الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

اجتياح أوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا

 

أوعزت أمريكا لأوكرانيا بعضوية حلف الناتو فاستباحها الروس ودخلوها باعتبارها مجالا حيويا لا يمكن التنازل عنه لحلف الناتو، طالما اعتبرته روسيا عدوها اللدود، فإن قبول بوتين لأوكرانيا الانضمام لحلف عسكري معاد هو بمثابة وضع الطوق على العنق، فهذه الحرب ما هي إلا مقدمة لأزمة ستواجهها دول أوروبا وتلازمها لعقود لاعتمادها على روسيا في إمدادات الطاقة.

 

فبالرغم من العداوة التاريخية التي تضمرها أوروبا لروسيا لكن يعتمد معظم الأوروبيين عليها فيما يتعلق بالطاقة، ربما التعامل مع روسيا على وجه التحديد له مزايا لن تجدها دول الاتحاد الأوروبي عند غيرها، منها قرب الموقع، وتدني أسعار الغاز والنفط الروسي، لذلك تستورد أوروبا حوالي أربعين بالمئة من طاقتها من روسيا، رغم هذه المصالح الكبرى لأوروبا مع روسيا إلا أنها تخلت مرغمة، تحت الضغوط الأمريكية فأذعنت لها، فأمريكا هي التي هندست هذه الخلافات بين روسيا والغرب، وهي التي عملت على تعطيش الغربيين من خلال هذه الأزمة، فهي ترى في هذه العلاقة خطراً يتهددها لذلك عمدت على فصل الغرب عن روسيا.

 

إن تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا أخطر من الحرب نفسها بالنسبة لأوروبا والعالم أجمع، فقد خلفت آثاراً سياسية واقتصادية عميقة، حيث أصبحت روسيا منبوذة ومعزولة دولياً، الأمر الذي جعل ألمانيا؛ وهي أقوى دول الاتحاد الأوروبي، تغير نهجها وسياستها التي اعتمدتها منذ الحرب العالمية الثانية، فبدأت تسلح نفسها من جديد لمواجهة خطر روسيا، وزادت من نفقات الجيش من أربعين مليار يورو إلى مئة مليار بين عشية وضحاها، بحسب ما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز، وبالمقابل عزز حلف الناتو من قواته وآلياته العسكرية في الدول المجاورة مع الحدود الروسية مع موجة من التحذيرات والتحذيرات المضادة.

 

أما التداعيات الاقتصادية فقد تم فرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا منذ بدء عملياتها العسكرية في أوكرانيا خاصة على الأوليغارشية؛ وهي طبقة رجال الأعمال المقربين من بوتين، وتجميد أرصدتهم في البنوك الأوروبية، وتم إخراج عدد من البنوك الروسية من نظام سويفت للتحويلات المالية عبر العالم ما يعني حرمان روسيا من عائداتها المالية وصعوبة الوصول إليها، فأوروبا تعيش أزمة حقيقية بشأن البحث عن بدائل الطاقة التي تستوردها من روسيا إذ ابتليت هذه القارة بنضب مواردها، وإن معظم وارداتها تأتي من الخارج، فقبل أيام اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي وخرجوا من مؤتمر فرساي يوم الجمعة 2022/3/11م بقرارات من ضمنها موضوع البحث عن بديل للغاز الروسي، وتطوير وتسريع مشروعات التحول الأخضر، واستخدام الطاقة النظيفة صديقة البيئة، أي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والمضي قدماً في هذه المشروعات الواعدة إلا أنه ليس من السهل، كما يبدو، التخلي عن روسيا بهذه البساطة، فموضوع بدائل الغاز الروسي ليس في متناول اليد بالنسبة لأوروبا، وذلك لتكلفة هذه المشاريع العملاقة خاصة هذه الدول لا تزال اقتصادياتها هشة من تداعيات جائحة كورونا، ووجود التضخم في أسعار السلع والخدمات.

 

قبل تداعيات هذه الحرب تحتاج أوروبا لمواعين تخزين الغاز وخطوط نقل تمتد لآلاف الكيلومترات، وبالتالي ميزانياتها عاجزة عن استيعاب ضخامة هذه المشاريع على المدى المنظور، وهي تراهن على استيراد الغاز والنفط من الشرق الأوسط، فقد هرولت كل من ألمانيا والنمسا إلى دويلة قطر لشراء الغاز، فقد أعلن وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك أن بلاده توصلت إلى شراكة طويلة الأمد مع قطر في مجال الطاقة حسبما أفادت هيئة البث العامة الألمانية (إيه.آر.دي) الأحد 2022/3/20م، فيما تسعى ألمانيا إلى أن تصبح أقل اعتمادا على مصادر الطاقة الروسية، فهل تستطيع منطقة الشرق الأوسط سد حاجة أوروبا من الطاقة، وبالتالي الاستغناء عن روسيا؟! مع العلم أن معظم دول الخليج لديها التزامات بعقود آجلة طويلة الأمد، وقد شهدت الأيام الماضية مغازلة أمريكا لدول الخليج المنتجة للغاز والنفط لتوجيه إنتاجها إلى الاتحاد الأوروبي، بزيادة معدلات الإنتاج لمواجهة العجز الناجم عن مقاطعة الغاز الروسي، وعلى كل نجحت الولايات المتحدة في تعطيش أوروبا من خلال هذه التوترات التي افتعلتها بإيعازها لأوكراينا الانضمام للناتو لتكون مبررا لغزوها من روسيا، وقد وضح جلياً أن موضوع إيجاد أزمة طاقة في أوروبا هو أحد أبرز الأهداف التي خططت لها أمريكا لإبقاء حاجة أوروبا لها والاعتماد عليها إلى الأبد لضمان تفوقها سياسياً واقتصادياً.

 

فالاتحاد الأوروبي يحصل على نحو 40% من الغاز و27% من النفط من روسيا، وترغب أمريكا في تحول أوروبا إليها للاعتماد على غازها بتكاليف باهظة وبجودة أقل. إذ كان خط السيل الشمالي2 سيوفر لها ثلث الطلب الخارجي وبتكلفة أقل بنحو 25%. وصرح بوتين في المؤتمر الصحفي مع المستشار الألماني شولتز في آخر اجتماع لهما، مظهراً تمنّنه على الألمان قائلا: "المستهلك الألماني سواء أكان مستهلكا صناعيا أو منزليا يستلم الغاز من روسيا أقل بخمس مرات (من السعر الحالي)، ليتفقد الشخص الألماني محفظته ويقول هل هو على استعداد لشراء الغاز بسعر أعلى 3-5 مرات، لذلك يجب أن يشكر المستشار الألماني الأسبق شرودر الذي دعم مشروع السيل الشمالي1 الذي تتلقى ألمانيا عبره حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز ويتم توفير هذا الغاز بعقود آجلة". (روسيا اليوم 2022/2/15) وذكر بوتين أن ألمانيا تستحوذ على 60% من السوق الروسية. وما يفعل بوتين ذلك إلا لإغراء أوروبا بأن تتعاون مع روسيا ولا تقف ضدها بجانب أمريكا وطمأنتها بأن روسيا لا تطمع فيها حتى تبقي روسيا نفسها آمنة من جهة أوروبا.

 

هذا هو النظام الرأسمالي، نظام استعماري يقوم على التنافس وأخذ ثروات الآخرين، فلا حق فيه للضعيف، لذلك هذا النظام خطر على العالم، ويولد الحروب والأزمات، والكراهية بين الشعوب، ولا وجود فيه للقيم سوى القيمة المادية فقط، فلا قيمة إنسانية، ولا روحية، ولا أخلاقية، لذلك كان حريا بالبشرية أن تنبذ هذا النظام الرأسمالي البشع، وتلقيه في مزبلة التاريخ، والتوجه نحو نظام يليق بالإنسان ويحقق القيم كلها على أساس مبدأ مبني على العقل وموافق للفطرة، مبدأ يقر بالنقص والعجز والاحتياج للخالق، ولا يوجد هذا إلا في مبدأ الإسلام العظيم بأحكامه السماوية، التي تطبقها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة القائمة بإذن الله عما قريب.

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مجاهد آدم – ولاية السودان

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع