الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

المكتب الإعــلامي

التاريخ الهجري    30 من ربيع الثاني 1431هـ رقم الإصدار:
التاريخ الميلادي     الخميس, 15 نيسان/ابريل 2010 م

وصلنا من مكتبنا الاعلامي في اليمن التالي: نص البيان الصحفي الذي تلاه رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في اليمن المهندس/ ناصر وحان اللهبي في المؤتمر الصحفي الذي عقده حزب التحرير - ولاية اليمن حول "المشكلة الاقتصادية في اليمن.. أسبابها.. علاجها" وإ

 

صور فعاليات المؤتمر

 

الحمد لله القائل: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} النحل112، والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار"، أما بعد،،،

 

إننا نرحب بالإخوة الصحفيين والفعاليات والأحزاب والمهتمين بالشأن الاقتصادي في اليمن، نرحب بالجميع في هذا المؤتمر الصحفي الذي دعا له حزب التحرير- ولاية اليمن في ظل أوضاع سياسية خطيرة، وأوضاع اقتصادية ومعيشية متردية.

 

إننا ندرك أن المشكلة الاقتصادية في اليمن لا تنفك عن الأزمة السياسية بأي حال من الأحوال، ولهذا إذا أردنا تشخيص الأزمة التي أدت إلى المشكلة الاقتصادية لا بد أن نعرف أسبابها أولاً، ومن ثم وضع العلاجات الصحيحة لها، فاليمن لم يُعرف تاريخٌ له بوصفه كياناً مستقلاً قبل عام 1918م. إذ كان قبل هذا التاريخ جزءاً من المنطقة المحيطة به يخضع لما تخضع له. فكان ولاية من ولايات دولة الخلافة العثمانية التي قضى عليها خونة العرب والترك بالتعاون مع الإنجليز، ومنذ دخول النظام الرأسمالي إلى اليمن، واليمن تعاني من المشاكل والأزمات والحروب والاغتيالات والانقلابات والفقر والبطالة وسيطرة المستعمر على إمكانياتها ومقدراتها بالتعاون مع أهل النفوذ والمصالح فيها.

 

إننا في حزب التحرير - ولاية اليمن نرجع أسباب الأزمة السياسية إلى الآتي:

 

  1. دخول الأفكار والثقافات المختلفة إلى اليمن (رأسمالية، اشتراكية، علمانية..) وحلت محل مفاهيم وأحكام الإسلام.
  2. تحويل مشاعر الناس من مشاعر إسلامية إلى مشاعر وطنية وطائفية وعنصرية.
  3. ونتيجة لتلك الأفكار والمشاعر حُكم اليمن بخليط من الأفكار الرأسمالية والاشتراكية وأُقصي الإسلام عن الحكم في كافة مناحي الحياة إلا في العبادات والأخلاق والأحوال الشخصية.
  4. الصراع الدولي بين المستعمرين على اليمن، وخاصة الصراع (الأوروبي-الأميركي).
  5. وجود من يتبنى أفكار المستعمر والصراع من أجل تطبيقها، والتضحية لها، والاستقواء بالأجنبي.
  6. تقديم القائمين على النظام مصالحهم الشخصية الآنية الأنانية على المصلحة العامة.
  7. تدخل القوى العالمية وسفاراتها ومنظماتها في ما قدروا عليه من أمور أهل اليمن.
  8. إصرار النظام الحاكم على السير في نفس النهج رغم إدراك الجميع لفشل سياساته، فتسعّرت الحروب والفتن في الشمال والجنوب.
  9. إذا ما أضيف إلى ما سبق فإن أهل اليمن لا يلمسون أي مظهر من مظاهر الرعاية لا رأسمالية ولا اشتراكية ولا إسلامية، كما لا توجد أي إرادة حقيقة لتنمية البلد، ولا تدار اليمن حتى بإدارة الشركات الفاشلة.

 

إذاً، نتيجة لتبني النظام الحاكم للمبدأ الرأسمالي، وعجزه عن حل المشاكل، وفشل الحلول التي قدمها، ومكابرته عن سماع صوت الحق، تفاقمت المشاكل سواء في الشمال أو الجنوب أو المسألة الاقتصادية، وغيرها، ونحن ندشن كتيب "المشاكل والأزمات السياسية في اليمن.. أسبابها.. وعلاجها"، نستطيع القول إن أساس المشكلة الاقتصادية هو أساس سياسي.

أسباب المشكلة الاقتصادية:

 

إن المشكلة الاقتصادية ليست في قلة الثروات في اليمن ولا في زيادة الاستهلاك ولا الاستيراد، ولا في فقر البلد بل في فقر الأفراد، والمشكلة الأساسية تكمن في النظام العلماني الذي تحكم به اليمن، وفي القائمين على هذا النظام، وفي سياسة الغرب تجاه اليمن، وفي برامج الإصلاح المالية والإدارية التي وضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

 

إننا يجب أن نفرق بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي والسياسة المالية والسياسة النقدية، وإن كانت الثلاث الأخيرة يجب أن تبنى على عقيدة واحدة ينبثق منها أنظمة تعالج تلك الأفكار الاقتصادية والمالية والنقدية .

 

  • أما من حيث الثروات في اليمن، فإن اليمن تملك مصادر اقتصاد غنية؛ فالمساحة الإجمالية للبلد 55 مليون هكتار، والمساحة القابلة للزراعة حوالي 2 مليون هكتار، وتنوّع المناخ ينتج محاصيل متعددة ومتنوعة، وتملك اليمن حوالي 5 ملايين أغنام، 4.5 ملايين ماعز، 2 مليون أبقار، 200 ألف رأس إبل، 700 ألف خلية نحل، وتقدر إنتاجية اليمن من الثروة السمكية بـ 400 ألف طن سنويا، وحسب الدراسات الحالية فإن 3 مليارات برميل نفط قابلة للاستخراج، وحوالي 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، وتملك جبال اليمن المعادن الثمينة وغير الثمينة والمعادن النادرة، مثل اليورانيوم والذهب والفضة والنحاس والنيكل والزنك وغيرها، ولها موقع استراتيجي هام، وأما الجهد البشري فعدد سكان اليمن 23 مليون نسمة؛ 9.5 مليون منهم في سن العطاء، وتملك اليمن شاطئاً طوله أكثر من 2500كم، ومصانع للإسمنت، ومصفاتي تكرير للنفط، وبعض الخدمات التي تحتاج إلى تطوير، ورغم تلك الإمكانيات والمقدرات إلا أن أهل اليمن يعيشون في حالة الفقر والعوز!!
  • فأين الخلل إذا؟ فالمشكلة الاقتصادية في اليمن، وإن كان سببها النظام الاقتصادي الرأسمالي المطبق حاليا في اليمن، لكونه غير منبثق عن عقيدة الأمة، ومخالفاً للفطرة، وغيرَ مقنع للعقل، إلا أن هناك سببا آخر، وهو تحكم الدول الغربية المستعمرة وفرضها -عن طريق الأنظمة والحكام- أساليب ووسائل لتنمية الثروات الموجودة في اليمن واستغلالها لصالح الدول المستعمرة، وذلك برسم الخطط الاقتصادية العقيمة، وصرف توجه الناس عن الأعمال المنتجة كالزراعة والصناعة إلى أعمال الخدمات كالطرق والجسور والفنادق وغيرها.

 

والمشكلة الاقتصادية وجدت في اليمن منذ دخول الرأسمالية في شمال اليمن سنة 1962م، ودخول الاشتراكية في الجنوب في بداية السبعينات، وتبنى النظام الحاكم الاقتصاد الرأسمالي بعد الوحدة سنة 1990م، وهكذا تفاقمت الأوضاع الاقتصادية نتيجة لعدم تحكيم الإسلام في كل شؤون حياتنا.

 

  • المشكلة الاقتصادية تختلف النظرة لها من مبدأ إلى آخر؛ فالرأسمالية ترى أن "المشكلة الاقتصادية هي ندرة السلع والخدمات بالنسبة لحاجات الإنسان، فالسلع والخدمات قليلة وحاجات الإنسان متعددة وكثيرة"، والحل كما تراه الرأسمالية هو في زيادة الدخل القومي، أي زيادة الإنتاج، ونظرت إلى فقر المجموع، ولم تنظر إلى فقر الأفراد، ولهذا فإن الحل لدى الرأسماليين هو زيادة السلع والخدمات، ولكن من يحدد من يملك السلعة أو يستفيد من الخدمة؟ فقرر الرأسمالي اعتبار "الثمن" هو مقياس من يملك ومن لا يملك، ولهذا إذا أنت تملك الريال فاحصل على السلع والخدمات، فمن يملك ريالا يأكل، ومن لا يملك يموت جوعا، ومن يملك ريالا يتعلم، ومن لا يملك يظل جاهلا، ومن يملك ريالا يتطبب، ومن لا يملك يظل مريضا أو يموت، أما المشكلة الاقتصادية في نظر الاشتراكية فهو "عدم المساواة" لهذا وضعت أنظمة لتحديد أو إلغاء الملكيات، وتأميمها، وأما الإسلام فقد نظر إلى المشكلة الاقتصادية بأنها "كيفية توزيع الثروات والخدمات" ونظرت إلى الفرد بعينه، ولم تنظر إلى المجموع، وحرص الإسلام على إشباع الحاجات الأساسية لكل فرد بعينه، وتمكينه من إشباع حاجاته الكمالية.

 

وفي اليمن بما أن النظام الاقتصادي المطبق هو الرأسمالي، فإنه (خلط) ولم يفرق بين أمرين مهمين هما:

 

(المادة الاقتصادية، وتوزيع الثروة على أفراد المجتمع)، عندما أراد أن يعالج المشكلة الاقتصادية، أي لم يفرق بين "العدالة في التوزيع" وبين "الكفاءة في الإنتاج"، فكانت هي أساس المشكلة الاقتصادية .

 

فالأمر الأول: المادة الاقتصادية، وهي الثروة الموجودة في اليمن، سلعا كانت أو خدمات من جهة تنميتها أو تأمين إيجادها، وهذا الأمر محله علم الاقتصاد، يبحثه العلماء المختصون كل حسب اختصاصه، فهو يبحث في الوسائل والأساليب التي من شأنها أن تنمّي الثروة، زراعية كانت أم صناعية أم بشرية، فتحسين الأراضي الزراعية ومقاومة التصحر، أو اعتماد الغاز بدلا عن الديزل في توليد الكهرباء، أو إعداد طواقم صناعية وزراعية، كل ذلك أمور علمية عالمية تؤخذ من أي مصدر كان، فهي من باب قول الرسول صلى الله عليه وسلم في موضوع تأبير النخل: "أنتم أعلم بأمور دنياكم".

 

أما الأمر الثاني: وهو الأمر المهم، فهو توزيع الثروة على أفراد المجتمع، ليتمكن كل فرد من حيازتها أو الانتفاع بها، من أجل إشباع حاجاته الأساسية من مأكل وملبس ومسكن، ثم تمكينه من إشباع حاجاته الكمالية، وهذا الأمر محله النظام الاقتصادي المنبثق عن عقيدة الأمة، فحقيقة المشكلة الاقتصادية هي في توزيع الثروة على أفراد المجتمع، بينما السعي لحيازة الثروة فهو مظهر من مظاهر غريزة البقاء، يندفع إليه الإنسان غرائزيا من تلقاء نفسه وجد نظام أم لم يوجد.

 

وأهل اليمن لم يكونوا أحسن حظا من إخوانهم في دول العالم الإسلامي الأخرى، فبعد هدم دولة الخلافة، فُرض النظام الاقتصادي الرأسمالي على أكثر بلاد المسلمين، ونظام اشتراكية الدولة كترقيع للنظام الرأسمالي على بعض بلاد المسلمين، وتم تفتيت بلاد المسلمين إلى دويلات متعددة، حرصا من المستعمرين على إضعاف الأمة الإسلامية وإفقارها للقضاء عليها، فإن توافرت الثروات الطبيعية في بعض هذه الدويلات كنجد والحجاز ودول الخليج، فلا تتوافر فيها الطاقة البشرية الكافية لاستغلال هذه الثروات، وإن وجدت الأيدي العاملة كاليمن ومصر، والمهندسون والمخترعون في بعضها الآخر كلبنان والأردن والتي شحت فيها الثروات، فيهاجر أبناؤها منها إلى غيرها طلبا للرزق.

 

وهكذا طبق الحكام على أهل اليمن ما أملاه الغرب من أنظمة اقتصادية وضعية، مما أوقع الشعب اليمني في دوامة الخطط الاستعمارية كباقي بلدان المسلمين، لنهب ثرواتها واستغلال مقدراتها، وأصبحت الأمة تخضع لنظام اقتصادي مناقض لعقيدتها، ما جعل المسلمين يعيشون في شخصية مزدوجة، فالمسلم اليوم يؤمن بصحة أحكام الإسلام ويريد أن يحصل على المال وأن ينميه بالطرق الشرعية التي أباحها الله له، إلا أن القوانين الوضعية والظروف التي فرضت عليه من الدولة، تجعل هذه الطرق الشرعية صعبة المنال في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يعتمد على الربا والرشوة والقمار والتامين والخصخصة.. الخ، فأُبعد النظام الاقتصادي الإسلامي عن الأمة ومعاملاتها.

 

  • وأما القائمون على النظام فقد وجدوا في الرأسمالية ضالتهم المنشودة، فباسم الخصخصة تم تحويل ملكية الدولة والملكية العامة إلى ملكية أشخاص أو شركاتهم، وحرمان الشعب من ثرواته وملكياته، وما أحدثه النظام الاشتراكي في الجنوب من تأميم للملكيات وأدوات الإنتاج والأراضي الزراعية استغله الرأسماليون ونهبوه على أساس أنه ملكية دولة، وهو في أصله ملك خاص، وليس ملك دولة، فحصلت نتيجة للنظامين الوضعيين "مشكلة الأراضي في الجنوب" التي لم تحل حتى الآن، وإذا ما أضيف إلى فساد النظام الرأسمالي فإنه يوجد في اليمن فساد مؤسساتي منظم، وهذا النوع من الفساد لا يوجد في العالم إلا في العراق وأفغانستان واليمن والصومال لو اعتبرناها دولة، ونتيجة لذلك فإنه من الطبيعي أن يوجد فساد الأفراد، وتغطية الفساد المؤسسي على فساد الأفراد، وسوء استغلال الموارد، وتغولت قوى الفساد مستغلة فساد الرأسمالية، وتضخمت مصالحها، ونمت أرصدتها المالية، واستحكمت هيمنتها على مختلف الأوضاع في البلاد.. وأصبح جزء مهم من المقدرات الاقتصادية للبلاد أصولاً وممتلكات خاصة لكبار الفاسدين.

 

وبمقدار ما اتسعت الفرص للقلة المتنفذة ومعها مجموعات المصالح المرتبطة بها، فإن الأغلبية الساحقة من الشعب لم تجد إلا العوز، والضيق، والتغييب لمصالحها، نتيجة استمرار ارتفاع معدل التضخم، وأسعار السلع والخدمات، وفي مقدمة ذلك أسعار الغذاء، وأجور السكن، والخدمات التعليمية، والصحية...الخ، جراء السياسات المالية الخاطئة التي انتهجها النظام في إنشاء الميزانية السنوية القائمة على بنود ينفق منها وأغلبها (سرقات) باسم القانون، كبند الرواتب وبنود المكافآت والنثريات وبدل السفر وبدل الغذاء وبدل المظهر ونفقات أخرى والبند غير المنظور (غير المحاسب عليه)، وعندما خلطت الأموال ضاعت الحقوق، فخلطت الواردات بدون دواوين، وأنفقت في غير مصارفها الشرعية، فاستمر البذخ، والإنفاق المالي على تلك البنود، وعلى الاحتفالات ومشروعات مظهرية وسفرات خارجية ونفقات جارية غير مبررة، بدليل أن النفقات المخصصة للدفاع والأمن ترتفع باضطراد، بينما تتراجع النفقات المخصصة لقطاعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية باستمرار، وفي المقابل تتصاعد حدة الضغوط التضخمية على الأسعار، أما الأشياء الحقيقية التي ظلت وما تزال تنمو وبدون توقف فهي معدلات البطالة بكل أشكالها وأنواعها والفقر بكافة مظاهره ونتائجه المدمرة والخطيرة.

 

وكانت النتيجة كارثية فأهدرت وبددت الثروة والموارد الاقتصادية والمالية، وتآكلت القدرات الحيوية للبلاد، واستنزفت مواردها، وثرواتها، وتقلصت الاستثمارات، حيث شهدت البلاد تسربا هائلا للأموال إلى الخارج، وتراجعا ملحوظا لمساهمة القطاع الخاص في التنمية، نتيجة لمعاناته المستمرة، وتعرضه للمضايقات، والابتزاز، وسياسة الخنق و"التطفيش" التي تمارس ضده من قبل العناصر المتنفذة ودوائر الفساد، فضلا عن تردي الخدمات، وحصل التدهور السريع والمتواصل في المستوى المعيشي للمواطنين، وتفاقمت مشكلتا الفقر والبطالة، واستمرار تصاعد معدلاتهما، وارتفاع الأسعار باضطراد، وعدم التوزيع العادل للثروة، واتساع فجوة التفاوت في الدخل، وغياب التكافؤ في الحصول على الفرص الاقتصادية، واستئثار القلة من النافذين، والسماسرة الفاسدين بمعظم موارد الوطن، لدرجة باتوا معها أثرياء لحد التخمة، إلى جانب ما تعرضت له الطبقة الوسطى من سحق، ما جعلها تتآكل، الأمر الذي حرم المجتمع من دورها الهام كرافعه للتنمية والتطور، كل ذلك أدى إلى ما تعانيه الغالبية الساحقة من الناس من العوز والبطالة والحرمان من أبسط الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتردي مستوى التعليم، سواء من حيث النوعية أو الجودة، وغابت الخدمات الصحية العامة، وتدهور الموجود منها، وكذا خدمات المياه والكهرباء وكافة الخدمات الاجتماعية والأساسية العامة، أما الأرياف فحدث التهميش لأغلبية السكان، وحرمانهم من ثمار التنمية ومنافعها، حيث إن أكثر من 70% من السكان يقطنون في الريف، وتم تشجيع زراعة القات على باقي المزروعات.

 

  • أما المؤسسات الاستعمارية الدولية، فعندما خرجت أميركا كاستعمار جديد بعد العزلة، وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، أخذت تضع الركائز لسياستها عن طريق الهيئات والمؤسسات الدولية، والاتفاقيات الاقتصادية، وذلك لفتح أبواب العالم لنفوذها ولفتح الأسواق وكسر الحواجز أمام اقتصادها ودولارها، فكانت اتفاقية "بريتون وودز" سنة 1944م بين الدول الغربية عشية انتهاء الحرب العالمية الثانية التي تمخض عنها التوائم الثلاثة: صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، منظمة الجات.

 

فصندوق النقد الدولي الذي انضمت إليه اليمن، ودخلت في اتفاقيات دولية متعددة معه، وأقرت اليمن بما أملاه عليها هذا الصندوق من الخصخصة (نقل ملكية المؤسسات التي تملكها الدولة أو تديرها إلى ملكية شركات محلية أو شركات أجنبية)، وهذا يعني سلب المقدرات الاقتصادية باسم الخصخصة، ما فتح الأبواب للشركات الأجنبية لاستثمار أموالها في شراء هذه المؤسسات أو المشاركة فيها، والسيطرة على اقتصاد الدول المتخلفة لصالح الدول الاستعمارية الطامعة في بلاد المسلمين.

 

ولصندوق النقد الدولي صلاحية الإشراف على ميزانية اليمن من أجل معالجة الاختلال في هذه الميزانيات، وبسبب عجز النظام الحاكم وفشله وعدم قدرته على وضع ميزانيته فإنه يرتمي في أحضان الأجنبي، وبسبب ما تعانيه من اختلالات مزمنة في ميزانياتها وفي هيكلة اقتصادها، فاضطرت اليمن لقبول الإصلاحات والقروض التي أوصى بها الصندوق بعد حرب 1994م، أي سنة 1995م.

 

وفي حالة عجز اليمن عن سداد الديون قام الصندوق بإعادة جدولته مقابل شروط تضعها الدول الدائنة، وهذه الشروط هي:

 

  1. تخفيض سعر العملة المحلية (ريال) مقابل الدولار، وهذا يعني مشكلة من وجهين، الأول: ارتفاع أسعار السلع محليا، بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة المحلية. والثاني: عدم الاستفادة من انخفاض العملة في منافسة الصادرات اليمنية للبضائع الأخرى في الأسواق الدولية، بسبب قلة هذه الصادرات، كل ما هنالك أن هذا سيؤدي إلى بيع طاقات وثروات اليمن بسعر زهيد.
  2. تخفيض المصروفات لرفع الأعباء عن الميزانية ويكون بتخفيض أو إلغاء المصروفات والخدمات التي تقدمها الحكومة للناس في مجال الحاجات الأساسية كالمسكن والملبس والغذاء، والحاجات الضرورية كالتعليم والتطبيب، فتزداد تكاليف الحياة على الأفراد، ويعمهم الجهل والمرض والفقر، كما هو حاصل في اليمن من رفع الدعم عن الحبوب والأرز والسكر، وفرض رسوم دخول المدارس والمستشفيات تحت مسمى "الدعم الشعبي".
  3. زيادة أسعار المحروقات، وهذا يزيد الأسعار في البلد من مواصلات إلى غلاء في المعيشة، وركود اقتصادي، وتضخم في العملة.
  4. تخفيض المصروفات التي يقدمها النظام للبنية التحتية المهمة كمحطات الكهرباء والمرافق العامة، وتحويلها إلى شركات خاصة، مما يجعل تلك الشركات تتحكم بمصائر الناس، فتفرض خططها وأسعارها من جهة، ومن جهة أخرى، تستغل طاقاتهم إلى أقصى حد مقابل أجور زهيدة.
  5. زيادة موارد الميزانية عن طريق فرض الضرائب؛ ضريبة المبيعات، ضريبة الدخل، ضريبة الأرباح، ضريبة العمال،.. مما يزيد الأسعار، فيلحق الضرر بالمستهلك والمنتج حيث يقل الإقبال على السلع فيلحق الضرر بالمنتِج أو المصدِّر، ويزيد الأعباء على الناس، فالنظام يعيش على دماء الرعية، قال صلى الله عليه وسلم :"إن من أعظم الخيانة أن يتاجر الراعي في رعيته".
  6. الخصخصة، وذلك ببيع المنشات والمؤسسات العامة للقطاع الخاص لتمويل الموازنة، وهى سياسة فرضها هذا الصندوق الاستعماري.
  7. وضع برنامج تقشف تلتزم به الدولة، ويشمل ذلك رفع نسبة الربا، زيادة الضرائب، زيادة التعرفة الجمركية لنحو (71) سلعة من بينها سلع أساسية وغذائية وضرورية، تقليص النفقات، مما من شأنه تحميل الناس فوق طاقتهم.
  8. تخفيض المصاريف على البحث العلمي (إن وجد) وهذا يجعل اليمن عالة على غيرها في كثير من الصناعات والمنتجات، ولا يساعد على تطوير صناعتها وزراعتها من أجل الاكتفاء الذاتي بل يعمها الفقر والبطالة.

 

أما البنك الدولي فيعمد إلى دعم ما يسمى "بناء البنية التحتية"، والتركيز على الثروات السيادية، من أجل استثمارها كما يزعم، ولكنه ينتقي المشاريع التي لا تعود بالربح على الدولة، مثل مشاريع المحافظة على التراث، مشاريع البيئة، المشاريع السياحية، مشاريع الصحة الإنجابية (تقليل عدد السكان) وغيرها، أما المشاريع الضخمة والإستراتيجية فإن البنك لا يقوم باستثمارها إلا إذا قامت بها شركات غربية (متعددة الجنسيات)، ثم يغرق الدولة بالديون، ويعطل عجلة التنمية، ويساعد على نهب ثروات الأمة.

 

أما منظمة الجات (منظمة التجارة الدولية) فإنها عمدت إلى كافة فروع الإنتاج وربطتها بقوانين واتفاقيات تعود في أكثرها لصالح الدول الكبرى، والشركات العابرة للقارات، فتدعو إلى إزالة الحواجز الجمركية، وفتح الأسواق أمام السلع الأجنبية، وتطالب الدولة بتطبيق قانون الملكية الفكرية، فتؤدي إلى كوارث اقتصادية لليمن -كما هو حاصل الآن- وإلى فوائد جمة للدول الاستعمارية.

 

  • وأما القروض والمساعدات فهي سياسة الدول الاستعمارية لربط اليمن بها، فالإقراض يتم بعد إرسال الخبراء لمعرفة مقدرة البلاد المالية، والإحاطة بأسرارها الاقتصادية، وفرض شروط ومشاريع معينة هي في الغالب مشاريع استهلاكية وخدمات عامة، وليست مشاريع إنتاجية.

 

والقروض وسيلة لبسط النفوذ، وسلاح سياسي في يد الدولة المقرِضة تستخدمه لتفرض به سياستها ونظامها على البلد الذي يأخذ هذه القروض، وأي نكسة تصيب (مشاريع التنمية) في الدول المستدينة هي نكسة للنظام الذي يقوم بتنفيذها.

 

والقروض التي تُعطى على نوعين: قصيرة الأجل، وطويلة الأجل. أما القروض قصيرة الأجل فإن القصد منها ضرب عملة البلاد لإيجاد اضطراب فيها، لأنه لا يُقبَل السداد إلا بالعملات الصعبة، وقد تعجز البلاد عن التسديد بهذه العملات لندرتها لديها، أو لأنها في حاجة إليها، مما يضطرها لشراء هذه العملاء بأسعار عالية، فتهبط قيمة عملتها وتلتجئ إلى صندوق النقد فيتحكم في عملتها حسب السياسة التي تراها أميركا لأنها هي التي تسيطر عليه وتملك أكثرية أسهمه.

 

أما القروض طويلة الأجل فإنها توضع لآجال طويلة، ويُتغافل عن تسرب هذه الديون للأرصدة الشخصية ويُتساهل عند استحقاقها حتى تتراكم وتصبح مبالغ ضخمة تعجز البلاد عن تسديدها، فيبدأ تدخل الدولة المقرِضة إما مباشرة أو عن طريق المؤسسات المستخدَمة في الإقراض، ويجري فرض برنامج للتصحيح الاقتصادي يتضمن شروطاً مهلِكة مثل تخفيض سعر العملة، وتقليص الإنفاق الحكومي، وخصخصة المشاريع العامة، وتعويم أسعار العديد من السلع، ورفع الرسوم على بعض المواد والخدمات مثل المحروقات والمياه والكهرباء، وفرض ضرائب جديدة، وغيرها من الإجراءات التي تجعل اقتصاد البلد والسياسة المالية فيه في قبضة الدول المقرِضة.

 

  • واليمن تحاول الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي، من أجل حل مشاكلها الاقتصادية، إلا أن الخليجيين رفضوا الانضمام حتى يتم تأهيل اليمن، وكأنها معاقة وتحتاج إلى التأهيل، وللأسف إن النظام يسعى جاهدا للخلاص من غالبية سكان اليمن، وتقديمهم خدما وعمال نظافة في قصور ومزارع وشوارع الأمراء والأميرات، والحل هو في إزالة هذه الأنظمة وإزالة الحدود المصطنعة والوحدة بين بلاد المسلمين.

 

العلاج الناجع للمشكلة الاقتصادية

 

وأما العلاج الناجع للمشكلة الاقتصادية فهو في تبني نظام الإسلام العظيم الذي بين ثلاث مسائل هامة وهي:

 

  1. التملك: فقد حدد الإسلام أسباب التملك (العمل، والإرث، وإعطاء الدولة الأموال للرعية، وإعطاء ذوي الحاجات، والأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل جهد أو مال). وحرم (الربا، والقمار، والاحتكار، والغش، والبيوع الحرام، والشركات المساهمة، والتأمين، والخصخصة، وغيرها).
  2. التصرف: ينقسم قسمين في الإسلام (الإنفاق والتنمية)، والإنفاق إما (حرام أو مستحب أو واجب)، وأما التنمية فقد بين الإسلام (أحكام الاستصناع وأحكام الشركات وأحكام البيوع وأحكام الأراضي).
  3. التوزيع: هو إشباع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد وتمكينهم من إشباع الحاجات الكمالية. والحاجات الأساسية للأفراد هي (المأكل والملبس والمسكن) والحاجات الأساسية للرعية هي (التطبيب والتعليم والأمن).

 

إن علاج الفقر والبطالة وباقي الأزمات الاقتصادية لا يكون إلا بالإسلام، ولا يعالجها علاج صحيح جذري ناجع إلا الإسلام وإليكم بيان كيفية معالجة الإسلام لهذه الأزمات.

 

فمن ناحية توزيع الثروة فالإسلام لم يحجر على الناس في التملك ولم يحدد لهم الملكية وإنما نظمها تنظيما دقيقا، فأباح الملكية الفردية مع بيان كيفية التملك، وأذن للأفراد بأن يتصرفوا بما يملكون، على الرغم من أنه حدد كيفية التصرف بهذه الملكية.

 

وكذلك ركز الإسلام على تفاوت القوى العقلية والجسمية لدى أفراد بني الإنسان، واحتاط لهذا التفاوت في إعانته العاجز، وكفايته المحتاج، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحاب الصُّفَّة من فقراء المسلمين و (كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه مع اليهودي الذي عجز عن دفع الجزية للدولة بسبب كبر سنة وعجزه عن الكسب) فأقطع له مالا من بيت المال. وفرض الإسلام في أموال الأغنياء حقا للفقراء والمساكين قال تعالى: ﴿وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ﴾، وشرع أحكاما للملكية العامة، وهو ما لا تستغني عنه الجماعة، كالماء والكلأ والنار والنفط والمعادن التي لا تنقطع قال صلى الله عليه وسلم: "الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار"، وكما ورد في حديث أبيض بن حمال عندما أقطعه الرسول صلى الله عليه وسلم أرضا في مأرب فاسترجعها منه عندما علم أن فيها الملح وهو من الملكية العامة، روى الترمذي عن أبيض بن حمال "أنه وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه الملح فقطع له فلما أن ولى قال رجل من المجلس أتدري ما قطعت له؟ إنما قطعت له الماء العد. قال: فانتزعه منه" (الماء العد الذي لا ينقطع) شبهه بذلك لعدم انقطاعه، ولا زال حتى اليوم ملح مأرب. وحرم أن يمتلك أحد من الناس هذه المعادن أو أي مال من الملكية العامة لأنه من حق الجماعة، وكذلك حرم أن يحمي أحد من الملكية العامة كالمراعي وغيرها، لا لنفسه ولا لغيره قال عليه الصلاة والسلام: "لا حمى إلا لله ولرسوله" (رواه أبو داود)، وحمل الدولة مسؤولية توفير الثروة أموالا وخدمات للرعية، وأباح للرعية أن تمتلك ملكية خاصة بها، فالثروة التي أودعها في الخليج هي ملك المسلمين جمعيا بما فيهم أهل اليمن، فالنفط والغاز في نجد والحجاز لأهل اليمن نصيب منها، فلا تمنعهم الحدود المصطنعة ولا الأنظمة القائمة من حقوقهم الشرعية التي شرعها الله تعالى لهم.

 

وبجميع ما تقدم يكون الإسلام قد ضمن لجميع أفراد الرعية إشباع حاجاتهم، وضمن للجماعة أن تكون مجتمعة ومتماسكة، وضمن مصالح هؤلاء الأفراد ورعاية شؤون هذه الجماعة.

 

ثم إن الإسلام قد منع حصر تداول المال بين فئة من الناس، فقال تعالى: ﴿كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم﴾. وعلى الرغم من أن الإسلام لم يمنع الغنى، ولا تفاوت الناس فيما يملكون بالطريق المشروع، كما فعلت الاشتراكية بأن أفقرت الأغنياء ولكنها لم تغنِ الفقراء، وأباح لهم الانتفاع بالمال الحلال، إلا أنه إذا حدث وأصبح المجتمع متفاوتا في الثروة، وأصبح هذا التفاوت فاحشا بين أفراده في توفير الحاجات، فإن الإسلام قد أوجب على الدولة أن تعالج هذا التفاوت حتى يحصل توازن في توزيع الثروة بين الناس، فتعطي من أموالها التي تملكها لمن قصرت به حاجته ليكتفي بذلك حتى توجد التوازن في توفير هذه الحاجات، فتعطي المال، ليس فقط منقولاً لسدّ حاجة المحتاج مؤقتاً، بل كذلك غير منقول، كأن تعطي المحتاج أرضاً يزرعها، أو تساعده في حرفة أو عمل، وتوجهه ليكون منتجاً، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذلك الفقير، حيث وجهه ليحتطب... وهكذا فإن الدولة في الإسلام لا تكتفي بتوفير الحاجة مؤقتاً، بل توفر وسائل قضائها بصفة إنتاجية، وإيجاد العمل للعاطلين القادرين، وتعمل على تداول الثروة بين أفراد الأمة دون أن تبقى محصورة بأيدي فئة، وكل ذلك وفق الأحكام الشرعية التي جاء بها الإسلام.

 

إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى التفاوت في ملكية الأموال بين المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم، فإنه صلوات الله وسلامه عليه قد خص المهاجرين بأموال الفيء الذي غنمه من بني النضير حتى يوجد التوازن في توزيع الثروة على الناس. فقد روي أنه لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم بني النضير صلحا، وأجلى اليهود عنها سأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم لهم، فنزل قوله تعالى: ﴿وما أفاء الله على رسوله منهم﴾ الآية، إلى أن قال سبحانه: ﴿كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم﴾، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا، سوى رجلين اثنين هما أبو دجانة، وسهل بن حنيف، لأنهما كحال المهاجرين من حيث الفقر.

 

وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بفيء بني النضير، كما ورد في الحديث السابق من توزيعه على الفقراء دون الأغنياء هو لإيجاد التوازن في توفير الحاجات للرعية. ولكن النظام الحاكم يعطي الأغنياء ليزدادوا غنىً، فالذين تقتطع لهم أراضي هم كبار الرأسماليين وليس الفقراء أو ذوي الدخل المحدود.

 

ولتحقيق هذا التوازن في توزيع الثروة بين المسلمين، فإن الإسلام حرّم أيضاً كنز المال، بل فرض الانتفاع بالمال وتداوله في الحياة الاقتصادية دون كنزه لغير حاجة، فالكنز هو وضع المال بعضه على بعض لغير حاجة، فلا تصل هذه الأموال إلى أيدي الناس فيتوقف دولاب الاقتصاد. كما يفعل البنك المركزي بكنز المال باسم "أذون الخزانة".

 

إنه من المعلوم أن نفقات الناس تدور في دائرة مفتوحة، فدَخْلُ أي شخص هو من شخص آخر؛ فالضرائب التي تجبيها الدولة من عشور الحربيين وغيرها هي إنفاق من الناس، والنفقات التي تنفقها الدولة على الموظفين وعلى المشاريع العامة ورواتب الناس هي دخل لهؤلاء، وإنفاق عليهم من الدولة، والنفقات التي ينفقها موظفو الدولة هي دخل للتجار الذين يبيعون السلع كالميكانيكي والبائع وغيرهم وهكذا.

 

فإذا كنز المال فإنه يكون قد سحبه صاحبه من السوق نقدا وحبسه ومنع تداوله بين الناس، ومن الطبيعي أن ينتج ذلك البطالة وعدم توفر فرص العمل، وإلى تقليل الإنتاج عند الناس من تجار وبائعين وغيرهم، ويكون كنز المال هنا قد احدث البطالة وأحدث هبوطا للاقتصاد في الجملة؛ لأنه يؤدي إلى قلة دخل الناس.

 

وقد جاءت النصوص الشرعية تحرم كنز الذهب والفضة، ويقاس عليها تحريم كنز أي نقد معتبر عند الناس، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ التوبة 34. فالوعيد من الله تعالى بالعذاب الأليم لمن يكنزون الذهب والفضة دليل ظاهر على أن الشارع طلب ترك الكنز طلبا جازما فكان كنزُ النقود؛ سواءٌ أكانت ذهباً أم فضة أم غيرها من النقود التي يتداولها الناس في معاملاتهم حرامٌ شرعا.

 

أما السياسة المالية فقد وزع الإسلام المال على خمسة دواوين لكل منه إيراداته ومصروفاته وجهاته (ديوان الزكاة، ديوان الملكية العامة، ديوان ملكية الدولة، ديوان الطوارئ، ديوان الجهاد)، وبين أحكامها بدقة متناهية.

 

وأما السياسة النقدية فقد جعل الإسلام  الذهب والفضة أساس العملة، وبالتالي يوجد الاستقرار النقدي، وعندما طبعت عملات بدون غطاء ذهبي تدهورت العملة المحلية، وطبعت عملات بدون غطاء ذهبي، فقام البنك المركزي اليمني بمعالجات خاطئة وترقيعية وليست حلولاً جذرية، كضخ للسوق مئات الملايين من الدولارات، ولن تحل مشاكل الريال وسوف تستنزف النقد الأجنبي، وكأن البنك قدم هذه المبالغ (هدايا) لكبار الفاسدين، وأسباب انخفاض سعر العملة يعود إلى: (أنها غير مغطاة بذهب، هروب المودعين إلى الدولار لعدم ثقتهم بالريال، خروج كميات كبيرة من الدولارات بسبب الاستيراد، ولعدم وجود الاكتفاء الذاتي، أذون الخزانة وعدم تشغيل المال، فشل النظام في سد عجز الموازنة من مصادر جديدة، فرجع البنك إلى إصدار نقدي جديد (إصدار تضخمي).

 

وأما من ناحية علاج النمو الاقتصادي فقد ركز الإسلام على أربعه مصادر للاقتصاد وهي: (الزراعة والصناعة والتجارة والجهد البشري)، وشرع الإسلام أحكام الأراضي، وأسند المشاريع الزراعية وتنميتها إلى المزارعين، ولذلك تقوم الدولة بإعطاء غير القادر على إحياء وزراعة هذه الأراضي من الفلاحين أموالا حتى تعينهم على زراعة الأرض وإنتاج أكير قدر من المحاصيل الزراعية لسد حاجات السوق في شتى ولايات الدولة الإسلامية وإحداث الكفاية من الإنتاج.

 

وقد أقطع الرسول صلى الله عليه وسلم أراضي للناس تمليكاً لهم وليس إقراضاً، وهكذا فعل الخلفاء الراشدون، فقد أعطى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أموالا من بيت المال دون إقراض.

 

وتسير السياسة الزراعية في الدولة بتحسين الإنتاج ومد المزارعين مجانا بتوفير البذر، وتعطي المال اللازم هبة للعاجزين عن القيام بذلك لعجز ذات اليد؛ كما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يوزع المال على الناس: "اليوم أعد لكم المال عدا وإن شئتم حثوته عليكم حثوا، إنما هي أموالكم أعطيكموها".

 

كما تشجع الدولة الإسلامية على توسيع إحياء الأرض الموات، وتقطع الدولة أراضي للقادرين على الزراعة، وخاصة من لا يملك أرضا، كما أن الدولة لا تترك أي أرض تهمل من قبل من أقطعتهم أكثر من ثلاث سنين متتالية. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا حق لمحتجر فوق ثلاث سنين"، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وإجماع الصحابة يكشف عن دليل، وبهذا كله تحصل زيادة الإنتاج الزراعي. واليوم كم أراضٍ يملكها الناس بدون زراعة لعشرات السنيين ولم تؤخذ منهم، لأن أحكام الإسلام لا تطبق.

 

كما أن الإسلام قد أوجب على الدولة تنمية البلاد صناعياً، وإدارة هذه الصناعة مباشرة إن كانت قائمة على الملكية العامة كالنفط والمعادن... أو كانت قائمة على ملكية الدولة. وكذلك تنشيط ودعم المصانع الخاصة غير القائمة على الملكية العامة وملكية الدولة. وهكذا توجد تنمية صناعية نشطة في شتى المجالات الضرورية.

 

ثم إن الإسلام قد وضع أحكاماً لتمويل المشاريع الإنتاجية من بيت المال، فإذا كان يترتب على عدم وجودها ضرر؛ سواء على الدولة أم على الأمة، فإنه يجب على الدولة إيجادها وتمويلها من بيت المال، كإقامة المصانع الحربية مثلاً، بل إن ضرائب تفرض على الأغنياء بقدر الحاجة لإقامة هذه المصانع الضرورية إن لم يوجد في بيت المال. وبذلك تكون الدولة الإسلامية بإذن الله دولة صناعية، صناعةً حقيقية، تجعلها  في مصافّ الدول المتقدمة، إن لم تكن سابقة لها.

 

وأما قضية القضاء على البطالة التي تدعي الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا بأنها من خلال هيمنتها على بلاد المسلمين ستعمل جاهدة لإزالة هذه البطالة بتمويل مشاريعها القائمة وتنميتها في بلاد المسلمين، فهذا دجل بعيد عن الصواب إذ إن هذه الدول لا زالت مشكلة البطالة قائمة في شعوبها، وعدم إزالة البطالة من قبل هؤلاء ناتج عن كون الدول الرأسمالية دولاً لا تقوم على الرعاية مطلقا فالدولة في النظام الرأسمالي تقوم على حماية الحريات الفردية والأمن الخارجي للمجموع، ويترك هذا النظام لقوى السوق إيجاد التوازن في الاقتصاد، وتترك الفرد يكافح ليحصل على فرصة اقتصادية لكسب عيشه، فإذا لم يستطع الفرد الحصول على فرصة لكسب عيشه فهذه ليست مشكلة الدولة بل مشكلته هو كفرد. فالدولة في النظام الرأسمالي لا تتحمل أعباء الرعاية لتقوم بسد هذه الحاجات.

 

أما الدولة الإسلامية فواقعها مختلف جدا لأنها دولة قائمة على الرعاية أي رعاية شؤون الناس، ومن هذه الرعاية توفير الحاجات الأساسية لحملة التابعية الإسلامية، وحيث إن العمل هو من الوسائل التي يوفّر الإنسان بها حاجاته الأساسية من مسكن ومأكل ومشرب وملبس، وزيادة عليها الحاجات الكمالية التي يتوق إليها، فإن الإسلام قد أباح العمل، وأباح لكل إنسان أن يعمل؛ ولكن كيفية قيامه بالعمل للحصول على المال قيدها الإسلام بالحكم الشرعي، فأباح له أن يعمل أجيرا، وأباح له أن يعمل تاجرا، وأباح له أن يعمل زارعاً، وله أن يعمل صرافا، ولكن كل هذه الأعمال لا بد أن تكون وفق الحكم الشرعي أي في حدود المباحات.

 

كما أن الإسلام جعل الملكية والعمل مقيدين بمعاملات ترفع المنازعات من الأساس فلا تقع مشكلات عمال ولا غيرها من المشاكل مطلقا، ثم جاء الإسلام ونظم المعاملات كأحكام الإجارة، ونظم العلاقة بين الأجير والمستأجر، ونظم كذلك أحكام التجارة والزراعة، والصناعة ونظم الأحكام الأخرى للعيش مثل أحكام النفقة وأحكام رعاية الشؤون، وبذلك يكون الإسلام لم يفرض قيودا على ذلك، وإنما أباح الملكية وأباح العمل.

 

وعليه فلا تجد في ظل الإسلام استعباداً من المستأجرين للأجراء، ولا يسمح لأحد أن يستغل آخر في جهده أو ماله، ولا يحتاج العامل إلى مؤسسات مدنية أو هيئات نقابية تطالب له بحقوقه، لأن حقوقه مكفولة في الإسلام، ولا يستطيع حتى رئيس الدولة تجاوزها.

 

إن الأحكام الشرعية تعالج ما يمكن أن ينتج من مشاكل بين الناس، فهي لا تترك المجال للاستغلال والاحتكار وأوجه النزاع... فإذا تنازع صاحب العمل والعامل مقدار الأجرة التي لم تُسَمَّ، فإن أجر المثل مُحَكَّم وملزِم، وإذا شحّت السلعة في السوق لا تلجأ الدولة للتسعير، فتوجد ما يعرف بالسوق السوداء، بل توفر السلعة في الأسواق بإحضارها من ولايات أخرى، في الوقت الذي تمنع فيه الدولة احتكار السلعة، فلا تجعل مجالاً للتسعير ونزاعاته وظلاماته، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال"، وكذلك فإن الأحكام الشرعية لا تترك لصاحب العمل فرصة المماطلة في أجر العامل، قال صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفّ عرقه"، وهي كذلك لا تجعل مجالاً لاحتكار السلعة وتخزينها حتى تشِحَّ ويرتفعَ سعرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحتكر إلا خاطئ"، أخرجه مسلم. وهكذا فإن توفير السلعة وتحريم الاحتكار يعيد الأسعار إلى وضعها العام، ويسود الناس في معاملاتهم الألفة والوئام.

 

فإذا أضفنا لذلك أن الدولة توفر الحاجات الأساسية لرعاياها، وتوفر فرص العمل من اجل الإنتاج الطبيعي لنمو الدولة، ومَنْ عجز عن العمل حكما أو فعلا توفر له الدولة هذه الرعاية بالإنفاق عليه، وكل ذلك من باب قوله صلى الله عليه وسلم: "والإمام راع وهو مسئول عن رعيته ....." الحديث، فإن الإسلام يكون قد قضى على مشكلة البطالة، وأتاح للناس فرص العمل في جميع أرجاء الدولة الإسلامية.

 

بعد هذا العرض الموجز لكيفية معالجة الإسلام للمشكلات تبقى نقطة مهمة نختم بها هذه الكلمة وهي معرفة أمر من أهم الأمور ألا وهو كيف يطبق هذا النظام الاقتصادي الفريد من نوعه؟

 

إن النظام الاقتصادي الإسلامي هو جزء من أحكام الإسلام الشامل الكامل لمعالجة مشاكل الإنسان، وحيث إن الإسلام لا يُطَبَّقُ مجزأ وإنما لا بد من تطبيقه كاملا، ولا يتأتى هذا التطبيق تحت ظل أي نظام من أنظمة الحكم السائدة في هذا العصر، وإنما يطبق في نظام حكم شرعه الله تعالى، وجعله مميزا عن باقي أنظمة الحكم الأخرى التي في الدنيا.

 

فالحياة الاقتصادية في ظل دولة الخلافة حياة هادئة طبيعية ينعم الجميع فيها بالرفاهية وسعة الحال، لا تطاحن فيها ولا تشاحن، لا فقر فيها ولا مجاعة، لا مؤامرات طبقية ولا هيمنة لأصحاب رؤوس الأموال فيها على رقاب الناس.

 

إن النظام الاقتصادي في الإسلام هو منارات في الحياة الاقتصادية للدولة الإسلامية، أضاء شعلتها وقود المبدأ، وبعث نورها أحكام الشريعة، فيها تصبح الدولة مستقرة اقتصاديا غنية ومتطورة، متقدمة اقتصاديا ومدنيا، لا تعرف المشاكل الاقتصادية العصرية ولا يجتاحها الفقر والمجاعة، ولا الجهل والمرض، لا عجز في موازنتها، ولا ضرائب تفرض على الرعية.

 

فإن خلت دولة الخلافة من هذه المشاكل كلها، ومن تلك الأوبئة الاقتصادية جميعها، فإنها تصبح بحق واحة غنى واستقرار تجذب إليها الأيدي العاملة والمدربة ورؤوس الأموال من كل حدب وصوب ليهنأ الجميع بحياة آمنة مستقرة سعيدة، وهذا الكلام ليس أحلاما وردية أو فرضيات تخيلية، وإنما هو حقائق شرعية وواقعية وتاريخية ثبت وجودها في الماضي، وسيثبت وجودها في المستقبل القريب بإذن الله تعالى.

 

فنظام الحكم في الإسلام هو الخلافة؛ وقد سارت عليها الأمة أكثر من ثلاثة عشر قرنا من الزمان، ولم ترض عنه بديلا لأنه نظام حكم من عند الله اللطيف الخبير، ألزم الله تعالى به الأمة وأوجبه عليها، ورتب عقوبة على من مات وليس في عنقه بيعة لخليفة قال صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" رواه مسلم.

 

إن النظام الوضعي الحالي بعد أن مكن الغرب من ثروات أهل اليمن، وجعل البلاد رهن تصرف المستعمرين، نراه يستجدي الغرب للحصول على الفتات من مؤتمر لندن، وعندما لم يحصل على أي مساعدات رجع يفرض الجوع وزيادة الأسعار على أهل اليمن الفقراء تطبيقا لبرنامج الإصلاح المالي وتنفيذا لشروط المانحين!!

 

إن هذه السياسة هي سياسة ظلم وإفقار وتجويع وإرهاق للناس وسببها فساد الحكام وفساد النظام الرأسمالي الذي يحكم به الحكام العملاء.

 

إن الأنظمة المطبقة في بلدنا وفي بقية بلاد المسلمين هي أنظمة رأسمالية علمانية تفصل الدين عن الدولة، وهي أنظمة سنَّها البشر حسب أهوائهم وشهواتهم، ولذلك سوف تؤدي حتما إلى الشقاء والحرمان. ونحن نذكّر الحكام بقول الله سبحانه: )وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى(، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فأشقق عَلَيْهِ» رواه مسلم.

 

ونحن في حزب التحرير-ولاية اليمن نحذر من خطورة الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية، التي ستزيد الفقر وتدهور العملة، الذي سوف ينعكس على مرتبات موظفي الدولة المدنيين والعسكريين، وفي دخول أهل اليمن ومدخراتهم، ونؤكد أن الأنظمة الحالية لن تحل مشاكل اليمن، ولن تحل مشاكل اليمن لا الفيدرالية والكونفيدرالية ولا الجمهورية الرئاسية ولا البرلمانية، ولن تحل مشاكل اليمن أيضا ما قدمت من رؤى سواء (رؤية الإنقاذ الوطني) أو غيرها، وإنما الذي سوف يحل مشاكلها هو نظام الخلافة، ونذكر بقوله تعالى: {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} هود 116/117 .

 

المؤتمر الصحفي لحزب التحرير - ولاية اليمن

صنعاء - قاعة المؤتمرات - فندق حدة

30 ربيع الثاني 1431هـ الموافق 15/4/2010م

المكتب الإعلامي لحزب التحرير
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة
تلفون: 

وسائط

معرض الصور

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع