الثلاثاء، 24 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بيجين +٢٥: هل سقط قناع المساواة بين الجنسين؟ الكلمة السّابعة: الإسلام: السّبيل إلى التّمكين الحقيقيّ للمرأة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بيجين +٢٥: هل سقط قناع المساواة بين الجنسين؟

 

الكلمة السّابعة: الإسلام: السّبيل إلى التّمكين الحقيقيّ للمرأة

 

خطاب من المكتب الإعلاميّ المركزيّ لحزب التّحرير

 

(مترجم)

 

 

 

 

الأخوات الكريمات، كتبت الرحّالة والمؤلّفة البريطانيّة الشّهيرة في القرن الثامن عشر، السّيدة إليزابيث كرافن، حول مكانة المرأة في الخلافة العثمانيّة، في كتابها "رحلة عبر القرم إلى القسطنطينية": "الأتراك مثال للأمم في تعاملهم مع بنات جنسنا... وأعتقد أن باستطاعتهن (النّساء التّركيّات) أن يكنّ أسعد المخلوقات بأسلوبهن في المعيشة".

 

الأخوات العزيزات، هذا ما كانت عليه المرأة المسلمة في البلاد الإسلاميّة، تتمتّع بمكانة لا نظير لها حظيت بإعجاب واحترام الأمم الأخرى بفضل ما اكتسبته من حقوقٍ وحسن معاملةٍ فاعتبرت التجسيد الأمثل لتمكين المرأة. لكنّ هذا بعيد كلّ البعد عمّا نراه اليوم. فكيف نعيد إذا للمرأة المسلمة هذه المكانة، وكيف يمكن حلّ المشاكل التي لا تُعدّ ولا تُحصى والتي تواجهها النّساء في جميع أنحاء العالم اليوم؟

 

من المؤكّد أنّ ذلك لن يتحقق من خلال إعلان بيجين وسيداو (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) أو أي اتفاقية دولية أخرى تتعلّق بالمرأة. وبالتأكيد أنّه لا يمكننا الاستمرار في مسار إعادة تدوير عقود من الفشل من خلال وضع آمالنا في المزيد من قوانين وسياسات المساواة بين الجنسين المعيبة لرفع المظالم العديدة التي تواجهها المرأة. لا! فهذا سيطيل فقط من معاناتهنّ وبؤسهنّ. في الواقع، لقد تحطّم بالفعل وَهْمُ المساواة بين الجنسين. فقد كان هذا الشعار بمثابة الأفيون للنضال من أجل حقوق المرأة على الصعيد العالمي ولم ولن يقدّم نوعيّة حياة أفضل للنساء. لذلك كفى تتبّعا للأوهام! وكفى من الآمال الزائفة والأحلام المكسورة! نحتاج إلى رفض هذه التجربة العلمانيّة الفاشلة والكارثيّة المستوحاة من الغرب في الهندسة الاجتماعية.

 

إنّ التغيير الحقيقي للمرأة لن يتحقّق أبدا من خلال اعتماد الدّول بعض السياسات والقوانين الجديدة، أو إشراكٍ أكبر للمرأة في صنع القرار، وتقاسم السلطة أو صياغة التشريعات، لأنّ المشاكل التي تواجهها المرأة ليست متأصّلة في عدم المساواة بين الجنسين بل مردّها مبدئي ونظامي بالأساس (الرأسمالية والاشتراكية) فكيف يمكننا البحث عن العلاج في مكمن الدّاء؟!! لا! فلبناء مستقبل أكثر إشراقا للنساء في البلاد الإسلاميّة وخارجها، نحتاج إلى تبنّي رؤية بديلة تقدّم حلولا سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة جذريّة مبنيّة على عقيدة تجسّد مبادئ سليمة وقوانين وأنظمة تحدث تغييرا عملياً وشاملا في حياة المرأة على أرض الواقع. وهذا يتطلّب تغييرا جذريّا وتفصيليّا للبنية السياسيّة والأنظمة في بلادنا الإسلامية، وتحولا شاملا للأساس والقيم والقوانين داخل مجتمعاتها.

 

لا يمكن لرؤية كهذه أن تتولّد عن عقول بشريّة: لذكور كانت أو إناث، لأنّ الإنسان بطبيعته محدود وتفكيره قاصر. وبالتّالي، لا يمكن لهذه الرؤية إلا أن تكون من عند خالق الكون، الله سبحانه وتعالى، العليم والخبير والحكيم، وحده جلّ وعلا يعلم الطريقة المثلى لتنظيم حقوق وأدوار ومسؤوليات الرّجل والمرأة، وتأمين احتياجات وكرامة ومصالح وسعادة كلّ البشر، وتحقيق الانسجام والتقدّم داخل الدّولة.

 

وهكذا، فإنّ العقيدة الإسلامية، التي يطبقها نظامها السّياسي (الخلافة)، قائمة فقط على المبادئ والأحكام التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، والتي تقدّم رؤية مفصّلة وصحيحة لكيفيّة الحلّ الشّامل لجميع المشاكل التي تواجهها النّساء، وتمكينهن في جميع مجالات الحياة، وحمايتهن من الأذى، وبناء حياة كريمة وآمنة لهن. لكن كيف يبسط بالتّحديد الإسلام والخلافة الطريق نحو التمكين الحقيقي للمرأة؟ هذا ما سيتم تناوله في أربع نقاط رئيسية خلال هذه الكلمة إن شاء الله.

 

1.  امتلاك وجهة نظر صحيحة في الحياة:

إنّ الخطوة الأولى والأهمّ في تمكين المرأة، هي تبنّيها لوجهة النّظر الصّحيحة لهدفها من حياتها ألا وهي عبادة خالقها، كما يقول الله سبحانه وتعالى، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]. إنّ المرأة التي تقدّر هذه النقطة حقاً وتبني هذه الصّلة الصّحيحة بخالقها، تتحرّر من التوقّعات المقيّدة والمتغيّرة دائماً وغير الواقعيّة والقمعيّة المنتظرة من الرّجال أو النساء، من حيث مظهرها وملابسها وسلوكيّاتها ونمط حياتها وطموحاتها ودورها في المجتمع، لأنّها لا تقبل أن يُحكم عليها إلا من الواحد الأحد الذي منحها هذه الحياة، مع التّسليم بأنّ الخالق وحده هو الأعلم بما يصلح لها. هي المرأة التي لا تحتاج إلى إثبات قيمتها الشخصيّة من خلال تبنّي واجبات وأدوار الرّجل، أو من خلال المساهمة في الاقتصاد وأرقام النّاتج المحليّ الإجماليّ في دولتها، لأنها تقيس مكانتها فقط من منظور خالقها جلّ وعلا وطاعتها لأوامره، علما منها أنها ستكافأ بشكل منصف على أداء أيّ دور ومسؤوليات حدّدها لها الشّارع، تماما كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [سورة النّحل، 97]. هي إذا المرأة، التي لا ترى نجاحها في الحياة على أساس الثروة، أو مسيرتها المهنيّة، أو عملها، أو مكانتها المجتمعيّة، ولكن على أساس تقواها وأدائها للواجبات التي فرضها عليها ربّها سبحانه وتعالى. يقول الله عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [سورة الحجرات: 13]. وهذه هي المرأة التي تتبنّى رؤية مستنيرة للحياة قائمة على الإسلام، وهي متمكّنة من العيش بها في هذه الحياة وحملها إلى العالم، لتحرير البشريّة من الاضطهاد وإحداث تغيير حقيقي للإنسانيّة. ما الذي يمكن أن يكون أكثر تمكينا من هذا؟

 

2.  بناء النظرة الصحيحة حول المرأة داخل المجتمع:

ثانياً أيّتها الأخوات، يعتمد تمكين المرأة أيضاً على النظرة التي يصنعها المبدأ حول المرأة داخل المجتمع. فالإسلام ينظر للمرأة والرجل على حد سواء من حيث الطبيعة الإنسانية، والعقل والقيمة، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [سورة النّحل، 72]. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما النساء شقائق الرجال» رواه أبو داود. ففي الواقع، عندما يوجّه الله سبحانه وتعالى خطابه للناس عن حقوقهم وواجباتهم، يخاطبهم كبشر وليس باعتبارهم "ذكور وإناثا". فعلى سبيل المثال، يقول الله جلّ وعلا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [سورة النّساء، 1]. لذلك للرجل والمرأة الحقوق والواجبات ذاتها، في الإسلام، ما لم يقع تخصيص أحكام معيّنة خاصّة بالمرأة أو الرجل في النصوص الشرعيّة. لذا فالمرأة لها نفس الحقوق السّياسيّة التي يتمتّع بها الرّجل في انتخاب حاكمها، وأن تكون عضواً في حزب سياسي، وترفع مظلمتها ضدّ من يحكمها، وتعبّر عن آرائها السياسية، وتُنتخب في مجلس الأمة، سواء كان ذلك كقاضية أو طبيبة أو صحفية أو مهندسة أو مديرة شركة أو أي مهنة أخرى، بما في ذلك رئاسة مختلف إدارات الدولة أو أن تكون ناطقة باسم دولة الخلافة، كما هو مذكور في المادة 98 من مسودة مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير، التي تنصّ على ما يلي: (لكلّ من يحمل التّابعيّة، وتتوفّر فيه الكفاية، رجلا كان أو امرأة، مسلما كان أو غير مسلم، أن يُعيَّن مديرا لأيّة مصلحة من المصالح، أو أية دائرة أو إدارة، وأن يكون موظّفا فيها.) وعلى سبيل المثال عُيّنت الشفاء بنت عبد الله قاضية للحسبة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. تتمتّع المرأة أيضاً بنفس الحقوق القانونيّة والرّعاية الصّحيّة والتّعليم تماما كالرّجل في ظلّ الإسلام، كأن تصبح عالمة في كلّ مجال من مجالات الحياة، مثل عائشة رضوان الله عليها التي لم تكن تُعرف فقط بـ"فقيهة الأمّة"، ولكنها كانت أيضاً عالمة عظيمة في الطبّ والأدب والشّعر.

 

وفي المقابل، وعلى خلاف الأنظمة العلمانيّة وغيرها من الأنظمة الوضعيّة، حيث يمكن إهدار حقوق الناس بسبب أهواء أولئك الذين يحكمون، مثل ما نشهده في أوروبا من حظرٍ للحجاب والنقاب وتهميش النساء المسلمات، منح الله المرأة في الإسلام حقوقا ثابتة لا تتغيّر، ولا يمكن لأي رجل أو حاكم أو حكومة أن تحرمها منها لأن الله جلّ وعلا هو الذي شرّعها. بل يجب على القائد في الدولة أن يضمن لها هذه الاستحقاقات، وهذا ما كان عليه الحال خلال الـ 1400 سنة من الحكم الإسلامي في ظلّ الخلافة كما يتضح من دفاتر قوانينها وسجلاتها القضائية، وهذا هو السبب في عدم الحاجة إلى وجود أي حركة لحقوق المرأة في تاريخ الإسلام. لذا أطرح عليكن سؤالا، أيتها الأخوات، في ظلّ أيّ نظام تأمن المرأة فيه أكثر أن تتمتّع بحقوقها وتحظى بامتيازاتها؟

 

علاوة على ذلك، فإنّ للإسلام نظرة لا مثيل لها تجاه المرأة وكرامتها، ممّا يمنحها قيمة عظيمة، ويجعل حمايتها في نفس مرتبة الحفاظ على النّفس، حتى إنّ التفوّه بكلمة واحدة تقذف في عرضها يعتبر جريمة شنيعة تستحق عقوبة شديدة. تُجبر العديد من الأدلّة الإسلاميّة الرجال والمجتمع على احترام المرأة ومعاملتها بلطف والدفاع عن كرامتها باستمرار، وكذلك حظر أي شكل من أشكال العنف ضدّهن أو سوء معاملتهنّ بشكل لا لبس فيه. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [سورة النّساء، 19]. ويقول الرسول عليه الصّلاة والسّلام: «أَلاَ وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا» وقال: «ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم» رواه أحمد، كما قال عليه الصّلاة والسّلام: «لاَ تَضْرِبُوا إِمَاءَ اللَّهِ».

 

وعلى نقيض الدّول العلمانيّة التي تتحدّث عن احترام المرأة ولكنّها تطبّق القوانين التي تنتهكها، فإنّ الإسلام والخلافة يجسّدان مقاربة متعدّدة المستويات للحفاظ على هذه النّظرة السّامية للمرأة داخل المجتمع وحمايتها من الأذى. أولاً، يرفض الإسلام الحريّات الشخصيّة والجنسيّة الليبراليّة ويحظر جنسنة المرأة أو المجتمع وكذلك أيّ معتقد أو عمل آخر يحطّ من شأن المرأة أو يمكن أن يضرّ بها. وهذا يشمل استغلال أجساد النساء وجمالهن بغية الربح المادي.

 

ثانياً، ستضع الخلافة حماية كرامة المرأة وأمنها ركيزة أساسية لسياسة الدولة. تنصّ المادة 112 من مسودة دستور دولة الخلافة لحزب التحرير على ما يلي: "وهي (المرأة) عرض يجب أن يصان". ستحقق الدولة ذلك عبر عدة وسائل كتعزيز المفهوم الحيويّ للتقوى وكذلك ترسيخ الرؤية الصحيحة للمرأة داخل المجتمع من خلال نظامها التعليمي وسياستها الإعلامية فكلاهما يعزّزان القيم السامية للإسلام داخل الدولة. فعلا، إنّ التقوى هي الخطّ الأماميّ المدافع عن المرأة ضدّ أي اعتداء لأنها توجد عقلية المُساءلة أمام الخالق حول الطريقة التي يُعامل بها الرّجل والمجتمع المرأة، وتحميها من التحرّش والعنف. بالإضافة إلى ذلك، تسعى الخلافة من خلال نظامها التعليمي والقضائيّ، إلى القضاء على جميع السّلوكيّات التقليدية التي تقلل من شأن المرأة أو تحرمها من حقوقها الإسلامية، وكذلك القضاء على الممارسات التقليدية القمعية مثل الزواج القسري وجرائم الشرف. هذا إلى جانب تطبيق عقوبات الإسلام المشدّدة على أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة، بما في ذلك عقوبة الإعدام على جرائم القتل أو الاغتصاب. كتب اغناطيوس مراد دوجسون، وهو رجل أرمني عمل لسنوات عديدة في السفارة السويدية في تركيا في القرن الثامن عشر، حول الخلافة العثمانية، وذكر أنّ "أيّ شخص يتصرّف بشكلّ سيّئ تجاه امرأة، بغضّ النظر عن موقعه أو دينه، لا يمكنه الهروب من العقاب، لأنّ الدين يأمر عموماً باحترام المرأة. لهذا السّبب، يتعامل كلّ من الشرطة والقضاة بشدّة مع أيّ شخص يسيء معاملة النساء".

 

إلى جانب كلّ هذا، فإنّ الخلافة ستطبّق بشكل شامل جميع مبادئ وأحكام النظام الاجتماعي الإسلامي، والذي يضع حماية كرامة المرأة في جوهر جميع قواعده وأحكامه. فعلى سبيل المثال، أحكامُ منع الاختلاط بين الجنسين إلاّ لحاجة يقرّها الشّرع وتحديد قواعد لباس معيّنة للمرأة تخفي مفاتنها وتحريم الخلوة بين المرأة والرجال غير المحارم ووجوب الحفاظ على العفة. كلّ ذلك يساهم في الحفاظ على علاقة نقيّة بين الجنسين تضمن ألا يتمّ التقليل من تفاعلهما أو إعاقتهما من خلال سياسة الإلهاء الجنسي عبر التأكّد أنّ جميع العلاقات الجنسية تقتصر على الزّواج وحده. وهذا يؤسّس لتعاون مثمر وصحيّ بين الرّجال والنّساء في جميع مجالات الحياة، ويمكّن المرأة من الانخراط بشكل فعّال في المجتمع، في الدّراسة أو العمل على سبيل المثال، ولكن ضمن بيئة كريمة وآمنة، مع حماية استقامة الزواج ووحدة العائلة.

 

3.  تكليف المرأة بالدور الصحيح في الحياة الأسرية والمجتمع:

ثالثا، أيّتها الأخوات، يمكّن الإسلام المرأة من خلال إسنادها دورا في الحياة والمجتمع يتناغم مع طبيعتها المتميّزة التي لا غنى عنها كحاملة للجنس البشريّ، وهو أمر ضروري لاستمراريّة العرق البشري. يحترم الإسلام ويقدّر حقاً هذه الطبيعة الفريدة عند تنظيم أدوار ومسؤوليات الجنسين في الحياة الأسرية والمجتمع، بدلاً من تجاهلها وتهميشها، كما فعلت الدول الرأسمالية والأجندة النسوية. قالت ديل أوليري، الصحفية الأمريكية المستقلة والمحاضرة ومؤلفة كتاب "أجندة النوع الاجتماعي": "إنّ البحث عن أنوثة أصيلة يبدأ بالحقيقة حول شخص الإنسان. وذلك بأنّ الرّجال والنّساء مختلفون عن قصد، وهذه الاختلافات هي رحمة". إنّ أي مبدأ أو نظام يتجاهل عند تنظيم الدولة حقيقة الاختلافات بين الجنسين التي لا يمكن إنكارها، أو يفشل في تقدير الطبيعة البيولوجية الفريدة للنساء كحاملات للجنس البشريّ، أو يستوعب الدور الأساسيّ الذي تؤديه الأم في حياة الطفل، فهو سيفشل دائماً في بحثه عن الأنوثة الأصيلة (الحقيقيّة) وفي تمكينه للمرأة. بالفعل، إنّ التوقّع أن تتبنّى النّساء نفس واجبات الرجال ويتنافسن معهم على نفس المستوى، بينما يؤثّر الحمل والولادة والرّضاعة على الجنسين بشكل مختلف، ما هو إلا طريق إلى الظلم، وليس التمكين. لذلك، يُعطي الإسلام الأمومة مكانة مرموقة، ويعتبرها واجباً عظيما ومشرّفا يوازي أعمال المجاهدين في القيمة، ويعدها أفضل الأجور في الآخرة، بدلاً من اعتباره عملا غير مأجور وعديم الأهمّية ومضيعة لمواهب المرأة كما تبنّتها الحركات النسوية. جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ». رواه البخاري ومسلم.

 

وبالتّالي، فإنّ الإسلام يمكّن المرأة كأمّ، ويدعمها في أداء دورها الحيويّ المتمثّل في تربية الأجيال الصالحة والناجحة، والذي يُعدّ أحد الموجودات القيّمة لأي مجتمع وأساس تحقيق التقدّم داخل أي أمّة. ويتمّ هذا من خلال تحديد الدور الأساسي للمرأة كأم وزوج، وإزالة عنها عبء إعالة نفسها وأسرتها، عن طريق إلزام زوجها أو والدها أو أخيها أو غيرهم من الأقارب الرجال لإعالتها مادّيا وأولادها بشكل دائم، وهكذا يصبح لديها الوقت الكافي لرعاية أطفالها. يقول الله عزّ وجلّ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [سورة النّساء، 34]. هذا امتياز للمرأة، ومصدر للراحة، ولا يُعتبر تبعيّة للرّجل. وإذا لم يكن لدى المرأة أقارب رجال يعيلونها، فعندئذ تقع مسؤوليتها على عاتق الدولة، كما قال الرسول الكريم عليه الصّلاة والسّلام: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأِهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَوْ ضَيَاعاً فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» مسلم. تنصّ المادّة 156 من مسوّدة مشروع الدستور لدولة الخلافة الذي قدّمه حزب التّحرير: "تضمن الدولة نفقة من لا مال عنده ولا عمل له، ولا يوجد من تجب عليه نفقته..."

 

ستعمل الخلافة على تمكين الأمومة من خلال العديد من الوسائل. ستعزز أهميتها داخل المجتمع من خلال نظامها التعليمي والاعلام، بحيث تراعي حتّى أماكن العمل مسؤوليات المرأة تجاه أطفالها. وستساند الخلافة أي امرأة يفشل زوجها في إعالتها، فتُجبره على الوفاء بهذا الالتزام حسب قدرته أو يواجه عقوبة. فعلى سبيل المثال تصف مؤلّفات من كتب علماء المسلمين أثناء الخلافة العباسية كيف كانت تقدم النساء شكاوى للقضاة ضد الأزواج الذين لم يوفروا لهن النفقة الكافية وكيف كان القاضي يقوم بإنفاذ الدّفع. كما ستدعم الخلافة كلّ رجل بغية الإيفاء بواجبه في إعالة أسرته، من خلال ضمان توظيفه، كما هو مذكور في المادة 153، من مسودة دستور دولة الخلافة لحزب التحرير: "تضمن الدولة إيجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية." وهذا يشمل تقديم قروض بلا فائدة من خزينة الدولة، أو التبرع بأراضيها الزراعية، أو تنظيم التّكوين، أو أي شيء آخر مطلوب لمساعدة الرجال على إعالة أسرهم.

 

هذا هو الدور الأساسي للمرأة كأمّ من دون أن تفقد حقها في التعليم أو العمل إذا رغبت في ذلك. إن الإسلام لا يحمل وجهة النظر النسوية والرأسمالية الضيقة. بل إنه ببساطة يضمن عدم إرغام النساء على العمل بحيث يهملن واجباتهن تجاه أطفالهن. بالفعل أخواتي، ما الذي يمكن أن يكون أكثر تمكينا من تقلّد دور مربّية الأجيال الذين هم أبطال المستقبل، علماء، ومفكرو هذه الأمة، الذين يسعون لقيادة الإنسانية بنور ورحمة الإسلام والقيام بالفتوحات لنشر الحق والعدالة في العالم؟! أم أنّ قيمتنا كنساء تُقاس فقط بالدولار ومقدار مساهمتنا في إيرادات الدّول؟!

 

4.  الحاجة إلى نظام سليم وعادل يخدم الإنسانية بصدق:

وأخيراً أيتها الأخوات، لا يمكن أن يتحقّق تمكين المرأة إلا في ظلّ نظام عادل يخدم الإنسانيّة بإخلاص ويهتمّ حقاً برفاهها، فضلاً عن تجسيد الحلول السليمة للرّعاية السّياسيّة والاقتصاديّة والتّعليميّة والصّحيّة والاجتماعيّة وغيرها من المشاكل التي تواجهها المرأة. إنّ النظام الإسلامي: الخلافة، هي التجسيد المادّيّ لهذه الصفات.

 

إنه نظام تقوم سياسته بصدق على العناية باحتياجات من يحكمهم، ويعمل حكامه على رعاية النّاس وفق أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم، «وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». ولذلك، فهي ليست دولة تسعى إلى إشباع الطموحات السياسية التي تخدم المصالح الفرديّة للأحزاب السياسية أو الحكام، بل تسعى لتأمين العدالة ورفع الظلم وضمان حقوق الناس من خلال التّطبيق الصحيح والشامل لجميع القوانين الربّانيّة وضمان المحاسبة في الحكم. لذلك، ستُشجّع الخلافة المرأة على المشاركة النشطة في الحياة السياسيّة داخل الدولة فتحاسب الذين يحكمونها، باعتبار أنّ لصوتها السياسي وزناً حقيقياً داخل المجتمع، بدلاً من أن يتم تعيينهن في مناصب سياسية رمزية ليس لها تأثير حقيقي في شؤون الدولة، كما هو الحال اليوم في ظل الأنظمة الاستبدادية والديمقراطية. كما ستمكّن الخلافة النساء من رفع شكاوى ضدّ الحكام إلى محكمة المظالم، وهي محكمة خاصّة تحقّق في الإهمال أو الظلم في الحكم، ممّا يسمح للنّساء بمحاسبة حكّامهن علناً دون خوف. فعلى سبيل المثال خصّص الخليفة المأمون، أحد الخلفاء العباسيّين، يوم الأحد للاستماع إلى شكاوى رعاياه. فذات يوم اشتكت له امرأة مسنّة من أنّ ابنه قد تعدّى على ممتلكاتها. وبعد التحقّق من القضية، أصدر الخليفة حكما لصالح المرأة ضدّ ولده.

 

الخلافة هي أيضا نظام يقف فيه القضاء بجانب الحقّ فعلا، وفق أوامر الله سبحانه وتعالى، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ [سورة النّساء، 135]. وهكذا كان القضاة في ظلّ الحكم الإسلامي الحراس الحريصين على الحقوق الإسلامية للمرأة. في الواقع، وفقاً لموسوعة أوكسفورد للنساء في تاريخ العالم، فإنّ مستوى العدل الذي شهدته النساء من خلال النظام القضائي للخلافة في الدولة العثمانية جعل حتى من النساء غير المسلمات، يفضّلن في كثير من الأحيان اللجوء إلى محاكم القضاة لرفع شكاويهن على الإجراءات الخاصّة بدينهنّ.

 

كما أنّ الخلافة هي نظام لا يحدّد النّجاح الاقتصاديّ وفقاً للمنظور الرأسمالي المعيب الذي يعتمد على زيادة الإنتاج أو أرقام الناتج المحلي الإجمالي. لا! النجاح الاقتصادي في الإسلام هو عندما يتم توزيع الثروة فعليّا بين الناس فيتمّ القضاء على الفقر، فلا يجوع شخص واحد وتلبّى احتياجاته الأساسية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم، حيث يتمكّن كل رجل قادر من توفير احتياجات عائلته، وحيث يستفيد من الازدهار المحقّق جميع النّاس وليس فقط النخبة القليلة، وهذا ما يمكّن جموع النّاس من تحسين مستوى معيشتهم. وهذا ما تحققه الخلافة من خلال نظامها الاقتصادي الإسلامي المتفرّد الذي لا يقبل الربا وكنز المال كي لا تتركز الثروة في أيدي القلة، كما يحظر خصخصة الموارد الطبيعية التي تعدُّ مصدرا لنشر الفقر؛ ويُنفّذ سياسة زراعية سليمة تشجّع على زراعة الأراضي لإنتاج غذاء وافر للأمة، بما في ذلك إعادة توزيع الأراضي الزراعية غير المستغلة لضمان زراعتها. وهكذا فإنّ الخلافة تجسّد بالفعل المبادئ التي تجعل من الفقر مجرّد ماض للنساء والرجال على حد سواء وتولّد الازدهار، بحيث يصبح للحقوق الاقتصادية الإسلامية الخاصة بالمرأة معنى حقيقيّ داخل الدولة. فعلا، إنّها الخلافة التي شهدت فيها الدّولة عبر التّاريخ تدفقا في الأموال إلى خزينة بيت المال إلى أن فاضت بحيث إن رعاياها في مختلف القرى لم يكونوا حتى بحاجة إلى الزكاة، كما كان الأمر في ظلّ حكم الخليفة عمر بن عبد العزيز، حيث بقيت ثروة فائضة هائلة في خزينة الدولة حتّى بعد دفع والي الخليفة في العراق للناس مستحقاتهم، وسداد ديونهم، وإعطاء الأموال لمن هم بحاجتها للزواج. فعندها أمر الخليفة بأن يقرض كل من يدين بالخراج ما يحتاجه لمساعدته على زراعة أراضيه، وأن تستخدم الأموال الفائضة أيضاً لشراء البذور للطيور، حتى لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين.

 

وفي الختام، الخلافة هي نظام يهتم حقاً بالإنسانية، يعمل على توفير الرعاية الصحية وتعليمٍ عالي الجودة لكلّ فرد من رعاياها كحق أساسي بالمجّان، وليس كرفاهية يتمتع بها فقط أولئك الذين يستطيعون تحمل تكلفتها. وقد تجلّى ذلك في دستور مستشفى المنصوري في مصر الذي أنشئ في القرن الثالث عشر، والذي جاء فيه: "سيُبقي المشفى على جميع المرضى، رجالاً ونساءً، حتى يتماثلوا للشفاء التّام. يتحمّل المشفى جميع التكاليف سواء جاء الناس من مكان بعيد أو قريب، سواء كانوا من المقيمين أو الأجانب، أقوياء أم ضعفاء، بمرتبة عالية أم دنيا، أغنياء أو فقراء، عاملين أو عاطلين عن العمل... الخدمة بأكملها لوجه الله العظيم الكريم". لذا فإن الخلافة مُلزمة في الإسلام بتوفير ما يكفي من المستشفيات والعيادات المجهزة تجهيزاً جيداً، وكذلك الأدوية والأطباء والممرضات لخدمة كل رعاياها. كما أنها ملزمة بتوفير الاحتياجات الصحية الخاصة بالنساء، مثل ضمان تخصيص أجنحة خاصّة بالمرأة ومستشفيات ووحدات أمومة، وكذلك توفير طبيبات وجراحات وطبيبات أمراض النساء وقابلات وممرضات وغيرهن من العاملات في قطاع الطب مدرّبات تدريباً جيداً. بالتّأكيد، لن تقبل الخلافة أي نظام تعليمي أو رعاية صحية من الدرجة الثانية للنساء، بل ستوفر أفضل النماذج التعليمية. وهذا هو السبب في تصدّر الخلافة عبر تاريخها مركز العالم من حيث التميز الأكاديمي والنّساء العالمات، وإيجاد الآلاف من الخبيرات في جميع التخصصات، بما في ذلك الفقه الإسلامي والعلوم والرياضيات والطب. ولهذا السبب قال ويل دورانت، وهو فيلسوف ومؤرخ وكاتب أمريكي: "يقود الإسلام العالم كله في إنشاء مستشفيات جيدة وتزويدها باحتياجاتها".

 

بالتأكيد كلّ هذا هو التّمكين الحقيقيّ للحقوق والرّفاه الذي تبحث عنها جميع النّساء! كلّ ذلك تمّ تحقيقه بدون قانون أو سياسة واحدة للمساواة بين الجنسين، بل فقط من خلال النعمة والرّحمة التي وهبها الله سبحانه وتعالى للبشريّة.

 

الخاتمة:

وفي الختام أيتها الأخوات، إنّ الإسلام والخلافة هما اللذان يقدّمان مخطّطا شاملاً لتمكين المرأة في جميع مجالات الحياة مع تحقيق التقدّم والتّنمية الحقيقيين داخل الدولة. يأتي تمكين المرأة من منظور الشريعة في سياق تمكين الأمة الإسلامية، حيث لا يمكن تحقيق نهضة المرأة دون تحقيق نهضة أمتها أولا. وهذا يمكن أن يتحقق فقط من خلال إقامة الخلافة كطريقة لاستئناف الحياة الإسلامية وتطبيق أحكام الله. لذا، بصفتنا شابات حزب التحرير، ندعو أخواتنا المسلمات العزيزات في جميع أنحاء العالم للعمل معنا لإقامة هذه الدولة العظيمة التي ستبشّر ببزوغ فجر جديد للنساء في البلاد الإسلامية وستكون نموذجاً عالمياً مرة أخرى في تأمين الحقوق والمعاملة الحسنة التي تستحقّها جميع النساء. ندعوكن لنيل أعلى الدّرجات والمقاعد في الجنة، بإذن الله، التي وعد الله بها عباده الذين يعملون لإقامة الخلافة. إن الخلافة هي التي ستنشر نور الإسلام إلى عالم غارقٍ في الظلمات لفترة طويلة؛ فالتمكين الحقيقي بالتأكيد ليس تمكينا ضدّ رجل بل تمكين أمّة! قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة النّحل، 89].

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع