- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2016-01-06
جريدة الراية: أهمية وجود الوسط السياسي الإسلامي في حياة المسلمين
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان وأودع فيه خصائص وصفات معينة اصطلح على تسميتها بالحاجات العضوية والغرائز، وهذه الحاجات والغرائز تدفع الإنسان للعمل على إشباعها بحسب أفكاره ومفاهيمه عن الأشياء، وهذه الحركة للإشباع توجد قطعا نوعا من العلاقة مع الآخرين من بني البشر مما يستدعي تنظيم هذه العلاقة - ومن هنا جاءت الحاجة للنظام بغض النظر عن مصدره سواء من البشر أنفسهم وتوافقهم عليه أو من خالق البشر - وبهذا يوجد المجتمع بوجود هذه المكونات (الإنسان والأفكار والمشاعر والنظام).
ويتزامن هذا طبيعيا عند نشأة المجتمعات البشرية أن يظهر أفراد من المجتمع برزت وطغت عليهم بعض الصفات الغريزية وتمتعوا بشخصيات قيادية ففرضوا أنفسهم قادة ورؤساء لهذه المجتمعات، فظهرت الدول والممالك والإمبراطوريات. والتاريخ يزخر بشواهد كثيرة عن هذه الدول والممالك، فكان هناك الحاكم أو رئيس الدولة وبطانته ومساعدوه، وأحيانا مجالس تمثل باقي الشعب كما عند الإغريق والرومان وملوك مصر القديمة، حيث وصفهم الله سبحانه وتعالى في القرآن بالملأ ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾، وهؤلاء كانوا يمثلون ما نسميه اليوم بالوسط السياسي؛ فالوسط السياسي هم رجال السياسة أو هم كل من يعمل في السياسة بمعناها الحقيقي من أنها رعاية شؤون الناس سواء أكانوا في الحكم أم لم يكونوا، وهم كل من يتتبع الأخبار السياسية والأعمال السياسية والأحداث ليعطوا رأيهم فيها ومن زاوية خاصة لرعاية شؤون الناس.
وقبل أن يبعث رسول الله ﷺ كانت قريش سيدة القبائل العربية وكان هناك شكل من أشكال الحكم يتمثل في مجلس لقادة ورؤساء البطون والعشائر المختلفة في قريش يسمى دار الندوة يجتمعون في هذا المجلس ويتشاورون ويقررون وكانوا يشكلون وسطا سياسيا حاكماً في مكة، ولما بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام أدركوا تماما أبعاد وأهداف دعوة محمد عليه الصلاة والسلام فعرضوا عليه الملك بشرط التخلي عن دعوته فرفض عليه الصلاة والسلام واستمر في دعوته حتى نصره الله واستجابت المدينة وأنصارها لدعوته عليه الصلاة والسلام، فأقام دولته في المدينة المنورة على نمط خاص وفريد لم تشابهها دولة في العالم؛ فمحمد عليه الصلاة والسلام قائدها وحاكمها والقرآن الكريم والسنة مصدرا دستورها وصحابته الكرام يمثلون وسطها السياسي، فهذا عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول يستأذن رسول الله عليه الصلاة والسلام في قتل أبيه لما قاله عن رسول الله ﷺ، فنهاه النبي ﷺ عن ذلك، وأمره بحسن صحبته..
وفي خلافة عمر رضي الله عنه تقوم امرأة تحاسبه في قضية اجتماعية ومن زاوية سياسية في موضوع تحديد المهور ويتراجع أمير المؤمنين عمر عن قراره. وفي خلافة بني أمية وبعد تنازل معاوية بن يزيد عن الخلافة - ووفاته لاحقا - اجتمع بنو أمية وكانوا يشكلون وسطا سياسيا، اجتماعهم المشهور في الجابية وولوا عليهم مروان بن الحكم، ولولا ذلك لسقطت خلافتهم وانتهت كما يقول المؤرخون.
وهكذا كان الوسط السياسي في دولة الخلافة الإسلامية يشكل صمام الأمان وأحد أشكال الضغط السياسي والمحاسبة والضبط للنظام ولمن هو في سدة الحكم حتى لا يحيد عن شرع الله سبحانه وتعالى، ولما سقطت الخلافة وأزالها الكافر المستعمر وقسم بلاد المسلمين وأزال نظام الحكم الذي كان مستندا للإسلام وغاب وسطه السياسي، وفرض عليهم أنظمة حكم وحكاماً لا يحكمون بالإسلام ولا بنظام خاص أو مميز لا هو بالرأسمالي ولا بالشيوعي بل أقرب إلى نظام هجين مرقع في بعض الدول ببعض أحكام الإسلام لا يخدم ولا يحافظ إلا على مصالح الغرب ومصالح حراسهم من حكام المسلمين، بالإضافة لذلك سعى الغرب ودوله لاصطناع طبقة سياسية من مفكرين وسياسيين وعلماء وقادة رأي في بلاد المسلمين تحمل وجهة نظره عن الحياة، فأوجد أوساطاً سياسية ملوثة وفاسدة وظيفتها حماية هذة الأنظمة وتزيينها لعامة الناس حتى لو كانوا في صفوف ما يسمى بالمعارضة. وما آلت إليه أوضاع المسلمين في بلادهم من فقر وعوز وظلم وجور إلا نتيجة طبيعية لتسنم هؤلاء الذين صنعوا في الغرب مسؤولية إدارة البلاد والعباد، فهم قادة مؤسسات هذه الدول في المجال الاقتصادي والمجال التعليمي والإداري وهم مسئولو الإعلام الذراع الأقوى والمهم في صناعة الرأي العام والتأثير ليس فقط في أفكار الأفراد بل وفي ميولهم وأذواقهم في كل مناحي الحياة، وهم الحراس على كل مفصل من مفاصل هذه الدول الهزيلة.
ولذلك كان من الضرورة والواجب على من أراد تغيير واقع بلاد المسلمين أن ينتبه لهؤلاء ويكشف فساد أفكارهم ويهدمها من أصولها الفاسدة أساساً، وأن لا يقع في مصيدة التغيير من الداخل فيصبح جزءاً من هذه الأوساط الفاسدة بحجة وَهْم الإسراع في التغيير ورؤية النتائج كما يظن البعض، فينطبق عليه قول رسول الله ﷺ: «... فإن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى» ويجب العمل أيضا على بناء وإيجاد أوساط سياسية في المجتمع تكون بديلة وجاهزة في حال تغيير النظام وهذه وظيفة الحزب المبدئي في الأمة، فهو الذي يوجد مثل هذه الأوساط.
وقد منّ الله سبحانه وتعالى علينا بأن وجد مثل هذا الحزب على أرض الواقع متمثلا بحزب التحرير الذي أسسه العالم الأزهري الشيخ تقي الدين النبهاني في خمسينات القرن الماضي والذي يعمل في الأمة ومعها لاستئناف الحياة الإسلامية بإيجاد دولة الخلافة على منهاج وطريقة رسول الله ﷺ وطريقته بتثقيف الأمة الثقافة الإسلامية الصحيحة حتى تتفاعل الأمة وتحمل هذا الفكر وتحتضن الحزب وأفراده للوصول لمرحلة الحكم واستلامه لتطبيق الإسلام عمليا وإيجاده في واقع الحياة وإزالة وقطع كل ما له صلة بالكفر ودوله وصنائعه.
بقلم: حاتم أبو عجمية - الأردن
المصدر: جريدة الراية