- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الغاز والنفط وطرق نقلها
طاقات إسلامية جيوسياسية واستراتيجية هائلة
(منطقة بحر قزوين مثالاً)
قام وزير الخارجية الروسي لافروف في 23 حزيران بزيارة إلى أذربيجان ناقش فيها سير الحرب الجارية في أوكرانيا، وركز على التطبيق الكامل لاتفاقية الوضع القانوني لدول بحر قزوين، بشأن كيفية استخراج الطاقة منه ونقلها، ومنع وجود أي قاعدة أجنبية في المنطقة، وقال إنه بحث سبل تعزيز الأمن في منطقة جنوب القوقاز. (يُنظر الرابط)
هذا الخبر يلفت النظر إلى أمرين، وستركز هذه المقالة على الثاني أكثر من الأول لأنه أهم منه بكثير وأخطر.
أما الأول فهو ما يشهده العالم اليوم من أزمة عالمية تتعلق بتأمين الغذاء والطاقة، وبخاصة في أوروبا. ويلحق بهذه الأزمة التي ما زالت تتفاقم وتؤثر تداعياتها على المواقف من الحرب، مشكلة تأمين طرق النقل. لذلك تتنافس الدول الكبرى وتكثر اجتماعاتها ولقاءاتها وخططها لهذا الغرض. وقد صار موضوع النفط والغاز في الحرب الأوكرانية حرباً قائمة بحد ذاتها. ومن المعلوم أن الصراع حول تأمين النفط وخطوط إمداده هو صراع عالمي، وأكثر من حيوي، وذلك لأن النفط مادة استراتيجية في عالم اليوم والعلاقات بين الدول. ولذلك فإن أهم هدف في زيارة لافروف إلى أذربيجان هو التأكيد على عدم إفشال أو اختراق سياسة روسيا في الضغط على أوروبا، ودفعها للتراجع عن دعم أوكرانيا وعن تبعيتها لأمريكا في هذه الحرب. واتفاقية الوضع القانوني التي ركز على التزام تطبيقها هي اتفاقية بين الدول الخمس المشاطئة لبحر قزوين تضمن النفوذ الروسي في المنطقة وتمنع أي نفوذ أجنبي فيها وبخاصة لأمريكا.
الأمر الثاني في هذه المقالة هو القوة الإسلامية المعطلة لبلاد المسلمين من حيث ثرواتُهم، ومواقعُ بلادهم، ووقوعُ طرق النقل، إلى معظم أنحاء العالم، تحت سيطرتهم. وهذا مصدر تأثير جيوسياسي واستراتيجي في الموقف الدولي، ولكنه معطل بسبب التضليل وتعمّد صرف النظر عن هذه الطاقات وتأثيرها.
إن الحديث عن ثروات المسلمين وطاقات بلادهم الهائلة واسع ومتشعب ولا يمكن حصره. وتقتصر هذه المقالة على معلومات لافتة وسريعة تتعلق بأذربيجان، التي زارها لافروف، وبمنطقة بحر قزوين بوصفها بلاداً إسلامية.
وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط تتميز بأهميّة قصوى في حسابات الدول الكبرى، لما لها من أهميّة استراتيجيّة في المشهد السياسي الإقليمي لأسباب في مقدمتها غناها بالنفط والغاز والموقع، فإن منطقة بحر قزوين، وهي أيضاً منطقة إسلامية، تليها مباشرة في هذا الأمر. ويعدّها بعض الباحثين مستودع النفط والغاز للعالم في المستقبل. وفي غمرات الحرب الجارية في أوكرانيا وأهمية نتائجها، صار دور النفط والغاز عالمياً وليس إقليمياً فحسب. لذلك، تلفت هذه المقالة إلى ما في هذه البلاد من طاقات تبعث الأمل بجدوى العمل، وتشحذ الهمم لدخول صراع التغيير.
بحر قزوين مسطح مائي مغلق تتغير مساحته تبعاً للعوامل الطبيعية وأقلها 370 ألف كلم2، وهي مساحة كبيرة جداً بالنسبة لبحر مغلق. والمراد بمنطقة بحر قزوين البحر والدول المحيطة به، وهي روسيا الاتحادية وكازاخستان وتركمانستان وإيران وأذربيجان. تتعدد ثروات هذا البحر وأكثرها أهمية النفط والغاز، ومنها الكافيار. واكتشاف النفط فيه ليس جديداً، ولكنه كان قبل التسعينات تحت سيطرة الاتحاد السوفييتي، وبعد تفكك الاتحاد وبروز دول جديدة في المنطقة، أخذت أمريكا تتدخل في هذه الدول، الأمر الذي رفضته روسيا، فظهرت أهمية منطقة بحر قزوين كمركز أعمال سياسية جديدة ونزاعات إقليمية ودولية، وذلك بسبب ما يحتويه من موارد وثروات متنوعة للطاقة تسعى دول العالم اليوم للحصول عليها. فأهمية المنطقة سياسية، وتتصل بأمن كل من الاتحاد الروسي وأمريكا. وقد نشأ بسبب ذلك تعبير "أمن الطاقة". فالقضية لا تقتصر على النفط والغاز فيها، ولكنها مرتبطة بعموم قضية الطاقة والحاجة إليها في العالم، وترجع أيضاً إلى طرق نقلها إلى أوروبا وغيرها. وقد كانت أمريكا جادةً في إيجاد نفوذ قوي لها في تلك المنطقة، إلا أن روسيا واجهت سياساتها وتدخلاتها بجدية، وبخاصةٍ بعد العام 2000، وربطت بلدانها بها باتفاقيات اقتصادية وأمنية وبمشاريع مختلفة، وقامت بإجراءات عسكرية حاسمة كما في جورجيا عام 2008، وضمها القرم عام 2014. وقد قال عنها نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني عام 1998 عندما كان رئيساً لشركة هاليبيرتون: "إن منطقة بحر قزوين منطقة نفطية واعدة تنمو بسرعة كبيرة لتتحول إلى منطقة استراتيجية لها أهمية كبرى للولايات المتحدة وللغرب بصفة عامة".
إنّ تقديرات ثروات بحر قزوين واحتياطياتها من النفط والغاز مختلفة ومتفاوتة، وهي في أدنى تقديراتها مصدرُ قوة كبيرة لمن يستقر له النفوذ على منطقتها. تتراوح أرقامها بين 15 و200 مليار برميل من النفط ذي النوعية العالية. وتقدِّر وكالة الطاقة الدولية الاحتياطيات الأكيدة من النفط بنحو 50 مليار برميل (3% من الاحتياطيات العالمية الأكيدة). بينما تصل تقديرات الاحتياطيات المحتملة إلى ما يتراوح بين 200 و250 مليار برميل. وتعادل هذه التقديرات ثلث احتياطيات النفط بدول الخليج العربي والشرق الأوسط، وتزيد عن ضعف الاحتياطيات المؤكدة لأمريكا والتي تُقدَّر بحوالي 22 مليار برميل. أما الغاز الطبيعي فيبلغ الاحتياطي المؤكد منه نحو 170 تريليون قدم3، والاحتياطي المحتمل منه 300 تريليون قدم3 (6% - 7% من الاحتياطيات العالمية من الغاز). وتقول مصادر إنّ منطقة بحر قزوين تحتوي على نفط وغاز أكثر من أي دولة في العالم، ويقع أكثر من نصف نفط حوض قزوين في أراضي أذربيجان وحدها. ويوجد أكثر من 200 حقل نفطي ضخم في قاع قزوين، منها 145 في القِسم التابع لأذربيجان. وهناك تقديرات بأن حجم الاحتياطي النفطي في أذربيجان وحدها يصل إلى 120 مليار برميل، إضافةً إلى 80 ملياراً أخرى في تركمانستان وكازاخستان. وتملك هاتان الدولتان احتياطياً ضخماً من الغاز الطبيعي، لذلك أُطلق عليهما اسم "مستودعات الطاقة في المستقبل". ويأتي توزيع حصص دول بحر قزوين من هذه الثروات المكتشفة فيه كالتالي: كازاخستان 75%، أذربيجان 17%، تركمانستان 6%، روسيا الاتحادية 2%.
إنّ الأبحاث حول أهمية منطقة قزوين وثرواتها كثيرة ومتنوعة، ولا يسمح المقام بزيادة التفصيل، لأن موضوعه هو التنبيه إلى حجم طاقات بلاد المسلمين وليس الإحاطة بأسباب أهمية المنطقة. وذلك أن هذه المنطقة إسلامية، وتوفِّر إمكاناتها لمن يمتلك النفوذ عليها كفايةً واستغناءً، فتوفر له أمن الطاقة، كما توفر له تأثيراً في الموقف الدولي. ولذلك، تتدخل الدول الكبرى والفاعلة لتمنع استقرار الهيمنة عليها لأيٍّ من خصومها، وتوظِّف لأجل ذلك ما تستطيعه من تحالفات واتفاقيات وقوىً ناعمة، ومن حروب سياسية وبالوكالة. ومن ذلك إغلاق طرق النقل عبر بلاد معينة، وهو ما يُعد صراعاتٍ محتدمة اقتصادياً وسياسياً. وهذا ما ساهم في عرقلة استثمار حقول بحر قزوين وغض بعض دول المنطقة النظر عنها. وإذا كانت هذه الصراعات، قبل الحرب الأوكرانية، تقوم على التآمر والخطط الخفية وتُطبَخ على نار هادئة، فهي اليوم معلنة وتتفاقم وتنذر بالاتساع عسكرياً.
ومع أن هذه المنطقة - كغيرها من البلاد الإسلامية - خاضعة حالياً لنفوذ أعداء الإسلام، فإن التنبيه إلى هذه الإمكانات يعزز الثقة بالعمل للتغيير، ويُذكر بضرورة أخذ هذه الطاقات بالاعتبار في التخطيط للتغيير، وللمواجهة الحتمية بعد التغيير. وذلك أنّ منطقة قزوين منطقة إسلامية، والبلاد الخمسة المحيطة بالبحر هي إسلامية. يضاف إلى ذلك أنّه على الرغم من قوة روسيا وسطوتها في المنطقة، فإن حصتها من ثروات بحر قزوين لا تزيد عن 2% فقط، بينما حصص الدول الأربع الأخرى 98%.
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الهادي