الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

هكذا تتفرد بريطانيا برسم الخيارات الطاقية لتونس

 

تصور نفسك وأنت تشق طريقك في الصحراء وقد بلغ منك العطش كل مبلغ دون أن تجد شربة ماء تروي بها ظمأك! فجأة تجد قارورة زجاجية مليئة بالماء، ولكنها مغلقة بإحكام. تحاول فتحها بكل ما أوتيت من جهد ولكنها لا تفتح. وبعد يأس وطول انتظار، يأتي أحدهم ليعرض عليك مساعدته ويخبرك بأنه قادر على فتحها.

 

ولكنه بدل أن يفتحها ويغيثك بها، يشربها ولا يترك لك إلا قطرات من الماء أسفل القارورة! ماذا سيكون شعورك بعد معاينة هذا المستوى من الإهانة والاحتقار والإذلال الذي لا يرتضيه إلا العبيد؟ وهل ستعتبر أن حصولك على القارورة فارغة إنجازا يستحق الثناء والشكر، وقد عجزت عن فتحها بنفسك؟

 

حقل "ميسكار"، عيّنة من جرائم الاستعمار

 

في بلدنا تونس، الجميع يعلم أن حقل الغاز ميسكار ظل ينتج قرابة 10 ملايين متر مكعّب من الغاز الطّبيعي يوميّا ويغطّي نسبة 60٪ من الحاجيات المحلّية، وأن شركة بريتيش غاز (شال حاليا) المنتصبة في تونس منذ سنة 1989، تتكفل بالتّنقيب واستخراج وبيع الغاز في هذا الحقل الموجود على الضّفاف البحريّة لمنطقة صفاقس منذ سنة 1992 وعلى مساحة 352 كيلومتراً مربعاً، دون أن يكون للطّرف التّونسي أيّ نسبة من محاصيل الإنتاج.

 

نعم، لقد ظلت جميع الحكومات المتعاقبة ساكتة طوال 30 سنة (1992-2022) عن جريمة شراء الشّركة التونسيّة للكهرباء والغاز كلّ الإنتاج التّونسي من الغاز المستخرج من الأرض التّونسيّة مقابل 700 مليون دولار سنويّا بحسب الأرقام الرسمية المصرح بها سابقا، يقع دفعها بالعملة الصعبة من المال العام إلى المستعمر البريطاني بعد أن قرّر وزير الصناعة السّابق الصّادق رابح إسناد بل إهداء هذا الحقل التّونسي إلى الشّركة البريطانيّة بوساطة من سليم شيبوب صهر الرئيس المخلوع.

 

اليوم، وبدل فتح ملفات الفساد، وما أكثرها، خاصة في مجال الطاقة، ومحاسبة المتورطين في الفساد المنظم والمقنن طوال هذه الفترة، ممن نكلوا بأبناء هذا الشعب المقهور وأثقلوا كاهله بفواتير الكهرباء والغاز، يتم إيهام الناس بأن الدولة استعادت ملكية أكبر حقول الغاز في البلاد كأولى نتائج تطبيق الدستور الجديد، على أمل استعادة بقية الثروات المنهوبة... بل راحت بعض الصفحات المأجورة تُروّج بأن الرئيس أصدر أمرا رئاسيا بعدم تجديد عقود استغلال هذا الحقل، إثر إصدار قرار تأسيس امتياز ميسكار بمقتضى قرار وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة الصادر بالرائد الرسمي عدد 90 بتاريخ 16 آب/أغسطس 2022 والمتعلق بمنح الامتياز للمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بنسبة 100% وذلك لمدة صلاحية بـ26 سنة.

 

أما الحقيقة وراء خبر استعادة هذا الحقل بعد امتصاص خيراته طوال ثلاثة عقود واعتبار ذلك إنجازا يستحق الثناء والإشادة، فيمكن تلخيصها فيما يلي:

 

أولا: إن تاريخ إعادة الحقل مبرمج منذ سنة وهو اختيار للشركة الناهبة لا للنظام العميل في تونس.

 

حيث أكد مدير عام المحروقات بوزارة الصناعة رشيد بن دالي، أن شركة شال الناشطة في مجال الغاز الطبيعي قررت التخلي عن حقل ميسكار بمجرد انتهاء نشاط الرخصة المتفق بشأنها بينها وبين الدولة التونسية والتي انتهت قانونيا في 8 حزيران/يونيو 2022.

 

وبيّن بن دالي في حوار نشرته جريدة الصباح في عددها الصادر يوم 2022/08/26، أن الشركة المذكورة أعلمت الدولة التونسية منذ سنة بقرار مغادرتها ونيتها عدم التمديد في آجال الرخصة، وذلك في إطار خيارها الجديد المتمثل في الانتقال من الطاقات الأحفورية إلى الطاقات المتجددة.

 

من جهة أخرى، فإن الخبراء في المجال الطاقي يؤكدون بأن "المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية" لن تكون قادرة على إعادة استغلال هذه الحقول البحرية، خاصة بسبب تطلبها إمكانيات مالية وتقنية ضخمة.

 

وتعيش الشركة التونسية للأنشطة البترولية حالة مالية دقيقة إن لم نقل حرجة، تسببت بالضرورة في تراجع الإنتاج المحلي من المحروقات وذلك نتيجة لتبني خيار التعويل على شركات الإنتاج الدولية للقيام بالتنقيب والبحث.

 

وقد بلغت خسائر الشركة التونسية للأنشطة البترولية حوالي 1800 مليون دينار باعتبار ديونها المتخلدة بذمة المؤسسات العمومية، حيث بلغت ديونها تجاه الشركة التونسية للكهرباء والغاز حوالي 774 مليون دينار وبلغت تجاه الشركة التونسية لصناعات التكرير 1034 مليون دينار وذلك إلى غاية نهاية تموز/يوليو 2021.

 

وقد نتج عن عدم استخلاص هذه الديون توقف المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية عن خلاص دائنيها ودفع مستحقات الدولة بما قيمته 373 مليون دينار بعنوان أتاوات ومداخيل تسويق المحروقات، وقد بلغ مستوى العجز المالي لدى مؤسسة "الإيتاب" 830 مليون دينار.

 

ثانيا: إنّ هذا الأمر يعني طي صفحة الماضي وغلق ملف المحاسبة غلقا نهائيا، ثم إيهام الناس بأن هذا القرار هو إنجاز تاريخي يستجيب لإرادة الشعب وللصعود الشاهق الذي يتحدث عنه الرئيس بين الفينة والأخرى.

 

أكبر دليل على هذا التمشي المُهادن والخاضع للاستعمار، هو ذلك اللقاء الذي تم يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2021 في مقر الوزارة، حيث جلس مدير العلاقات الخارجية لشركة بريتش غاز (شال حاليا) والذراع الأيمن للسفارة البريطانية في تونس، مهدي بن عبد الله، على طاولة وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، ليشاركه وضع المخطط التنموي للفترة القادمة، ثم رؤية الحكومة الاقتصادية في أفق سنة 2035.

 

ثالثا والأهم: إن هذا القرار يعكس تغيّرا مرحليا لرؤية بريطانيا ولخياراتها الطاقية الواعية على تراجع إنتاج النفط في المنطقة، وهي التي اقتحمت شمال أفريقيا في وقت مبكر، حيث اخترعت شركة شال الغاز الطبيعي المسال في الجزائر بين عامي 1961 و1964 عندما سافرت أول شحنة جزائرية من الغاز الطبيعي المسال إلى المملكة المتحدة.

 

فبريطانيا لا تريد أن يقتصر نشاط شركاتها على نهب النفط والغاز الطبيعي على وجه الخصوص، وإنما تريد أن تمر إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة وقطع الطريق أمام منافسيها، بل نجدها تسابق الزمن من أجل وضع هذه الرؤية موضع التطبيق والتنفيذ، خاصة أمام تفاقم الأزمة الطاقية التي تعيشها القارة الأوروبية في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، في الوقت الذي اضطرت فيه ألمانيا على سبيل المثال إلى العودة إلى الفحم الحجري فضلا عن تمسحها الاضطراري على أعتاب كندا نتيجة لحاجتها الماسة إلى الغاز الطبيعي المسال، هذا دون أن تنسى طرقها لأبواب الجزائر عبر شركة "وينترشال ديا" حيث لم يُخفِ مديرها التنفيذي توماس رتمان رغبته في تعزيز وجود شركته في الجزائر التي تمثل في نظر الشركة أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا بعد روسيا والنرويج، وأكبر منتج للغاز الطبيعي في أفريقيا.

 

وقد بدا هذا التوجه البريطاني نحو الطاقات البديلة واضحا وجليّا خلال زيارة العمل التي أداها اللورد طارق محمود أحمد وزير الدولة البريطاني لشؤون جنوب أفريقيا ووسط آسيا وشمال أفريقيا إلى تونس يومي 7 و8 حزيران/يونيو 2022 لبحث سبل التعاون والشراكة بين بريطانيا وتونس في عدة مجالات، حيث تم التوقيع يوم الثلاثاء 7 حزيران/يونيو 2022 على مذكرة تفاهم بين تونس وبريطانيا في مجال الطاقة المستدامة والمتجددة بحضور رئيسة الحكومة ووزيرة الصناعة والمناجم والطاقة.

 

بريطانيا والسباق مع ألمانيا في شمال أفريقيا

 

قد ينبهر بعض المهندسين والباحثين عند الاطلاع على بيانات رسالة الدكتوراة التي كتبتها الباحثة الألمانية نادين ماي في عام 2005 لجامعة براونشفايغ التقنية في ألمانيا، حول كيفية نقل الطاقة الكهربائية من شمال أفريقيا إلى أوروبا، والتي تقول فيها إن هناك مساحة تبلغ تقريبا 3.49 مليون كيلومتر مربع تصلح لتركيز محطات طاقة شمسية (CSP) في دول شمال أفريقيا: المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر. وتقول ماي بأن مساحة 254 كم × 254 كم ستكون كافية لتلبية الطلب على الكهرباء الكلي في العالم. ويمكن أن تنتج كمية الكهرباء التي تحتاجها دول الاتحاد الأوروبي الخمس والعشرون على مساحة 110 كم × 110 كم (على افتراض أن مجمّعات الطاقة الشمسية يمكنها التقاط 100٪ من الطاقة).

 

ولكن في ثمانينات القرن الماضي، استطاع الفيزيائي الألماني غيرهارد كنيس أن يسجل اسمه كأول شخص يقدر كمية الطاقة الشمسية اللازمة لتلبية حاجة البشرية من الكهرباء. ففي عام 1986، وفي استجابة مباشرة لحادث تشيرنوبل النووي، وصل إلى هذا الاستنتاج اللافت للنظر: في ست ساعات فقط، تتلقى صحاري العالم طاقة من الشمس أكبر من تلك التي يستهلكها البشر في سنة كاملة. هذه الأفكار وضعت حجر الأساس لمشروع ديزيرتيك.

 

ومع أن الأصل أن ننتج طاقتنا بأيدينا بعيدا عن مخططات الاستعمار وتوجيهاته، إلا أن فكرة تصدير فائض الطاقة المستقبلية للشمال الأفريقي إلى أوروبا ظلت حلما يراود الألمان. بل لقد كانت هذه هي الرؤية التي ترنو إليها مؤسسة ديزرتيك (وهي مؤسسة غير ربحية تأسست في ألمانيا وتضم عدداً من العلماء والسياسيين والاقتصاديين) ومبادرة ديزيرتيك الصناعية (وهي اتحاد دولي من الشركات)، والتي بدأت في عام 2009 بهدف تطوير مشروع محطات للطاقة الشمسية المركزة بقيمة 400 مليار يورو في بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وعلى وجه الخصوص المغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر والأردن والسعودية التي من شأنها إمداد أوروبا بـ15% من الطاقة بحلول عام 2050.

 

ورغم أن أجواء ما بعد الثورة في تونس سمحت بإمضاء اتفاقية تعاون في مجال الطاقة سنة 2012 مع ألمانيا، حيث سعت بعض الجهات المحلية في تونس للاستفادة من الخبرة الألمانية في مجال الطاقات البديلة التي ساهمت سنة 2013 في توفير 24% من إنتاج الكهرباء واعتبار ألمانيا شريكا متميزا من قبل الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، إلا أن مبادرة ديزرتيك ظلت متوقفة، حيث جوبهت بالرفض في كل من تونس والجزائر والمغرب، ما جعل ثلاث شركات ألمانية تعلن انسحابها سنة 2014 مما بات يُعرف بـ"مشروع ديزيرتيك لتوليد الطاقة الشمسية في الصحراء الكبرى بشمال أفريقيا".

 

ولكن بعد استقرار الأوضاع نسبيا عند وصول الباجي قايد السبسي إلى الحكم واعتباره شخصية توافقية من الجميع، تم عرض مذكرة حول "الهجرة والاستدامة وخطة مارشال مع أفريقيا" في شباط/فبراير 2017 على نادي روما، من أجل إحياء هذه المبادرة وتفعيلها، تزامنا مع زيارة رئيس الحكومة يوسف الشاهد إلى ألمانيا ولقائه بالمستشارة الألمانية ميركل، ومع ذلك فقد كللت كل هذه الجهود الألمانية بالفشل، أمام تعنت الجانب التونسي وسيره في ركاب الإنجليز.

 

في المقابل، قدمت شركة تونور البريطانية في الشهر الثامن من سنة 2017 طلبها للحصول على موافقة من وزارة الطاقة والمناجم والطاقة المتجددة التونسية لإنشاء مشروع تصدير للطاقة الشمسية بقدرة 4.5 جيجاوات في الصحراء في منطقة رجيم معتوق جنوب غرب البلاد. بل لقد نشرت الشركة على موقعها الرسمي بأنها بذلت جهوداً جبارة لتضمين بند الصادرات في تشريعات الطاقة المتجددة ومنع احتكار الدولة للكهرباء، فتكون بذلك قد جهزت الأرضية التشريعية لتقنين النهب مجددا، حيث فُصّل القانـون عدد 12 لسنة 2015 المؤرخ في 11 أيار/مايو 2015 المتعلق بإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجدّدة على مقاس هذه الشركة البريطانية.

 

ورغم إعلان الجانب البريطاني بأن الكهرباء المولدة مخصصة لأوروبا، (أي ليست للاستهلاك المحلي) حيث يتم نقلها عبر كابلات تحت مياه البحر إلى مالطا وإيطاليا وفرنسا لإمداد السوق الأوروبية وتشغيل أكثر من 5 ملايين بيت أوروبي، ورغم كل ما واجهه المشروع من انتقادات في السنوات السابقة، فإن وزارة الاقتصاد والتخطيط التونسية عادت لتفاجئ الجميع يوم 17 آب/أغسطس 2022 عبر بيان لها تقول فيه إنّ مجموعة تونور البريطانية قدمت برنامج استثمار لإقامة محطة لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية بقيمة 1.5 مليار دولار، في ولايتي قابس وقبلي جنوبي تونس.

 

وجاء هذا الإعلان عقب استقبال وزير الاقتصاد والتخطيط سمير سعيّد، المدير التنفيذي لشركة تونور البريطانية المتخصصة في مجال الطاقة المتجددة، دانيال ريتش. وذكرت الوزارة التونسية أنّ حجم الاستثمار سيكون بمقدوره الوصول إلى قدرة إنتاجية تناهز 500 ميغاوات، وستوجّه إلى السوق الأوروبية.

 

وهكذا، فإن بريطانيا، لن تدخر جهدا في فرض سياساتها ورؤيتها المستقبلية لقطاع الطاقة في شمال أفريقيا عامة وفي تونس على وجه الخصوص. فهلا انتبهت القوى الفاعلة في البلاد إلى هذا التمشي؟

 

حول مستقبل الطاقة في تونس

 

في الوقت الذي سارعت فيه بريطانيا إلى إنشاء شركة أتوغ (والتي كان لمسؤوليها لقاء مع هشام المشيشي قبل سقوط حكومته وحل البرلمان في 25 تموز/يوليو 2021)، لتحلّ بديلا عن شال وبتروفاك في مجال النفط والغاز، فإن الواضح أنها ستسعى خلال الفترة القادمة إلى إنتاج الهيدروجين الأخضر في تونس، وجعله أولوية المرحلة فضلا عن مشروع الطاقة الشمسية.

 

المفارقة العجيبة، هي أن يتحول المدير العام لشركة بتروفاك في تونس عماد درويش، عرّابا لمشروع الهيدروجين الأخضر في تونس ويُقدَّم يوم 23 آب/أغسطس 2022 عبر أمواج إذاعة جوهرة أف أم على أنه خبير متخصص في الاقتصاد الأخضر، مع كل التلوث الذي تسببت به شركة بتروفاك البريطانية في جزيرة قرقنة، وإضرارها بالثروة السمكية، ورغم ثبوت وجود اسمه في تقرير عبد الفتاح بن عمر رحمه الله، رئيس لجنة تقصي الحقائق بوصفه متهما رئيسيا في قضية فساد متعلقة بالحصول على حقل الشرقي، بل رغم ما ذكره تقرير دائرة المحاسبات عدد 27 المتعلّق بقطاع الغاز الطبيعيّ الذي يمسح الفترة بين 2007 و2010 أنّه من بين التجاوزات الملحوظة مخالفات في الفوترة من شركة بتروفاك، خصوصا في حقلي مسكار وصدربعل الممنوحين لبريتش غاز في خليج قابس.

 

ومع كل الزخم الذي سيرافق الحديث عن الاقتصاد الأخضر طوال الفترة القادمة تماهيا مع السياق العالمي، ورغم نضوب عدد من الحقول، فلا يُتوقع أن تتخلى بريطانيا وشركاتها العابرة للقارات عن مصادر الطاقة الرئيسية في تونس، فشركة شال على سبيل المثال، والتي سبقت الجميع في مجال الهيدروجين الأخضر على مستوى كامل القارة الأوروبية، ليس بالسهل عليها أن تفرط في مشاريع استخراج الوقود الأحفوري من خليج قابس، ولا الغاز الصخري من القيروان، وإنما هي مشاريع مؤجلة التنفيذ، ولذلك يُرجح أن الأمر لا يعدو أن يكون ترتيبا للأولويات وتوزيعا للأدوار بين الشركات البريطانية المنتصبة في تونس، والتي قد يروق لها سماع الخطابات الشعبوية الصادرة من قصر قرطاج، لتدفع نحو مزيد استهداف منافسيها.

 

بل إن الواضح، أن الطلب على النفط والغاز سيزداد عالميا خلال الثلاثة أو الأربعة عقود القادمة، وذلك عكس ما يشاع الآن من حديث حول ضرورة اعتماد الاقتصاد الأخضر، الذي لا يمكن أن يكون بديلا يسد كافة الحاجيات الطاقية للدول والمصانع الكبرى.

 

وفي جميع الحالات، فإن من يمسك بمشاريع الطاقة الأساسية باليد اليمنى، هو من يمسك بمشاريع الطاقة البديلة والهيدروجين الأخضر باليد اليسرى، وهو من يحدد أولوياتنا الطاقية وفق مصالحه ومطامعه للأسف.

 

إنها الحيتان الكبرى، التي كانت ولا زالت فوق القانون، لأنه قد وُضع ببساطة على مقاسها، مهما تغيرت الدساتير وتعدد الحكام. وإنّه لا سبيل لتنظيم قطاع الطاقة وحسن استخراج الثروات واستغلالها، إلا بتبني سياسة اقتصادية عادلة، تقوم على الأحكام الشرعية الربّانية، لا على أحكام الشركات الرأسمالية العابرة للقارات والمختصة في امتصاص دماء الشعوب. ولا يكون ذلك بتأميم الثروات وجعلها ملكية للدولة، بل الأصل أن تكون ملكية عامة توزع عائداتها بين الناس بالعدل، فقد أوكل الشارع للدولة مهمة التصرف بهذه الملكيات العامة وإدارتها وتمكين الناس جميعا من الانتفاع بها ومنع الأفراد من السيطرة عليها أو التحكم بها حفظا لحقوق الناس وحفاظا على استقرار المجتمع المسلم وطمأنينة أفراده، ولا يتأتى ذلك إلا في دولة الخلافة الراشدة التي تقطع كل الأيادي الاستعمارية الممتدة إلى بلادنا وتحقق سيادة الدولة على أراضيها وعلى جميع ثرواتها الظاهرة والباطنة. قال ﷺ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ».

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

م. وسام الأطرش – ولاية تونس

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع