الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

حقيقة الأزمة الأوكرانية أبعادها ودوافعها

 

السؤال: نشرت الجزيرة في 2021/12/20 على موقعها: [تبادل الجيش الأوكراني والانفصاليون الموالون لموسكو إطلاق النار مما أسفر عن سقوط قتلى من الجانبين... وتأتي هذه التطورات بعد يوم واحد من إعلان سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أليكسي دانيلوف أن بلاده أعدت خطة عمل مفصلة تشارك فيها جميع الوكالات وقطاعات الجيش، لأول مرة في تاريخ البلاد، تحسبا لأي غزو من قبل روسيا، على حد تعبيره. وكانت أوكرانيا اتهمت روسيا بأنها حشدت ما يصل إلى 100 ألف جندي قرب حدودها تمهيدا لمهاجمتها بحلول نهاية كانون الثاني/يناير المقبل... بيد أن روسيا نفت أنها تخطط لغزو أوكرانيا... الجزيرة 2021/12/20] فما هي حقيقة هذه الأزمة وأبعادها ودوافعها؟ وما هو المتوقع من هذا التصعيد، وبخاصة الروسي الأمريكي؟

 

الجواب: لكي يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:

1- سيطرت روسيا القيصرية على أراضي أوكرانيا خلال القرن السادس عشر، ثم أخذ شعب أوكرانيا يشارك الروس استعمارهم لباقي المناطق ويعاونهم على استعمار الشعوب الأخرى، حتى إن الشعوب المستعمرة قلما ميزت بين الروس والأوكرانيين خاصة أن كليهما من العرق السلافي، ولما تفكك الاتحاد السوفييتي سنة 1991، ثم نالت أوكرانيا استقلالها سنة 1991 أصبحت الدولة الثانية في فضاء "الاتحاد السوفييتي" بموقع فريد شمالي البحر الأسود وبتعداد سكاني كبير وصل 40 مليون نسمة، وببنيةٍ صناعيةٍ لا تقل عن مثيلتها الروسية وبترسانة نووية تمثل ثلث التركة السوفييتية، وذلك قبل أن يتم تجريدها منها بموجب اتفاق أمريكا وروسيا مع أوكرانيا مقابل تعهد أمريكي روسي بحفظ وحدة أراضي أوكرانيا وصون استقلالها، وخاضت أوكرانيا مفاوضات طويلة وشاقة مع روسيا بخصوص أسطول البحر الأسود "السوفييتي" الذي ورثت روسيا معظمه وظل يتمركز في ميناء سيفاستوبل في جزيرة القرم ضمن أوكرانيا بموجب عقد إيجار.

 

2- كانت قوة روسيا تفشل في إعادة أوكرانيا إلى أحضانها في كل نزاع مع أوكرانيا، سواء أكان ذلك في مسألة تقاسم أسطول البحر الأسود بداية التسعينات، أم كان في مسألة أنابيب الغاز الطويلة العريضة التي كان الاتحاد السوفييتي قد بناها داخل أوكرانيا لنقل الغاز من أراضي روسيا إلى أوروبا، وما برز بعد هذه المسألة من حاجة روسيا إلى خطوط بديلة مثل خط "السيل التركي" عبر البحر الأسود أو "السيل الشمالي" عبر بحر البلطيق إلى ألمانيا، أو في المسائل التجارية حيث حاجة السوق الروسية الماسة للسكر والزيوت التي تنتجها أراضي أوكرانيا الخصبة، أو مسألة عضوية أوكرانيا في الهيئات المختلفة التي أنشأتها روسيا لدول المنظومة السوفييتية السابقة، أو بعد ذلك ببروز التوجهات الأوكرانية نحو الاتحاد الأوروبي والناتو، فكل هذه النزاعات الروسية مع أوكرانيا لم تمكن روسيا من إعادة الهيمنة على أوكرانيا عبر العقود الثلاثة الماضية رغم تفوق روسيا العسكري...

