السبت، 28 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

الخلافة هي الحل الجذري لمشكلة الحكم في السودان والعالم أجمع

 

لقد كان إعلان الحكومة السودانية عن محاولة انقلابية فاشلة في صبيحة يوم 2021/9/21م هو الشرارة التي أشعلت حرب التصريحات بين الشريكين المتشاكسين لحكومة الفترة الانتقالية؛ وهما الشريك العسكري "رجالات أمريكا" والشريك المدني "رجالات الإنجليز" اللذين اقتسما حكومة الفترة الانتقالية بموجب الوثيقة الدستورية الموقعة في 5 تموز/يوليو 2019م، والتي تم تعديلها بعد اتفاق جوبا بين الحكومة وبعض الحركات المسلحة في تشرين الأول/أكتوبر 2020م.

 

حيث صرح البرهان عقب المحاولة الانقلابية في حفل تخريج ضباط من القوات الخاصة "إن القوى السياسية انشغلت بالصراع على السلطة والمناصب، وإن شعارات الثورة من الحرية والعدالة ضاعت وسط خلافات القوى السياسية" وأضاف "إن سبب تدهور الأوضاع الاقتصادية الأساسي يرجع إلى الصراع على السلطة بين مكونات الحكومة الانتقالية من المدنيين" وقال: "نحن أوصياء على البلاد ولن نترك جهة واحدة تتحكم في مصير البلاد". كما صرح نائبه حميدتي قائلاً: "إن انشغال السياسيين بالصراع على المناصب كان سبباً في محاولات الانقلاب العديدة خلال الفترة الانتقالية".

 

هذه التصريحات قوبلت بالرد من القوى المدنية حيث أصدرت قوى الحرية والتغيير بياناً قالت فيه: "إن تصريحات رئيس مجلس السيادة ونائبه هو تهديد مباشر لمسار الانتقال الديمقراطي ومحاولة لخلق شرخ بين قوى الثورة المدنية والقوات المسلحة وتقويض للأسس التي قامت عليها المرحلة الانتقالية والتي لا تعرف سوى التحول المدني الديمقراطي الذي يريد رئيس مجلس السيادة ونائبه النكوص عنه وهو ما لن نسمح به وسنتصدى له بكل صرامة" حسب صحيفة السوداني الجمعة 2021/9/23. كما أصدر تجمع المهنيين بياناً تلاه خلال مسيرة دعا لها يوم السبت 2021/9/25 لدعم التحول المدني جاء فيه: "إن المحاولات اليائسة من فلول النظام البائد وبمباركة المجلس العسكري ما هي إلا تمهيد لما هو قادم وتدق ناقوس خطر إفشال الفترة الانتقالية".

 

لم تكن هذه التصريحات مفاجئة للكثيرين من أهل السودان بقدر ما نقلت ما كان يجري وراء الكواليس إلى الواجهة، فجُلّ أهل السودان يدركون هذا الصراع بين القادة العسكريين والمدنيين على كراسي السلطة منذ سقوط النظام البائد، ويدركون كذلك مماطلة المجلس العسكري؛ اللجنة الأمنية لنظام البشير، في تسليم السلطة إلا بعد مسيرات 30 حزيران/يونيو 2019 التي أرغمتهم على تقاسم السلطة مع المدنيين "قوى الحرية والتغيير" إلى حين تهيئة الظروف المناسبة للانقلاب عليهم ولكن الذي يحتاج إلى وعي أكبر هو ارتباط هذا الصراع بالخارج، أي هو في حقيقته صراع دولي على سيادة البلد وثرواته بين أمريكا وعملائها العسكريين من جهة، وبين أوروبا، وبخاصة بريطانيا وعملائها من المدنيين، من الجهة الأخرى، لذلك كان لا بد من إلقاء الضوء على ذلك فنقول:

 

أولاً: بريطانيا - معروف أنها هي التي كانت تستعمر السودان باتفاقية الحكم الثنائي البريطاني المصري، الذي يقول عنه اللورد كرومر "إن اللورد سالسبوري وزير الخارجية البريطاني بعث بمشروع هذه الاتفاقية، وتسلم بطرس غالي وزير خارجية مصر نسخة منها فقط للتوقيع عليها" ما يعني أن دور مصر كان اسمياً فقط وأن الاستعمار في حقيقته كان بريطانياً بالكامل، فبريطانيا هي التي انفردت بحكم السودان وهي التي صنعت الوسط السياسي فيه بعد أن أبقت على ابن المهدي عبد الرحمن، وكان وقتها في الخامسة عشرة من عمره وقضت على حركات التحرر الأخرى وهي صاحبة مفهوم السودان للسودانيين، لأجل فصل السودان عن مصر، والذي رعته جمعية سرية باسم "الاتحاد السوداني" تشكلت سنة 1921 من طلاب كلية غردون. ثم خرجت بريطانيا بعد أن سلمت السودان لعملائها من المدنيين والعسكريين، وظلت الطبقة السياسية موالية لها، خاصة حزب الأمة صاحب الشعبية الأكبر في البلاد، أما السيطرة العسكرية فقد فقدتها بعد انقلاب النميري الذي قضى على رجالاتها في القوات المسلحة، ولكنها ظلت تعول على مشاركة أمريكا النفوذ مستغلة الثورات الشعبية كلما ضاق الحال بالناس وخرجوا يهتفون ضد حكم العسكر، وعندما نجحت في إسقاط البشير جاءت بقوى الحرية والتغيير، واختير حمدوك رئيساً للوزراء بعد أن نجحت في تلميعه للناس، ويظهر ارتباط الحرية والتغيير ببريطانيا في مواقف كثيرة منها:

 

1- طلب رئيس الوزراء حمدوك من الأمم المتحدة إرسال بعثة أممية للسودان تحت البند السادس وهو الذي يسمح لها بالتدخل السافر في جميع شئؤن الدولة وهو ما أوردته سودان تربيون في يوم الاثنين 2020/2/10 حيث جاء في الخبر "طلب رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من مجلس الأمن الدولي التفويض لإنشاء بعثة سياسية خاصة من الأمم المتحدة تحت الفصل السادس لدعم السلام". ونشرته أيضاً صحيفة القدس العربي "يجب أن تشمل البعثة كل أراضي السودان وتقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية وقطاع الأمن وبناء قدرات قوة الشرطة الوطنية". وقد وافق مجلس الأمن على ذلك في يوم 3 حزيران/يونيو 2020م وسميت البعثة (يونيتامس) وبدأت عملها بالفعل.

2- التدخل السافر للسفير البريطاني عرفان صديق في شئون البلاد حيث نشرت صحيفة التيار يوم الأربعاء 2021/1/27 "قال السفير البريطاني تعويم الجنيه الحل الوحيد لاستقرار الجنيه السوداني"، كما نشر موقع تأس برس في 2021/1/26 "السفير البريطاني المثير للجدل عرفان صديق يودع السودان بحزمة من الوصايا".

 

3- زيارات وزراء أوروبا دعما للتحول المدني الديمقراطي والتي بدأها مساعد وزير الخارجية الألماني للشؤون الأفريقية فيليب أكار مان مع الحكومة السودانية في يوم 2020/1/24. وفي يوم 2021/1/21 وصل وزير خارجية بريطانيا دومينيك راب إلى الخرطوم في أول زيارة من نوعها للسودان منذ أكثر من عقد دعماً للفترة الانتقالية، ودعاها لاتخاذ إجراءات اقتصادية دقيقة. كما وصل وزير خارجية فرنسا وأكد دعمه للحكومة الانتقالية. وكذلك صرح رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي فان دن دول، وسبق ذلك العديد من مؤتمرات ما عرفت بالدول الصديقة للسودان لتقديم المنح لدعم الحكومة الانتقالية.

 

والمعروف أن بريطانيا تريد تثبيت رجالها في البلاد عن طريق الحكم المدني وبالمقابل إثارة القلاقل للعساكر مثل كشفها زيارة البرهان لعنتيبي ولقائه بنتنياهو في يوم 2020/2/3 (موقع الجزيرة.نت). حيث نفى وزير الثقافة والناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء آنذاك فيصل محمد صالح أي علم له بهذه الزيارة.

 

ثانياً: أمريكا - فهي رائدة فكرة الانقلابات العسكرية حيث إنها عندما انفتحت على العالم وجدت الدول الأوروبية تسيطر على مستعمراتها بواسطة العملاء فأرادت الدخول إلى تلك المستعمرات فابتكر ضابط المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند أن تدخل تلك المستعمرات عن طريق الانقلابات العسكرية، وبالفعل نفذت أمريكا أول انقلاب عسكري لها في سوريا وهو انقلاب حسني الزعيم سنة 1949م.

 

وفي السودان استطاعت أمريكا أن تدخلها عبر انقلاب النميري سنة 1969م ومن ثم قام بتصفية النفوذ البريطاني فيه وأحكمت أمريكا قبضتها على المؤسسة العسكرية التي ظلت تسيطر بها على البلاد إلى يومنا هذا. كما استطاعت عبر العسكر أن تنفذ إلى الاقتصاد وتحكم قبضتها على رؤوس الأموال الكبيرة بل وظلت تعاقب الشعب بوضع أكثر سوءاً كلما تمرد عليها وخرج يطلب الخلاص كما حدث في 1985م، واستطاعت بريطانيا أن تأتي بالأحزاب فكانت النتيجة أن خرج الناس يطلبون حكم العسكر والهتاف المشهور "لا سكر لا عيش عايزين حكومة الجيش"، وبالفعل جاءت بالجنرال عمر البشير وخلال فترة حكمه استطاعت أن تحكم قبضتها على مفاصل الاقتصاد بصورة أكبر بكثير مما سبق وأصبحت أكبر الشركات في البلاد تتبع للمؤسسة العسكرية كما عملت على إضعاف البلاد أكثر وتهيئتها للانفصال بل ونجحت بالفعل في بتر جنوب السودان عام 2009م ومنحت دارفور وضعا خاصاً واشتعلت الحرب في بقية ولايات البلاد.

 

والآن في ظل الحكومة الانتقالية أمسكت بملف السلام بوضعه في يد العسكريين لتديره حسب مصالحها رغم أن الوثيقة الدستورية نفسها لا تعطيها الحق في ذلك. وهي الآن تضيق على الناس أكثر وأكثر باستغلال جوع الناس وانعدام الأمن لينفضوا أيديهم من حكومة الفترة الانتقالية ويذهبوا إليهم ليطلبوا منهم النجدة صاغرين كما فعلوها في نهاية سنة 1988م وبدايات 1989م.

 

مما سبق يتضح لنا جلياً أننا ضحايا اللعبة الاستعمارية بين الدول الكبرى؛ أمريكا من جهة، ودول أوروبا من جهة أخرى، منذ أكثر من مائة عام إلى يومنا هذا، وأنهم يعاقبوننا كلما طلبنا الخلاص منهم بمزيد من التضييق.

 

إنه لا خير في مستعمر أمريكي ولا أوروبي فكلهم يطمعون في استعبادنا، وينهبون ثرواتنا، وإنهم يخادعوننا ويزرعون الفتن بيننا، وإذا شعروا أننا بدأنا نستفيق ونعي زادونا تضليلاً بإلقاء اللائمة على حلفائهم في الإقليم، الإمارات تارة، والسعودية تارة، ومصر تارة أخرى دون أن ننتبه أن حكام هذه البلاد هم عملاء لهم، مع أن شعوبها مسلمون غير أنهم مستعبَدون مثلنا. وإنه لا مخرج إلا بنظام مأخوذ من عقيدتنا وهو نظام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، إذ هو النظام الوحيد الذي يوحدنا ويلم شملنا ويقوي شوكتنا وينصرنا على عدونا ويستيعد حقوقنا، وفوق ذلك يرضي ربنا سبحانه فنفوز في الدارين إن شاء الله.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد منير - ولاية السودان

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع