- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2015-12-30م
كيف سيبدو المشهد الليبي بعد القرار الدولي 2259؟
بقلم: أسعد منصور
صوت مجلس الأمن بالإجماع يوم الأربعاء 2015/12/23 على مشروع القرار الذي قدمته بريطانيا إلى المجلس تطالب فيه اعتبار الحكومة التي سيتم تشكيلها في ليبيا بموجب الاتفاق الذي جرى في مدينة الصخيرات هي الممثل الوحيد لليبيا، فقام بإصدار القرار 2259 الذي يتبنى ذلك.
إن بريطانيا استعجلت الأمور فعقدت الاتفاق النهائي في الصخيرات بالمغرب يوم الخميس 2015/12/17، وحتى تجعل ذلك مشروعا ومقبولا دوليا لجأت إلى مجلس الأمن، فقدمت مشروع القرار المشار إليه لتأييد مقررات الاتفاق النهائي منها تشكيل حكومة مؤلفة من مجلس رئاسي ومجلس وزراء مقرها في طرابلس العاصمة، وإنشاء مجلس رئاسي مشكل من المؤتمر العام بجانب مجلس النواب في طبرق.
إن ما دعا بريطانيا للاستعجال هو التحركات الأمريكية لعرقلة الاتفاقات إما مباشرة كأعمال التدخلات العسكرية التي بدأت تقوم بها بذريعة محاربة تنظيم الدولة وغيره، وكذلك الأعمال السياسية كعقدها مؤتمر روما يوم الأحد 2015/12/13 لتبدأ المفاوضات من جديد متجاهلة كل ما تحقق من اتفاقات، أو غير مباشرة عن طريق عميلها حفتر. وعندما لم تتمكن من العرقلة سايرت الاتفاق والقرار، وليس معنى ذلك أنها رضيت وستسكت، بل ستبقى تتحرك وتصارع، لأنها دولة كبرى وأولى واستعمارية تسعى دائما لبسط نفوذها وفرض استعمارها وطرد نفوذ الدول الكبرى الأخرى. ولهذا فإنه رغم الاتفاق النهائي وقرار مجلس الأمن قامت قوات حفتر يوم 2015/12/24 بشن هجمات على مناطق يتواجد فيها التنظيم.
ولهذا فإن بريطانيا تحتاط لذلك، فتجعل عملاءها ينقسمون بين مؤيد للاتفاق وللقرار ومعارض ظاهريا لهما للتصرف في حالة فشل تطبيق مقررات الاتفاق وتشكيل الحكومة أو عدم نجاحها ولامتصاص ردات الفعل ولتزعم المعارضة، فتريد أن تجعل الحكومة معها وكذلك المعارضة. لأن تنفيذ الاتفاق وتنفيذ قرار مجلس الأمن غير مضمونين. وقد تغيرت الأوضاع في ليبيا، ففي عهد القذافي لم تكن هناك معارضة فكلما ظهرت كان يسحقها، فكانت بريطانيا مؤمّنة على نفوذها في ليبيا مدة أربعة عقود.
وإن كان الوسط السياسي في ليبيا ما زال يسيطر عليه عملاؤها إلا أنها تواجه الآن تحديا حقيقيا من قبل أمريكا، ولذلك تريد أن تشكل منهم الحكومة والمعارضة بحركة استباقية، لأن أمريكا ستسعى لتأسيس معارضة سياسية بجانب المعارضة العسكرية بقيادة حفتر كلما قوي نفوذها بضربها للآخرين وبكسبها المزيد من العملاء. بالإضافة إلى الخوف من نشاط أبناء البلد المسلمين بعدما كسروا حاجز الخوف وأصبح لديهم وعي سياسي عام إلى حد ما، فتخاف بريطانيا كما يخاف غيرها من أن يزداد الوعي لدى الشعب الليبي حتى يصبح وعيا تاما، فيتركوا العملاء وينضموا إلى السياسيين المخلصين الواعين الذين وقفوا في وجه القذافي وتصدوا لهرطقته وأباطيله ومنها إنكاره للسنة النبوية وفضحوا ارتباطه ببريطانيا وتنفيذه لسياساتها في المنطقة وفي أفريقيا وعملوا على نشر فكرة الخلافة فسجن وأعدم العديد منهم.
فمن هنا نفهم تصرفات العملاء، فقد اجتمع رئيس المؤتمر العام نوري أبو سهمين ورئيس البرلمان عقيلة صالح في مالطا التابعة لبريطانيا يوم الثلاثاء 2015/12/15 فبعثا برسالة إلى سكرتير الأمم المتحدة قالا فيها: "إن اعتماد الاتفاق السياسي في الصخيرات زاد من تعقيد المشهد الليبي وإن الحكومة التي اعتمدت برئاسة فايز السراج لم تكن ناتجة عن توافق ليبي بل نتاج اجتهاد شخصي للمبعوث السابق ليون". وأشارا إلى المظاهرات التي خرجت في طرابلس ومدن أخرى احتجاجا على الاتفاق. مما يؤكد أنهما أُعدا ليكونا من زعماء المعارضة. فلن يمنعا تشكيل الحكومة وإنما سيظهران أنهما معارضان لها، لأن تشكيلها قد تم تأكيده بقرار دولي. والدليل على ذلك أنهما عارضا اتفاق الصخيرات ولكنهما لم يعرقلا توقيعه، مما يؤكد على أن معارضتهما شكلية وليست جادة.
وكذلك اعترض رئيس حكومة المؤتمر العام بطرابلس خليفة الغويل على الحكومة التي سيتم تشكيلها وعلى قرار مجلس الأمن، فقال "إن الوزارة المنبثقة عن الاتفاق غير شرعية وإن الشعب الليبي لن يسمح لها بدخول العاصمة".
فنرى أن وفود المؤتمر العام ومجلس النواب يوقعون على الاتفاق النهائي ويرحبون بقرار مجلس الأمن ومن ثم يقوم هؤلاء الرؤساء الثلاثة بالاعتراض ولم يقوموا بأعمال جادة لعرقلة ذلك! وهم لا يعلنون أن هذه الوفود لا تمثل مؤسساتهم ولا يعلنون عزلها لأنها خالفت أوامرهم! كل ذلك يؤكد أن هؤلاء في الأصل راضون عن الاتفاق وعن القرار ولكنهم يبدون معارضة شكلية، ولا يقفون حجر عثرة في سبيل تنفيذهما، حتى إذا ما نجح الاتفاق يبقون ممسكين بزمام الأمور أو يقودون المعارضين ويخدعون المخلصين.
وقد تضمن قرار مجلس الأمن الذي صاغته بريطانيا دعوة دول المجلس إلى مساعدة الحكومة التي ستشكل في غضون 30 يوما والاستجابة لطلباتها في مواجهة التهديدات الأمنية ومحاربة تنظيم الدولة وغيره. وقد نقلت وسائل الإعلام يوم 2015/12/12 قول السفير البريطاني في ليبيا بيتر ميليل: "إن بلاده على استعداد للتدخل العسكري في ليبيا لمكافحة الإرهاب بمجرد طلب حكومة الوفاق الوطني الليبية المنتظرة ذلك". وقول وزيرة القوات المسلحة البريطانية بيني موردون: "إن بلادها تراقب بدقة الجماعات الإرهابية في ليبيا وإن هذه الجماعات تهدد ليبيا والدول المجاورة لها والمصالح البريطانية في المنطقة". وقول وزير خارجية بريطانيا هاموند: "بأن حكومة وفاق وطني يمكن أن تبدأ في السماح لنا بإعادة بناء ليبيا". فبريطانيا صاغت القرار على مقياسها لتطلب الحكومة القادمة من بريطانيا مساعدتها كما أشار المسؤولون البريطانيون حتى تبقى هي صاحبة النفوذ في ليبيا. ومن تلك المساعدة التدخل العسكري، وذلك في مواجهة التدخل الأمريكي العسكري.
وقد أعلنت فرنسا كما ذكرت إحدى صحفها "لوفيغارو" يوم 2015/12/22 أنها بدأت الإعداد لتدخل عسكري جديد في ليبيا لمحاربة تنظيم الدولة. وذكرت أن سبب دعم فرنسا للمبعوث الدولي في ليبيا لإنجاح الاتفاق النهائي هو الحرص على إعداد السيناريو المناسب الذي يسوق التدخل والذي يتمثل في الاتفاق على حكومة وحدة تعتمد على تحالف دولي مستعد لمدها بالقوات والسلاح لمحاربة تنظيم الدولة وفي حالة فشل ذلك ستتولى فرنسا تشكيل تحالف عسكري تتولى قيادته وتقوم بالتدخل المباشر. أي أن أوروبا تريد تشكيل حكومة ليبية تطلب منها المساعدة العسكرية والتدخل العسكري.
وبذلك يبدو المشهد الليبي عقب قرار مجلس الأمن مؤهلاً لمزيد من الصراع بين أمريكا وأوروبا، فلا يظهر أن طرفا سيستسلم للثاني لأن لكل منهما قوى على الأرض تعمل لحسابهما، وكذلك قوى إقليمية تساعدهما، وهو مؤهل لمزيد من سفك دماء المسلمين بذريعة محاربة تنظيم الدولة وغيره. والاتفاقات التي وقعت والقرارات الأممية التي صدرت لا تبدو أنها ستوقف ذلك، بل هي لاستخدامها لتعزيز مواقع كل من الطرفين حتى ينتهي الأمر إلى تغلب طرف على آخر، أو الاتفاق على تقاسم النفوذ، أو أن يقيض الله لهذا الشعب المكلوم من يأخذ بيده من السياسيين المخلصين أمثال حزب التحرير فينقذه من أتون هذه الحرب التي هو وقودها، ويقوده مع شعوب الأمة المكلومة لمصارعة تلك القوى الأجنبية الدخيلة وطردها من ليبيا ومن كافة بلاد الإسلام لتعود عزيزة تحيا حياة إسلامية كريمة في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فلا تنساق وراء كل ناعق من عملاء الاستعمار ولا تنخدع بحركاتهم وألاعيبهم.
المصدر : جريدة الراية