- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-04-11
جريدة الراية:
من بريد القراء: أخطاء الماضي تتكرر في الجزائر (دائماً لصالح المستعمِر)! ندوة "مزفران 2" لقوى
المعارضة وكذبةُ التحول الديمقراطي
بترخيص من الجهات الرسمية وتحت إشراف التنسيقية الوطنية من أجل الحرية والانتقال الديمقراطي، انعقدت يوم الأربعاء 2016/03/30م في الجزائر ندوة "مزفران 2" لما سمي قوى المعارضة الجزائرية، ممثَّلةً في أحزاب وحركاتٍ وشخصيات من مختلف التوجهات السياسية، من وطنيين وممن يسمون "إسلاميين" وليبراليين (لائكيين) ويساريين (اشتراكيين وشيوعيين). كما ضمت وزراء سابقين ورؤساء حكوماتٍ سابقين من أمثال حمروش وبن فليس وغزالي وبن بيتور وسيفي وشخصيات حقوقية ونقابية وفعالياتٍ عديدة، وبحضور بعض قيادات جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة. (يذكر أن لقاء مزفران1 كان قد جمع أقطاب "المعارضة" في 2014م على خلفية التمديد لبوتفليقة لعهدة رابعة).
اللافت في اللقاء هو أنه مع كون هؤلاء المجتمعين (أو معظمهم) مسلمين إلا أن الإسلامَ لم يُفعَّل (لا من "الإسلاميين" ولا من غيرهم) بما يجعله مصدرَ إلهام على الأقل (أو محل تطلع) فيما ينبغي أن يكون عليه نمطُ الحكم ورعاية شئون الناس في البلاد، أو فيما ينبغي أن يكون المخرج مما يعانيه العبادُ وتتخبط فيه البلادُ من متاعب اقتصاديةٍ ومن فوضى وسوء الأحوال وتردٍّ في الأوضاع. وذلك بعدما أقر الجميع أن البلد يواجه اليومَ مصيراً مجهولاً وأخطاراً داخليةً وأخرى خارجيةً تتربص بالدولة وبـ"الوطن" (كانت حذرت من هذه المخاطر أيضاً قيادةُ أركان الجيش مؤخراً، مفاد هذه التحذيرات أن تنظيم الدولة على الأبواب!!).
وتأتي هذه الندوة في سياق محاولات عديدة من أقطاب المعارضة للفت أنظار الجماهير لما يواجهون من أخطار على خلفية الإحباط الكبير الذي أصاب جميع فئات الشعب في "الجزائر المستقلة" بعدما وصل نظامُ الحكم في البلاد الذي تأسس بعد الاستقلال المغشوش إلى نهايته، وبعدما دخلت الجزائر منعرجاً خطيراً تقول "المعارضة" أنه يُعرِّض الدولةَ والوطنَ للانهيار الشامل أو التقسيم!! يذكر أن هذا النظام القائم ظل يحكم باسم الشرعية الثورية طوال عقود، وأن الأوضاع في البلاد اليومَ (أي منذ وصول بوتفليقة إلى أعلى هرم السلطة في 1999م) مرحلةً غير مسبوقة من سوء الرعاية والفوضى والتسيب وانتشار الفساد في كل الميادين وعلى جميع المستويات. فكان لا بد للمستعمِر الأوروبي من وراء المتوسط أن يجد لعبةً جديدةً تطيل عمر بقائه في هذا الجزء من البلاد الإسلامية، ولكن بأسلوب ذكي يوهم أهل البلاد ويوهم الشعبَ أنه هو صانع التحول القادم عبر كفاحٍ وكدٍ وجهدٍ بمشاركة مختلف فئاته، خصوصاً "الإسلاميين"! كما أنه سوف يُعطى دور في سياق هذا التحول وفيما يراد بالبلاد لبعض القيادات من أفراد الجالية الجزائرية - في أوروبا خاصة - الذين يزيد عددهم عن خمسة ملايين.
ومن اللافت أيضاً (وفي هذا السياق يندرج) الدورُ الذي يلعبه هذه الأيام عمار سعداني الأمين العام في جبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الحاكم الذي كان دوماً ولعقود ملتصقاً بالسلطة وواجهةً للنظام ولم يعرف يوماً واحداً من السباحة خارج بركة أصحاب القرار، حين بات يُـخون بتصريحاته ويكيل التهم لأقطاب ما سمي "المعارضة"، التي في واقع الأمر لا تطرح شيئاً مختلفاً ولا بديلاً حقيقياً يحقق طموحاتِ الشعب خارج الأطر التي وضعها المستعمِر، والتي هي في الحقيقة ليست سوى الوجه الآخر لنفس نظام الحكم تحت سقف الوطنية الضيقة والتوافق الديمقراطي المزعوم، الذي لن يسفر في أقصى حدوده إلا عن دولة مدنيةٍ (هي الجمهورية الثانية التي ينشدها الجميع) لا ترقى أبداً لتحقيق التحرر الحقيقي لأهل الجزائر ولا لغيرهم من المسلمين. وهذا ما يفسر أيضاً حملة سعداني على بعض من يُراد إبعادهم عن الواجهة في سياق التحول الذي يصبو إليه أصحابُ القرار، خصوصاً ممن تورطوا في الصدام مع الشعب خلال سنوات الدم والمواجهة المسلحة (من أمثال توفيق).
لذا نقول ونؤكد من هذا المنبر: إن أي تحول في بلاد المسلمين لا يتوَّج بقيام دولةٍ على أساس الإسلام، أي لا يتحقق من خلاله قيامُ دولةٍ للمسلمين على أساس عقيدتهم، لن يُفضي إلا إلى حلقةٍ أخرى من التجارب المريرة ومزيدٍ من التبعية والإحباط واليأس لدى الشعوب المسلمة، ولو بعد حين. إذ لا تحرر للمسلمين من الهيمنة الأجنبية إلا أن يكون الإسلام في قلب المعركة مع الأعداء سياسياً، وهو ما لا نراه اليوم - ولا شيئاً منه - في ساحة الصراع في الجزائر تحديداً، وليس ذلك إلا لأن المسلمين في هذه البلاد قبلوا إبعادَ دينهم عن السياسة، وصارت أغراضهم من "المعارضة" دنيويةً وماديةً بحتة ليس فيها أية صلة بالله العظيم. فلا بد أن يدرك المسلمون أن الدولةَ في الإسلام هي حكم شرعي ثابت، وهي دولة الخلافة على منهاج النبوة وليست شيئاً آخر. أما الدولة المدنية فهي دولة تقوم على أساس يتناقض مع العقيدة الإسلامية، فهي تتناقض مع الإسلام في الصميم، فضلاً عن أنها وَهْمٌ وخدعة، وذلك لأن الديمقراطية كما هي عند الغرب - مع مناقضتها للإسلام - لن يسمح بها الغرب في بلاد المسلمين، والتجارب السابقة في غزة والجزائر ومصر مؤخراً خير شاهد على ما نقول. لذا يجب أن يتوقف المسلمون عن مطلب "الحرية أولاً" وعن مطلب "دولة المواطنة" وعن مطلب "الانتقال الديمقراطي". كما يجب عليهم أن يدركوا أنه لن يُصلح حالَ أهل الجزائر والمسلمين عامةً إلا الإسلام في الحكم. قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة:50].
فبعدما تمكنت أمريكا المنتصرة في الحرب العالمية الثانية من تجميع شتات القوى "الحية" في الشعب الجزائري في أواخر أربعينات القرن الماضي، ثم جمعها وتوحيد مطالبها مع مطلع الخمسينات تحت عباءة جبهة التحرير الوطني بوساطة وتحت إشراف جهاز المخابرات في نظام القاهرة أيام عبد الناصر، بدا للعالم حينها أن فرنسا الاستعمارية بدأت تواجه متاعب حقيقية في مستعمراتها في شمال إفريقيا، وخاصةً في الجزائر (المستعمَرة الفرنسية الثمينة)، فيما ظهر أنه يقظة أو استفاقة نهائية من شعب الجزائر المسلم باتجاه طرد العدو المستعمِر من البلاد وتحقيق تقرير المصير واسترجاع هوية الشعب ضمن ثوابت الأمة التي ينتمي إليها (وهي الإسلام ولا شيء غيره)، بعد عقود طويلة من الهيمنة الاستعمارية الغاشمة، أي منذ أن سلخت الإيالة في 1830م عن دولة الخلافة العثمانية. وقد كانت في الحقيقة تلك القوى السياسية متأثرةً إلى حد بعيد بأفكار المستعمِر، وكانت تتمثل أساساً في حزب الشعب (الذي يعتبر امتداداً لحزب (أو منظمة) نجم شمال إفريقيا الذي تأسس في فرنسا في 1926م من العمال والمهاجرين من الجزائر ومراكش وتونس، والذي انبثقت منه في الجزائر كل من "المنظمة الخاصة" بمثابة جناح عسكري مسلح منذ 1947م وحركة انتصار الحريات الديمقراطية بمثابة جناح سياسي لنفس التيار) إلى جانب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (وهي امتداد للحركة الإصلاحية التي تبنت أفكارَ محمد عبده ورشيد رضا واعتمدت منهجية الإخوان المسلمين في التعاطي مع الشأن السياسي والواقع في الجزائر) والحزب الشيوعي الجزائري الذي هو في الحقيقة امتداد للحزب الشيوعي الفرنسي يستلهم منه كلَّ توجهاته الفكرية والسياسية، إلى جانب قوى أخرى ثانوية تحمل خليطاً عجيباً من الوطنية والإسلام والقومية والاشتراكية والعلمانية واللائكية.
وواضح من اسم الجبهة المذكورة (جبهة التحرير الوطني) أن الهدف حينها كان التحرر من سطوة الاستعمار وأن سقف مطالب الثوار والثورة على المستعمِر كان هو "الاستقلال الوطني" أي تحقيق الاستقلال تحت سقف "الوطنية الجزائرية" التي برزت (بل فُرضت) وقتها كأهمِّ مكوِّنٍ لهوية أهل الجزائر، فقد أُشربوا في قلوبهم حب الجزائر وطناً وأرضاً وأشربوا في عقولهم أنهم جزائريون قبل كل شيء!
إلا أن أهلَ الجزائر - بفضل الإسلام الكامن فيهم - أدركوا مبكراً (بعد مرور سنواتٍ قليلة) على ما سمي "الاستقلال" في 1962م أن أهداف الثورة على فرنسا جرى التلاعب بها من طرف زمرٍ من السياسيين من بني جلدتهم (مرتبطة هي الأخرى بالمستعمِر الأوروبي) بحيث لم يتحقق في نهاية المطاف ما كان يصبو إليه الشعب. فبعد ما يربو على خمسين سنة من تاريخ استقلال البلاد ونشوء "الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية" لم يتحقق للشعب شيء من ذلك التحرر المأمول! وباتوا بلسان الحال يقولون: ما العمل الآن؟؟ وقد كان الإسلام دوماً خزان المشاعر الجياشة ومصدر الطاقة الكبيرة والقوة الرهيبة لدى الشعب في وجه الأعداء وفي التضحية خلال الثورة التحريرية والكفاح المسلح أي الجهاد ضد المستعمِر، وهو ما استغله أحسنَ استغلالٍ الاستعمارُ الجديد لإخراج الاستعمار القديم، تحت شعار الاستقلال وحق تقرير المصير المغلف بالفكرة الوطنية كإطارٍ جامعٍ لكل المناوئين للهيمنة الأجنبية. إلا أن المستعمِر الأوروبي - فرنسا تحديداً - بعد سنواتٍ من القتال سرعان ما فهم أنه لا بد من حل سياسي يُبقي على نفوذه أو بعضِ نفوذه في البلاد، فكانت المفاوضات ثم اتفاقيات إفيان المعروفة التي أفضت إلى ما سمي استقلالاً (مبتوراً ومشروطاً باستمرار التبعية) أبقى على النفوذ الأوروبي في الجزائر، وأفضى إلى ما نراه اليومَ من أوضاع مزرية ليس فيها ما يبشر بالخير سوى أن رحمةَ الله قريب من المؤمنين والمحسنين إذا ما اتقوا وآمنوا وأحسنوا فيما هو آتٍ، وإذا ما أدركوا أنه لا تحرر مطلقاً للمسلمين بدون دولة خلافةٍ على منهاج النبوة كما يأمر دينُهم. وكانت بريطانيا (التي لم تكن غائبة عن الساحة إبان الثورة التحريرية) تلعب لعبة الثعلب المراوغ والمتربص الذي يسعى لقطف الثمار دون مشقة ولا عناء كبير، فقد كانت (كما كانت تفعل في كل مستعمراتها في إفريقيا) تتظاهر أنها تدعم حق الشعوب في التحرر من الاستعمار، بينما هي تعمل على تثبيت نفوذها فيها تحت مسميات مختلفة، وتُعدُّ رجالَها وعملاءها في الخفاء وتمدهم بالدعم اللازم ليتمكنوا من الأخذ بزمام الأمور واستلام الحكم في لحظة "الاستقلالات الزائفة"، حيث كانت لها بالفعل وبالدهاء والمكر رِجلٌ مع أمريكا ورِجلٌ مع أوروبا! وهذا ما حدث في الجزائر أيضاً.
فكما لعبت أمريكا في السابق لعبةَ تجميع القوى الوطنية الثائرة والمناوئة للأجنبي تحت سقف جبهة التحرير الوطني وتمكنت من تقليص نفوذ فرنسا في الجزائر (بإخراجها عسكرياً على الأقل منها)، وكما لعب الإنجليز في السابق إبان ثورة التحرير الجزائرية لعبة المتربص الذي يسعى للاستفادة دون عناء كبير ولا خسارة تذكر، فإنهم اليوم يعملون (بالتوافق مع فرنسا) على بلورة مسار سياسي يكون مطلباً للثائرين والساعين للتغيير في الجزائر لا يكون للإسلام فيه أي ذكر أو دور، بحيث يتوافق فيه الجميع (الموالاة والمعارضة) تحت سقف العلمانية والوطنية بما يُبقي النظامَ القائم قائماً، وهو ما يضمن استمرارَ التبعية للمستعمِر الأوروبي (البريطاني-الفرنسي)، ويُبقي أهلَ الجزائر في سجن الوطنية والقطرية الضيقة ويحول دون خروجهم إلى رحاب الإسلام الشامخ والعزة في كنف الشريعة الإسلامية السمحة. كما يتيح بل يضمن للأوروبيين درءَ الخطر الخارجي الذي تمثله أمريكا على نفوذهم في شمال إفريقيا. فمتى يتعلم المسلمون ألا يكرروا أخطاءَ الماضي، ومتى يأتي ويحل موعد يقظتهم النهائية حقيقةً؟؟
نقول: لن يتحقق ذلك إلا بأن يكون مطلب المسلمين في الجزائر وفي غيرها: نريدها خلافةً على منهاج النبوة تُحق الحق وتبطل الباطلَ وتقطع دابر الكافرين المستعمِرين. فعسى أن يكون ذلك قريباً بتأييد ونصر من الله العزيز القدير.
بقلم: صالح عبد الرحيم - الجزائر
المصدر: جريدة الراية
2 تعليقات
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم
-
بارك الله فيكم وسدد خطاكم