- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
هلا اقتدى ضباط جيوشنا بسيف الله المسلول؟
لم يكن دخول خالد بن الوليد رضي الله عنه في الإسلام وانحيازه للإسلام والمسلمين إلا اختياراً حكيماً من فارس مقدام لم يُهزم في معركة خاضها قط، ولو بقي على شركِه ومات على ما مات عليه أجداده وأقرانه من المشركين من أمثال أبي جهل والوليد بن المغيرة لكان من الخاسرين في الدنيا والآخرة، لذلك يجب أن تكون قصة إسلام خالد رضي الله عنه عبرة لكل ضابط في جيوش المسلمين، فهم الذين يحمون عروش الظالمين ويمكّنونهم من الحكم بغير ما أنزل الله، فإن هم اقتدوا بسيرة سيدنا خالد كانت عاقبتهم كعاقبته، ويحشرون معه ومع الصحابة الكرام على حوض المصطفى محمد ﷺ بإذن الله، أما إن ظلّوا يحمون الأنظمة العلمانية القائمة في بلادنا، ويدافعون عن حدود الدول الوطنية التي قامت على تقسيمها إلى دويلات هزيلة، ويظلون يحمون عروش الظالمين ويقضون حياتهم العسكرية في خدمة الأنظمة العميلة، وينفذون مشاريع الدول الاستعمارية الكافرة، فإن عاقبتهم ستكون كعاقبة كثير من القادة العسكريين الذين ماتوا وهم يحمون عروش الظالمين، من أمثال ريتشارد ونابليون وهتلر... وغيرهم، خسروا الدنيا والآخرة.
لم يستغرق انحياز خالد للإسلام والمسلمين طويلا، وقد كانت رسالة من سطرين من رسول الله تركها له أخوه في بيته كافية له ليبيع الدنيا ومتاعها من أجل الآخرة، حيث تعود قصة إسلام خالد بن الوليد إلى ما بعد معاهدة الحديبية، حينما دخل الرسول ﷺ مكة في عمرة القضاء، فسأل الوليدَ عن أخيه خالد، فقال: «أَيْنَ خَالِدٌ؟» فقال الوليد: "يأتي به الله"، فقال النبي ﷺ: «مَا مِثْلُهُ جَهِلَ الْإِسْلَامَ، وَلَوْ كَانَ جَعَلَ نِكَايَتَهُ وَحَدَّهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَقَدَّمْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ»، فخرج الوليد يبحث عن أخيه فلم يجده، فترك له رسالة قال فيها: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَعْجَبَ مِنْ ذَهَابِ رَأْيِكَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَقْلُكَ عَقْلُكَ! وَمِثْلُ الْإِسْلَامِ جَهِلَهُ أَحَدٌ؟! وَقَدْ سَأَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْكَ، وَقَالَ: «أَيْنَ خَالِدٌ؟»... فَاسْتَدْرِكْ يَا أَخِي مَا قَدْ فَاتَكَ، فَقَدْ فَاتَكَ مَوَاطِنُ صَالِحَةٌ"، وقد كان خالد رضي اللـه عنه يفكر في الإسلام، فلما قرأ رسالة أخيـه سرّ بها سرورا كبيرا، وأعجبه قول النبـي ﷺ فيه، فشرح الله صدره وأسلم، وكان قبل ذلك قد رأى رؤيا في منامِهِ، أنَّهُ في مكانٍ ضيقٍ، خرج منهُ لأرضٍ واسعةٍ خضراءَ، ولمّا ذَكَرَ رؤياهُ لأبي بكرٍ الصديق وهو في المدينةِ قال له الثاني: "هو مخرجُكَ الذي هداك الله للإسلام، والضيقُ الذي كنتَ فيه من الشرك". هكذا، فقد كانت رسالة من سطرين ورؤيا رآها كافيتين للقائد الحقيقي ليدخل الإسلام وتُقوّم حياته ويقوم بما خلقه الله من أجله؛ عبادة الله سبحانه وتعالى والجهاد في سبيله.
كان خالد بن الوليد قائداً حقيقياً محنّكاً، قاد جيش المشركين في معركة أحد وهزم المسلمين، وكذلك كان قائداً فذّا بعد انحيازه للمسلمين، فكانت أولُ غزوةٍ لَهُ مع المسلمين هي غزوة مؤتة، حملَ فيها رايةَ المُسلمين، وفيها لُّقِبَ بسيفِ الله المسلول، كما شاركَ في حروبِ الردةِ، وقاتلَ مع المُسلمين في أكثر من مائةِ معركةٍ، وقالَ فيهِ رسولُ الله ﷺ: «نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ، خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ، سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ»، وشهدَ فتح مكة، وغزوةَ حُنين، وكانَ رسولُ الله قد أعطاه شعراً من رأسِهِ فأبقاهُ خالد في مقدمةِ عمامتِهِ، وكان لا يلتقي بعدوٍ إلا ويهزِمَهُ، وجَعلهُ أبو بكرٍ الصديق أميراً على جميعِ أمراءِ الأجناد، وافتتح دمشقَ هو وأبو عبيدة رضي الله عنهم. كل هذه الانتصارات لفارس حقيقي حفظها له التاريخ وحفظته له خير أمة أُخرجت للناس، وكانت ثقيلة في ميزان حسناته يوم لا ينفع مال ولا بنون، لا كالضباط الحاليين الذين يخدمون في جيوش المسلمين، يقضون حياتهم بين السعي للحصول على النياشين والرتب دون إنجازات حقيقية تنصر الإسلام والمسلمين، وبين خدمة مصالح الدول الاستعمارية وفي بعثات "السلام" للأمم المتحدة، فشتان بين القائد خالد وبين الضباط الذين يموتون على خلاف ما مات عليه!
إن ضباط المسلمين أُجراء عند الأمة، ومتعاقدون معها على حمايتها وحماية عقيدتها وصون حرماتها، وهم ليسوا أُجراء عند الحكام الظالمين الذين لا يحكمون بما أنزل الله، فالحكام هم أنفسهم في أنظمتهم الديمقراطية أُجراء عند الناس أيضاً، وقد خان هؤلاء الحكام الأمانة وأكلوا أموال الناس بالباطل، وكذلك الضباط إن لم يقوموا بمقتضى العقد الذي بينهم وبين الناس، يكونوا قد أكلوا السحت وأَكّلوه لأبنائهم، فالمال الحرام ليس الذي يؤخذ سرقة أو خلسة فحسب، بل أيضا مال الأجير الذي لا يقوم بواجبه فيما استؤجر عليه، خصوصا وأن الأمة تقتطع من قوت عيالها لتدفع للجند رواتبهم، لا ليتنعموا بها هم وعيالهم دون مقابل أو لخدمة أعداء الأمة، بل للدفاع عن الأمة وعن دينها ومقدساتها وحرماتها، وإن لم يفعلوا ذلك فقد أكلوا الحرام وأكّلوه عيالَهم، وما غُذّي بالحرام فالنار أولى به، عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ» رواه الإمام أحمد في مسنده، وفي رواية أخرى: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ جَسَدٌ غُذِّيَ بالحرَامِ»، فهل يرضى الضابط المؤمن بالله واليوم الآخر أن يُلقى بأهله في النار لأنه قد أعالهم بمال حرام؟! وهل يرضى الضابط منهم أن يكون أبناؤه الذين يتفاخر بهم أمام الناس بعد أن علمهم وخرجهم من أرقى الجامعات، هل يرضى أن يكونوا حطب جهنم؟! معاذ الله.
لقد بات واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار أن حال الأمة البائس لا يغيره إلا نصرة أهل القوة والمنعة، بعد أن غيّر الناس ما بأنفسهم، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، وقد طالبت الأمة مرارا وتكرارا بتحكيم شرع الله، وخرجت إلى الشوارع بصدور عارية مطالبة بخلع الأنظمة الكافرة وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها، لكنّ الوحيدين الذين خذلوا الأمة وهم جزء منها ومن أبنائها، هم ضباط المسلمين وقادة جندهم وقوتهم، على الرغم من أن الأمة قد أنفقت عليهم من قوت عيالها، لذلك يحمل ضباط المسلمين اليوم وزرَ حكام المسلمين الظالمين العملاء، وهم في العذاب سواء، حيث قال الله تعالى: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ ومعنى خاطئين آثمين، فرأس الكفر فرعون ووزيره هامان آثمان على السواء وكذلك جنودهما. فلا يجوز لأي جندي أو ضابط تبرئة نفسه من ظلم الحاكم وكفره، والادّعاء بأنه ليس مسؤولا عن ظلم الحاكم وحكمه بالكفر وعمالته وفسقه وفجوره، وقد تبرأ الرسول ﷺ من أعوان الظلمة كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي وأحمد في المسند عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: خرج إلينا رسول الله ﷺ فقال: «اسْمَعُوا، إنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدِي أُمَرَاءُ، فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ فَصَدَّقَهُمْ بِكَذِبِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ الْحَوْضَ...». وقد روي في سجن الإمام ابن حنبل أن جاءه السجان فقال له: "يا إمام! الحديث الذي رُوي في الظلمة وأعوانهم هل هو صحيح؟ قال: نعم، قال السجان: وأنا من أعوان الظلمة؟ قال له ابن حنبل: أعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، أما أنت فمن الظَّلَمَة"، وعند الحديث عمّن ظلم الإمامَ أحمد فإننا نتحدث عن المأمون الحاكم المسلم الذي كان يحكم بما أنزل الله ويجاهد في سبيله، ومع ذلك قال فيه الإمام أحمد ما قاله! ولا نتحدث عن حكام المسلمين الحاليين، ممن استباحوا حُرمات المسلمين وعطّلوا الجهاد وأحكام الإسلام جميعها، فهؤلاء مغتصبو سلطة فاسقون وظالمون وأكثرهم من الكافرين، وهم ليسوا كالمأمون بأي شكل من الأشكال، بل هم فراعنة هذا الزمان.
يجب على الضباط العقلاء المؤمنين بالله وباليوم الآخر في جيوش المسلمين أن يتداركوا أمرهم كما تداركه خالد بن الوليد قبل فوات الأوان، فالموت موشكٌ لكل مخلوق، ويوم الحساب آتٍ لا محالة، قال خالد بن الوليد وهو على فراش الموت: "شهدت مئة زحف أو زهاءها، وما في جسمي موضع شبرٍ إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنا ذَا أموت على فراشي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء"، وتدارك أمرهم لا يكون إلا بشيء واحد لا بديل عنه، ولا يعوضه صلاة أو صيام أو صدقة أو حج وعمرة، وهو الانحياز إلى المسلمين من خلال نصرة الإسلام ومشروع نهضة المسلمين، بإعادة الإسلام نظامَ حكمٍ في الناس، وذلك بإعطاء النصرة لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي بشّر بإقامتها رسول الله ﷺ، فإن فعلوا فقد فازوا في الدارين كما فاز بهما خالد بن الوليد رضي الله عنه، وإن ركنوا إلى الدنيا فقد خسروا الدار الباقية وذكرتهم الأمة كما تذكر جنود فرعون وهامان، وما خلفوه في الدنيا فهو في النار والعياذ بالله.
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
بلال المهاجر – ولاية باكستان