جريدة الراية: مصر والأزمة السودانية الغايات والمآلات
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-06-12
جريدة الراية:
مصر والأزمة السودانية
الغايات والمآلات
السودان شأنه شأن كل بلادنا العربية بلد مليء بالخيرات والثروات، يعاني أهله الفقر بسبب النهب المستمر لثرواتهم من الغرب وعملائه الذين يتنازعون اليوم على هذه الثروات ويهدرون دماء أهل السودان شعبا وجيشا في هذا السبيل، يعضد هذا خيانات النخب والقادة العسكريين والسياسيين في السودان وتواطؤ الأنظمة العربية المجاورة للسودان خاصة بل ومشاركتها في هذا الصراع لخدمة سادتهم وبسط سلطانهم وخاصة مصر أقربهم، والتي تعمل على هذا الملف لتثبيت هيمنة أمريكا والحيلولة دون منافسة بريطانيا لها هناك.
إن أي نظام يحكم مصر يجب أن تكون لديه رؤية واضحة حول السودان فاستقراره جزء لا يتجزأ من أمن مصر، وأي صراعات تدور فيه سيكون مردودها على مصر وأهلها واقتصادها، فالسودان ليس مجرد جار لمصر بل هو العمق الاستراتيجي لمصر وجزء لا يتجزأ من حوض النيل الذي يخترق السودان حتى مصبه في شمال مصر، وأهل مصر والسودان بينهم علاقات طبيعية كون البلدين كانا بلدا واحدا حتى عهد عبد الناصر، وأهل السودان أنفسهم يفضلون وحدتهم مع مصر على انفصالهم عنها وبينهم ارتباط طبيعي لم تقطعه حدود سايكس بيكو ولن تستطيع.
لقد تجاهل النظام المصري عمدا وتبعا لرؤية سادته تقسيم السودان بعد أن فرط فيها على يد عبد الناصر رغم ما كان يجب أن يقوم به النظام من حفاظ على وجود السودان تحت سيادته وسلطانه والحفاظ عليه موحداً حفاظا على امتداد النيل وواديه من سيطرة الأجنبي عليه بعد تمزيقه، كما كان الواجب على هذا النظام أن يضع يده على منابع أصلا بجميع خطوطها بدلا من التفريط فيها والوقوف موقف المتفرج أمام تقسيمها لصالح الغرب، فارتضى النظام لنفسه أن يكون شاهدا على هذا التقسيم الذي يضر مصر وشعبها ومصالحها ويجعل المنطقة كلها رهينة للغرب وقراراته.
إن ما يحدث في السودان من صراعات كلها لصالح الغرب بشقيه المتصارعين فيها؛ سواء عملاء بريطانيا من القوى المدنية أو عملاء أمريكا المتشاكسون من الجيش والدعم السريع، وما قد يؤدي إليه هذا الصراع من إعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، فربما يكون هذا مقدمة لتقسيم جديد للسودان، وخطره على مصر عظيم، فقد يكون مقدمة لتقسيم مصر أيضا أو اقتطاع جزء من جنوبها على الأقل، بخلاف ما في هذا التقسيم من إيجاد لكيانات جديدة على حوض النيل لها مطامع وغايات، وما في هذا من خطر على الأمن المائي لمصر التي لم تسلم من سد إثيوبيا بعد، ولا نظنها ستسلم قريبا في ظل النظام الحالي.
إن هذا الصراع المحتدم ليس للأمة فيه ناقة ولا بعير بل هو من سلسلة التآمر على الأمة وجزء من صراع الغرب المتنازع على ثرواتها؛ فبريطانيا تزاحم أمريكا على السيادة في السودان والهيمنة على ثرواته، وأمريكا تمنع ذلك باقتتال حلفاء الأمس ممن تمسك هي بخيوطهم، وفي سبيل هذا يهلكون الحرث والنسل ويريقون دماء أهلنا في السودان، بينما يراقب النظام المصري مبديا دعمه للجيش، بينما في حقيقته يراقب مصالح أمريكا وما يدعم بقاء نفوذها وهيمنتها على كامل السودان دون مزاحمة من بريطانيا ولا مناكفة من عملائها.
إن ما يحدث لأهلنا في السودان هو جزء من التآمر على أمتنا والعمل على نهب خيراتها وثرواتها، فهم يدفعون ثمن هذا الصراع بدمائهم الزكية، فيشردون ويقتلون وتنتهك أعراضهم وتغتصب نساؤهم ولا ناصر لهم ولا معين، بل من يجب أن يكونوا في نصرتهم وعونهم هم من يقتلون وينتهكون الأعراض في ظل صمت النظام المصري المراقب لمصالح سادته في البيت الأبيض، وهو النظام نفسه الذي أعلن أنه مستعد، على حد قوله، "على مسافة السكة"، إذا احتاج الأشقاء لنصرته ولكنه لربما يقصد يهود، فهو لم ينصر المستضعفين يوما بل لقد شارك في حصارهم وقتلهم وغزة خير شاهد ودليل، بينما هو على أتم استعداد لتحريك جيشه إذا احتاجه سادته في ليبيا أو غيرها لبسط سلطانهم أو تثبيت نفوذهم، أما نصرة المستضعفين وضمان أمنهم وحمايتهم فهذا لا يراه النظام ولا يشكل خطرا عليه يستوجب تحريك الجيوش، فالنظام حباله بيد الغرب ودماء الأمة التي تراق ليست من مصالحه بل ربما تكون إراقة الدماء جزء مما يخدم مصالح الغرب كما هي دماء أهلنا في السودان.
إن الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع قد دام أكثر من عام وتسبب بدمار واسع وإزهاق أرواح الآلاف من المسلمين من الجند وعوام الناس وتشريد الملايين، بخلاف إثارة النعرات القبلية والطائفية والجاهلية التي نهى عنها رسول الله ﷺ وجعلها تحت الأقدام.
هذه الكوارث والجرائم التي تحل بالسودان وأهله هي نتيجة الصراع المزعوم على السلطة بين قادة القوات العسكرية في البلاد من الجيش والدعم السريع، ولو صح الادعاء لاختلف شكل الصراع وأدواته وسياسته، ولكان أساسه الاغتيالات والتصفيات بين الطرفين ولقام البرهان مثلا بتصفية دقلو عندما اعتقله، أو لأرسل دقلو أحد مرتزقته لتصفية البرهان، لكن ما يحدث حقيقة أن الطرفين يسخران مقدرات البلاد العسكرية في تدميرها وتقسيمها وقتل أهل السودان وتهجيرهم، فغايتهم الحقيقية هي تثبيت سلطان سادتهم وتدمير البلاد وقتل العباد، وهم مجرد أدوات حبالهم بيد الغرب يحركها كيفما شاء.
إن أهل السودان وحتى أهل مصر لا وزن لهم في أعين حكامنا ولا تعنيهم دماؤهم وإن سالت أنهارا، وإنما يعنيهم رضا سادتهم فقط، ولهذا فلا نجاة للسودان ومصر إلا باقتلاع من يهدرون طاقات الأمة ويفرطون في دمائها من الفرقاء المتشاكسين والنظام المصري الذي يدعمهم، واقتلاع الرأسمالية التي يحكمون بها بكل أدواتها ورموزها ومنفذيها، وتطبيق الإسلام كاملا في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي سوف تقتلع نفوذ الغرب وتوحد بلاد الإسلام وتهيمن على ثروات الأمة وتسخرها لرعاية الناس.
إن مصر والسودان وباقي دول حوض النيل قوة عظيمة مشتتة وطاقاتها مهدرة ولن يوحدها ويعلي شأنها إلا الإسلام ودولته، فهو الذي سيجعل منها قوة مرهوبة الجانب وهو ما يجب أن يعيه المخلصون من جند مصر والسودان ويعملوا على تحقيقه باستهداف الخونة المتقاتلين وداعميهم من حكام الضرار واستبدال قوى سياسية مخلصة واعية على الإسلام بهم، قادرة على تطبيقه؛ بإعطاء نصرتهم لحزب التحرير وتمكينه من قيادتهم وتطبيق الإسلام وإقامة الخلافة، فبالإسلام فقط يتوحد حوض النيل ويكون نواة قوية للخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الأستاذ سعيد فضل
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
المصدر: جريدة الراية