- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الصراع القبلي في السودان علاجه بالخلافة
أكد زعيم من قبيلة القمر بغرب دارفور مقتل 117 شخصاً من قبيلته في اشتباكات مع قبيلة الرزيقات العربية، مستمرة منذ الأسبوع الماضي، وحرق 14 قرية كلياً بولاية غرب دارفور غربي السودان. وقال إبراهيم هاشم الزعيم القبلي لقبيلة القمر غير العربية عبر الهاتف من محلية كلبس في غرب دارفور، إن قتلى القمر حتى الآن 117 وتم حرق 14 قرية من قرانا ولدينا عدد من الأشخاص مفقودون. (البيان الإماراتية 2022/6/14).
وأفادت صحيفة مداميك الإلكترونية في 2022/6/11م، بتجدد اشتباكات قبلية في مدينة أبو جبيهة بجنوب كردفان، بين قبيلتي الكنانة والحوازمة، قتل فيها 6 أشخاص على الأقل، وأصيب حوالي 15 أسرة، وأن الأحداث بدأت عقب اغتيال أحد المواطنين برصاص، نفذ على أثره ذووه هجمات للثأر. وبحسب الإندبندنت عربية في 2022/06/15م، خيم التوتر على مدينة كسلا شرق السودان، في أعقاب مقتل ثلاثة أشخاص برصاص الأجهزة الأمنية أثناء محاولتها تفريق مجموعات في حي مكرام الذي تقطنه إثنية البني عامر. وتجددت الاشتباكات القبلية في أحياء مكرام وكادقلي بين النوبة والبني عامر، بسبب اتهامات متبادلة بالسرقة. وشهد هذان الحيان خلال أيار/مايو الفائت نزاعات مسلحة أودت بحياة اثنين، أحدهما سائق عربة الوالي الذي كان يحاول تهدئة الموقف، ما قاد السلطات لإعلان حظر تجوال مؤقت.
هذه الصراعات المتجددة بين القبائل في أطراف السودان المختلفة، ما إن تنتهي حتى تندلع مرة أخرى بصورة أشد من قبل! فما هي الأسباب؟ ومن وراء تغذية هذه الصراعات المتجددة؟ وما هو السبيل لعلاجها؟
إن ظاهرة الاصطفاف على أساس القبيلة، والانحياز للجماعة على أساس العرق الذي ينتمي إليه الإنسان، ليتقوى به ويسعى من خلاله إلى المطالبة بحقوقه، بل ونيل المناصب القيادية أو الإدارية، هو مظهر من مظاهر الضعف الفكري، وغياب هيبة الدولة المنوط بها رعاية شؤون الناس. فالرابطة القبلية أي القومية، هي رابطة فاسدة لأنَّها رابطةٌ قَبَلِيَّةٌ ولا تصلحُ لأنْ تربُطَ الإنسانَ بالإنسانِ حين يسيرُ في طريقِ النهوضِ. ولأنَّها رابطةٌ عاطفيَّةٌ تنشأُ عنْ غريزةِ البقاءِ، فيوجَدُ منْهَا حبُّ السيادةِ. ولأنَّهَا رابطةٌ غيْرُ إنسانِيَّةٍ، إذْ تُسَبِّبُ الخصوماتِ بينَ الناسِ على السيادةِ، ولذلكَ لا تصلحُ لأنْ تكونَ رابطةً بينَ بني الإنسانِ. فهي تفرق ولا تجمع، وتوقع العداوة بين الناس، بل بين أبناء القبيلة الواحدة على الزعامة، لذلك كان الناس في حاجة إلى رابطة صَحيحة لِرَبْطِ بَنِي الإنسانِ في الحياةِ هيَ رابطةُ العقيدةِ العقليَّةِ الَّتي ينبثقُ عنْها نظامٌ. وهذهِ هيَ الرابطةُ المَبْدَئِيَّةُ.. التي تحدد الحقوق والواجبات وتنظم العلاقات بين جميع أفراد المجتمع ومكوناته، وكان لا بد أن نفرق بين القبيلة كمكون بشري، والقبلية كمفهوم وسلوك بمعنى الانحياز للقبيلة والدفاع عنها ظالمة أو مظلومة دون اعتبار للحق أو الباطل.
فقد ذم الإسلام الدعوات القبلية والعصبية، روى أبو داود أن رسول الله ﷺ قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ»، وقال رسول الله ﷺ: «وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى قَالَ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَا سَمَّاهُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». وعن أبى هريرة أن النبي ﷺ قال: «لَيَدَعَنَّ رِجَالٌ فَخْرَهُمْ بِأَقْوَامٍ إِنَّمَا هُمْ فَحْمٌ مِنْ فَحْمِ جَهَنَّمَ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجِعْلَانِ الَّتِي تَدْفَعُ بِأَنْفِهَا النَّتِنَ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ النَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ».
إن الإسلام قد حرم هذه النداءات العصبية، ومنع الارتباط بها، والنظرة على أساسها، وأوجد رابطة جديدة تقوم على أساس العقيدة الإسلامية؛ أخوة الإسلام. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، وقال رسول الله ﷺ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ». وقد استمرت الأخوة الإسلامية طوال عهود الخلافة، حتى عمدت بريطانيا إلى ضرب رابطة العقيدة الإسلامية التي كانت تجسدها دولة الخلافة إلى روابط جديدة ابتدعتها القوى الاستعمارية في اتفاقية سايكس بيكو، يقول أورمس غو وزير المستعمرات البريطاني في 1938/1/9م: "إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الإمبراطوريات أن تحذره وتحاربه، وليست إنجلترا وحدها هي التي تلتزم بذلك بل فرنسا أيضاً. ومن دواعي فرحنا أن الخلافة الإسلامية زالت ولقد ذهبت، ونتمنى أن يكون ذلك إلى غير رجعة... إن سياستنا تهدف دائما وأبدا إلى منع الوحدة الإسلامية، أو التضامن الإسلامي، ويجب أن تبقى هذه السياسة كذلك... إننا في السودان ونيجيريا ومصر وبلاد إسلامية أخرى شجعنا، وكنا على صواب، نمو القوميات المحلية فهي أقل خطرا من الوحدة الإسلامية".
واليوم نشهد تمزيق السودان والبلاد الإسلامية على أسس جديدة؛ تتمثل في تقسيم المقسم في سايكس بيكو كما جاء مخطط برنارد لويس الملقب بسياف الشرق الأوسط، حيث قدم هذه الخطة في عام 1980م، وتمت مناقشتها في جلسة سرية في الكونغرس الأمريكي عام 1983م، وهي تهدف إلى تقسيم العراق وسوريا والسعودية واليمن، وقد ألحق بها السودان، وما فعلته أمريكا بفصل الجنوب الذي فتح شهيتها لتفتيت باقي السودان على الأسس القبلية والجهوية نفسها خير شاهد.
كتاب "القبائل وتشكيل الدولة في الشرق الأوسط" للكاتبين فيليب خوري، وجوزيف كوستنر، يتحدث عن "إعادة تقسيم الشرق الأوسط وذلك على أسس قبلية أو طائفية أو إثنية". أما مؤسسة الدراسات الاستراتيجية والسياسية المتقدمة، فنشرت دراسة تتحدث عن "السيطرة على ميزان القوى في الشرق الأوسط على المدى البعيد"، حيث ترى الدراسة أن الحل يكمن في "إعادة بناء دول عربية جديدة تتمحور حول العائلات والقبائل". وفي مقال نشر في دورية آرمز فورسيس (القوات المسلحة) الأمريكية في حزيران/يونيو 2006م تحدث عن "تعديل حدود سايكس بيكو غير العادلة. وقد وصفت خارطة جديدة يتم تقسيم خمس دول هي العراق، وسوريا، والأردن، والسعودية، وإيران، إلى 14 دولة، وأن الحدود ظلت تتغير عبر القرون ولم تكن ثابتة أبدا، ونقول حقيقة قذرة نتعلمها من تجربة خمسة آلاف سنة من التاريخ، وهي أن أعمال التطهير العرقي تنجح في تغيير الحدود".
أما آفي ديختر مدير الأمن الداخلي لكيان يهود فقد قال في محاضرة عام 2008م عن دارفور: "السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يمكن أن يصبح دولة إقليمية منافسة لمصر والعراق والسعودية، كان لا بد أن نعمل على إضعاف السودان، وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة، وهذا ضروري لدعم وتقوية الأمن القومي (الإسرائيلي)، أقدمنا على إنتاج وتصعيد أزمة دارفور لمنع السودان من إيجاد الوقت لتنظيم القدرات استراتيجياً، إن استراتيجيتنا التي ترجُمت على الأرض في جنوب السودان سابقاً وفي غربه حالياً، استطاعت أن تغيّر مجرى الأوضاع في السودان نحو التأزم والتدهور والانقسام. وأصبح من المتعذر الآن الحديث عن تحوّل السودان إلى دولة إقليمية كبرى وقوة داعمة للدول العربية".
وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقق في دارفور، فالاقتتال القبلي الذي يجري هو صناعة الدول الاستعمارية؛ بريطانيا، وأمريكا، وكيان يهود عامل مساعد لهم في مخططاتهم الشيطانية. أما المخرج فهو الالتفاف حول مشروع الخلافة الجامع للأمة بمختلف قبائلها وإثنياتها وأعراقها، وإن حزب التحرير يقدم للأمة مشروعاً عملياً في دستور من 191 مادة تعالج كل قضايا البلاد، من أزمة الحكم والاقتصاد والتعليم والأمن والإدارة، والمطلوب من الأمة هو أن تؤيد هذا المشروع، وتعطي قيادتها لحزب التحرير، وعلى الجيش أن ينصر هذا المشروع ويمكّنه من الحكم، فيقضي بذلك على النفوذ الاستعماري بشقيه الأمريكي والبريطاني.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله حسين
منسق لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية السودان
#بالخلافة_نقتلع_نفوذ_الكافر