 

3- إن أوكرانيا هي حديقة روسيا الأمامية، وهي لروسيا ليست كآسيا الوسطى مثلاً حديقةً خلفيةً من حيث الموقع والترابط القومي والدين والتاريخ، فأوكرانيا هي الواجهة الأمامية لروسيا ولمكانتها الدولية، فهي تطل على البحر الأسود وتتحكم به فوق إطلالتها من فوق المناطق القفقازية الإسلامية التي ضمتها روسيا عبر التاريخ، ومن أراضي أوكرانيا الخصبة تجد روسيا أمنها الغذائي في سلعٍ أساسية يقيها تقلبات علاقاتها مع الغرب، ومنها تعبر إلى أوروبا الشرقية سواء بأنابيب الغاز أو بغيرها. وفوق كل هذا فإن أوكرانيا اليوم تمثل آخر المناطق العازلة لحل العقدة التاريخية لروسيا والمتمثلة في الخوف من أوروبا التي غزيت منها مرتين (نابليون وهتلر)، وإذا كان ضعف الدولة السوفييتية قد أجبرها على التخلي عن أوروبا الشرقية كمنطقة عازلة فإنها وأمام تقدم حلف الناتو إلى شرق أوروبا تريد على الأقل من جارتيها أوكرانيا وبيلاروسيا أن توفرا لها المنطقة التي تعزلها عن أخطار الناتو وتقدم آلته العسكرية نحو الشرق. إن روسيا اليوم تريد منع أوكرانيا من الانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو دعمه لها (واعتبر نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن الدعم العسكري الأمريكي لأوكرانيا "تحدياً خطيراً لأمن روسيا".. العين الإخبارية، 13/4/2021).

 

4- أدرك الغرب، وبخاصة أمريكا، حقيقة هذه العقدة الأوكرانية في السياسة الروسية، وأن أوكرانيا تمثل الخاصرة الأضعف لروسيا خاصة بعد أن اشتد عود الحركات القومية في أوكرانيا وتأصل عداؤها لروسيا، لذلك صارت أوكرانيا ومنذ عقدين بؤرة لاحتكاك أمريكا وأوروبا مع روسيا، وعلى أثر الثورة البرتقالية التي أطاحت برئيس أوكرانيا يانكوفيتش الموالي لروسيا سنة 2014 ردت موسكو في العام نفسه ببتر شبه جزيرة القرم الواقعة في الجنوب عن أوكرانيا وضمتها لروسيا التي تمتلك في الجزيرة قواعد عسكرية استراتيجية وضخمة، ولم تكتف بذلك بل دفعت بالانفصاليين الروس في أوكرانيا لإشعال المناطق الشرقية وإعلان استقلال محافظتين (دونيتسك ولوغانسك) ليطلق عليهما الروس اسم "روسيا الصغرى"، ويقدمون الدعم لها عسكرياً، وكل هذا دفع بأوكرانيا إلى أحضان الغرب، وأصبحت أوكرانيا بعد ذلك تطالب وتلح للانضمام لحلف الناتو على أمل أن يحميها من العدوانية الروسية، وأخذ الغرب يقربها إليه ويظهر بمظهر المدافع عنا، فصارت أوكرانيا تدعى إلى الاجتماعات الأوروبية واجتماعات "الناتو" خاصة عندما تشتد الأزمات مع روسيا دون أن تكون عضواً في الاتحاد الأوروبي أو "الناتو"، وأخذت أمريكا تسلحها وتقدم لها المساعدات العسكرية بمليارات الدولارات وصارت تدرب جيشها...

 

5- لقد وقعت روسيا تحت عقوبات غربية قاسية (أوروبية وأمريكية) منذ ضمِّها جزيرةَ القرم، فحاولت تعويضها بزيادة علاقاتها الاقتصادية مع الصين، فمدت إلى الصين خطوط أنابيب لنقل النفط والغاز، وفتحت للصين ممراً برياً (سكة حديد) لنقل البضائع الصينية إلى أوروبا مباشرةً، أي تعاونت معها في إطار مشروع الصين الكبير "طريق الحرير"، وفوق ذلك فإنها أخذت تتخلص من مخزونها من السندات الأمريكية والدولارات وحررت تجارتها بشكل كبير من الدولار. وعلى الرغم من أن روسيا ليست عملاقاً تجارياً كأوروبا أو الصين إلا أن أمريكا رأت أن روسيا تتحدى الهيمنة الاقتصادية الأمريكية وتحرض الدول الأخرى وبجرأة على فعل ذلك، ويبرز هذا في معظم العقود التجارية الروسية وخاصة مع الصين باعتماد العملات المحلية بديلاً عن الدولار، فكان هذا تهديداً لأمريكا أضيف إليه أخيراً ما اتهمت روسيا به من رفع أسعار الغاز ليكون معضلة اقتصادية جديدة لأوروبا.

 

6- إن روسيا تنظر إلى الأبعاد والمزايا الكبيرة لأوكرانيا من حيث التاريخ والهيمنة والاقتصاد والأمن، أي المنطقة العازلة عن الناتو، وهكذا فهي تعتبرها خطاً أحمر، (وحذر بوتين حلف الناتو من نشر قواته وأسلحته في أوكرانيا، قائلاً: "توسيع البنية التحتية العسكرية للناتو في أوكرانيا خط أحمر بالنسبة لروسيا وسيؤدي إلى رد قوي"، بيد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن قال إنه لا يحترم الخطوط الحمراء لأي طرف بشأن أوكرانيا. نون بوست، 4/12/2021)، لكل ذلك فإن روسيا وهي تدير الأزمة الأوكرانية الحالية ليست بوارد التخلي عن أوكرانيا وتركها لقمةً سائغةً لأمريكا والناتو، خاصة بعد أن جربت العقوبات الغربية وتحملتها، وفوق ذلك فإنها ترى أن شغل أمريكا الشاغل اليوم هو مواجهة الصين، بمعنى أن أمريكا لن تقدم على ضم أوكرانيا لعضوية الناتو بسبب ما يلزم ذلك من موارد أمريكية للدفاع عن أوكرانيا، إذ إن ذلك سيضعف الإعدادات الأمريكية في الشرق الأقصى لمواجهة الصين... كما أن روسيا لا تقيم وزناً لأوروبا الأقل قوة عسكرياً والمعتمدة على روسيا بقدر كبير في مسائل التزود بالطاقة، بمعنى أن روسيا تشعر بأن الظرف الدولي مواتٍ لها لتحقيق النجاح في أوكرانيا. لهذا فقد أبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نظيره الأمريكي أنتوني بلينكن أن موسكو تحتاج إلى (ضمانات أمنية طويلة الأمد عند حدودها الغربية من شأنها وقف توسع حلف شمال الأطلسي - الناتو - نحو الشرق... مضيفاً "وهو ما يجب اعتباره مطلباً حتمياً")، كما نقلته عنه بوابة الوسط الليبية، في 2/12/2021.

 

7- هذه هي حقيقة المطالب من الجانب الروسي التي تقف وراء هذا التأزيم في أوكرانيا، فروسيا ترى أن الغرب يزيد في تسليح أوكرانيا، وأن الغرب يمكن أن يدفع أوكرانيا بعد تقوية جيشها لاستئصال الانفصاليين الروس شرقي أوكرانيا، ويمكن أن يدفعها بعد ذلك للحرب في جزيرة القرم، وهذا كله خطر على روسيا، قال رئيس هيئة الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، (إن تزويد أوكرانيا بالطائرات والمسيرات والمروحيات سيدفع كييف إلى القيام بخطوات خطيرة... لكن أي استفزازات من قبل كييف لحل الوضع في دونباس بالقوة سيتم قمعها. آر تي، 9/12/2021). وهكذا فإن الأزمة الحالية تكشف بأن روسيا تهدف أولاً إلى عدم التشكيك في بقاء القرم جزءا منها بل تريد ذلك أمراً واقعاً باعتراف دولي أمريكي أوروبي، والهدف الثاني أن يصبح شرق أوكرانيا خارج سلطة أوكرانيا وبحكم الجزء من روسيا، والهدف الثالث الأكثر تأثيراً هو منع انضمام أوكرانيا إلى الناتو وأنها تحتاج ضمانات لذلك، وخاصة بعد المناورات العسكرية المشتركة بين الناتو وأوكرانيا في البحر الأسود حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حينها (إن المناورات الأخيرة التي أجراها حلف شمال الأطلسي "ناتو "(NATO) في البحر الأسود تجاوزت كل الحدود، ورأى أن الغرب لا يأخذ تحذيرات بلاده بالجدية الكافية. وفي كلمة ألقاها أمام مسؤولي السياسة الخارجية في موسكو، أشار الرئيس الروسي إلى أن تحليق قاذفات حلف الناتو الإستراتيجية على بعد 20 كيلومترا من حدود بلاده يتجاوز كل الحدود المسموحة. وقال "شركاؤنا الغربيون يصعدون الوضع عبر تزويد كييف بأسلحة حديثة فتاكة وإجراء مناورات عسكرية استفزازية". الجزيرة نت، 18/11/2021).

 

8- استجابت أمريكا لمطالب روسيا بعقد قمة بين الرئيسين الروسي بوتين والأمريكي بايدن، وقد عقدت القمة في 7/12/2021 وكانت الأزمة الأوكرانية موضوعها الرئيسي لكنه لم يكن الوحيد، وظهر خلال القمة بأن روسيا تطالب أمريكا بالاعتراف بالخطوط الحمراء التي ترسمها في أوكرانيا، وظهر أيضاً بأن أمريكا تحذر روسيا بالعقوبات الاقتصادية إن هي أقدمت على غزو أوكرانيا، وليس لدى أمريكا ما هو أبعد من ذلك، فالرئيس الأمريكي أكد في اليوم التالي للقمة بأن التدخل العسكري الأمريكي في حال الغزو الروسي لأوكرانيا غير وارد، وأمريكا هددت قبيل القمة وعلى لسان مسؤولين كثر بالعقوبات التي لم تر روسيا لها مثيلاً، وتحدثت عن منع تدفق الغاز الروسي في خط "السيل الشمالي" إلى ألمانيا، وأنها تتحدث مع الألمان بهذا الخصوص، وأن أقصى ما لديها هو قطع روسيا والبنك الرئيسي فيها عن نظام التحويلات المالية الخارجية مع أن الكثير من تجارة روسيا قد أصبحت بغير الدولار.

 

9- وبالتدقيق نجد أن روسيا تحشر نفسها في أزمة يمكن أن ترتد عليها، فأمريكا يمكنها دفع الرئيس الأوكراني لاستفزاز روسيا حتى لا يبقى لروسيا مجال أو خيار إلا غزو أوكرانيا فتتورط في الأوحال الأوكرانية وتتورط مع أوروبا، فأوكرانيا ليست دولةً عضواً في الناتو حتى يتوجب على أمريكا أن تهب للدفاع عنها، وإذا ما أخطأت روسيا وغزت أوكرانيا فإنها ستوفر لأمريكا كامل المبررات لإخضاع الدول الأوروبية وإعادتها تحت العباءة الأمريكية بحجة الوقوف صفاً أمام عدوانية روسيا، الأمر الذي يتنافى مع تعدد الأقطاب الدولية الذي تنادي به روسيا. كما أن هناك أفقاً لا تراه روسيا، فمن باب الضغط الأمريكي على روسيا في حال غزوها لأوكرانيا فإن أمريكا ستمتلك أداةً جديدة لتفكيك التحالف الناشئ بين روسيا والصين، إذ يمكنها الضغط على الصين وتهديدها بتجارتها مع أمريكا من أجل الابتعاد عن روسيا المعتدية على أوكرانيا: فإن خضعت الصين وابتعدت عن روسيا فإن أمريكا تكون قد كسبت هدفاً كبيراً، وإن خضعت روسيا لمختلف أنواع العقوبات وانسحبت من أوكرانيا بعد غزوها فإن مطالب أمريكا ستلاحقها شرقي أوكرانيا، بل وفي جزيرة القرم بما يحرم روسيا من أي مكاسب من غزوها لأوكرانيا، بل سيجر عليها الويلات، هذا فضلاً عن تأجيج أمريكا لدول شرق أوروبا وحملها على تقديم دعم عسكري فعال ومؤثر لضرب روسيا في أوكرانيا، ولعل تجربة إنهاك روسيا في أفغانستان ليست ببعيدة عن الذاكرة، لكل ذلك فإن روسيا تقوم بلعبة خطرة حول أوكرانيا قد تصبح فخاً كبيراً لها وترتد عليها، أي كالأحمق الذي لا يدرك مآلات أفعاله!

10- أما إلى أين تتجه الأمور، فالمسألة كما يلي:

أ- إن الدول الأوروبية تسعى لتبريد الموقف ومنع روسيا من غزو أوكرانيا، وهي تريد تلطيف العلاقات مع روسيا للحد من مخاطرها وضمان استمرار تدفق موارد الطاقة الروسية إلى أوروبا وبأسعار معقولة، ففرنسا وألمانيا وإيطاليا تدعو إلى انخراط روسيا في مفاوضات مع أوكرانيا لحل الأزمة، ومن ذلك (قال وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، إن بلاده ترغب في تحسين العلاقات مع روسيا. وشدد الوزير، على أن تحقيق ذلك يتطلب إحراز تقدم في حل النزاع في دونباس. آر تي، 23/11/2021)، ولكن بريطانيا قد تسعى لتسخين الموقف من باب المناكفة السياسية للاتحاد الأوروبي الذي خرجت منه! (قال رئيس أركان الجيش البريطاني الجنرال نيكولاس كارتر إن هناك مخاطر أكبر من أي وقت مضى منذ الحرب الباردة، تنذر بنشوب حرب بين الغرب وروسيا. الجزيرة نت، 13/11/2021)، وقال كذلك ("علينا أن نكون حذرين" بشأن احتمال نشوب صراع في المنطقة. وأضاف الجنرال نيك كارتر لبي بي سي إنه يأمل فعلا ألا تكون هناك حرب مع روسيا، لكنه أضاف أن الناتو يجب أن يكون مستعدا لهذا الاحتمال. بي بي سي، 5/12/2021)، ومثل هذه التصريحات من بريطانيا هي للتشويش أكثر منها نذر حرب فعلية.

 

ب- لكن العامل الأكثر حسماً هو موقف أمريكا، فهي تتحكم في الكثير من خيوط الحكومة الأوكرانية، ولهذا أرسلت روسيا رسالة الطلب بضمانات أمنية، أرسلتها لأمريكا وليس لدولة غيرها على اعتبار أن دول الحلف تبع لخطواتها، حتى إن تأخُّر أمريكا بالرد بشأن الضمانات الأمنية وخاصة موضوع انضمام أوكرانيا للحلف، هذا التأخر يقلقها: (وفي موسكو قال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي إن موسكو تحتاج إلى رد أمريكي سريع على مقترحاتها لأن الوضع صعب وقابل للتعقيد والتصعيد... الجزيرة 20/12/2021)، وهكذا:

 

- فإذا قررت أمريكا إعطاء روسيا ضمانات أمنية في أوكرانيا دون توافق معها حول الصين فإن كفة روسيا ستكون هي الراجحة في هذه الأزمة وأن إعطاء هذه الضمانات يكشف عن مزيد من ضعف الموقف الأمريكي لأن أمريكا تكون قد خضعت لمطالب روسيا وأصغت لمطالب أوروبا بالتبريد، وهذا مستبعد إلا أن يحدث تنازل روسي في فك روابطها مع الصين لمصلحة أمريكا..

 

- وأما إذا قررت أمريكا توريط روسيا ودفعها للحرب في أوكرانيا فإن روسيا تكون قد وقعت أو أُوقعت في حبال خطتها..

 

- وبتدبر هذه الأمور فإن الأرجح هو أن الحرب الساخنة بين روسيا وأوكرانيا من غير المتوقع حدوثها إلا إذا حدثت تطورات جديدة تنخدع بها روسيا فتبدأ الحرب وتتورط بها! وعدم توقع الحرب لا يمنع من حدوث مناوشات في شرق أوكرانيا على فترات...

 

وكذلك من غير المتوقع أن تحصل أمريكا على قطع روابط روسيا كلياً مع الصين... وفي المقابل لن تحصل روسيا على تحقيق أهدافها الثلاثة... بل يمكن على طريقة الرأسماليين في الحل الوسط أن يحصل تليين مواقف من أمريكا تجاه أهداف روسيا الثلاثة في مقابل تخفيف روابط روسيا مع الصين... ومن ثم تفك روسيا حشودها على الحدود مع أوكرانيا، وتكتفي من الغنيمة بالإياب!

الثامن عشر من جمادى الأولى 1443هـ

2021/12/22م

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع