الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحكومة الإنجليزية تتجنب معالجة السبب الجذري لأعمال الشغب

 

في أعقاب أعمال الشغب المعادية للإسلام في ساوثبورت، أعلن رئيس وزراء المملكة المتحدة عن تشكيل وحدة جديدة لمواجهة الاضطرابات العنيفة في الشرطة، ومع ذلك، فقد امتنع عن تنفيذ إجراءات عقابية ضد شركات التواصل الإلكتروني الكبيرة التي تسمح بنشر الكراهية والعنف المستوحى من اليمين المتطرف على منصاتها، وعلى الرغم من هذه الإجراءات الجديدة، واصلت الجماعات اليمينية المتطرفة تنظيم احتجاجات عنيفة استهدفت المساجد في مدن عدة في شمال إنجلترا.

 

وعلى الرغم من أن مساهمة الجماعات اليمينية المتطرفة هي التي تثير التوترات المجتمعية، إلا إن معالجة قضية التماسك المجتمعي تتطلب نهجا أكثر نجاعة من مجرد حظر هذه المنظمات، أو حظر نشر المعلومات المضللة على وسائل التواصل الإلكتروني، أو معالجة عدم المساواة الاقتصادية في إنجلترا. ويمكن أن يُعزى السبب الجذري وراء التطرف والعنف اليميني المتطرف فقط إلى العنصرية الإنجليزية الجامحة، التي تنتشر بشكل كبير في المجتمع.

 

لقد شهدت إنجلترا، في يوم واحد، حالات متعددة من العنصرية المؤسسية، حيث ألقى اللورد بيرسون من رانوش خطاباً مثيراً للجدل في مجلس اللوردات، والذي تعرض لانتقادات واسعة النطاق باعتباره تحريضياً ضد المسلمين؛ وأوقفت شرطة مانشستر الكبرى ثمانية ضباط عن العمل بتهمة التمييز العنصري؛ وكشف تقرير عن مدارس كينت عن أكثر من 900 حالة عنصرية، وتعكس هذه التقارير العنصرية المتفشية داخل المؤسسات الإنجليزية الرئيسية، وأن هذه الحوادث ليست معزولة عن المشهد السياسي في البلاد.

 

وعلى مدى العقدين الماضيين، كشفت سلسلة من التقارير عن العنصرية المؤسسية في مختلف قطاعات المجتمع الإنجليزي. ومثال ذلك تقرير ماكفيرسون في عام 1999، حيث سلط الضوء لأول مرة على العنصرية المؤسسية في قوات الشرطة، ما مهد الطريق إلى مزيد من التحقيقات. وفي وقت لاحق، كشف تقرير مراجعة لامي في عام 2017 عن التحيز العنصري المنتشر داخل نظام العدالة الجنائية، في حين حددت مراجعة التفاوت العرقي في العام نفسه عدم المساواة على نطاق واسع عبر الإدارات الحكومية. ولم يكن القطاع الصحي محصناً من العنصرية أيضا، حيث شددت مراجعة مارموت في عام 2020 على استمرار عدم المساواة الصحية للأقليات العرقية، وهو ما أكّدته تقارير مرصد العرق والصحة التابع لهيئة الخدمات الصحية الوطنية في 2022-2023 والتي توثّق التفاوتات العرقية في الرعاية الصحية. وقد واجهت الأحزاب السياسية أيضاً التدقيق، حيث أشار تحقيق سينغ في عام 2021 إلى التمييز داخل حزب المحافظين، ووجد تقرير فورد في عام 2022 أدلة على التحيز العنصري داخل حزب العمل.

 

وعلى الصعيد الرياضي، ابتليت كرة القدم في إنجلترا بالعنصرية المستمرة، حيث يواجه اتحاد كرة القدم تدقيقاً مكثفاً بسبب استجابته غير الكافية لهذه القضية. وعلى الرغم من مبادرات مثل تقارير Kick It Out السنوية وقانون التنوع التابع للاتحاد الإنجليزي، انتقد تقرير اللجنة البرلمانية لعام 2020 بشدة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم وهيئات كرة القدم الأخرى بسبب تقدمها البطيء في مواجهة التمييز العنصري، مشدداً على الحاجة إلى إجراءات أكثر فعالية لمعالجة العنصرية المنهجية داخل الرياضة.

 

إن انتشار العنصرية في العديد من المؤسسات الإنجليزية لم يؤد إلا إلى توفير بيئة خصبة لنمو التطرف اليميني والعنف ضد العرقيات الصغيرة في إنجلترا، والأمر الأكثر شراً هو أن المؤسسة الإنجليزية استغلت الجماعات اليمينية المتطرفة لإعادة توجيه اللوم عن التفاوت الاقتصادي نحو الهجرة، في حين مارست في الوقت نفسه الضغط على الجالية الإسلامية لحملها على التنازل عن القيم الإسلامية والانصهار في المجتمع الغربي.

 

إن العنصرية في إنجلترا ليست ظاهرة حديثة بدأت بعد الحرب العالمية الثانية، فعندما تم استيراد القوى العاملة من المستعمرات البريطانية لسد النقص في العمال، بدأ السعي إلى التفوق الإنجليزي في وقت أبكر بكثير، وكان ذلك في أعقاب تفكك الإمبراطورية الرومانية. وخلال تلك الفترة، استقرت في إنجلترا مجموعات من الشعوب الجرمانية والدنماركية، مثل الأنجل والسكسون والجوت. وقد تصادمت هذه المجموعات في البداية مع البريطانيين المحليين، ولكن مع مرور الوقت ظهرت الممالك الأنجلوسكسونية إلى الوجود وولدت الفكرة الأولى للهوية الإنجليزية. وتعززت هذه الهوية الإنجليزية بشكل أكبر، حيث صد الأنجلوسكسونيون مراراً وتكراراً لهجمات الأسكتلنديين، والبيكتس، والشماليين مثل الفايكنج. وبلغت هذه الأخيرة ذروتها في حكم الملك كنوت الكبير، ثم تبعه ويليام الفاتح. إن تاريخ الغزو والاستيعاب هذا هو الذي أرسى الأساس لتقليد طويل الأمد يتمثل في النظر إلى الغرباء بعين الريبة والتأكيد على تفوق أسلوب الحياة الإنجليزي.

 

وبعد قرون من الغزو والصراع، بدأ الإنجليز في تأكيد شعورهم الجديد بالتفوق، فغزوا إيرلندا واسكتلندا، وشاركوا في الحملة الصليبية الثالثة، وأشعلوا حرب المائة عام. وبحلول منتصف القرن السادس عشر، دخلت النخبة الإنجليزية في تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، والتي احتكروها لمئات السنين. وقد أدى ظهور الرأسمالية إلى إبراز الشعور الإنجليزي بالتفوق عندما ارتكبوا فظائع لا يمكن تصورها في فرض أسلوب الحياة الإنجليزي على الرعايا الأجانب وتوسيع إمبراطوريتهم. وفي هذه العملية، تحمل إنجلترا الرقم القياسي المروع المتمثل في غزو 90% من بلدان الكرة الأرضية، وهي مسؤولة عن العواقب الجيوسياسية طويلة الأمد التي لا تزال تطارد عالمنا اليوم.

 

ونظراً لهذا التاريخ، فمن المستحيل أن تتمكن النخبة الإنجليزية من القضاء على نزعتهم العنصرية، والنخبة الإنجليزية مستعدة لدوام استخدام القومية الإنجليزية لصرف الناس عن القضايا الملحة أو لتعبئة شعوبها لخوض حروب خارجية تضحي بحياة الشعب الإنجليزي العادي لتأمين مصالح النخبة. وبالتالي، يتعين على الجالية المسلمة أن تقف بحزم ضد الخلاف المجتمعي وتقديم الإسلام كبديل حضاري لتوحيد العرقيات المختلفة والسكان الإنجليز الأصليين كمجتمع واحد.

 

يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد المجيد بهاتي

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع