الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

مدينة الخرطوم (الاجتماعية) معالجة الإفرازات بدل الجذور

 

 

أعلن معتصم السيد هاشم، المدير العام لوزارة التنمية الاجتماعية ولاية الخرطوم، عن افتتاح مدينة الخرطوم (الاجتماعية) يوم الاثنين المقبل، على يد رئيس الجمهورية عمر حسن أحمد البشير، الجدير بالذكر أن المدينة تستهدف فئات أهمها فاقدي الرعاية الوالدية بالتدريب والتأهيل والدمج، وأنشئت المدينة كمركز جامع للخدمات (الاجتماعية) تمتد مستقبلاً لاستيعاب عدد أكبر من المستفيدين. (2019/03/14 سونا)

 

لقيت هذه المدينة اهتماماً كبيراً من الدولة، وتتميز بالموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي يحمل مواصفات قلّما توجد في المؤسسات السودانية المشابهة، وزيرة الرعاية الاجتماعية السابقة ولاية الخرطوم، أمل البيلي توضح سياسة الحكومة تجاه هذه المدينة فتقول في تصريح لها، إن مشروع المدينة الاجتماعية سيكون بذات المواصفات في بقية ولايات السودان، من خلال تخصيص مساحات بنفس الحجم، وشددت على ضرورة التغيير والتحول من سياسة الرعاية إلى التنمية، وصرحت أن الوزارة مسؤولة عن تقديم المهارات لفاقدي السند حتى يصبح هؤلاء المستهدفون، جزءاً أصيلاً من التنمية، ومن خلالها يتخرج هؤلاء المستهدفون باحترافية للمجتمع، ويستطيعون الدخول في سوق العمل باطمئنان كبير.

 

لا بد أن هذا الاهتمام الكبير لمثل هذا الصرح كان يجب أن يصب في اتجاه تجفيف منابع المشكلة التي تزداد يوماً بعد يوم، لأن الحكومة بتخليها عن تطبيق شرع الله في كافة المجالات هي المسؤول الأول والأخير عن تنامي هذه الظواهر في مجتمعاتنا، فبدلا من أن تصب اهتمامها كله في العناية الفائقة بهذه المدينة يجب أن تطبق شرع الله الذي هو العلاج الرباني لهذه الظواهر الدخيلة.

 

فمن أهم مقاصد شرع الله الحنيف، حفظ النسل من الضياع أو الاختلاط أو الانقطاع، فالناظر في الشريعة الإسلامية يجد الاهتمام البالغ بهذه المقاصد العظيمة، حتى إن المتأمل ليجدها غاية من وراء الأحكام والتشريعات الإسلامية التي تخص تنظيم علاقة المرأة بالرجل، نتلمسها في كل حكم وتوجيه شرعي أنزله الله سبحانه، لا تكاد تخفى أبداً، ولما كان لكل مقصد من مقاصد التشريع أهدافه الرامية إلى إصلاح العباد، فإن المراجع لمقصد حفظ النسل يجده يهدف إلى تحقيق أمرين اثنين هما: الأول: ضمان استمرار النسل دون انقطاع، وذلك من خلال سنة التزاوج بين ذكر وأنثى على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي سنة الأنبياء والمرسلين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي، فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»، والثاني: ضمان عدم اختلاط الأنساب، بحيث يلحق الولد بوالديه، فينسب لأبيه.

 

وهذا ما يُظهر بصورة جلية عناية الإسلام بهذا المقصد الشرعي العظيم، وإحاطته بالحدود الشرعية، والتعزيرات التأديبية التي يفتقدها مجتمعنا اليوم، وكل مجتمعات بلاد المسلمين، وهذا الشيء الأساس الذي أدى لانتشار فكرة دور الإيواء هذه بشكل متسارع. فقد بدأت المنظمة الدولية لقرى الأطفال اتفاقيتها مع حكومة السودان في العام 1974م وقبلها أنشأت (دار المايقوما) منذ الستينات وكانت تتبع في البداية لوزارة الصحة، وكان عدد الأطفال في البدء حوالي 17 طفلاً! وكان يجب أن تغلق أبواب الدار وتحول إلى حدائق أو مدارس، وذلك في نهاية السبعينات عندما تولت وزارة الرعاية الاجتماعية رعاية الدار، وخلال الثمانينات بلغ عدد أطفال المايقوما 100 طفل وفي العام 2000 بلغ عددهم 400 طفل، وخلال العام 2004 تفاقم العدد حتى أصبحت الطاقة الاستيعابية للأطفال غير كافية فأضافت داراً أخرى هي دار السلام.

 

لهذا الحد أصبح الوقوع في المحظور أمراً طبيعياً، بعد تغييب شرع الله الحنيف عن الدولة والمجتمع، ووقف العمل بحدود الله الرادعة، عندها اتسعت ساحة الفواحش، وكثر الواقعون فيها، وسهل تعاطيها لدرجة أصبح الإنترنت والإعلام بصفة عامة، يتخذون من المثيرات العاطفية في المجتمع تجارة رابحة، تثير الجنسين، وتذكي لهيب الشهوة بينهما، مما يدفع بالنساء إلى التبرج، والسفور، والاختلاط، ويثير الرجال فيقع الجميع في المحظور، ويعزى كذلك تفشي الظواهر المنحرفة التي تنتج اللقطاء إلى مسألة العولمة لأفكار الغرب، التي وجدت مجتمعات غير محصنة بشرع الله، تتلقف كل جديد، فالغزو الفكري وسهولة التواصل والحصول على المعلومة في ظل الإعلام المفتوح، فضلاً عن توفير خدمات مواقع (إباحية) متخصصة في توفير الأفلام والصور الخليعة، وكم هائل من المعلومات الطبية (للحد من تأثير العلاقات غير الشرعية على الصحة)، هذا النوع من الثقافات يعد دخيلاً على ثقافة أهل السودان المسلمين، كل هذه الوسائل لعبت دوراً في إدخال مفاهيم الرذيلة وسط الفئة الشبابية على وجه التحديد. ومما لا شكل فيه فإن تردي الوضع الاقتصادي لعب دوراً كبيراً في تفشي هذه الظاهرة، إذ إن هنالك العشرات ممن يتخذ من ممارسة الرذيلة مصدراً للرزق والدخل الحرام، الأمر الذي يظهر بصورة واضحة في زيادة معدل جريمة الزنا والإجهاض.

 

وشيئا فشيئا تخلت مناهج التعليم الموجه للسلوك العام عن إشاعة التربية الإسلامية الشاملة لكل جوانب الشخصية الإسلامية، وربطها برباط العقيدة القويم التي تعمر القلب بالإيمان، وتزين السلوك بالتقوى، بحيث يجد المسلم من نفسه واعظاً ورقيباً على سلوكه، استبدل بكل ذلك تحت إشراف منظمات الأمم المتحدة اليونسكو، ثقافة الغرب المادية التي لا تقيم وزنا للقيم والأخلاق، فضمنت الديمقراطية والحريات العامة حتى في مناهج التربية الإسلامية، (كتاب الصف الأول والثالث الثانوي)، كل ذلك مقابل الدعم المادي للتعليم.

 

حتى المجتمع في ظل التغلبات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، والتغيرات في مستوى المعيشة، قد تخلى عن السعي الاجتماعي الجاد في إعفاف الشباب من الجنسين، من خلال الزواج، وبناء الأسرة، وإشاعة ثقافة الزواج المبكر، وتقديم العون والمساعدة للأسر والشباب، التي كانت في الماضي سمة سائدة، ساعدت في تزكية المجتمع وطهره، ولكن أصبح الزواج المبكر مثار جدل في الإعلام للحركات النسوية بوق الغرب الاجتماعي.

 

نعم إن المجتمع لن يصبح في يوم من الأيام مجتمعا ملائكياً، ولكن يمكن أن يكون مجتمعاً تسوده الفضيلة وتصبح المشكلات الاجتماعية استثناء، بدلاً من أن تصبح من المسلمات، وتفتح لها دور اللقطاء، وتنفق عليها الميزانيات، ويمكن كذلك أن يصبح مجتمعاً تسوده قيم تنبع من الإسلام، بدلاً من القيم المستجلبة من مجتمعات التفكك الأسري والإباحية، وسيصبح المجتمع كذلك عندما يعمل أفراده على محاربة أصحاب الأجندة الشيطانية؛ من حركات نسوية ونافذين، الذين يعملون ليل نهار على ربط المجتمع بالغرب الكافر، باتباع أجنداته التي تحمل جاهلية القرن الواحد والعشرين، التي فاقت الجاهلية الأولى! فلا نخوة ولا كرامة، ناهيك عن القيم الروحية، التي لا إيمان بها... تحت دعاوى الليبرالية والديمقراطية والشيوعية، وغيرها من أمراض العصر الحديث.

 

إن حاجة مجتمعنا ماسة ومستعجلة لإقامة حدود الله تعالى، المقررة في الشرع، على من تلبس بها، وهي أقوى مهذِّب لسلوك البشر، فإن إقامة الحد على من يستحقه، كفيل بأن يطهر صاحبه، ويردع الآخرين، بل هو خير لأهل الأرض عموما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إقَامَةُ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ مَطَرِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فِي بِلَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ». (صحيح البخاري 2537)، يصوّر هذا الحديث خير تطبيق الحدود بخير مطر أربعين ليلة، فكما أن المطر يتساقط على الأرض فيحييها ويجعلها خضراء تسر الناظرين، فإن تطبيق الحدود يحيي الناس ويرتقي بهم وينشر الطمأنينة والسرور بينهم، وهذا التشبيه ليس عبثاً، بل لتصوير عظمة الخير الحقيقي الذي يجلبه تطبيق أحكام الله في الأرض، وهنا تجب الإشارة إلى أن الحدود التي وضعها الله سبحانه وتعالى، وكذلك العقوبات التعزيرية، لا ينفّذها إلا ولاة الأمور الذين وكّلهم الناس ليحكموهم بشرع الله، وليس حكاماً يخصصون الميزانيات والتشريعات الوضعية لمدن اللقطاء، وهي إفرازات لعدم تطبيق حدود الله، بدلاً عن قطع المشكلة من جذورها بإقامة شرع الله الحنيف.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذة/ غادة عبد الجبار (أم أواب) - الخرطوم

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع