- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى المعتصمين أمام القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية
أيها المعتصمون أمام قيادة الجيش: ها أنتم تكسرون حاجز الخوف وتتخطون كل ما رسمه النظام لتبقوا مكبلين خاضعين له، بحراككم السياسي السلمي، ولأن التجربة لإسقاط النظام فشلت في السودان مرات عدة، وتم استنساخ ما هو أفشل منه، رغم سقوط الحكومات، وفشلت في بلدان الربيع العربى، وأتت بأمثال السيسي عميلا لأمريكا وصديقا مخلصاً ليهود، يقتل أهل مصر في سيناء وغيرها، ويسومهم سوء العذاب، وأبقت على بشار أسد في سوريا وهو يضاهي هولاكو في إجرامه، وجعلت اليمن وليبيا تدخلان في حروب مصطنعة، قضت على الأخضر واليابس... لأجل ذلك ولأجل بلوغ الثورة غاياتها، فلا بد من أن تأخذوا في الاعتبار الحيطة والحذر من الانزلاق والوقوع في المصير نفسه!
لا بد في البداية أن تعلموا يقينا أن لأي حراك سياسي أهدافاً وغايات واضحة مبلورة، يسعى منظموه للوصول إليها، وإلا كان العمل عبثاً، وإهداراً للتضحيات، والثائرون في السودان قد حددوا أول الأهداف بكل وضوح منذ البداية فكان شعار "تسقط بس" هو الهدف الذي يسعى له كل ثائر صدحت حنجرته بقول "لا" لنظام الإنقاذ، الذي فشل في تحقيق الحد الأدنى للحياة الكريمة، وإنه من الطبيعي أن يكون طريق الوصول لهذا الهدف وغيره واضحاً مبلوراً، لكي لا ينتهي العمل إلى حركة لولبية نهايته الفشل والإحباط.
ثم إن الكيانات السياسية والأحزاب التي تسعى لانتزاع زمام المبادرة لقيادة الثورة، هي لا تعرض على الثوار مشروعاً بديلاً، إلا من رحم العلمانية نفسه، التي حكمت بها الإنقاذ، وهي أن يحكم الشعب نفسه بماذا؟ بأهواء البشر، وأصبح الأمر ليس سعيا لتغيير حقيقي بل ترقيعاً وإحلال أشخاص مكان آخرين، مع استمرار نظام الحكم نفسه الذي لا يختلف كثيراً عما سبقه إلا أنه علمانية صريحة بدل العلمانية الملتحية.
إن الطريق الموصل لهدف إسقاط النظام يبدأ بتصوّر البديل الذي سيحلّ مكانه، فلا يُتصور أن تهدم بيتاً دون أن تمتلك تصوّراً عما ستبنيه بدلاً عنه، وكذلك فإن وجود هذا التصور لدى السائرين في هذا الطريق سيُحدد لهم كثيراً من معالم هذا الطريق، ويختصر كثيراً من الوقت والجهد ويجعلهم أكثر ثباتا وحنكة في التعامل مع المستجدات، وكذلك فإنه سيُبين لهم المخاطر والعقبات التي ربما اعترضت طريقهم، فلذلك كان اعتبار "تسقط بس" هدفاً ليس كافياً بل لا بد أن يقترن بالتصور عن النظام البديل الذي يجب أن يعرض على الناس لتنويرهم به دون أي تكتم أو حجب، وعندما افتقدت ثورتكم هذا التصوّر بدأت تتقاذفها أمواج التآمر المحيطة بالثورة، وأول ذلك خروج أحزاب من صلب النظام الحاكم أو المعارضة المنضوية تحته يهتفون بشعارات الثورة! فإن رضيتم بهؤلاء داخل ثورتكم فاعلموا أن سفنكم قد رست على برّ العمل لإسقاط النظام دون بديل يقود لتغيير حقيقي، وهذا يعني أنه حسب الواقع ستتبنون معالجة الواقع حسب ما يتطلب من معالجات بالواقع نفسه، وهذا حال من افتقد التصوّر، أما من أخذ تصوّره ورؤيته من العلمانية وصرح بفصل الدين عن السياسة والحرية والمساواة بين الجنسين مثل تجمع المهنيين فذاك قد أوحلت قدماه في قاع الأرض فلن يستطيع أن يسير في طريقه لأنه يُردد أساطير الغرب ظانّاً أنهم سيساندونه يوماً ما ولأنهم خُدعوا بشعارات براقة تدّعي زوراً أن الحل هو أن نتبع الغرب شبرا بشبر وذراعا بذراع وأن نجعله قبلة الأنظار!
لهذا كلّه وغيره كان لا بد للثائرين في السودان أن يمتلكوا تصوّراً عن النظام البديل حتى يحفظوا أنفسهم وثورتهم من الضياع في متاهات السياسة، ويتقوا شرّ ما يُحاك لهم في دهاليز السياسة، فيتلمسوا خطاهم نحو هدفهم بكل ثبات وإرادة، وإلا أجهضت ثورتهم رغم التضحيات والدماء الزكية التي سالت.
ويسبق هذا ويصاحبه التأكد من المسارعة إلى فك الارتباط القائم بأعداء الثورة الذين يسارعون بها للانزلاق في حبائل مختطفي الثورات الذين يركبون صهوة جوادها لأجل تطبيق العلمانية المقيتة بأنواعها المختلفة صريحة أو ملتحية، وتذكروا أن الالتفاف على الثورة حدث في كل ثورات ما يسمى بالربيع العربي وكل ثورات السودان منذ الاستقلال المزعوم، وما لم تحصَّن الثورة من هؤلاء فستُختطف وستزور إرادة الثوار وتروح تضحياتكم هدرا.
إن الثورات لا تنتصر إلا بالاعتماد على ذاتها وعدم الارتباط بالدول القائمة في العالم اليوم كلها، فهي لن تُحقق مصالحها فحسب، بل ستستخدم الثورة لتحقيق مصالحها، ولن تأبه هذه الدول لا بدماء ولا بأشلاء، ولا تعرف حقوق إنسان ولا إنسانية، وما ترفعه من شعارات ما هو إلا للخداع والتضليل الذي يخدم تحقيق مصالحها فقط.
إن الطريق إلى إسقاط النظام يبدأ بتبني مشروع الإسلام، وهذه الخطوة تُحدِّد ما يليها، فالإجراءات العملية التي ستُتبع في هذا الطريق تُحدَّد تباعاً فور السير في الطريق، فلا يقبل تدوير نظام الإنقاذ العلماني الملتحي، ولا تقبل دعوة للمشاركة في حلٍّ رسمت معالمه دولُ الغرب، أي كانت عروضه ولو بتنحي البشير بإحلال العلمانية الصريحة، فكذلك يُرفض مشاركة حركات والأحزاب المرتبطة بالتمويل الخارجي الذي يجر للتنازل عن الأهداف والغايات، ويجب أن تكون كل البدائل المطروحة مقيّدة بالحكم الشرعي فقط، دون النظر لمرضاة أحد من الناس، فيسعى الثائرون لجمع كلمتهم حول هذا المشروع، ويُوجهون جهودهم بخطة تُسقط النظام وتقيم البديل الأصيل؛ شريعة الإسلام دين رب العالمين.
وأي حزب سياسي لا يملك مشروعاً سياسياً مستنبطاً من كتاب الله وسنة الرسول e، فهو أداة لإجهاض الثورة وهو غير كفؤ ليحل محل النظام البائد لأنه سيبدأ بالتجارب البشرية الوضعية نفسها التي يسيطر عليها الغرب، لهذا ندعو الثوار لتبنّي هذا المشروع المنقذ والمؤيَّد بنصر الله؛ مشروع استئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، بذلك تتضح معالم الطريق، وتبرز مراحله ومحطاته، ويحمل هذا المشروع في طياته كل التحوطات والتحذيرات من كل العقبات التي ربما تعترضه، وفوق ذلك هو مشروع سلكه رسول الله e في عمله لإقامة الدولة الإسلامية الأولى.
فالذي يجهض الثورات كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا هو عدم تبني المشروع الإسلامي المُستنبط من الكتاب والسنة والذي سيُحدد لهم فيه برنامج وخطة العمل عالم الغيب والشهادة، كل خطوة سيخطونها وكل حركة يسيرون بها هي أحكام شرعية، فبتبني هذا المشروع يكون الطريق إلى إسقاط الأنظمة الطاغوتية سالكاً، وهذا التبني يتطلب قراراً ذاتياً من الثائرين أنفسهم، فإنه لا يستقر الدين ولا تُحفظ الأعراض ولا يقوم العدل إلا بإقامة الخلافة ونصب الخليفة لأن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». وقال أيضا: «إِنَّمَا الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَىْ بِهِ» ولا بد من التوكل التام بلا رجوع، وبإيمان واعتقاد بوعد الله تعالى وبشرى الرسول e.
وبناء عليه لا بدّ أن نعلم أن طريق إسقاط الطغاة واستبدال شرع الله وحكمه بهم، هذا الطريق هو حكم شرعيٌ، يجب الالتزام به وبكيفيته، وهو طريقٌ محفوف بالمكاره والصعوبات، لا يصح للسائرين فيه أن يكلّوا أو يملّوا أو ييأسوا، فهو طريق المؤمنين العاملين، تجد تعليمات السير فيه في كتاب الله مسطورةً إلى يوم الدين، فهو قد خاطب المؤمنين مُحذراً من الهوان فقال عز وجل: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
فإن كان هذا، كانت معية الله عز وجل وبهذا المنهج وطريقة التغيير الشرعية، وبهذه المعية من الله عز وجل، لن تتغلب قوى الأرض ولو اجتمعت على مُريد التغيير، لأن هذه الثورات التي قامت في بعض بلاد المسلمين هي ثورات أمة بالدرجة الأولى، ثم هي التعبير القوي عن إرادة التغيير عند أمة الإسلام الأمة الوحيدة التي تملك مشروعا سياسيا من عند خالق البشر، كتاب الله وسنة رسوله e.
فعلى الثائرين أن يسيروا مستنيرين بكتاب الله سبحانه وبسنة نبيه e فيلتزموا أوامر ربهم بعدم الركون للظالمين، وبالولاء للمؤمنين، واتباع سيد المُرسلين، والسير على نهجه في إسقاط الطغاة، فلا تنازل ولا هوان، بل ثبات على المبدأ وعزّة على الأعداء، وثقة بنصر ربّ العالمين، فمهما طال ليل الظالمين فلا بد أن يبزغ فجر عدل الإسلام، عندما تُقام الخلافة على منهاج النبوة.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار- أم أواب