المرأة المسلمة والفساد وتأثير الفراشة

(مترجم)

 تقوم الحكومة الإندونيسية بقمع أنماط الحياة المترفة لبعض مسؤولي الضرائب وسط مخاوف من أن فضيحة حديثة تركّز على ثروة مشبوهة لمسؤول ضرائب في جاكرتا، حيث يمكن أن يتحول ذلك إلى حركة واسعة النطاق مناهضة للضرائب تدمر أيضاً سمعة وزارة المالية كمؤسسة حكومية. يأتي التدقيق المتزايد على مسؤولي الضرائب بعد اعتقال ماريو داندي ساتريو، نجل مسؤول الضرائب رافائيل ألون تريسامبودو، الأسبوع الماضي بعد مزاعم بالاعتداء على قاصر. ظهرت صور ومقاطع فيديو لأسلوب حياة ماريو الباهظ في حسابه على وسائل التواصل، وثروة والده البالغة 56 مليار روبية (3.6 مليون دولار أمريكي)، في الأيام التالية، ما أثار تساؤلات حول مصدر الأموال. والدة ماريو هي أيضاً شخصية مجتمعية تُدعى إرني مايك تورونديك. منذ أن أصبحت قضية ماريو داندي فيروسية، تمّ أيضاً تداول صور لرفاهية والدتها، حيث عرضت أكياساً بسعر عالٍ لكلب أليف يدعى بابلو يرتدي ملابس تحمل علامات تجارية. ومع ذلك، سرعان ما حذفت إرني جميع صورها. (TVOne)

تسببت حادثة الاعتداء التي ارتكبها ماريو بوي في تأثير الفراشة غير المتوقع، أي سمعة مؤسسة وزارة المالية الإندونيسية على المحك. يتسبب حادث جنائي بسيط بشكل غير متوقع في سلسلة من الأحداث تؤدي إلى فوضى واسعة النطاق. من قضايا الحب ومعارك الشباب إلى الفضيحة مع المدير العام للضرائب في وزارة المالية: مخالفة بقيمة 300 تريليون روبية إندونيسية، تضمّ 460 موظفاً، ما يشير إلى وجود مافيا داخل مؤسسات الدولة.

تأثيرات الفراشة هي نظرية عن الفوضى تشرح أن التغيرات الصغيرة جداً في الغلاف الجوي للأرض يمكن أن تُغير مسار الأعاصير أو تؤخّر وتُسرّع وحتى تمنع حدوثها في مكان آخر. ونتيجة لذلك، تظهر هذه الفضيحة أن الضرر والفساد في المجتمع العلماني الحديث قد أصاب كل الخطوط. من أصغر صف أي وحدة الأسرة إلى مؤسسات الدولة ثقافية وهيكلية. علاوةً على ذلك، فإن هيكل اقتصاد هذا البلد يوفر 80٪ من إيرادات الدولة من الضرائب. لذلك لا عجب أن كشف أسلوب الحياة الفخم الذي يعيشه مسؤولو الضرائب والجمارك وعائلاتهم قد أثار بالتأكيد الغيرة لدى العامة. من الواضح أن وراء المسؤول الفاسد دائماً زوجة تحب أن تعيش في رفاهية وأطفالاً مدللين ولديهم بوصلة أخلاقية ضحلة. هذه صورة لعائلة علمانية حديثة في المدن الرأسمالية الكبرى.

ثم يطرح السؤال من أين تبدأ الجهود للقضاء على هذا الفساد المستشري؟ لنبدأ من التعريف. الفساد في الإسلام هو أي عمل يخالف الشريعة الإسلامية، ليس فقط على مستوى المسؤولين الحكوميين. تعريف بسيط ولكنه أساسي. لكن الإسلام لديه معايير أكثر صرامة على مستوى الموظفين العموميين، مثل الحظر الصارم للرشاوى والإكراميات وحتى حظر تقديم الهدايا لموظفي الدولة. لذلك، في السياق الأوسع للأحكام الإسلامية، تعتبر ممارسة الفساد فعلاً مخالفاً لمبادئ العدالة والمساءلة والمسؤولية. ولهذا فإن الرشوة والإكراميات من كبائر الذنوب في الإسلام. عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: «هَدَايَا الْعُمَّالِ غُلُولٌ». (الطبراني في الأوسط رقم 5126).

السلوك الفاسد هو موقف عقلي وثيق الصلة بالثروة والعقلية الدنيوية. يعطي الإسلام هذا التوجيه من مستوى أساسي، فقد ثبت أن رسول الله ﷺ قد حذرنا من مخاطر الافتراء على الثروة وحب الدنيا، والتي ستدمر هذه الأمة. قال ﷺ: «فَوَاللهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوْهَا كَمَا تَنَافَسُوْهَا، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ» (البخاري ومسلم)

إذن، لنستعر تشبيهاً بتأثير الفراشة، فإن دور المرأة المسلمة هو في الواقع دور حيوي في القضاء على الفساد، لأنها آخر معقل للأسرة المسلمة، ويمكن أن يوجد دورها من أصغر الصف حتى المستوى المتوسط والكبير. لهذا السبب، يجب أن تتحلى المرأة المسلمة بالشجاعة للقيام بدور كبير على مختلف المستويات، بحيث تكون هناك تغييرات هائلة في المجتمع واقتلاع بذور السلوك الفاسد من جذورها. فيما يلي الخطوات التي يجب على المرأة المسلمة اتخاذها:

1- المستوى الفردي. بناء إيمان قوي، أحيطي نفسك بالمعرفة المفيدة، وخاصة الثقافة الإسلامية حتى يتمّ الحفاظ على هويتنا كنساء مسلمات وخاضعات دائماً لأحكام الشريعة.

2- مستوى الأسرة. إن تدفق الحياة الرأسمالية يجعل نساء وأمهات اليوم أضعف في أداء دورهن الرئيسي كحصن للأسرة المسلمة. لذلك، تعزيز الدور داخل الأسرة، وتحسين جودة التفاعل مع الأسرة وفقاً للأحكام الإسلامية، وتثقيف الأطفال وفقاً للإسلام، وتشجيع الأسرة والبيئة على الانخراط في الدعوة، بما في ذلك الامتثال للشريعة في تلبية الاحتياجات الاقتصادية، وعدم التعامل بالربا وأسلوب حياة المتعة.

3- على مستوى المجتمع. ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القضايا العامة التي تصور الفساد في المجتمع. وهذا يشمل تصحيح أنماط الحياة المادية والاستهلاكية للمرأة، مثل أنماط حياة المجتمع، وزوجات المسؤولين وغيرهم ممن يعطون الأولوية للمظهر السطحي، واستهلاك السلع الكمالية، والصلات بالسلطة التي تقوي في الواقع الخط السياسي الأوليغارشي.

4- المستوى العالمي الاجتماعي والسياسي. بناء الوعي السياسي الإسلامي، والانخراط في الدعوة الجماعية ولعب دور جماعي في تصحيح من هم في السلطة، وكشف جشع النخب الأوليغارشية، ومؤسسات الدولة الفاسدة، واستبداد السياسات الرأسمالية، وانحراف العلمانية. بما في ذلك تعزيز عودة الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة التي ستطبق الشريعة الإسلامية وتحافظ على مقاصد الشريعة.

إن الدور الحاسم والأساسي للمرأة المسلمة في بناء الأسرة يشبه رفرفة الفراشة الصغيرة في الغابات الاستوائية في البرازيل والتي تؤثر على حدوث الأعاصير في تكساس. لذلك عندما تدرك النساء المسلمات دورهن، فإن عملهن في بناء المجتمع سينتج عنه تغييرات حقيقية وكبيرة، وحتى تغيير العالم. وكل ذلك من أجل نيل رضا الله. والله أعلم.

﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً﴾

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

د. فيكا قمارة

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير