- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-11-20
جريدة الراية: قمم مشبوهة لنظام فاسد
في 2024/11/5 نظمت إدارة مسلمي القوقاز بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين، ورئاسة مؤتمر الأطراف ""COP29 وغيرها؛ القمة العالمية لقادة ورموز الأديان من أجل المناخ على مدار يومي 5 و6 تشرين الثاني/نوفمبر في العاصمة الأذرية باكو، وجاءت القمة في إطار استعداد أذربيجان لاستضافة الدورة التاسعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ""COP29، بمشاركة أكثر من 300 ممثل حكومي وأممي حول العالم، وبحضور ومشاركة مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الديان والثقافات "كايسيد".
حيث ادعى منظمو القمة هذه، التي عقدت تحت شعار: "الأديان العالمية من أجل كوكب أخضر"، أن هدفها هو السعي إلى تعزيز الدور المحوري الذي تقوم به الأديان ضمن الجهود العالمية الرامية إلى معالجة قضايا تغير المناخ، كما تناولت القمة ملفات مثل الحوار بين الأديان ومحاربة التعصب الديني والتحريض على الكراهية.
وللوقوف على حقيقة وأهداف هذا المؤتمر التمهيدي (القمة العالمية لقادة ورموز الأديان من أجل المناخ) والمؤتمر الرئيسي الذي يليه (COP29) والنتائج المتوقعة منه، يلزمنا العودة إلى سيرة وتاريخ ما يندرج تحت هذه المسميات.
فمؤتمر (COP29) هو النسخة التاسعة والعشرون من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيير المناخي ويشار إليه اختصارا بـ(COP29)، وهو عبارة عن هيئة إدارية عليا لتلك الاتفاقية ولأي اتفاقية دولية تعنى بالبيئة مثل اتفاقية مكافحة التصحر، واتفاقية مكافحة الفساد، واتفاقية التنوع البيولوجي، واتفاقية رامسار وبازال وروتردام وبروتوكول كيوتو وغيرها الكثير من الاتفاقيات الدولية البيئية، وقد بدأت مؤتمرها الأول في برلين عام 1995م ثم استمرت في التنقل كل عام بين الدول الأعضاء الذين بلغوا 197 دولة بحيث تقوم هذه المؤتمرات في كل مرة بتقييم ما يسمونه التقدم المحرز في التعامل مع تغيير المناخ حسب وصفهم.
إن من المهم جدا إدراك أن مشكلة التلوث البيئي ليست في حقيقتها نتاجا حتميا للتقدم الصناعي البشري بل هي نتاج السياسات الجشعة للعقلية الرأسمالية المتوحشة التي تقدم الربح المادي المباشر على كل اعتبار آخر، بحيث توازن الدول الرأسمالية وشركاتها العملاقة بين نسبة الأرباح في حال تم الإنفاق على عملية التخلص الآمن من النفايات الصناعية وتنقية الغازات المنبعثة ونحوها من إجراءات، وفي حال تمت مراعاة مسألة الاقتصاد في استهلاك الأشجار والثروات الحيوانية والموارد الطبيعية، وبين أرباحهم في حال ضربوا بكل ما سبق عرض الحائط، خاصة في ظل سباق عالمي محموم على التفوق بل الهيمنة الاقتصادية التي يرافقها نفوذ سياسي وعسكري، ولأن جميع الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات تحمل العقلية الرأسمالية ذاتها، ولأن كثيرا من هذه الدول كان لها النصيب الأكبر من تلويث البيئة وما زالت، فإن هذه المؤتمرات لم تستطع ولن تستطيع حل المشكلة، بل هي في كثير من الأحيان ساهمت في تقنين التلوث كما في اتفاقية "كيوتو" التي تحدد لكل دولة حصة من إنتاج الانبعاثات الضارة ومنها ثاني أكسيد الكربون بحيث لا تتخطى الدول الحصص الخاصة بها، وذلك للحد من التلوث، فترتب على ذلك جعل تلك الحصة حقا مكتسبا لكل منها بحيث مكن الدول والشركات التي لا يصل إنتاجها أحيانا للسقف المحدد لها من عرض ما يزيد من حصتها (حقها) في تلويث البيئة للبيع في السوق الدولية، لتشتريه دول وشركات أخرى وصلت الحد الأعلى لها فيكون لها بذلك الحق رسميا ووفق الاتفاق عينه بتخطي نسبة تلويثها المعتادة.
كما أن الدول الاستعمارية الكبرى تتعامل مع هذه الاتفاقيات بانتقائية، خاصة مع عدم وجود قوة حقيقية تفرض عليها الالتزام ببنودها، ومثال ذلك ما حصل مع الولايات المتحدة حيث طلب منها خفض إجمالي انبعاثاتها بنسبة 7% عن مستويات 1990، إلا أن الكونجرس رفض الموافقة على المعاهدة بعد أن وقعتها كلينتون، ثم رفضت إدارة بوش البروتوكول عام 2001.
كما أن دولة استعمارية مثل فرنسا ما زالت تلقي بمخلفاتها النووية في قارة أفريقيا سواء تلك الناتجة عن استخراج المواد المشعة أو عن استنفادها وذلك ضمن صفقات فساد مشبوهة توفر عليها مبالغ طائلة.
وبالرغم من تحقيق تقدم في تطوير إنتاج الطاقة البديلة أو ما يعرف بالطاقة النظيفة على مستوى العالم إلا أن الدول المتقدمة تبيع البطاريات والألواح الشمسية المستعملة للدول الفقيرة والتي لا تمتلك التقنية الكافية لإعادة تدويرها بشكل آمن بعد انتهاء صلاحيتها تماما، فيترتب عليه تلوث التربة بالمواد السامة والعناصر الثقيلة المستعملة فيها، ما وضع علامة استفهام أمام تسميتها بالطاقة النظيفة.
وقد أعلن مؤتمر (COP) فشله في تحقيق أهدافه مرارا في دورات عدة متأملا تحقيقها في دورات قادمة.
أما القمة التمهيدية هذه فلها هدف ظاهر وآخر حقيقي، أما هدفها الظاهر فهو إضافة دافع معنوي محفز لتطبيق الاتفاقيات والتقدم في آليات حماية البيئة وهو العامل الروحي الديني، ولا شك أن الدول الرأسمالية العلمانية لا تقيم وزنا للأديان ولا للقيمة الروحية ولا حتى للقيمة الإنسانية أو الأخلاقية، ووجود ممثلي الأديان لا يعدو كونه عملا شكليا لتزيين المؤتمرات بالتنوع الفكري والثقافي دون أدنى تأثير في قرارات الدول وسياسة الشركات.
وأما الهدف الحقيقي فهو استغلال هذه المناسبة وشبيهاتها لتمرير مفهوم الديانة الإنسانية الجامعة وإزالة الفروق بين الأديان تحت عناوين الحوار مع الآخر تارة، ثم تفهمه تارة أخرى، وصولا إلى تقبله كما هو، ولا أدل على ذلك من الأنشطة التي يقوم عليها مركز "كايسيد" الذي أسسه حكام آل سعود بالتعاون مع النمسا وإسبانيا والفاتيكان وينشط في إذابة الفروق بين جميع الأديان والتطبيع مع كيان يهود ومحاربة مفهوم الجهاد، وما يقوم به مجلس حكماء المسلمين ومقره الإمارات، التي استضافت مؤتمر (COP28) العام الماضي واستضافت فيه بشار الأسد ما تسبب بموجة انتقادات من الحضور.
إن الحل الوحيد لحماية البيئة هو بعودة الإسلام إلى معترك الحياة بعقيدته ونظامه وسلطانه وقوته الضاربة القادرة على إلزام الجميع بمفاهيم الإسلام وأحكامه المتعلقة بالبيئة وعمارة الأرض، من نهي عن الإفساد في الأرض والأمر بإماطة الأذى والحث على الزراعة والحث على ما ينفع الناس وتحريم الضرر والضرار ووجوب الرفق بالحيوان، وهي أحكام لا تنفذ بدافع تقوى الأفراد فحسب بل لا بد لها من قوة الحق لمراقبة تنفيذها وهي الكيان التنفيذي للإسلام دولة الخلافة الراشدة.
بقلم: الشيخ عدنان مزيان
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المصدر: جريدة الراية