الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

Al Raya sahafa

 

2020-06-10

 

جريدة الراية: الاتحاد الأوروبي ومعالجة أزمة كوفيد-19 الاقتصادية

 

(مترجم)

 

في كلمة أمام البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء 27 أيار/مايو 2020، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن يتحمل الاتحاد الأوروبي ديوناً بقيمة 750 مليار يورو من أجل تقديم 500 مليار يورو من المنح و250 مليار يورو من القروض إلى دول في أوروبا تعاني من أضرار اقتصادية جراء إغلاق كوفيد-19. وعلى الرغم من المتطلبات الملحة لهذه الأموال، إلا أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر من المفاوضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل التوصل إلى اتفاق حول التفاصيل.

 

لقد أساء الغرب إدارة وباء فيروس كورونا بشكل خطير. ففي حين تجاهل الغرب بالكامل تقريباً الطوق الجغرافي، إلا أنه استخدم ابتكارات غريبة من التباعد (الاجتماعي) والإغلاق العام، مما شل الحياة المجتمعية كلها. إن الاقتصادات الغربية هشة بالفعل لأن النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على حرية الملكية يؤدي إلى استيلاء نخبة صغيرة لا تملك الرغبة أو القدرة على توليد نشاط اقتصادي كاف للمجتمع بأسره. هذه الثروة والنخبة القوية تفضل عادة استثمار جهودها في القطاع المالي، الذي أصبح غاية في حد ذاته بدلاً من العمل على دعم النشاط الاقتصادي الحقيقي. ومن المحتم أن تكون نتيجة هذا النظام أن الدول الغربية تعاني عموماً من سوء توزيع الثروة والبطالة والفقر المدقع حتى في الأوقات العادية.

 

أوروبا لديها مشاكلها الفريدة الخاصة بها. وكانت بريطانيا وأمريكا هما الدولتان وراء إنشاء المجموعة الأوروبية كوسيلة لاحتواء فرنسا وألمانيا لمنع عودتهما كقوتين عظيمتين بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك لأن القوة تتطلب الحسم، كما أن إلزام ألمانيا وفرنسا إلى جانب العديد من الدول الصغيرة الأخرى لا يؤدي إلا إلى تعقيد وعرقلة عملية صنع القرار الفعالة. ومع ذلك، لا يمكن قمع روح الأمم لفترة طويلة؛ ففرنسا وألمانيا، على الرغم من الصعوبات التي تواجهانها، قد ارتفعتا بالفعل مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتصبحا قوى كبرى. فقد عملوا جاهدين من أجل بناء الاتحاد الأوروبي ليصبح منصة قادرة على مضاعفة قوتها حتى في الوقت الذي لا يزالون يعانون فيه من ضعف القيادة المركزية للاتحاد الأوروبي والالتزام المضني بالحصول على موافقة إجماعية من الحكومات الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات كبرى. وفي الوقت نفسه، يمكن ملاحظة أن ألمانيا وفرنسا ترغبان في السيطرة على عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي بنفسيهما. على سبيل المثال، طعنت المحكمة الألمانية الكبرى في وقت سابق من شهر أيار/مايو الماضي في خطة من البنك المركزي الأوروبي لتوفير الإغاثة المالية للحكومات من خلال الاستحواذ على السندات، في خطوة غريبة وغير مسبوقة، حيث إن البنك المركزي الأوروبي يقع ضمن اختصاص المحاكم الألمانية وليس محكمة العدل الأوروبية. ويبدو أن ألمانيا لم تكن تريد للبنك المركزي الأوروبي أن يعمل بشكل مستقل للغاية.

 

وفي نهاية المطاف، فإن هذا التمويل ضروري لأوروبا وربما لألمانيا أكثر من أي شيء آخر. ويأتي اقتراح هذا الأسبوع الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو مباشرة من إعلان مماثل أعلنه في الأسبوع السابق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، وهي في الواقع وزيرة سابقة في حكومة ميركل. وعلى عكس الدول الغربية الأخرى، فإن القوة الاقتصادية الألمانية مبنية على النشاط الاقتصادي المحلي الفعلي وقوة التصنيع، حيث تشتهر ألمانيا بعددها الكبير جداً من الشركات الصغيرة، وقد قاومت عموماً الاتجاه الرأسمالي لبناء شركات ضخمة متعددة الجنسيات بميزانيات بحجم ميزانيات الحكومة الوطنية. ولكن حتى هنا، يعتمد الدخل الألماني على صادراتها، وخاصة إلى دول جنوب أوروبا، التي تحتاج إلى تمويل مستمر لدفع ثمن السلع الألمانية. والواقع أن ألمانيا تعمل على نموذج اقتصادي استعماري قديم داخل أوروبا، حيث يُعطى التصنيع قيمة أكبر كثيراً من الموارد الطبيعية أو الزراعة أو الجهود البشرية، الأمر الذي يترك جنوب أوروبا في وضع مالي دائم غير مواتٍ فيما يتعلق بالشمال. وكما هو الحال مع النموذج الاستعماري، فإن السبيل الوحيد لعمل الهيكل الاقتصادي الأوروبي هو تحويل الأموال بانتظام إلى الجنوب، بطبيعة الحال مع العديد من "الشروط" المرفقة. ومن هنا تدرك ألمانيا أن تعزيز التمويل الأوروبي ضروري ليس فقط للبلدان الأكثر فقراً في أوروبا، بل إنه ضروري حتى بالنسبة للاقتصاد الألماني نفسه.

 

إن تعقيدات أوروبا هي نتيجة لمفهومها للدولة القومية الذي نتج عن تسوية وستفاليا في القرن السابع عشر، وقبل ذلك، التنافس بين الملوك والأمراء النصارى في أوروبا على الرغم من أنهم يدينون إلى بابا واحد. وقبل إنشاء الدول القومية، كانت البلدان قادرة على التوسع والانكماش بشكل طبيعي وفقا لقدرتها على الحكم وقوتها العسكرية والاقتصادية. ولكن بعد أن تصبح الحدود ثابتة، لا تملك الدول القوية منفذاً آخر سوى التدخل في الدول الأضعف وغير القادرة تماماً على إدارة نفسها واستغلالها. والمسار الصحيح للقوة الألمانية هو أنه ينبغي لها أن تتوسع إقليميا لتشمل، على سبيل المثال، البلدان الأكثر فقرا في أوروبا الشرقية التي تحتاج إلى دعم وحكم أفضل. ومن شأن ذلك أن يستهلك بشكل مثمر الحيوية الألمانية في رعاية وإدارة شؤون شعوبها بدلا من استغلال بلدان أخرى، كما حدث لبعض الوقت مع إدارة أقاليم ألمانيا الشرقية السابقة بعد إعادة التوحيد. إن نموذج الدولة القومية لا ينتج عنه سوى المزيد من تمكين القوي وإضعاف الضعفاء.

 

وبإذن الله، سيشهد العالم قريباً عودة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحدد مساحة أراضيها وفقاً لقدرتها على الحكم الصحيح لأراضيها وبمسؤولية ونزاهة. وعلاوة على ذلك، سوف تبرهن مرة أخرى على تفوق الحكم المركزي الفريد على نماذج الحكم المنقسمة والفاشلة في الدول الغربية.

 

بقلم: الأستاذ فائق نجاح

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع