- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-02-03
جريدة الراية: التشكيك بوجوب الخلافة ثرثرةٌ وتطاولُ أقزامٍ تحت الأسوارِ الشاهقة (2)
ذكرنا في الحلقة السابقة الهجمة الغربية على الإسلام ومشروع الخلافة، وما توظفه من أدوات لهذا الهدف. ومن ذلك كتّاب وعلماء سلاطين وذوو مناصب دينية رسمية يُهوِّنون من شأن الخلافة ويُنكرون وجوبها. وقد سبق أن تعرضت الجريدة لهذا الأمر في العددين 20 و21 في مقالتين تم فيهما تفنيد مزاعم الدكتور أحمد الريسوني في إنكاره وجوب الخلافة... وقد ذكرنا هذا الأمر في العدد السابق، وذكرنا مقالتين تتهجمان على الخلافة وتنكران وجوبها وتسخران منها ومن العاملين لها.
فبتاريخ 18 كانون الثاني 2016 نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها 13565 مقالا عنوانه "الخلافة الإسلامية.. استثمار أيديولوجي للنص الديني" للدكتور خالد يايموت. كرر فيه بعض ما افتراه الدكتور الريسوني بتضعيفه الأحاديث التي توجب الخلافة، وزعمه أنه لا يوجد غير حديثين بشأنها، وجاء بأقوال غريبة على الإسلام ونصوصه وقيمه، ونعى على فقه أئمة العلم ورماهم بتقصير أو غفلة ضيّعت الفهم الشرعي الصحيح للخلافة والحكم. وأنكر وجوب الخلافة، زاعماً أن القول بوجوبها لا يستند إلى نصوص شرعية، وإنما إلى تجربة تاريخية هي بنظره تجربة الخلفاء الراشدين. وهو في كل ذلك لا يذكر مستنداً لمزاعمه. وإنما يستلهم النظرة الغربية للمجتمع ولفلسفة قوانينه، وينطلق من قيم أو مقاصد الفكر الغربي، فيتدفق في حديثه وكأنها مقاصد للشريعة الإسلامية، ولكنْ غفل عنها فقهاؤنا (التقليديون) فضيّعوا الأمة بقولهم بوجوب الخلافة! هكذا يزعم.
لا شك أن أمثال هذا الصنف لا يستطيعون أن يقدموا حلاً شرعياً أو رؤيةً من جنس الأحكام الشرعية. ورؤاهم وتنظيراتهم لا تخرج عن إطار التوجيه الغربي بالاستنفار لمحاربة الإسلام ومشروع الخلافة. ولمن أراد الوقوف على تلك المزاعم فمصدر المقال مذكور أعلاه. وسأكتفي بذكر نص منه من باب التوثيق. قال: "لقد ضيّع الفقه السياسي الإسلامي التقليدي إمكانية الاجتهاد السياسي من داخل منظومته القيمية، حين اعتبر الخبرة التاريخية مرجعيةً عليا. وها نحن اليوم نرى أن مشعل هذا التضييع الممارس فقهياً يجد له أنصاراً في القرن الحادي والعشرين، وهم يحملون ما يزعمون أنه استعادةُ وإعلان الخلافة، وهي في حقيقة الأمر حلمٌ لا يقره القرآن نصاً ولا سنةً صحيحة، ولا تدعمه خبرة التجربة الإسلامية الممتدة في التاريخ أربعة عشر قرنا من الاجتماع السياسي...".
وبهذا نلمس فوق جهل هؤلاء، جرأةً على اقتحام المهالك، حيث ينقضون قطعيات وينكرون ويتجاهلون وجود نصوص ثابتة من القرآن والسنة. ويصوّرون أن مصدر وجوب الخلافة هو فقط السابقة التاريخية للخلفاء الأربعة، فهل يطمع هذا الصنف أن يجد لهذه الهتهتة أو الجهالة صدىً في أمتنا؟
وبتاريخ 20 كانون الثاني 2016 نشر موقع هسبرس مقالاً للدكتور خالص جلبي عنوانه: "تجربتي مع السلفيين وحزب التحرير والإخوان". استعرض فيه ذكريات حوار قديم مرَّ معه، قال: "طرحت يومها سؤالاً حيويا خطيراً ومحدداً؟ لماذا تقدم الغرب وليس عنده الكتاب والسنة، وتأخر المسلمون وعندهم الكتاب والسنة". ثم يمضي بذكر خلافه الشديد مع السلفيين، وكذلك حواره بهذا الشأن مع الإخوان.
بحثتُ عن تجربته بهذا الشأن مع حزب التحرير، لأنه ذكر ذلك في عنوان مقاله، فلم أجد إلا ما يلي: "ولعل أصعب نقاش هو مع صنفين من الإسلاميين جداً متناقضين؛ هما السلفيون وحزب التحرير الإسلامي الذي يرفع شعار الخلافة الإسلامية والدولة الإسلامية، كما هو في شعار (داعش) الذي ظهر للوجود في صيف عام 2013م، وهو موجود في كتب الفقه منذ ألف عام". هذا كل ما قاله الدكتور عن حواره مع حزب التحرير! ولكن أين موضوع السؤال فيه وأين الحوار؟ لا يوجد.
ثم نبحث في المقال عن الموضوعية، أيضا لا تُوجد! وما يثير التساؤل أن الدكتور جلبي يتحدث وينتقد بسخرية!
ماذا يريد؟ هل يريد أن يربط حزب التحرير والخلافة بتنظيم الدولة؟ وهل يريد الغمز من حزب التحرير ومن الخلافة والتنفيرَ منهما؟ وما الذي يدفعه لإلقاء الكلام هكذا بلا مسؤولية ولا معنى فيقول مثلا: "وهو موجود في كتب الفقه منذ ألف عام". هل هذا كلام فكري مسؤول يوجَّه إلى المسلمين بُغية البحث عن أسباب انحطاطهم مع أنهم عندهم قرآن وسنة أم أنه إلى العبث أقرب؟
المقالة ساقطة لأنها مجرد لف ودوران لأجل التمهيد لمهاجمة الخلافة والعاملين لها، ولأنها خالية من أي مستند فكري. لذلك جاء هجومه على الخلافة إقحاماً فجّاً حيث قال: "وأما خرافة (الخلافة الإسلامية) والدولة الإسلامية التي خرجت مثل التنين في صورة الوحش داعش؛ فهي شجرة تخرج من أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين". نعم، هكذا قال خالص جلبي: الخلافة خرافة... وقد جاء قوله خالياً من أي استدلال شرعي أو أدنى ربط فكري، أو أي أثارة من علم. ولله درُّ الهوى كيف بصاحبه هوى!
لقد تطاول على حكم الخلافة فأنكره، وكان بحسب الفقهاء أكثر صمماً عن الشريعة من الأصم، فذاك أنكر وجوبها ولكنه أجازها، أما هذا فقال إنها خرافة... وجاء بطَرْحٍ طِرْح، لأنه يفتقر إلى شروط البحث الفقهي أو العقلي. ولا نجد تبريراً له إلا التوجيه الغربي لمواجهة الإسلام ومشروع الخلافة.
إن هذه الحملة على الإسلام ومشروع الخلافة بحيث ينفي هذا وجوبها ويعدها حلماً وعمل حالمين... ويزيد ذاك عليه بأن يعدها رأياً قاصراً للفقهاء التقليديين... ويقول ثالث إنها خرافة... جزءٌ من الحملة الغربية في الحرب على الإسلام التي يسمونها الحرب على الإرهاب، وسواءٌ فيها من قصد ذلك ومن لم يقصده. وما إنكارهم لوجوب الخلافة وسخريتهم من العاملين لها إلا تطاولٌ وثرثرة لا طائل منها، وحالهم كحال الذين وصفهم سبحانه وتعالى بقوله: ﴿مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾ [النساء: 143-145]
بقلم: المهندس محمود عبد الكريم حسن
ثرثرةٌ وتطاولُ أقزامٍ تحت الأسوارِ الشاهقة (1)
المصدر: جريدة الراية