكَانَ مِلْكَ الأفْرَادِ، أمْ مِلْكَ الدَّولَةِ.
8. لَمْ يَعتَبِرِ الشَّارِعُ أخْذَ الطَّعَامِ، فِي عَامِ المَجَاعَةِ، سَرِقَةً تُقطَعُ اليَدُ عَلَيهَا.
9. كَمَا ضَمِنَ الشَّرعُ حَقَّ الفَردِ فِي مِلْكِيَّةِ المَالِ لأجْلِ الحَيَاةِ بِالتَّشرِيعِ، ضَمِنَ إِعطَاءَهُ هَذَا الحَقَّ بِالتَّوجِيهِ.
\n
أيها المؤمنون:
\n
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ المَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.