السبت، 28 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/30م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أوكوس: شراكة أمنية استراتيجية بين شركاء متشاكسين!

تستهدف الصين وتكرس في طريقها عزل أوروبا

 

سرعت الولايات المتحدة خطواتها وتحركاتها لتفعيل وإنفاذ جوانب متعددة من استراتيجيتها بعيدة المدى الهادفة لتحجيم الصين ولجمها والحد من اندفاعها المتسارع في مزاحمتها ومنافستها لها، علما أن هذه المزاحمة والمنافسة هي على حساب انفراد أمريكا بقيادة وإدارة النظام الدولي والسياسة العالمية لتحقيق مصالحها الاستعمارية على المدى المنظور.

 

فقد وضعت أمريكا على رأس أولوياتها استراتيجية الحد من الخطر الصيني المتنامي، فاحتواء الصين بات من أهم الأهداف الاستراتيجية لأمريكا، وقد أوضح الرئيس الأمريكي بايدن وقبله أوباما وترامب "أنه يعتبر الصين المنافس العالمي الأكبر للولايات المتحدة"، كما وصف وزير خارجيته أنتوني بلينكن الصين كأكبر تهديد للولايات المتحدة. وقد شكل بايدن فور توليه الرئاسة فريق عمل في وزارة الدفاع مكلفا بالملف الصيني، وأمهله 4 أشهر لتحديد المسار في القضايا الاستراتيجية المتعلقة بالصين، وأمر بالشروع الفوري في مراجعة المقاربة الاستراتيجية العسكرية والمخاطر التي تشكلها بيكين، وأشار بايدن إلى أن الصين والقضايا المتصلة بها ستتطلب من الوكالات الحكومية العمل معا، إلى جانب دعم الكونغرس غير المشروط، فضلا عن تحالفات قوية للتعامل مع التحدي الصيني.

 

كما طلب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن من قادة القوات تقديم ملخص بشأن الصين، وصرح بوقوف أمريكا بجانب اليابان بشأن الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي. فيما أعلنت مديرة المخابرات المعينة أفريل هاينز أن الولايات المتحدة يجب أن تتبنى موقفا جريئا ضد التهديد الذي تشكله الصين.

 

فالهم الأمريكي هو الصين والشغل الاستراتيجي هو تأمين منطقة المحيط الهادي بوابة أمريكا على آسيا، ثم الشغل الاستراتيجي المصاحب هو سباق التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية لمعالجة البيانات الضخمة وهذه كلها لها ذيول عالمية ومجالها أوسع بل هو العالم كله، وفي هذه خطت الصين خطوات كبرى نازعت أمريكا فيها وفاقت في بعضها.

 

وهكذا باتت القراءة الاستراتيجية الأمريكية للحفاظ على الهيمنة والسيطرة على النظام الدولي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، والتفرد بقيادة الموقف الدولي مرهونة استراتيجيا باحتواء الصين.

 

فكان من الخطوات الاستراتيجية الأمريكية لتحقيق الهدف، الإعلان في حزيران/يونيو 2019 عن نشر صواريخ أمريكية متوسطة المدى في المحيط الصيني لإحاطة الصين بحزام ناري صاروخي، فضلا عن البعد الاستراتيجي غير المعلن من الإعلان وهو إثارة النزاعات بين الصين ومحيطها لإنهاكها وخنق أنفاسها بدخان محيطها الملتهب، عطفا على شل حركتها خارج إقليمها الآسيوي.

 

كما دفعت أمريكا اليابان لتطوير قدراتها العسكرية الهجومية، وتغيير دستورها لكي يتمكن الجيش الياباني من تغيير عقيدته القتالية الدفاعية لتحقيق الارتباط بالاستراتيجية الأمريكية، فضلا عن توتير العلاقات بين اليابان والصين حول جزر بحر الصين الشرقي. كما فعلت مع الدول المطلة على بحر الصين الجنوبي (فيتنام، الفلبين، تايوان...) صراع حول الجزر والصخور والشعاب المرجانية والكثبان الرملية والثروات الباطنية والموارد البحرية، حتى أضحت التوترات تهديدا استراتيجيا جديا لبحر الصين كمعبر وممر تجاري.

 

ثم كانت الشراكة الاستراتيجية بين أمريكا والهند، وُصِفَت بأنها منحت الولايات المتحدة لنيودلهي الدور الاستراتيجي نفسه لمواجهة الصين، كالذي سبق ومنحته أمريكا للصين في مواجهة الاتحاد السوفياتي. وشملت تلك الشراكة الاستراتيجية مع الهند التعاون العسكري النووي والأمني والاقتصادي، وتم تسليمها إقليم كشمير للتفرغ للصين، ما أحدث تحولا في ميزان القوى وتعزيزا لموقف الهند في مواجهة الصين.

 

ثم كانت رباعية الحوار الاستراتيجي "كواد" التي تضم الهند واليابان وأستراليا والولايات المتحدة لتأكيد الزعامة والقيادة الأمريكية في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

 

إلا أن الخط الاستراتيجي الأمريكي ليس سالكا، وما تكبدته الاستراتيجية الأمريكية من إخفاقات جراء الهزيمة العسكرية المدوية في أفغانستان ونكسة العراق وورطة الصومال وما استتبعه من إخفاق لاستراتيجية التحكم في منابع الطاقة وطرق التجارة العالمية، ثم معضلة المعضلات والتحدي الأكبر للمعادلة الاستراتيجية للإسلام وبنيتها وأبعادها اللامتناهية وعناصرها وإمكاناتها اللامحدودة ما يجعلها مستعصية بل مستحيلة الحل، عطفا على ذلك الخراب الاقتصادي والأزمات المتتالية والنكسة السياسية الداخلية. صاحب هذا كله نمو متسارع للنفوذ الصيني واستثمار متنامٍ في البنية التحتية في جزر المحيط الهادئ، وتقدم في خطتها لحزام وطريق الحرير، وتطور متسارع لتكنولوجيتها، وتمددها في أوروبا وأفريقيا بعد أن وقعت أزيد من 150 وثيقة اتفاق مع دول العالم لإنفاذ خطتها، وتصاعد تعاملها الاقتصادي مع أوروبا حيث وصل عدد رحلات قطارات الشحن نحو 10 آلاف رحلة تربط بين 48 مدينة صينية و20 مدينة أوروبية.

 

بعد إخفاقها الاستراتيجي عمدت الولايات المتحدة إلى إشعال حرب اقتصادية متصاعدة مع الصين خلال إدارة ترامب أدت إلى نتائج عكسية صبت في تقوية التكنولوجيا الصينية وتحررها من الموارد والتقنية الأمريكية.

 

ثم كان جواب إدارة بايدن الحالية على المسألة الصينية بعد الإخفاق والإرباك في الخطط الاستراتيجية، الإعلان عن شراكة استراتيجية أمنية جديدة، والتي أعلن عنها الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء الأربعاء 15 أيلول/سبتمبر 2021 بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا، وجاء إعلان بايدن خلال قمة افتراضية مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون، وحملت اتفاقية الشراكة الأمنية بين الدول الثلاث اسم "أوكوس". وبحسب بيان نشره الموقع الإلكتروني للحكومة البريطانية فإن "قادة المملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا اتفقوا على إطلاق شراكة دفاعية وأمنية تاريخية... ستحمي وتدافع عن مصالحنا المشتركة في المحيطين الهندي والهادئ".

 

و"أوكوس" هي شراكة أمنية وتحالف ثلاثي بمبادرة أمريكية للعمل المشترك في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، موجهة بشكل ضمني وأساسي ضد الصين، وتهدف إلى تسهيل تبادل المعلومات والابتكارات التكنولوجية في مجال الذكاء الاصطناعي والأنظمة السيبرانية والحوسبة الكمية الكفيلة بمعالجة البيانات الكمية الضخمة بسرعة فائقة، الأمر الذي تعجز عنه أقوى الحواسيب التقليدية، ثم تكنولوجيا الغواصات ذات الدفع النووي التي تعتبر الأسرع والأكثر قدرة على المناورة فضلا عن صعوبة رصدها وشدة فتكها، ثم تقنية الأنظمة التي تعمل تحت الماء مع توفير قدرات شن هجوم بعيد المدى.

 

جاء في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية "الشراكة الأمنية بين أمريكا وبريطانيا وأستراليا تمثل تحديا للصين في منطقة جوارها في المحيط الهادئ، وهو تحد للنفوذ العسكري والاقتصادي المتزايد لبيكين"، وقالت الصحيفة "إن الشراكة الأمنية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي بايدن والتي ستقدم بموجبها واشنطن ولندن تكنولوجيا شديدة الحساسية خاصة بالغواصات النووية لأستراليا، تمثل تغييرا كبيرا عن السياسة السابقة وتحديا مباشرا للصين في منطقة جوارها في المحيط الهادئ".

 

وينظر لاتفاقية الشراكة الأمنية على نطاق واسع على أنها محاولة لمواجهة النفوذ الصيني المتنامي في بحر الصين الجنوبي، إذ تعد المنطقة بؤرة ساخنة للتوترات على مدار سنوات. ويقول خبراء استراتيجيون إن تحالف "أوكوس" يمثل أهم ترتيب أمني بين الدول الثلاث منذ الحرب العالمية الثانية. فالإعلان عن "أوكوس" هو أحدث الخطوات الاستراتيجية التي تتخذها الولايات المتحدة لمواجهة نفوذ الصين المتنامي عسكريا وأمنيا وتكنولوجيا.

 

ولقد جاء الرد الصيني على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان "إن التحالف يخاطر بإلحاق أضرار جسيمة بالسلام الإقليمي... وتكثيف سباق التسلح" وانتقد ما وصفه بأنه "عقلية الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن" محذرا من أن الدول الثلاث "تضر بمصالحها". كما أكدت وزارة الخارجية الصينية على أن "صفقة الغواصات النووية مع أستراليا تضر بالجهود الدولية لمنع انتشار الأسلحة النووية... وأن أمريكا وبريطانيا وأستراليا يدمرون السلام والاستقرار الإقليمي... كما قالت السفارة الصينية بواشنطن "إن على الولايات المتحدة الأمريكية التخلص من عقلية الحرب الباردة والتمييز الأيديولوجي".

 

هذا عن الاتفاق ومضامينه وتصريحات وردود الأطراف المعنية به، أما عن الأبعاد الاستراتيجية فلمحاولة استقرائها وجب الوقوف على الأهداف الاستراتيجية لأطراف الاتفاق وخاصة الطرفين الرئيسين أمريكا وبريطانيا في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.

فالتباين والاختلاف بل وحتى التضاد في الأهداف الاستراتيجية لأمريكا وبريطانيا يجعل الشراكة الأمنية المعلنة شراكة بين شركاء متشاكسين لكل هدفه وغايته الاستراتيجية.

 

فأمريكا تعتبر الصين تهديدا استراتيجيا جديا، وخطرا متناميا على المدى المنظور يهدد انفرادها بقيادة وإدارة النظام الدولي والسياسة العالمية تحقيقا لمصالحها الاستعمارية.

 

فبعد فترة الحرب الباردة غيرت أمريكا خطتها تجاه الصين، فبعد أن كانت الخطة إبان الحرب الباردة دعم الصين وجعلها قطبا دوليا وتحسين العلاقات معها والدفع بتحسين العلاقات الصينية اليابانية، لجعل الصين من دعائم وركائز النظام الدولي الغربي، وذلك لإضعاف الاتحاد السوفيتي آنذاك ولزيادة الشقة بين الصين الشيوعية والاتحاد السوفيتي الشيوعي، عادت بعد الحرب الباردة وغيرت خطتها ووضعت خطة بديلة ترمي لتحجيم الصين وإرجاعها خلف سورها حتى لا تشكل خطرا على مصالحها في شرق آسيا. واليوم وقد أصبح الخطر الصيني حقيقيا وجديا فإن أمريكا تسارع الزمن سعيا وراء هدفها الاستراتيجي في تحجيم الصين ووقف تمددها ونموها. إلا أن إخفاقات وإرباكات خططها الاستراتيجية، وهزيمتها العسكرية المدوية في أفغانستان ونكستها في العراق وورطتها في الصومال، ألجأها لتقييم قواها الذاتية على قدرة الفعل ضد الصين ما جعلها تتجاوز مسألة التفرد والانفراد بالمواجهة واللجوء للشراكة الثلاثية.

 

فإشراك أمريكا لبريطانيا في مواجهتها للصين في بعده الاستراتيجي سد لثغرة الضعف الاستراتيجي الأمريكي والذي ترجمته الهزيمة العسكرية المدوية في أفغانستان. ثم هو كذلك كبح لجماح البريطانيين وتحجيم لدورهم المزدوج تجاه الصين (في سعي بريطانيا الخفي لإشراك الصين في السياسة العالمية والموقف الدولي لضرب الهيمنة والسيطرة والتفرد الأمريكي) الأمر الذي تعيه أمريكا جيدا.

 

أما نظرة أمريكا لأستراليا كطرف في اتفاق الشراكة الأمنية، ففضلا عن الجغرافيا الاستراتيجية لمجاورة أستراليا للصين، فإن أستراليا كذلك في البعد الاستراتيجي الأمريكي هي ورقة ضمان وبوصلة تأمين لضمان سير بريطانيا في استراتيجيتها.

 

أما بريطانيا فسياستها في الشرق الأقصى كانت ولا زالت تخالف سياسة أمريكا، بالرغم من حاجتها الماسة لأمريكا لتساعدها في الاحتفاظ بمستعمراتها جراء الضعف الشديد الذي أصابها بعد الحرب العالمية الثانية. وعليه كانت ولا زالت تنظر للصين على أنها سوق لتجارتها ومفتاح للسوق الآسيوية. فهدفها الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي هو بقاء استعمارها وبقاء نفوذها. ولتحقيق أهدافها الاستراتيجية تعتمد خطتها الدائمة الثابثة في تسخير غيرها والسير مع منافسيها وخصومها في تحقيق أهدافها وجلب مغانمها ودفع مغارمها، وبناء الفخاخ السياسية للخصوم المنافسين لإضعافهم وجرهم لسياسات تخدم مصالحها.

 

وعليه فاهتمام بريطانيا بالتوازنات الدولية ومعاداتها لتفرد أمريكا بالموقف الدولي والسياسة العالمية والإخلال بالتوازن هي المسألة الاستراتيجية الكبرى بالنسبة لبريطانيا، فسيرها في ركاب أمريكا هو من هذا القبيل. فهي ترى أن الخطر المحدق بمصالحها الاستعمارية هي أمريكا بالدرجة الأولى، أما الخطر الصيني فيمكن التعامل معه وتوظيفه في استراتيجية التوازن الدولي.

 

حقيق أن شرايين الحياة بالنسبة لبريطانيا شعبا ودولة تكمن في آسيا وأفريقيا، وأن الشراكة الأمنية مع أمريكا تخدم استعمارها في منطقة المحيطين الهادئ والهندي كما صرح بذلك رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أن الإتفاق "للدفاع عن مصالحنا في منطقة الهندي والهادئ".

 

إلا أن الهدف الاستراتيجي البريطاني تجاه الصين يختلف عن الهدف الأمريكي، فبريطانيا ترى في الصين قوة لتثبيت التوازن الدولي وتعديل ميزان القوى، وعامل كبح وفرملة للهيمنة والتفرد الأمريكي، لذا عرفت العلاقات البريطانية الصينية تطورا استراتيجيا ملحوظا منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثانية، ففي حزيران/يونيو 2013 وقع بنك إنجلترا ونظيره الصيني اتفاقا لتبادل العملات وكان أضخم اتفاق من نوعه بالنسبة للعملة الصينية "يوان". ثم في زيارة للصين سنة 2014 أكد وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن أن بريطانيا تدعم دخول العملة الصينية إلى نادي العملات العالمية. كما انضمت بريطانيا إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنيات التحتية وهو في الحقيقة بنك صيني دولي أنشئ لمواجهة البنك الآسيوي الخاضع لأمريكا، واعترضت أمريكا حينها على عزم بريطانيا الانضمام إليه. وهكذا استمرت بريطانيا في توطيد علاقتها بالصين حتى صرح رئيس وزرائها حينذاك دافيد كاميرون "لا يوجد في العالم الغربي بلد منفتح للاستثمار الصيني كبريطانيا"، ثم صرحت بعده رئيسة الوزراء تيريزا ماي في أيار/مايو 2016 أن العلاقات بين بريطانيا والصين دخلت عصرها الذهبي. وذلك الذي أكده الرئيس الصيني عند استقباله في قصر بانينغام بالاس بلندن سنة 2016 إذ صرح هي السنة الأولى لهذا العصر الذهبي. واستمرت بريطانيا في دعم العملة الصينية لضرب الدولار الأمريكي حتى تحقق لها ضم العملة الصينية اليوان إلى العملات الرئيسية في سلة عملات حقوق السحب الخاصة اعتبارا من 1 تشرين الأول/أكتوبر 2018.

 

فسير بريطانيا مع أمريكا والتصاقها بركبها هو سير المكره المحتاج بسبب ضعفه والمتربص للنفاذ والمتحفز للتعطيل وشل الحركة والكامن لنصب الفخاخ والمتأهب للهرب.

 

فلعب بريطانيا على حبال التوتر الأمريكي الصيني هو لهدفها الاستراتيجي في تحقيق التوازن الدولي والحفاظ على مستعمراتها ونفوذها. أما أستراليا فهي جزء من الكومنولث تشارك بريطانيا ملكتها وتستظل بتاجها، فهي جزء من الإرث الاستعماري لإنجلترا، وعليه فهي بالنسبة لبريطانيا من داخل الشراكة الأمنية "أوكوس" ورقة ضغط وإرباك للاستراتيجية الأمريكية وخدمة للمصالح البريطانية.

 

هذه بعض الأبعاد الاستراتيجية التي تجعل من "أوكوس" شراكة بين شركاء متشاكسين تجمعهم الرؤية الاستعمارية وتفرقهم الإجراءات والمطامع.

 

أما عن الغائب الحاضر أوروبا، فهنا توحدت الرؤية الاستراتيجية لأمريكا وبريطانيا في عزل أوروبا عن منطقة المحيطين الهادئ والهندي، فالاستعمار لا يقبل القسمة، بل كانت الإهانة والنكاية من طرف أمريكا وبريطانيا لأوروبا، أما الإهانة فهي في عدم إشعار وإبلاغ أوروبا بالاتفاق، فقد عَبَّرَ عن مدى المهانة والإهانة الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بقوله إن "اتفاقا من هذا النوع لم يجر إعداده أمس الأول، هذا يستغرق وقتا لكننا لم يتم إبلاغنا ولم تتم استشارتنا، نحن نشجب ذلك" وأضاف "من المؤسف عدم استشارة أو إعلام الأطراف الأوروبية بموضوع هذا التحالف المسمى "أوكوس"، لست بالتأكيد سعيدا بهذا الأمر، ولكن الأحداث تدل مرة أخرى على أهمية تحقيق استقلالنا الاستراتيجي" وأضاف "وهذا يظهر أننا يجب أن نعيش بمفردنا".

 

 

ومن جهته قال رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل إن "استراتيجية أوروبية قوية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى".

 

أما النكاية فهي الصفعة التي تلقتها فرنسا صاحبة فكرة قوات خاصة أوروبية، فاتفاق "أوكوس" في شقه المتعلق بالغواصات النووية دفع بأستراليا لفسخ عقد ضخم وصفقة تاريخية كانت أبرمته مع فرنسا سنة 2016 لشراء غواصات تقليدية بقيمة 66 مليار دولار، ما اعتبره وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان خيانة عَبَّر عنها بقوله "نشعر بالخيانة والغضب والمرارة بسبب إلغاء أستراليا صفقة الغواصات" وأضاف واصفا الإجراء بأنه "طعنة في الظهر".

 

إلا أن انعدام سياسة خارجية للاتحاد الأوروبي، وطغيان مفهوم الدولة القومية والمصالح الوطنية الضيقة والنزعة الاستعمارية على سياسات دوله، يجعل هذه التصريحات والتنديدات صيحة في واد.

 

يبقى السؤال الاستراتيجي بشأن ما إذا كانت اتفاقية "أوكوس" ستُقَيِّد الصين وتلجمها أو ستدفعها إلى تعزيز قدراتها العسكرية وصناعتها الحربية والتكنولوجيا المصاحبة، علما أن فائض السيولة المالية لدى الصين يفي بالغرض وكمثال امتلاك الصين لـ6 غواصات نووية هجومية، ما يجعل الهدف الاستراتيجي من سباق التسلح لإنهاك الصين إنهاكا لأمريكا التي تعاني آثار الضائقة المالية والديون الفلكية ومنها المستَحَقَّة للصين نفسها. أو ستدفع بها كذلك لعلاقات استراتيجية مع روسيا لمواجهة أمريكا وهنا المقامرة لأنه يجب أولا قطع الحبال التي تشد الروس بأمريكا، أو اللعب على أوتار الخلاف الأمريكي الأوروبي.

 

هذا وجه من وجوه الصراع الرأسمالي الاستعماري القذر، غايته حتى وإن سميت هدفا استراتيجيا وكتبت بديباجة من مصطلحات علوم السياسة، فهدفه في حقيقته العارية مص دماء الشعوب ونهب ثرواتها وإشعال الحروب وزرع الفتن وتأجيج النزاعات والتوترات وإشاعة القتل والنهب.

 

يبقى الخلاص هو شحذ الأمة الإسلامية لطاقاتها لتحقيق مشروعها الاستراتيجي الأعظم في إعادة الإسلام إلى الساحة الدولية لقيادة الموقف الدولي وإعادة بناء العلاقات الدولية على أساس مفاهيمه السامية الأمانة والعدل؛ ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾، بإقامة كيانه الاستراتيجي الرباني خلافته الراشدة، لتستأنف مفاعيل الاستراتيجية العظمى للإسلام في كنس هذا المقت الاستعماري المسمى نظاما دوليا ودحر دوله. وإنه لكائن قريبا بإذن الله ﴿أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

مناجي محمد

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع