- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-04-06
جريدة الراية: ماذا يعني أن تتوحد الأمة الإسلامية في كيان سياسي واحد؟
المسلمون أمة واحدة من دون الناس كما ورد في الصحيفة النبوية في المدينة المنورة، الدولة الإسلامية الأولى، الكيان السياسي الذي أقامه الرسول ﷺ ، وحافظ عليه الخلفاء الراشدون من بعده، واستمر حتى الربع الأول من القرن الماضي.
ولم يتمكن الأعداء من المسلمين إلا بعدما تمكنوا من إزالة ذلك الكيان، بهدم نظام الحكم فيه، نظام الخلافة، ومزّقوا المسلمين إلى كيانات سياسية كثيرة، نصبوا على كل منها خادماً لهم، حارساً لمصالحهم، حريصاً على تمزيق الأمة الإسلامية، ومانعاً من وحدتها، ووظفوا لذلك علماء يفتون لهم بما يريدون، وجعلوا من الإعلام بوقاً يردد ما يقوله الغرب من استحالة عودة المسلمين أمة واحدة من دون الناس، وأنّ أقصى ما يمكنهم تحقيقه اتحادٌ على غرار الاتحاد الأوروبي، وتبعهم في ذلك المضبوعون بالثقافة الغربية من أبناء هذه الأمة، بل وصل الحدّ ببعض أبناء الحركات الإسلامية، وبعض العاملين في مجال الدعوة إلى الله - وصل بهم الحدّ إلى أن يتولّوا كِبر هذه الفرية، ويزعموا أن الإسلام لم يأمر المسلمين بالتوحّد في كيان سياسيّ واحد، يُغفلون أو يتغافلون عن واقع دولة المسلمين منذ نشأتها الأولى وامتدادها عبر التاريخ، مؤولين النصوص الشرعية الآمرة بالوحدة والجماعة، والاعتصام بحبل الله، والناهية عن التفرّق والاختلاف والتنازع.
إن قضية الأمة الإسلامية الواحدة في كيانٍ سياسي واحد قضية كبرى من القضايا المصيرية في الإسلام، قضية يُتخَذ بحقها إجراء الحياة والموت، وهذا ما يدل عليه حديث رسول الله ﷺ الذي رواه مسلم عن عرفجة: «إنه ستكون هَنات وهَنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان»، وما رواه مسلم أيضاً عن أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله ﷺ قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، وهذا أمر رسول الله ﷺ بالتزام سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده في حديث العِرْبَاض بن سارِيةَ رضي الله عنه وأرضاه يقول: وعظنا رسول الله ﷺ موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله أوصنا كأنها وصية مودع. قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإن أُمِّر عليكم عبد حبشي، فإنه من يَعِش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وَعَضُّوا عليها بالنواجذ...». وهذه سنته وسنة الخلفاء الراشدين المهديين؛ كيانٌ سياسيٌ واحدٌ للأمة الإسلامية، تنفيذاً وتطبيقاً لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾، ثم يقول بعدها: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾، وقوله: ﴿وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾، وهل هناك فشل أكبر من الفشل الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم؟ وهل هناك هزيمة أكبر من الهزيمة التي يعيشها المسلمون في عقر دارهم؟
لقد فشل المسلمون منذ ذهبت دولتهم الواحدة، وفقدوا ريحَهم (قوتهم) بفقدان كيانهم السياسيّ الواحد، وبتمزقهم إلى دويلات متنافرة متنازعة، لقد عاث عدوُّهم في بلادهم فساداً، أهلك الحرث والنسل، وسلب الثروات، ودمّر الشجر والحجر؛ فتلك أفغانستان، وهذه العراق، وما الصومال عنا ببعيدة، تبكي أختها البوسنة والهرسك، يدخلون أي بلد من بلاد المسلمين بجيوشهم إذا أرادوا، بل أخذ حكام بلاد المسلمين يحاربون المسلمين بالوكالة ونيابة عن أعداء الأمة، وهذه اليمن وليبيا وسوريا شواهد على ذلك، لقد انطبقت على المسلمين مقولة: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"!
فما المخرج أيها المسلمون؟
إن المخرج لا يكون إلا بالاعتصام بحبل الله، والالتزام بسنة رسول الله ﷺ وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، دولة واحدةٌ للمسلمين، وهي دولة الخلافة على منهاج النبوة.
وهذا حكم شرعي فرضه الله سبحانه وتعالى على المسلمين، يأثمون بعدم وجوده، وأحكام الإسلام أحكام عملية قابلة للتطبيق، وقد طبّق هذا الحكم ردحاً من الزمن. إضافة إلى أن أمة الإسلام إن كبت فككبوة الحصان الأصيل، سرعان ما تنهض من كبوتها، والتاريخ شاهد على ذلك. وإن ننسَ فلا ننسَ أن أمة الإسلام هي التي تملك المبدأ العظيم، القادر على صهر الشعوب والأمم في الإسلام كما فعل من قبل، فما ظننا بالأمة وهي تدين بالإسلام؟
فالأمة الإسلامية قادرة اليوم على العودة إلى الكيان السياسيّ الواحد يحكمه خليفة واحد؛ مهما اختلفت لغاتهم وعاداتهم، ومهما تباعدت أصقاعهم، فالعالم اليوم كالقرية الصغيرة بحكم المواصلات والاتصالات، ولدى الأمة الإسلامية من المقومات ما يعيدها دولة واحدة كبرى، وها هو مفهوم الأمة الواحدة أخذ يحلّ محل مفاهيم الدولة القطرية أو الوطنية أو القومية عند كثير من المسلمين، وأخذ المسلمون يرفعون أصواتهم للمطالبة بحكم الإسلام..
إن الحكم بالإسلام في كيان سياسيّ واحد للمسلمين جميعاً يعني رضوان الله تعالى، والسير على سنة نبيه ﷺ ، ويعني العزة والكرامة والنصر المبين، يعني إقامة الحق والعدل، ويعني رد الثروات المنهوبة من الأمة إليها، ويعني أن نكون خير أمة أخرجت للناس تحمل الإسلام إلى الناس لنخرجهم من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى السعادة، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
بقلم: خليفة محمد - الأردن
المصدر: جريدة الراية
3 تعليقات
-
بارك الله فيكم وفي ميزان حسناتكم ان شاء الله
-
جزاكم الله خيرا وبارك جهودكم
-
في ميزان حسناتكم وبارك الله في جهودكم وسدد خطاكم