الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خيال القومية
(مترجم)

 


كان ليون أفندي باوس حفيد طبيب عسكري عثماني نقل عائلته من اليونان إلى العراق، في وقت ما خلال القرن التاسع عشر الميلادي. وبموجب القانون العثماني، كان والده يعتبر يونانيا. وفي عام 1897م، عندما اندلعت الحرب بين اليونان والخلافة العثمانية، أدى والده يمين الولاء للاحتفاظ بالتبعية للخلافة.


بعد تقسيم تركة الخلافة العثمانية عام 1918م على يد قوات الحلفاء، مُنح باوس الجنسية العربية. وفي عام 1919م، كتب باوس رسالة إلى المندوب السامي البريطاني يسعى فيها إلى فهم كيف يمكن إجباره على أن يصبح عربيا؟ كما تساءل كيف يمكن للبريطانيين بالضبط أن يستحضروا "الحجاز وبلاد ما بين النهرين وشرق الأردن ومصر وتركيا والآن يجبرون الناس على أن يصبحوا رعايا لهذه البلدان المولودة حديثا؟!". ولم يعالج موظفو الانتداب البريطاني أبدا مخاوفه وظلت قضيته دون حل.


في عام 1921م، أنشأت الحكومة البريطانية إمارة شرق الأردن ومنحت الحكم لعبد الله، شقيق الملك فيصل. وقسم الضباط البريطانيون المنطقة لتكون بمثابة جائزة لعبد الله لدوره في الثورة العربية وكذلك لتكون بمثابة منطقة عازلة بين سوريا وفلسطين. جاء ذلك بعد محاولات من المؤتمر السوري العام معارضة فصل بريطانيا فلسطين عن سوريا، واستعمارها من المستوطنات الصهيونية.


وفي عام 1924م، بعد أن ألغى مصطفى كمال الخلافة، أعلن الشريف حسين، الذي منحته بريطانيا لقب "ملك الحجاز" بعد إطلاق الثورة العربية، أعلن نفسه خليفة جديدا. ومع ذلك، فإن حكمه كخليفة لم يدم طويلا. فقد حول الضباط الاستعماريون البريطانيون دعمهم من الحسين إلى ابن سعود الذي استولى في عام 1925م على مكة وأرسل الحسين إلى المنفى، وأعلن ابن سعود نفسه "ملك الحجاز" الجديد.


وفي وقت لاحق، عام 1932م، وحدت عائلة سعود أراضيها في منطقتي الحجاز ونجد لإنشاء مملكتهم. وفي عام 1936م، عندما صاغت فرنسا معاهدة للبنان، اندلعت احتجاجات في بيروت وصيدا وطرابلس، وكلها طالبت بالوحدة مع سوريا، لكن فرنسا تجاهلت هذه الاحتجاجات واستمرت في خططها لإبقاء سوريا منفصلة عن لبنان.


كل هذه الأراضي كانت جزءا من الخلافة العثمانية. وكما أشار باوس في رسائله، فإن الدول القومية التي بنيت عليها إنما أنشأها الاستعمار.


بعد أن قسم المستعمرون بلاد المسلمين، عملوا على تغيير نظام حكمها، فتم إدخال الأنظمة البرلمانية وأبى الضباط الاستعماريون التعامل مع أهلها إلا إذا وافقوا على تنظيم أنفسهم في شكل أحزاب ديمقراطية. أولئك الذين أتى بهم المستعمرون إلى السلطة هم الذين قبلوا قوانينهم ومبادئهم. وبالتالي فإن ظهور الدول القومية في بلاد المسلمين يرتبط ارتباطا وثيقا بتاريخ الاستعمار والإكراه من القوى الأوروبية التي أرادت أن ترى البلاد الإسلامية مقسمة.


السؤال إذن هو: لماذا نستمر في قبول هذا الشكل من الحكم لأنفسنا؟ الجواب، ربما يمكن العثور عليه في ما كتبه ابن خلدون رحمه الله منذ قرون في مقدمته، حيث قال: "إن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده والسبب في ذلك أن النفس أبدا تعتقد الكمال في من غلبها وانقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وفر عندها من تعظيمه أو لما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلب طبيعي إنما هو لكمال الغالب".


ومع الأزمة الأخيرة في فلسطين، أصبح من الأهمية بمكان أن تبدأ البلاد الإسلامية في إعادة تقييم شكل حكمها وتبنيها للمبادئ الغربية. إن الغرب "المتفوق" هو المسؤول عن إنشاء كيان يهود الذي يرتكب اليوم إبادة جماعية ضد مسلمي فلسطين، وإن أفعاله تبررها لغة الدولة القومية ("الحق في الدولة"، "الحق في حماية الحدود") وهذه هي اللغة نفسها التي تستخدمها الأنظمة القائمة في البلاد الإسلامية لتبرير عدم اتخاذها إجراءات ضد كيان يهود.

 

نقطة ابن خلدون رحمه الله هي أنه بدلا من افتراض أن المنتصر مثالي، يجب أن نفكر في أسباب الهزيمة. لقد كان تخلي مصطفى كمال عن الشريعة وإلغاء الخلافة هو الذي وضع البلاد الإسلامية في حالتها المهينة اليوم. فقط باستئناف الحياة الإسلامية واستعادة الخلافة يمكن للبلاد الإسلامية التغلب على ظروفها الحالية. قال الله تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.


وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: «مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يُقَاتِلُ عَصَبِيَّةً وَيَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ». قال الإمام النووي في شرحه: "وَإِنَّمَا يَغْضَبُ لِعَصَبِيَّةٍ لَا لِنُصْرَةِ الدِّينِ، وَالْعَصَبِيَّةُ إِعَانَةُ قَوْمِهِ عَلَى الظُّلْمِ". تشير كلمة "عَصَبِيَّةُ" إلى القبلية وجميع الأفكار المرتبطة بها مثل القومية. وهناك العديد من الأحاديث التي تناقش مدى بغض القبلية في الإسلام. بوصفنا مسلمين، فإننا نتحد من خلال الإسلام، وهويتنا الإسلامية هي المهيمنة على كل شيء آخر، وإلا فإن موتنا يشبه موت الجاهلية كما لو أننا لسنا مسلمين! ونموت آثمين!كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

خليل مصعب – ولاية باكستان
 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع