الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عندما تصنع الشركةُ الرأسمالية دولتَها!

الدولة الرأسمالية؛ حقيقة الشركة ووَهْمُ الدولة!

 

إن مصطلح الدولة في الفكر العلماني الرأسمالي كباقي مصطلحات الثقافة والحضارة العلمانية الغربية، يتم التعامل معها بكثافة سردية لفظية وسطحية وهشاشة ثقافية على مستوى الدلالة والمفهوم والممارسة والتطبيق، وتلك آفة خطاب معلمني العرب وطائفة الوسطية والاعتدال، فحديثهم عن مصطلحات ومفاهيم الثقافة والفكر الغربي هلامي ضبابي لا تضبطه مرجعية أو نسق معرفي، سطحي يفتقر إلى العمق وسبر الأغوار، بعيد عن البحث المعرفي والتمحيص والدقة، عارٍ عن التفكير والتدبر وتحديد المفاهيم.

 

فعند الحديث عن الدولة في المنظومة العلمانية الرأسمالية تتكرر تلك السردية العلمانية في اختزال الدولة في الديمقراطية والانتخابات وصناديق الاقتراع، ثم تأتي بعدها تلك اللازمة المطردة المتهافتة عن الديمقراطية وسيادة الشعب وحكم الشعب، ويرددها معلمنو حي العرب بحماسة منقطعة النظير يوردها الواحد منهم مورد النص من الوحي، علما أن الديمقراطية قديما وحديثا كانت ولا زالت حكم القلة القليلة وتَحَكُّم قلة القلة في جمع الجموع، وغصب لسلطان الجماعة وتزييف لإرادتها، واحتيال على ثرواتها وسلب لأموالها بأسلوب ناعم ماكر، انتهاء بالسيطرة التامة والشاملة على الدولة والمجتمع. يخبرنا التاريخ أن الديمقراطية التي نحت مصطلحَها إغريقُ اليونان القديم في القرن الخامس قبل الميلاد، عاشت زمنها النموذجي وترجمتها الفعلية زمن ديمقراطية أثينا وحكم بريكليس (490 ق.م-429 ق.م)، تلك الديمقراطية التي تعتبر الأم والنموذج للديمقراطيات العصرية، وتُنْسِيك هذه السردية العلمانية أن في هذا الزمن النموذجي للديمقراطية كان هناك 2000 شخص أحرار تحت سياطهم 110 آلاف من المحرومين والعبيد لا صلة لهم بالديمقراطية ولا يسمح لهم حتى بالاقتراع على شكل سوط جلادهم وأسلوب جلدهم، فالشعب الحاكم السيد هم ذكور أثينا 2000 الأحرار ملاك العقارات النبلاء، فهم من يقررون حاضر ومستقبل ومصير أثينا وجموع خدمهم وعبيدهم. وديمقراطية الغرب اليوم هي امتداد لديمقراطية أثينا الأم، فقد حل الرأسماليون من أصحاب البنوك والشركات الكبرى محل ملاك عقارات أثينا، وهم اليوم من يقرر حاضر ومستقبل ومصير العامة من عمال وخدم وعبيد سخرة للرأسماليين أصحاب البنوك والشركات.

 

والحقيقة العارية هي أن قلة القلة من الرأسماليين أصحاب البنوك والشركات الكبرى هم الحكام الحقيقيون، ولا يعدو الكلام عن الديمقراطية وسيادة الشعب وسلطة الشعب ورقةً انتخابية في زمن محدد ومكان معين ينتهي مفعولها بانتهاء يوم الاقتراع والانتخاب، فلا يستشار ولا يناقش هذا الشعب في سياسة الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم والإعلام والقضاء والعلاقات الدولية، كل هذه القضايا التي تعنيه، بل توضع السياسات وتسن القوانين ويفرض عليه السير بموجبها. لذا فديمقراطية الغرب هي كما وصفها أهلها وشهد شاهد من أهلها، وصفها اليوناني أفلاطون في جمهوريته بالوهم، وقال عنها مفكرو الغرب وفلاسفته من مثل عالم الاقتصاد الغربي الشهير باريتو في كتاباته سنة 1935 كتاب "علم الاجتماع" وكتاب "العقل والمجتمع"، وكذلك قال عنها ترومان أرنولد في كتاباته "رموز الحكم" و"فلكلور الرأسمالية" لسنتي 1937 و1939، من أقوالهم "في المجتمعات التي تزعم الديمقراطية فإن القلة هي التي تحكم، وتتخذ القرارات وتسيطر على مقاليد الأمور في ضوء نظرتها ومصالحها، دون أن تكون السلطة الفعلية للجماهير ولا حتى للأغلبية". وقال عنها إمام الليبراليين الجدد ميلتون فريدمان في كتابه "الرأسمالية والحرية" في صراحة تامة خالصة "إن جني الأرباح هو جوهر الديمقراطية" وأردف "إن أي حكومة تنتهج سياسات معادية للسوق هي حكومة معادية للديمقراطية بغض النظر عن حجم التأييد الذي تتمتع به".

 

إن الدولة من منظور رأسمالي خالص هي وسيلة الرأسماليين المثلى لإدارة الصراع مع الجماعة بتكاليف صفرية، فهي الأداة الفُعلى في تمكين قلة القلة من الاستيلاء على الثروة، كل ثروة الجماعة، وتوفير أدوات القمع والإكراه والقسر والقهر مع إكسابها مشروعية عبر ترسانة قانونية تسن باسم الدولة وتنفذها أجهزة الدولة.

 

عن ماهية الدولة في الفكر الغربي المعاصر يقول أستاذ الجامعة البريطانية بوب جيسوب "إن الدور الأول الذي تلعبه الدولة الغربية هو إقامة وتأمين شروط التراكم الرأسمالي عبر الاستعمار والإمبريالية بشكل لا يستطيع القطاع الخاص القيام به. والدور الثاني هو تنظيم المصالح الخاصة للشركات".

 

لقد كانت الطفرة الكبرى التي عرفتها الرأسمالية جراء تركز الثروة في أيدي قلة القلة، عاملا حاسما في الانتقال من التوحش الرأسمالي في سيطرة الرأسماليين على السياسة والسياسيين إلى التغول الرأسمالي وتصميم التحكم التام والسيطرة الشاملة على الدولة والمجتمع، وإعادة تشكيل الدولة بوصفها إدارة عليا للشركة، وقوانينُها امتداد لنظام الشركة وأجهزتُها فروع لمقرات ومكاتب الشركة.

 

وقد انتهت الرأسمالية من إنتاج دولة الشركة، واستكمال شروط الإدماج الشامل والتام للدولة كإدارة عليا للشركة بداية الثمانينات من القرن الماضي عمليا، وإن كان التنظير الفلسفي لما سمي حينها النيوليبرالية (تحيين لمصطلح الليبرالية أي الرأسمالية المتحررة من كل القيود والضوابط والمسؤوليات)، ففي سبعينات القرن الماضي بدأ التنظير لتخليص الليبرالية "الرأسمالية الغربية" من كل القيود التي طرأت على فلسفتها ومن ثم على دولتها والتخلص من تبعات صراع الرأسمالية مع خصمها الاشتراكي/الشيوعي، ففي السبعينات كانت المنظومة الشيوعية ودولتها السوفياتية تحتضر، وظهرت بوادر الأزمة العميقة التي تعيشها المنظومة الشيوعية والتفكك المدمر لكيان الدولة السوفياتية، ولم تبق من حاجة لتلك القيود التي استحدثتها الرأسمالية الغربية جراء صراعها مع الاتحاد السوفياتي الاشتراكي، وكانت تلك القيود وليدة ظرف وليست إنشاء فلسفيا ليبراليا، وبدأت الرأسمالية الغربية تتخلص من نظريات الإنجليزي مينارد كينز في الاقتصاد القائلة بتدخل الدولة في السياسات الاقتصادية وفي مجالات معينة. ومع بداية الثمانينات تمت إعادة هيكلة الاقتصاد والدولة على الأسس الليبرالية الصرفة، وكان انتخاب تاتشر رئيسة لوزراء بريطانيا وريغان رئيسا لأمريكا، لحظة مفصلية في التاريخ الليبرالي الغربي، تم حينها تكريس التوجه الليبرالي الجديد الذي اصطلح عليه النيوليبرالية، وكانت الترجمة الفعلية تطبيقا سياسيا في الدولتين المحوريتين في المنظومة الرأسمالية الغربية، بريطانيا وأمريكا، فأعادت الليبرالية تجديد نفسها واستعادة السيطرة والتحكم بشكل أكثر حدة وسطوة، أُعلن فيها موت نظرية كينز ومعها الدولة المُتَحَكِّمَة، واستعاد الرأسماليون سيطرتهم على الاقتصاد والدولة والثروة والمجتمع.

 

وهنا تم التخلص التام من ذلك المفهوم الطارئ والمعاكس للفلسفة الليبرالية، والذي فرضته طبيعة الصراع مع الاتحاد السوفيتي، فأنهت النيوليبرالية مفهوم تلك الدولة الطارئة بل وجودها والتي كان من مهامها الاستثمار والتشغيل وإدارة الاقتصاد، وأعاد الرأسماليون الجدد للدولة مفهومها ووظيفتها الليبرالية في توفير بنية مؤسساتية وترسانة من القوانين لتشجيع الاستثمار الخاص، أي خدمة أرباح الرأسماليين، وكما يقول أحد مفكري الغرب شرحا للأيديولوجية النيوليبرالية ومهام الدولة النيوليبرالية (الرأسمالية) "ضمان مصداقية العملة وجودتها (كونها وسيلة التبادل الرأسمالي)، حماية حق الملكية الخاصة بالجيش والبوليس والقانون (تأمين استيلاء واستحواذ الرأسماليين على الثروة)، ضمان سير السوق الحر (سوق وتجارة الرأسماليين) وحمايتها ولو بالعنف (البوليس والجيش)". وفي كتابه "الربح فوق الشعب" يقول عنها ناعوم شومسكي أحد مفكري الغرب المعاصرين: "الليبرالية الجديدة هي النموذج السياسي والاقتصادي الذي يعرف به عصرنا، وهي تتعلق بالسياسات والعمليات التي تتيح لحفنة من الشركات الرأسمالية الخاصة السيطرة على أكبر حيز ممكن من الحياة المجتمعية كي يتم تحقيق أقصى ربح".

 

فالنيوليبرالية هي وريثة المدرسة الليبرالية الكلاسيكية الأم، وهي تحوير عصري للنظرية وامتداد لمدرسة آدم سميث وجون ستيوات ميل وغيرهما من منظري الفلسفة الرأسمالية. ويعتبر آدم سميث الأب الروحي للفلسفة الرأسمالية، فكتابه "ثروة الأمم" هو المرجع الأساس للنظريات الاقتصادية الليبرالية القديمة والجديدة عن اقتصاد السوق وتحرير الاقتصاد من تدخل الدولة ووظيفة الدولة الرأسمالية في تأمين مصالح أصحاب الثروة، فهو صاحب مقولة "المهندسون الأساسيون للسياسة في إنجلترا هم التجار وأصحاب المصانع".

 

فمع نهاية الثمانينات من القرن الماضي انتهت الرأسمالية الغربية من تصميم وإنتاج دولة شركتها، وإنهاء المسألة السياسية للدولة بالكامل، فمع سقوط الاتحاد السوفيتي توفرت الشروط الليبرالية لإنتاج دولة الشركة، وجعل الدولة إدارة عليا في خدمة الشركة ثم أنتجت الليبرالية الأسانيد الفكرية والآليات السياسية لدعم توجهها.

 

ثم لفرض الرؤية الرأسمالية ودولة الشركة على العالم، نحت النيوليبرالي جون ويليمسون إجماع واشنطن عبر مسودة طرحها عام 1989، وإجماع واشنطن مهندسوه الأساسيون هم بالأساس الشركات الرأسمالية العملاقة والبنوك، وتكفلت دولة الشركة أمريكا بفرضه على العالم، ثم أصبحت بنوده العشرة أقانيم للكنيسة الليبرالية وتعاليم لدين السوق الليبرالية، وتبنى بنوده البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الغربيان وفرضا على الدول على شكل برامج إصلاح هيكلية، ومن بنود إجماع واشنطن:

 

- إعادة توجيه الإنفاق العام إلى الاستثمار في البنية التحتية

- منح الأسواق حرية تحديد الأسعار

- تحرير قطاع التجارة من القيود

- تحرير تدفق الاستثمارات الأجنبية

- خصخصة مؤسسات الدولة

- تحرير وإلغاء اللوائح والقوانين التي تعوق دخول الأسواق أو تعيق المنافسة

- سعر الصرف يكون مناسبا

 

فهذه البنود صممت لخدمة الرأسماليين في تنفيذ الفلسفة الشريرة لمعلمهم الأول آدم سميث وتحقيق أهم شروطها "كل شيء لنا ولا شيء للآخرين".

 

ثم نحتت الرأسمالية الغربية مصطلح العولمة بمعنى تحرير التجارة على المستوى العالمي، حتى تطال أذرع الشركة الأخطبوط كل العالم لتصبح وظيفة الحكومات هي حماية مصالح الشركات الرأسمالية الغربية العملاقة وفرض الاتفاقيات المتعلقة بها وقصر النقاش السياسي على الأمور الثانوية. ومن مخرجات العولمة اتفاقية الجات ومنظمة التجارة العالمية التي أبرمت سنة 1995 لإلغاء كل القيود ورفع كل الحواجز على التجارة العالمية (تجارة الشركات الرأسمالية)، فالعولمة هي قاطرة الرأسماليين للتحكم في العالم والسيطرة على حكوماته وعولمة النموذج الليبرالي للدولة عبر إحداث تلك الطفرة الليبرالية في تحويل الدول ومهامها ووظيفتها السياسية، من دولة المجتمع إلى دولة الشركة ومن إدارة الشأن العام إلى إدارة شؤون الشركة الرأسمالية.

 

وهنا انتهت الدولة الرأسمالية إلى دولة للشركة ومن أجل الشركة والسيادة فيها للشركة والحكم للشركة، والديمقراطية فيها مجرد قشرة خارجية لتلطيف ملمسها الخشن الحاد، فالدولة الرأسمالية لا تمثل تلك المصالح المزعومة والموهومة لشعوبها، بل تمثل حزمة المصالح لطبقات الرأسماليين المتنفذين أصحاب البنوك والشركات العملاقة، أي أن المصالح التي تعمل عليها الدولة الرأسمالية هي مصالح خاصة إلى أبعد الحدود وهي تحديدا مصالح الرأسماليين الخاصة، وما المصالح الوطنية إلا الدمغة التي بها تدمغ تلك المصالح الخاصة لتمكين إنجازها من طرف دولة الشركة وأجهزتها، ومصاريف إنجازها من أموال العامة وتسوق للعامة كسياسة دولة ومصالح وطنية خدمة لهم.

 

لذا لا غرابة أن تكون الطبقة السياسية هناك جزءا من إدارة الشركة الرأسمالية المتنفذة، وتكون الدولة معها امتدادا لإدارة الشركة، لذا لا غرابة أن ترى ذلك التداخل والتزاوج بين مصالح الشركة الرأسمالية والدولة الرأسمالية وكذلك بين وظيفة الدولة ووظيفة الشركة وكذلك التناوب والتقلب بين وظيفة السياسي في إدارة الدولة ووظيفته كمدير ومستشار في إدارة الشركة.

 

لذا لا غرابة أن ترى نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني يتقلب من منصب وزير الدفاع (1989-1993) إلى مدير تنفيذي لشركة هاليبرتون (1995-2000) ثم إلى منصب نائب الرئيس عام 2000. وكذلك مستشارة الأمن القومي الأمريكي ووزيرة الخارجية كوندليزا رايس (2001-2009) وهي حاليا في مجلس إدارة دروبوكس (للتخزين السحابي) أي موظفة عند طبقة الرأسماليين الجدد.

 

ولا غرابة أن ترى مدير المخابرات البريطانية "إم آي 6" ينتقل من منصبه إلى مجلس إدارة بريتيش بتروليوم عام 2015، وأن يكون المدير التنفيذي لشركة شل هو ذاته السفير البريطاني السابق لدى واشنطن.

 

فكل هذه الإجراءات لا تعدو أن تكون إجراء إداريا رأسماليا في الانتقال من فرع إلى فرع ومن مكتب إلى مكتب تحت الإدارة نفسها، فالدولة الرأسمالية عند التحقيق وفي المحصلة النهائية هي فرع من فروع الشركة الرأسمالية الأم، التي تضخمت وأصبحت عابرة للقارات وتجاوزت الدولة بمفهومها الوطني بمسافات، وأصبحت الشركة تحتوي الدولة وليس العكس، فأصول أكبر 5 بنوك في العالم بلغت 22 ألف مليار دولار (22 تريليون دولار) حتى نيسان/أبريل 2022، فيما بلغ إجمالي أصول 292 بنكا 113 ألف مليار (113 تريليون دولار) سنة 2022 بحسب قائمة فوربس غلوبال. وبلغت القيمة السوقية لـ6 شركات التكنولوجيا الرقمية 2.9 ألف مليار دولار (2.9 تريليون دولار) لسنة 2021 وفقا لبيانات فاكتست لنظم البحوث. فهذه الأرقام الفلكية في علاقة طردية مع منسوب سطوة الشركة وسيطرتها على الدولة والمجتمع.

 

هي أشد كوابيس البشرية رعبا وفزعا صيرتها رأسمالية الغرب المشؤومة واقعا بشريا، عبر هذه السيطرة المدمرة والقاتلة لشرذمة الرأسماليين على الدولة والمجتمع، الذين مات فيهم الإنسان ليحيا فيهم الشيطان بعد أن استخلص لهم من شروره شرا مقطرا، وسماه لشيعته وحزبه ومريديه ليبرالية ورأسمالية متحررة من قيود الأرض والسماء، وارتضاها لهم فلسفة للموت ونظام افتراس واسما آخر للهاوية.

 

ولن تنتهي هذه المأساة إلا في هوة سحيقة وقبر ظليم، فليبرالية الغرب ورأسماليته هي الورم الخبيث الذي ينخر أحشاءه، والغرب في عمى جاهليته مصرّ على كفره ومصمم على فنائه، فهذا التوحش والافتراس الرأسمالي قد دخل مرحلة التعفن والتقيح وأشرف على تحقيق النتيجة النهائية الحتمية للمنظومة الليبرالية وحضارتها الرأسمالية الخبيثة، في تجاوز هذا التطاحن والافتراس دائرة الأطراف والأدوات والدول الرأسمالية إلى تطاحن في صلب المركز الرأسمالي وداخل النواة الصلبة للرأسمالية، أي تطاحن بين طبقات أصحاب رؤوس الأموال أنفسهم.

 

فالأحداث السياسية الأخيرة التي حصلت في قلب العالم الرأسمالي الغربي، ونموذجه الرأسمالي المهيمن الولايات المتحدة الأمريكية، سواء في الداخل الأمريكي عقب انتخاباتها الرئاسية الأخيرة وما تلاها من اقتحام لمبنى الكونغرس، أو خلال جولات الاقتراع الأخيرة وفشلها المتكرر في انتخاب رئيس لمجلس نوابها في سابقة لم تحدث منذ 100 عام، أو على مستوى سياستها الخارجية وما ظهر عليها من اضطراب وازدواجية إثر قرار أوبك بلس تخفيض إنتاجها وخفايا موقف النظام السعودي العميل لها. فقد ظهر إلى السطح ذلك التصدع والتنافر والتصادم بين طبقات الرأسماليين داخل النواة الصلبة للرأسمالية، طبقة رأسماليي شركات الطاقة ومشتقاتها والسلاح والصناعة والأدوية والتغذية وطبقة رأسماليي التكنولوجيا الرقمية.

 

وهذا التصدع والتصادم على مستوى المركز والنواة الصلبة للرأسمالية مرشح للتوسع والتمدد والانتشار وزيادة منسوب حدته وشراسته، ففلسفة الرأسمالية لا تقبل القسمة ولا تسمح بها وهو ما يؤهله للانفجار الكبير للمنظومة الرأسمالية برمتها، فمادة الانفجار الكبير قد توفرت كل أشراطها في المجتمعات الغربية؛ تدهور الظروف المعيشية، تزايد نسبة الفقراء، تركز الثروة في أيدي 1% من أثرى أثرياء الرأسماليين.

 

معشر المسلمين: المستقبل ليس "ما سيكون" فقد صممه الغرب الكافر الرأسمالي هاوية وقبرا سحيقا، ولكن المستقبل هو ما ستصنعه أمة الإسلام أمة الوحي والهداية والرشد بقيادة أبنائها الأخيار الأطهار حملة دعوة الإسلام العظيم، لإقامة دولة الوحي، تصميم الحكيم العليم، دولة الحق والعدل لكنس الباطل ودولته الرأسمالية الكافرة الظالمة، فتطهر العالم من أدران الرأسمالية جاهلية عصره، خلافة الإسلام الراشدة على منهاج النبوة، حاكمها ومحكومها ورب الشركة فيها لا يبغون فسادا في الأرض ولا علوا ولا ظلما ولا عدوانا ولا طغيانا، كلهم عباد لرب الأرباب خاضعون مستسلمون لحكمه وسلطانه يرجون رحمته ويخافون عذابه، فكلهم عيال الله وعبيده، فحيهلا إلى الإسلام العظيم ودولته.

 

﴿قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع