- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في تونس تستمر مآسي المرأة بعنوان الحداثة!
انقلاب شاحنة تنقل 16 امرأة عاملة في الطّريق الفاصلة بين منطقتي "ضمدة" و"الكدوة" ووفاة امرأتين بينما ثلاث منهنّ في حالة حرجة.
لنٔ نُصدم أمام هذا الخبر كما لن نتهاون أن نعلّق عليه، فهي ليست المرّة الأولى أو حتى المائة الّتي يودى فيها بحياة نساء عاملات أطْلق عليهنّ بالنّساء الكادِحات وكأنّ الكدْح والكد قد كتب عليهنّ في ظلّ نظام رأسماليّ وحشيّ يستلذّ بممارسة عنفه الاقتصادي على المرْأة بحجة مواكبة الحداثة وإثبات الذّات والتّمتّع بالاستقلاليّة الماديّة.
فمعدّل النّساء العاملات في مجال الفلاحة و"الحظائر"؛ اللاتي يتنقّلْن عن طريق الشّاحنات الخفيفة يمثّل 1/3 من منسوب النّساء العاملات أي ما يعادل 32٪ منهنّ وأكثرهنّ من المناطق الدّاخليّة، ممّا يعرب عن إهمال وتهميش أجهزة الدّولة بهذه الجهات واستهتارها بأمْر رعاية أهاليها وإدارة شؤونِهم وسياسة مصالحهم كما وجب أن يكون عليه أمر السّياسة، ولكنّ الدّوْلة لنْ تقوم بدورها ولنْ تحْمِل همّ المسؤوليّة تُجاه رعاياها ما دامت في خانة "الدّمى المُتحرِّكة" تتدلّى خيوطُها من فوْق، أمّا اليد المُحرِّكة للمشهد فهي معلومة؛ كصُندوق النّقد الدّولي والاتّحاد الأوروبّي والحكُومة الفرنْسيّة بشكل مباشر، ويظهر ذلك خاصّة من خلال المشْروع الأخير الّذي بعثته دعما [طُعْماً] للاقتصاد التّونسي الّذي يُختصر في جدِّ سياسة التّمكين الاقتصادي للمرأة التّونسيّة بإعطاء قروض ومنح تسهّل لها بعث مشاريع صُغْرى... وكما قُلنا سابقا من خلال حملة أطلقها القسم النّسائي لحزب التّحرير/ ولاية تونس في الآونة الأخيرة بعنوان "حرائر تونس يرفضن الوصاية ويتقن إلى عدل الإسلام"؛ فإنّ هذا المشْروع في ظاهره رحمة بالمرأة وفي باطنه ومن قبله عذاب للمرأة لما فيه من ارْتِهانٍ واتّجار لأجندات الغرب بموضوع المرأة كجدل حقيقي على مستوى جميع الحضارات والقارّات، وهذا ليس بالجديد علينا فالاستعمار يعمل ليلا ونهارا، يسعى بذلك للسيطرة وبسط نفوذه؛ تارة بتوظيف العمليّات الإرهابيّة وطورا آخر بتوظيف الجمعيّات الخيريّة والثّقافيّة المُريبة في تأسيسها وتمويلها، أو يتلاعب بملفّ الطّفولة، ثمّ لتكون المرأة آخر رصاصة له بطبيعة أنّها العمود الفقري للأسرة وأساس لا يُستغنى عنه في المُجتمع، وكلّ هذا الاختراق أو لنُطلق عليه "التّوغّل النّاعم" ما هو إلاّ نتاج لثغرات في أجهزة الدّولة التي أصبحت مهمّتها النّفيسة وخبزها اليوميّ هو الارتشاف من كأس العمالة المُعتّق بإملاءات وأوامر الغرب الحاقد لتغدو دولة عميلة لمصالحه كما كانت لأكثر من ستّين سنة.
عن أصْل الدّاء:
وهذه شهادة من إحْدى العاملات بالمجال الفلاحيّ اللاتي ذهبن ضحيّة حادث مرور على متن شاحنة وهنّ في الطّريق لمباشرة أعمالهنّ الشّاقّة: "ذات يوم في مُسْتهلّ سنة 2017 انقلبت حياتي رأسا على عقب بعد انقلاب الشّاحنة التي كانت تقلني ومجموعة من النساء العاملات إلى إحدى الضّيعات الواقعة في ولاية منّوبة. هذا الحادث وضع حدّا لآمالي في أن يُتمّ أبنائي الخمسة دراستهم، وانهارت أحلامهم في تغيير أوضاعهم والخروج من دائرة الفقر بعد أن فقدتُ القدرة على الحركة جرّاء هذا الحادث وأمسيت مقعدةً لا قدرة لي على العمل بل بتّ عالة على أسرة كنت أنا من يُعيلها في ظلّ عجز زوجي المسنّ والمريض عن توفير لُقمة العيش لأسرته".
فعلى غرار حوادث الطّرقات التي تتعرّض لها النّسوة العاملات فهنّ معرّضات أيضا للإصابة بأمراض عدّة، فقد أفادت الدّكتورة كوثر كاهية مديرة بمعهد الصّحّة والسّلامة المِهنيّة أنّ العاملات في القطاع الفلاحي عرضة لعديد الأمراض منها الجلديّة والتّنفسيّة والصّدريّة بسبب مواجهتهن للمبيدات الحشريّة والمواد الكيميائيـة المستعملة لمداواة المغروسات وكذا الحيوانات، وفيما يقابل ذلك من معاناة فإنّ ساعات العمل الّتي تقضيها المرأة تعادل 14 ساعة تقريبا بأجرة تتراوح بين 10 دنانير و15 دينارا ليكون المعدّل 11 دينارا لليوم الواحد، وهي فترة شاقة كفيلة بأن تجرّدها من وظيفتها الأصليّة "ربّة بيت وعرض يجب أنْ يُصان"، فتجدها تفتقد للوقت لأجل رعاية أطفالها رعاية سليمة أو حتى لمراقبة صحّتها وصحّة الجنين أثناء فترة الحمل حتى لا نقول إن من الممكن أن تضع مولودها أثناء العمل وهذا يحمّلها ما لا طاقة لها به!
إنّ كلّ هذه الانتهاكات في حقّ المرأة لا مأتى لها ولا منفذ إليها غير إهمال الدّولة ونخصّ بذلك وزارة المرأة والأسرة والطّفولة وكبار السّنّ الّتي توفّر جهودها في التّنظير وسنّ القوانين غير الصالحة لمعالجة واقع هؤلاء النّسوة، فهي قوانين "فئويّة" سُنّت لغاية في نفس عملاء تونس والمسؤول الكبير خاصّة، الذي يعمل على توريث الفقر والخصاصة والمديونيّة باستغلال اقتصادي كبير نتيجته إبادة جماعيّة على ظهر شاحنات خفيفة.
ما هو أصل الدّواء؟
إنّ الدّاء بلغ حدّه جرّاء التّهاون بأرواح النّاس وقد بان للعيان مدى نجاعة القوانين "الصّفر نجاعة" الّتي تسن في مجال حقوق وحريّة المرأة، وظهر بذلك فشل المسؤولين وقد كشفت عوراتهم، وها هم يحاولون سترها بقماش شفّاف مثقوب، ولن يرفع البلاء على هذا الشّعب حقيقة إلاّ بتحكيم نظام جامع شامل، شاف وكاف، راوٍ وساقٍ لعطش الأمّة، ألا وهو نظام الإسلام الّذي ضمن للمرأة حقّها في النّفقة حتى تحسن رعاية أسرتها في أحسن ظرف من الظروف لا لاهثة ولا شاقّة، رافعا يد المُعتدين المنتهكين لحرمتها، مُطبّقا لأوامر العزيز المنّان، خالق الكون والإنسان والحياة الّذي هو أدرى بأمر شؤوننا وما فيه الخير لنا وما فيه الشرّ علينا، هو نفسه نظام الإسلام الّذي سيرمي بأوامر المُستعمر والعملاء الأنجاس في مزبلة التّاريخ.
قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رحاب عُمري – تونس