- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الورقة الأولى
سلطان الأمة المغتصب أداة النفوذ السياسي للاستعمار
في هذه الأيام من شهر رمضان الفضيل، تكون الأمة الإسلامية قد سلخت مائة وعاماً واحداً وهي بعيدة عن أنظمة الإسلام وأحكامه، تطبق عليها الحضارة الغربية الضالة المضلة المضللة، فالتضليل هو أخطر الأسلحة التي تستخدمها الحضارة الغربية، فبه يصبح الحق باطلاً، والباطل حقاً، والحسن قبيحاً، والقبيح حسنا!!
مائة عام وعام تعيشها الأمة وسلطانها مغتصب، فما المقصود بأن سلطان الأمة مغتصب؟ وكيف ذلك والانتخابات تعقد في كثير من بلاد المسلمين، والملايين يخرجون في الطرقات يستقبلون حكامهم، وآخرون من الحكام يزيفون إرادة الناس فيصنعون لهم من يسمونهم بأهل الحل والعقد، وأهل الشورى والزعامات الدينية والقبلية والمذهبية وغيرها، ثم يجعلون من هذه الصناعة أداة لهم للجلوس على كراسي الحكم، فهذه الزعامات المصنوعة تدعي الوصاية على الشعب، وقيادات العسكر والجيوش يزعمون أنهم أوصياء على الشعب!
إن سلطان الأمة يعني حقها في اختيار حاكمها، وتنصيبه حاكماً عليها، فهل حقيقة أن هؤلاء الحكام اختارتهم الأمة، ونصبتهم عليها، وهي لا ترضى عنهم بديلاً، أم أنهم جلسوا على كراسي الحكم بذهب المعز وسيفه؟ وإذا كانت جماهير الأمة هي من اختارتهم، إذن لماذا تتبخر هذه الجماهير فتصبح أثراً بعد عين عند الثورات الشعبية على الحكام؟! أضف إلى ذلك أننا الآن نشهد حالة من الصراع السياسي في بلدنا هذا، أوجدت أزمة سياسية متضخمة بين طرفين متناقضين من أدوات الاستعمار، كلهم يدعي أنه صاحب السلطان!
فقيادة الجيش؛ الحكام الفعليون للبلاد الآن يدعون الوصاية على الشعب، وما تقتضيه هذه الوصاية من أنهم يتصرفون في كل حقوق الشعب، ومنها سلطانه، وبذلك فهم يغتصبون السلطان. أما القوى السياسية والمدنية التي تمثل الطرف الآخر في الصراع، فإنها بإخراجها للآلاف، أو حتى عشرات الآلاف في المظاهرات من جملة أكثر من 40 مليوناً من أهل السودان، أيضاً يدعون أنهم يمثلون الشارع؛ أي الشعب، وأنهم الأحق بحكم البلاد، وهم في ذلك كما قيادة العسكر سواء بسواء كاذبون مضللون.
وحتى نبحث عن أفق للخروج من هذه الحلقات المفرغة، وهذا التضليل الكثيف، فلنرجع إلى التاريخ لنتبين منذ متى بدأ هذا الانحراف يحفه هذا التضليل؟
فمنذ أن هدمت الخلافة في 28 رجب 1342هـ، واستباح الكافر المستعمر بلاد المسلمين غنيمة له، فقسمها على أسس وطنية، ونصب عليها حكاماً عملاء له، يطبقون حضارته، ويعيقون الأمة حتى لا ترجع سيرتها الأولى، ويمكنونه؛ أي الكافر المستعمر، من ثروات الأمة ومقدساتها، ولا شك أن الغرب الكافر، وحتى يبقى انتصاره على الأمة الإسلامية أبدياً، لا بد أن يظل مغتصباً لسلطان الأمة.
أما الأدوات التي تركز اغتصابه لسلطان الأمة، وتفشل حركة جماهيرها فهي الآتي:
أولاً: قيادات الجيوش التي يمسك بها زمام الأمور في كثير من بلاد المسلمين، والتي صنعها الكافر المستعمر على عين بصيرة، ويؤهلها للحكم من خلال ترويضها بالسير في مشاريع الخيانة، وليس أدل على ذلك من مشروع التطبيع مع كيان يهود، والذي يصر البرهان وآل دقلو على السير فيه على حساب عقيدة أهل البلاد ومشاعرهم.
ثانياً: الأوساط السياسية المرتبطة بالسفارات، والتي تجتمع حول مواثيق أو إعلانات أو غيرها من التسميات التي يكون جوهرها هو حضارة الغرب الكافر (الحريات - الديمقراطية - المواثيق الدولية - حرية المرأة وغيرها).
ثالثاً: الإعلام التابع والمضلل والذي يحدد سقف مطالب الجماهير، ويصنع القيادات ويضلل الناس.
رابعاً: الضغط الدولي باستخدام المؤسسات الدولية، وقرارات مجلس الأمن وعقوباته، وضغوط صندوق النقد والبنك الدوليين وغيرها مما يستخدم في ترويض الحكام وإبقاء السيطرة عليهم.
إننا، أيها السادة ما زلنا مستعمرين، وسلطاننا مغتصب، فلا تنخدعوا بدعاوى الوطنية والاستقلال والسيادة وغيرها، ولن يكون سبيل التحرر إلا باسترداد سلطان الأمة المغتصب في بلد من بلاد المسلمين ليكون نواة لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، واقتلاع جذور الاستعمار، وتطبيق الإسلام، ورد الحق إلى أهله.
فالإسلام هو الفكرة السياسية الوحيدة القادرة على جمع الناس، أما العلمانية؛ أي فصل الدين عن الحياة، ومنها فصل الدين عن السياسة، سواء أكانت هذه العلمانية في ثياب عسكرية، أو في ثياب مدنية فإنها أس الداء وكل البلاء، فهي التي قسمت الناس وفرقتهم، وتنذر بدفع البلاد إلى الهاوية، فالعلمانية تعمق جذور الاستعمار في البلاد، وأداة العلمانيين بمختلف مشاربهم هي اغتصاب سلطان الأمة. أما أحاديث العلمانيين من قيادات العسكر والقوى السياسية والمدنية عن السيادة الوطنية فإنها محض كذب، فهؤلاء جميعهم يتنافسون في خدمة المستعمر؛ حفظ مصالحه وتمكينه من ثروات الأمة، والحيلولة بينها وبين أخذها بسبب تحررها، ألا وهو الإسلام العظيم.
إن الإسلام قد جعل السلطان للأمة لأنها تختار الحاكم وتنصبه بالبيعة، فالشرع قد جعل نصب الخليفة حقاً للأمة، وجعل الخليفة يأخذ السلطان ببيعة الأمة له.
أما جعل الشرع نصب الخليفة من الأمة فواضح في أحاديث البيعة، عن عبادة بن الصامت قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ» متفق عليه، وعن جرير بن عبد الله قال: «بَايَعْتُ النَّبِيَّ r عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» متفق عليه، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: «ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ مِنْهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَاماً لا يُبَايِعُهُ إِلاَّ لِدُنْيَاهُ إِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وَإِلاَّ لَمْ يَفِ لَهُ، وَرَجُلٌ يُبَايِعُ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطَ بِهَا» متفق عليه. فالبيعة من المسلمين للخليفة وليست من الخليفة للمسلمين، فهم الذين يبايعونه، أي يقيمونه حاكماً عليهم، وما حصل مع الخلفاء الراشدين أنهم إنما أخذوا البيعة من الأمة، وما صاروا خلفاء إلا بواسطة بيعة الأمة لهم.
وأما جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة فواضح في أحاديث الطاعة، وفي أحاديث وحدة الخلافة. عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: أنه سمع رسول الله r يقول: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ، فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ» أخرجه مسلم، وعن نافع قال: قال لي عبد الله بن عمر سمعت رسول الله r يقول: «مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» أخرجه مسلم، وعن ابن عباس عن رسول الله r: «مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْراً فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً» متفق عليه وعن أبي هريرة عن النبي r قال: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» متفق عليه. فهذه الأحاديث تدل على أن الخليفة إنما أخذ السلطان بهذه البيعة، إذ قد أوجب الله طاعته بالبيعة، وَمَنْ بَايَعَ إِمَاماً... فَلْيُطِعْهُ. فهو قد أخذ الخلافة بالبيعة، ووجبت طاعته لأنه خليفة قد بويع، فيكون قد أخذ السلطان من الأمة ببيعتها له ووجوب طاعتها لمن بايعته، أي لمن له في عنقها بيعة، وهذا يدل على أن السلطان للأمة. على أن الرسول r مع كونه رسولاً فإنه أخذ البيعة على الناس وهي بيعة على الحكم والسلطان وليست بيعة على النبوة، وأخذها على النساء والرجال ولم يأخـذهـا على الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، فكون المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة ويبـايعـونه على العمل بكتاب الله وسنة رسوله، وكون الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة، دليل واضح على أن السلطان للأمة تعطيه من تشاء.
إننا ندعوكم أيها الإخوة بدعاية حزب التحرير، أن أقيموا الخلافة ليصل الإسلام صافياً نقياً إلى سدة الحكم، فهو وحده الذي يحرركم من سيطرة الكفار المستعمرين، وعندها يحمل الإسلام رسالة هدى ونور إلى العالمين.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كلمة ألقاها المهندس باسل مصطفى عضو حزب التحرير/ ولاية السودان في الخامس عشر من رمضان المبارك 1443هـ في صالة منتجع (دوسة السياحي) خلال فعالية الإفطار الرمضاني السنوي الذي نظمه حزب التحرير/ ولاية السودان، والذي حضره جمع غفير من السياسيين والإعلاميين والعلماء وزعماء الإدارات الأهلية، وغيرهم ممن يهتمون بأمر العامة، بالإضافة لشباب حزب التحرير.
قدمها: المهندس باسل مصطفى