- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
جـواب سـؤال
حزب العمال الكردستاني والصراع بين الجيش التركي والحكومة
السؤال: نعلم أن الجيش التركي والحكومة التركية على طرفي نقيض، فكيف اتفقا على قرار الهجوم العسكري على حزب العمال الكردستاني في العراق؟ علماً بأن هذا الهجوم سيزيد من أسهم الجيش في الوقت الذي يوجِد حرجاً للحكومة التركية أمام أمريكا التي تحتل العراق وبخاصة كردستان، نظراً للعلاقة المتميزة بين الحكومة التركية والولايات المتحدة؟ ثم لماذا أقر الكونغرس (مجلس الشيوخ) قانون إبادة الأرمن في هذا الوقت ما زاد الحرج لحكومة أردوغان؟
الجواب: لكي يكون الجواب واضحاً، فلا بد من معرفة واقع حزب العمال الكردستاني، والجيش التركي، والحكومة التركية الحالية.
أما حزب العمال الكردستاني ودوره مع الجيش والحكومة:
أُسِّس الحزب في 1979، ولكنه برز فعلاً بتوجيه من أمريكا سنة 1984 في عهد أوزال (1983 - 1993) حيث قام بأولى عملياته ضد الجيش في سيرت (مدينة كردية شرق تركيا)، وكان مقصوداً منه التضييق على الجيش أمنياً، بشكل متزامن مع تضييق أوزال على الجيش عسكرياً بإنشاء (شرطة مسلحة تسليحاً قوياً ثقيلاً) حيث استمرت في عهد أوزال إلى انتهاء عهده، فقام الجيش بعد عهده بمصادرة الأسلحة الثقيلة الخاصة بأجهزة الأمن.
استمر وضع حزب العمال على هذا النحو: سلاحاً أمنياً في يد أمريكا في وجه الجيش التركي إلى أن كانت سلسلة الأحداث ما بين 1997، 1998، حيث حركة شباط 1997، وحكومة أجاويد رجل إنجلترا المخضرم حزيران 1997، وتهديده بشكل جدي لسوريا بسبب دعمها حزب العمال 1998، وأخيراً رأت أمريكا أن مصلحتها تقتضي أن تعقد صفقةً مع الجيش التركي عن طريق الحكومة التركية الجديدة، حيث أصبحت السلطة السياسية والعسكرية في تركيا من جنس واحد، بالتخلي عن حزب العمال الكردستاني كمنظمة (عسكرية) وإنهاء الأزمة مع سوريا حفاظاً على عدم اهتزاز نفوذ أمريكا في سوريا. وهكذا كان حيث انعكس هذا على سوريا فجرت محادثات تهدئة بين تركيا وسوريا تُوِّجَتْ بعقد اتفاقية أضنة في تشرين الأول 1998. ووفقاً للاتفاقية قبلت سوريا بإيقاف دعمها لحزب العمال الكردستاني وطرد عبد الله أوجلان وتسليم عدد من القادة الآخرين في سوريا إلى تركيا.
وخرج أوجلان من سوريا إلى روسيا فرفضت لجوءه، فغادرها إلى اليونان فإيطاليا ثم استقر به المقام في كينيا حيث قامت وحدة من القوات الخاصة في الجيش التركي بالذهاب إلى كينيا واستلامه بترتيب من المخابرات الأمريكية.
وبعدها نشطت أمريكا في تركيا بالعمل السياسي والشعبي والديمقراطي ... إلى أن نجحت في إيصال أردوغان وحزبه إلى الحكم في 2002.
أما حزب العمال الكردستاني فقد انقسم: قسم سار حسب نهج العمل الأمريكي الجديد أي إلى العمل السياسي بقيادة عثمان أوجلان، وقسم استحوذ عليه الإنجليز، وتأثير اليهود واضح في سيره وتدريبه وزعمائه. وأصـبح هـذا القسم تحت جناح الجيش التركي، حيث يستغله في إيجاد القلاقل ضد حكومة أردوغان الموالية لأمريكا، وفي الوقت نفسه لإيجاد مبرر للجيش لفرض وجـوده كلما لزم بحجة القضاء على القلاقل. وهكذا فإن السياسة الأمريكية بالنسبة لحزب العمال، وبخاصة في عهد حكومة حزب العدالة، هي أن تكون قضية الأكراد قضيةً سياسيةً، وأما السياسة الإنجليزية بالنسبة لحزب العمال، وبخاصة في عهد حكومة حزب العدالة، فهي أن تكون قضية الأكراد قضية أمنية أي عكس ما كانت عليه الحال قبل اتفاقية أضنة. وهذا يفسر الأعمال المسلحة التي يشنها في الوقت الحالي حزب العمال الكردستاني الجناح الإنجليزي.
وأما الجيش التركي فهو صنيعة مصطفى كمال الذي منذ أن نفذ مخططات الإنجليز بهدم الخلافة، عمد إلى تكوين الجيش من حيث قياداته وثقافته على الولاء للإنجليز وسياسته، وعلى حرب الإسلام بأفكاره وحتى بمشاعره، واستعمل كل الأساليب الوحشية في تصفية عناصره التي يرى عليها أية بوادر لاحترام الإسلام، ولم يكتفِ بعدم احترام عنصر الجيش للإسلام حتى يبقى ويحصل على ترقية، بل حتى إن احترام نساء تلك العناصر وأقربائهم للإسلام أدخلها في الحسبان.
وهكذا نشأ الجيش على العلمانية وعلى الولاء للإنجليز وسياساته، وكان يعدُّ نفسه حامي أسس الجمهورية التي وضعها مصطفى كمال، القائمة على الخطين الأساسيين السابقين: العلمانية ومحاربة الإسلام، والولاء للإنجليز، وكان الجيش يعدُّ نفسه حارساً أميناً لهاتين الجريمتين!
لقد حاولت أمريكا بجد النفاذ إلى تركيا باختراق الجيش الذي تراه القوة الفاعلة الممسكة بزمام البلد، فلم تستطع، فهو مشبع بنهج مصطفى كمال (الإنجليزي)، وكانت في كل مرة تصطدم بانقلاب الجيش على الحكم إذا تجاوز عملاء أمريكا ليس الخطوط الحمر بل حتى إذا تجاوزوا الخطوط الصفر أو اقتربوا منها! وهكذا قام الجيش بانقلابات 1960، 1971، 1980، 1997 وحجتهم في كل مرة المحافظة على النظام العلماني الإنجليزي.
أما الحكومة التركية الحالية، فإن أمريكا لها باع طويل في إنشائها ودعمها، وذلك منذ أن استطاعت أن يكون لها وزن مؤثر في حزب العدالة والتنمية حيث تولى قيادته رجلا أمريكا أردوغان وعبد الله غل منذ إنشائه في آب 2001.
بعد ذلك بدأت تهيئة المسرح لوصول أردوغان، فقد قامت أمريكا بسحب (5-7) بليون دولار من البنك المركزي التركي عام 2001، ذلك أن الامتيازات الاقتصادية التي وضعت أساساتها في فترة أوزال مكنت أمريكا من القيام بهذه العملية بيسر وسهولة، فأوجدت هزةً اقتصاديةً، وبدأ تذمر الناس لأن القوة الشرائية لليرة انخفضت اتخفاضاً شديداً، وازدادت نقمة الناس على أجاويد وحكومته.
في هذه الأثناء تمكنت أمريكا من النفاذ إلى حزب صغير كان مؤتلفاً مع حزب يلماز وحزب أجاويد وهو حزب الحركة القومي برئاسة دولت بهشالي، وأوعزت إليه بطلب إجراء انتخابات مبكرة، وأن يهدد بالاستقالة إن لَم تتم الانتخابات، وهكذا أعلنت انتخابات مبكرة في 3/11/2002، حيث فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات فوزاً ساحقاً، وبخاصة وأنه كان في دعايته الانتخابية يمزج بين العلمانية وبين شيء قليل من مسحة إسلامية، ولكنها على قلتها كانت تجذب إليه أصوات عامة المسلمين لما لاقوْه من عداء علمانيي الجيش والكماليين الاستفزازي للإسلام، وهكذا فاز وضَمِنَ الأغلبية البرلمانية، فشكَّل الحكومة وحده.
بدأ أردوغان بتنفيذ الخطة المرسومة بتقوية الروابط مع أمريكا وإضعاف نفوذ الإنجليز وبخاصة الجيش، وكان من باكورة أعماله أن عرض على البرلمان قانوناً بتقليص صلاحية تدخل مجلس الأمن القومي في الحكم، وكذلك جعل المجلس مختلطاً من أعضاء عسكريين ومدنيين. وقد تضايق الجيش من ذلك حتى إن بعض الأخبار تسربت أن تفجيرات استانبول أواخر 2003م كان وراءها (العسكر) لإيجاد خلخلة أمنية يستغلونها للتدخل مثل حركة شباط السابقة، لكنهم لَم ينجحوا في ذلك. وفي السنوات الأخيرة أقدمت حكومة أردوغان على توقيع وثيقة الرؤية المشتركة بين الحكومة التركية وحكومة الولايات المتحدة التي وقعها عبد الله غل مع رايس في 05/07/2006، وقد جاءت خطوطها العريضة، كما ظهرت في البيان الصحفي الذي نشر في 05/07/2006 على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية، مبدوءةً بمقدمة جاء فيها «إننا مشتركون في القيم والأفكار المتعلقة بالأهداف الإقليمية والعالمية: تطور السلام، الديمقراطية، الحريات، الرفاه».
والآن بعد إدراك هذا الواقع لحزب العمال، والجيش، والحكومة الحالية يمكن فهم الأحداث الجارية، وهي ليست بدعاً من الأحداث، فقد اعتاد عليها الجيش بعد أن فقد إمكانية تغيير الحكومات التي ليست على هواه بالانقلابات. إن ضعف إمكانية قيام الجيش بالانقلابات جعلته يعمد إلى تفجير الأوضاع أمنياً لزعزعة حكومة أردوغان لتستقيل أو تقال وبخاصة عندما تقدم على ما يعده الجيش خطوطاً حمراً.
وقبل تناول الأحداث الأخيرة بالتحليل نذكِّر بأمرين مهمين:
الأول واقع رئيس أركان الجيش التركي الحالي يشار بيوك آنيت:
إن بيوك آنيت هو من رجالات الإنجليز في الجيش بل هو من الصقور الذي يعقد عليه علمانيو الإنجليز الآمال العريضة في إعادة الجيش إلى قوته وهيمنته. وقد استعجلت هيئة الأركان تعيينه قبل انتهاء اجتماع مجلس الشورى العسكري في 4/8/2006 كما هو معتاد في مثل هذه الحالات، فأصدر مجلس الشورى القرار في 1/8/2006، وذلك لأن قرار تعيين الجنرال بيوك آنيت يتطلب إرساله إلى رئاسة الوزراء للمصادقة عليه عقب انعقاد اجتماع مجلس الشورى العسكري الأعلى (YAŞ) في 04 آب/أغسطس 2006، إلا أن استعجال الجنرالات في ذلك كان نتيجة لتخوفهم من قيام أردوغان بتنظيم حملة مضادة في اللحظة الأخيرة،
فقد تخوف الجنرالات من أن يقوم أردوغان بإطالة زياراته الخارجية متذرعاً بالأزمة اللبنانية، مما يعيق انعقاد اجتماع مجلس الوزراء، بالإضافة إلى أن معظم الوزراء خارج أنقرة، والبرلمان في عطلته السنوية، وكل هذا يؤدي إلى المماطلة وتأجيل المصادقة على قرار تعيين الجنرال بيوك آنيت. فقد كان أردوغان الذي غادر تركيا في 02 آب/أغسطس لحضور اجتماع المؤتمر الإسلامي في ماليزيا ينوي الاستمرار في زياراته الخارجية لتأخير المصادقة على قرار تعيين الجنرال بيوك آنيت. إلا أن الجنرالات الذين أدركوا ذلك أجبروا أردوغان للمصادقة على القرار قبل البدء بجولته الخارجية، أي في 1/8/2006، وقبل إصدار مجلس الشورى العسكري قراراته في 4/8/2006!
إن الأوساط العلمانية في تركيا كانت تنتظر قدوم بيوك آنيت لرئاسة الأركان على أحر من الجمر. ولذلك فإن المتوقع أن تكون فترة رئاسته الأركان البالغة سنتين إلى آب 2008، فترةً عصيبةً على أردوغان، وقد تؤدي إلى تعثر سير حكومة حزب العدالة والتنمية وفق قوة الصراع المتوقع.
وللعلم فإن هذا الجنرال شديد العداوة للإسلام مثل غيره بل هو أشد، فقد بدأ عهده بطرد (ترميج) سبعة عشر من مراتب القوات المسلحة التركية لأن عندهم بعض المشاعر الإسلامية معتبراً ذلك كما جاء في أسباب ترميجهم (عدم ملاءمتهم للجيش).
والثاني: إن حكومة حزب العدالة جادة في تقليص صلاحية الجيش بالقوانين البرلمانية والأساليب الديمقراطية ... تماشياً مع السياسة الأمريكية، لأن الجيش هو عمدة الإنجليز في تركيا، والحد من صلاحيتهم، وجعل السلطة فعلاً للحكومة، كل هذا يضعف نفوذ الإنجليز ويقوّي نفوذ أمريكا.
وقد سارت الحكومة فعلاً في هذا الطريق، كما فعلت في مجلس الأمن القومي سنة 2003 حيث جعلت سكرتير المجلس القومي مدنياً بعد أن كان من الجيش فأضعفت صلاحية الجيش في المجلس. وكذلك فعلت في المحكمة الدستورية فأنقصت عدد الموالين للجيش في المحكمة ... وهكذا فإن حكومة حزب العدالة ماضية في تقليص صلاحية الجيش عن طريق سن القوانين بالأساليب الديمقراطية ...
بعد ذلك نجيب على ما جاء في السؤال حول الأحداث الأخيرة، والقرار المتعلق بالأرمن.
18 من شوال 1428هـ
29/10/2007م