الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

الحشود التركية على الحدود السورية

 

 

 

 السؤال:‏


أعرب الرئيس التركي عن رفضه الشديد لأي تغيير ديموغرافي داخل الأراضي السورية، جاء ذلك في الكلمة التي ‏ألقاها على هامش مشاركته في حفل إفطار في القصر الرئاسي الذي أقامه لسفراء الدول الأجنبية المعتمدين لدى ‏أنقرة، وذلك مساء الخميس 2015/07/09م كما نقل ذلك موقع الخبر السابع... مشيراً بذلك إلى تصريحه ‏السابق الذي نقلته وكالة الأناضول في 2015/06/26م بقوله (لن نسمح أبدا بإنشاء دولة شمالي سوريا على ‏حدودنا الجنوبية، وسيستمر كفاحنا في هذا السبيل مهما كانت التكلفة" وقال "إن ما يجري في سوريا والعراق هو ‏محاولة لإعادة إنتاج نظام سايكس بيكو جديد في المنطقة وتهدف إلى شحن الرأي العام الداخلي ضد تركيا)، وتبع ‏ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام من تعزيز تركيا إمكاناتها الدفاعية...إلخ. والسؤال هو: ما حقيقة ما يجري؟ هل هو ‏فعلاً للتدخل العسكري التركي في شمال سوريا؟ أو هو لغرض آخر؟ وما هي حقيقة الموقف الأمريكي حول التدخل ‏العسكري؟

 

 

الجواب:‏


حتى يتضح الجواب نستعرض الأمور التالية:‏

 
‏1- صرح الرئيس التركي: "لن نسمح أبدا بإنشاء دولة شمالي سوريا على حدودنا الجنوبية، وسيستمر كفاحنا ‏في هذا السبيل مهما كانت التكلفة" وقال "إن ما يجري في سوريا والعراق هو محاولة لإعادة إنتاج نظام سايكس ‏بيكو جديد في المنطقة وتهدف إلى شحن الرأي العام الداخلي ضد تركيا". (وكالة الأناضول 2015/06/26). بعد ‏ذلك وفي 2015/7/2 قال رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو للقناة السابعة: "إننا اتخذنا إجراءات لحماية ‏الحدود، وهناك أوامر بالتحرك إذا استجدت أية ظروف تهدد أمن البلاد. وقال إنه يجب ألا يتصور أحد أن تركيا ‏ستدخل غدا أو في المستقبل القريب". وأكد مثل ذلك يوم 2015/7/3 في مقابلة مع تلفزيون قونيا قائلا: "إنه ‏ليس من الصحيح توقع أن تتدخل تركيا فوراً في سوريا، بشكل فعلي، إلا أن تركيا في وضع استعداد لمواجهة أي ‏تهديد محتمل من طرف سوريا، وتتابع عن كثب جميع التطورات". وقال: "لئلا يشغل أحد باله، نحن لا نُجرّ إلى ‏مغامرة".‏


‏2- وهكذا أصبحت التصريحات تضج بالتدخل تارة ثم تستبعد التدخل تارة أخرى، وتبع ذلك على النهج ‏نفسه تضارب التصريح والنفي، فقد نشرت جريدة الحريات التركية يوم 2015/7/5 أن "رئاسة الأركان استدعت ‏قادة الوحدات الحدودية وقادة لوائي الكوماندوز في ولايتي بولو وقيصري لبحث عملية محتملة عقب التطورات ‏الأخيرة على الحدود التركية السورية". ولكن رئاسة الأركان نفت هذه الأخبار، فنقلت وكالة الأناضول عن مصادر ‏عسكرية يوم 2015/7/6 قولها "إن الادعاءات القائلة باستدعاء قادة الوحدات الحدودية والكوماندوز (القوات ‏الخاصة) إلى مقر رئاسة الأركان على خلفية التطورات في الجانب السوري من الحدود لا تعكس الحقيقة، وإنه لم يجر ‏عقد أي اجتماع مثلما ذكرت الادعاءات، وإنه لا يوجد مخطط بهذا الخصوص".‏

 
‏3- وقد رافق هذه التصريحات المتضاربة ولكن بروح "رياضية"! رافقها تحرك عسكري، فقد تناقلت وسائل ‏الإعلام أخبار الحشود التركية على الحدود مع سوريا، وأنها أي تركيا نشرت أكثر من 400 ناقلة جند مدرعة ‏إضافة إلى دور القوات الجوية لمساندة تدخل من هذا النوع، وأن هناك حوالي 54 ألف جندي قد نشرتهم على ‏طول حدودها مع سوريا، وأنها عززت إمكاناتها الدفاعية على طول الحدود عبر نشر دبابات وصواريخ مضادة ‏للطائرات وقوات بعدما تصاعدت المعارك شمال مدينة حلب. ليس هذا فحسب بل وصل تضخيم نشر هذه ‏الأخبار كما لو أن التدخل يطل بقدميه وليس فقط بعينيه! فقد بدأت بعض وسائل الإعلام تسرب أخباراً، وربما ‏أعدتها أطراف رسمية تتعلق بخطط تركيا المستقبلية. فذكرت صحيفة يني شفق التركية في 2015/6/28 أن "هيئة ‏الأركان التركية وضعت خطة عسكرية للتدخل في سوريا بهدف منع إنشاء دولة كردية شمال سوريا أو فرضها كأمر ‏واقع. وهذه الخطة تتضمن إنشاء منطقة عازلة بعمق 28-33 كم وتمتد من قرقامش إلى أونجوبينا بطول 110 ‏كم. وتتضمن الخطة إرسال 18 ألف جندي إلى سوريا لمدة عامين بعد الحصول على دعم المجتمع الدولي. وإذا لم ‏تحصل على موافقة دولية ستتحرك بمفردها لإنشاء منطقة عازلة على غرار ما فعلت إسرائيل في جنوب لبنان"‏

 
‏4- إن المتدبر لهذه الأخبار وغيرها مما يجري تداوله يتبين أنها أقرب للأغراض الداخلية منها للأغراض التدخلية ‏الفعلية وذلك للأسباب التالية:‏


أ- إن تقدم الأكراد في الشمال السوري الذي حاولت الحكومة التركية الإيحاء بأن الاستعدادات العسكرية ‏الجارية هي من أجل منعه، هذا التقدم كانت الحكومة التركية قد ساعدت فيه عندما سمحت للبيشمركة بدخول ‏عين العرب كوباني عن طريق الأراضي التركية وذلك لنصرة الأكراد بالقتال معهم... وكذلك بالنسبة لتل أبيض، ‏فقد نقلت صحيفة (خبر ترك 2015/7/4) عن أحد صحفييها الذين اجتمعوا بمسؤول تركي كبير كما جاء في ‏الصحيفة "كنا يوم أمس ومجموعة من الصحفيين في اجتماع مع مسؤول رفيع المستوى في الحكومة التركية، وقد ‏أكد لنا أن الحكومة لن تتخذ من حزب الاتحاد الديمقراطي هدفا لها على الإطلاق".

 

وأشار المسؤول إلى أن ‏‏"احتمال سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المنطقة الواصلة بين عفرين وكوباني وبمعنى آخر تشكيل ممر كردي ‏على الحدود التركية أمر غير وارد في المرحلة الحالية". وقال: "إن سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على تل أبيض هو ‏في مصلحة تركيا، لكن أن يتم التصرف على المناطق التي يسيطر عليها الحزب بمبدأ الفتوحات، فهذا سيخلق ‏نزاعات ومشاكل عديدة في المنطقة على المدى المتوسط والبعيد"، أي أن المسألة بين الحكومة التركية وبين الأكراد ‏في الشمال السوري ليست من السخونة بمكان يستدعي حرباً عسكرية.‏

 
ب- إن أمريكا لم تتخذ قراراً بالتدخل البري العسكري حتى الآن، فهي ما زالت تبحث عن العميل التالي ‏للعميل بشار الحالي، والمخلصون في سوريا أفشلوا مساعيها حتى الآن، ونسأل الله أن تستمر الجهود المخلصة في ‏إفشال تلك المساعي... والواقع ينطق بأن صيحات أردوغان وحكومته تبقى مجرد ضجيج دون فاعلية إلا إذا ‏وافقت (أو أمرت) أمريكا وشواهد ذلك كثيرة:‏

 

‏- لقد طالب الحكم في تركيا بإقامة مناطق آمنة أو أمنية داخل سوريا أكثر من مرة فرفضت أمريكا ذلك. ‏فقد ذكر داود أوغلو في تشرين الأول عام 2014 أنه من الممكن إنشاء منطقة عازلة بأخذ الطريق البري م4. ‏فهذا الخط يبدأ من حدود اللاذقية ويمتد إلى الحسكة ويبلغ طوله 720 كم وعمقه حوالي 70 كلم ويعني ثلث ‏الأراضي السورية، وقد رفضت أمريكا ذلك، فلم ينفذ... ومؤخرا عاد الحديث بأن تركيا تبحث إنشاء مناطق أمنية ‏على شكل جيوب، والجيب الأول يمتد بين جرابلس وعين العرب. وقد أفادت تقارير محلية بأن الرئيس التركي ‏أردوغان يدرس إقامة منطقة عازلة على الحدود على إثر سيطرة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على مناطق ‏حدودية مع تركيا. فجاء الرد الأمريكي على لسان المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي حيث صرح قائلا: "لا ‏يشعر البنتاغون والجيش الأمريكي أو التحالف بحاجة حاليا إلى إقامة منطقة عازلة، ولذلك صعوبات. ولكن ندرك ‏قلق تركيا على حدودها". (رويترز 2015/6/30)... وقد حاولت الحكومة التركية أن تتلافى هذا الإحراج الذي ‏أصابها من الرد الأمريكي الرافض بشكل حازم، فقال إبراهيم قالين مساعد رئيس الوزراء التركي يوم ‏‏2015/6/30:"تفسير الإجراءات التي نتخذها والمتصلة بأمن الحدود على أن تركيا ستشترك في الحرب غير ‏منطقي". وقال: "لم نقل في وقت من الأوقات إننا نريد منطقة عازلة، وإنما قلنا نريد مناطق آمنة يحظر فيها الطيران. ‏فيجب إقامة مناطق آمنة". (الأناضول 2015/6/30) ومع ذلك فلا حققت مناطق آمنة ولا عازلة حتى الآن ‏لأن أمريكا لم توافق!‏


‏- وكذلك تصريحات أردوغان المشهورة بأنه لن يسمح بتكرار "حماة ثانية"، فقد طال عليها الأمد حتى كادت ‏تنسى! مع أن نظام بشار المجرم ارتكب في كل مدينة وبلدة حماة ثانية وثالثة ورابعة وهو مستمر في القتل ‏


والتدمير بضوء أخضر أمريكي وبدعم روسي وتدخل إيراني مباشر مع حزبها في لبنان... ومع كل هذا وذاك ‏فإن أردوغان ونظامه لم يفعل شيئا، لأن إرادته مرهونة بالإرادة الأمريكية التي لم تأذن له بتنفيذ تصريحاته، وبقيت ‏غباراً تذروه الرياح بلا نقع لخيل الله يقول صاحبها اركبي وإلى الله ارغبي لإعادة أمجاد المعتصم في عمورية أنقرة، ‏والفاتح في قسطنطينية إستانبول اليوم...!‏

 
‏5- وهكذا فإن تلك الحشود العسكرية ليس مقصوداً منها التدخل العسكري الفعلي في سوريا إلا إذا وافقت ‏أمريكا عندما تقتضي مصلحتها ذلك... والأرجح هو أن تلك الحشود مقصود منها الرأي العام المحلي وذلك ‏للاعتبارات التالية:‏


أ- تصريحات رئيس الوزراء التركي سالفة الذكر صريحة في أن تركيا ليست بصدد التدخل في سوريا، وأنها تعتبر ‏التدخل مغامرة، ولكنها مستعدة لمواجهة أي تهديد محتمل إذا جاء من سوريا، أي تريد أن تدافع عن حدودها ‏وليس لتخترق حدود سايكس بيكو التي تحافظ عليها كما ذكر رئيسها أردوغان.‏


ب- إن هناك أصواتاً في الداخل لافتة للنظر بدأت تتخوف من إقامة كيان كردي في سوريا، وهذه الأصوات ‏ترى أن هذا سيشجع حزب العمال الكردستاني على العودة للعمل العسكري ضد تركيا بعدما توقفت عملياته منذ ‏آذار/مارس عام 2013 عندما دعا رئيس الحزب أوجلان من سجنه إلى وقف القتال وانسحاب عناصر حزبه ‏المسلحة إلى خارج تركيا والبدء بعملية السلام... وعليه فإن هذه الحشود العسكرية تساعد في إسكات هذه ‏الأصوات وتهدئتها...‏


ج- بعد خسارة أردوغان أغلبيته في الانتخابات وارتفاع أصوات المعارضة منددة بموقف أردوغان المضطرب في ‏سوريا بالإضافة إلى أن احتمال الانتخابات المبكرة احتمال وارد إن لم يستطع داود أوغلو تشكيل حكومة في الموعد ‏القانوني المحدد، كل هذا دفع أردوغان والحكومة في تركيا إلى عمل استعراضي بأن الحكومة مهتمة بأمنها وأنها ما ‏زالت قوية ظناً من الحكومة أن هذا سيعيد لحمة الرأي العام معها...‏


والخلاصة أن هذه الأعمال والحشود موجهة لكسب الرأي العام الداخلي وتهدئته أكثر مما هي موجهة للتدخل ‏العسكري الفعلي في شمال سوريا. ولكن هذه الحشود ستصبح موجهة فعلاً للتدخل في سوريا إذا رأت أمريكا أن ‏هذا في مصلحة مخططاتها في سوريا... ونحن نسأل الله القوي العزيز أن يحبط مخططات أمريكا وعملائها، وأن ‏يردهم على أعقابهم لا ينالون خيراً.‏

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع