- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
تجمع المهنيين بين فكر الأزمة وأزمة الفكر
أثار "تجمع المهنيين السودانيين" مساء الجمعة 8 آذار/مارس جدلاً في مواقع التواصل الإلكتروني عندما دعا النساء إلى المشاركة في حملة لتنظيف الشوارع والأماكن العامة ضمن مساعيه لتغيير السلوك المجتمعي في السودان وخاطب التجمع السودانيين بلغة الشارع قائلاً: "يا مان ويا مانة" (بما معناه يا رجل ويا رجلة)، وقام التجمع بتقديم اعتذار للنساء، مشيداً بأدوارهن في الحياة العامة، وكتب معتذراً: "يتقدم تجمع المهنيين السودانيين باعتذار واجب لكل النساء بخصوص عبارة وردت في تغريدة له، فهمت على أساس أنها تحمل دلالات سلبية تتماهى مع الصورة التقليدية للنساء في الوعي الاجتماعي القديم، ونقول بكل شجاعة إن ما جاء في إطار الفهم العام أو الغالب للتغريدة لا يتفق مع خطنا ومبادئنا والرؤى التي نحملها من أجل الثورة وسودان الغد. نعتذر للنساء اللائي حطَّمن كافة القوالب النمطية واللائي اجتزن كافة العقبات والمصاعب وحملن مشاعل الوعي والثورة وتقدّمن الصفوف من أجل العدالة الاجتماعية بمعناها الواسع، والتي تنشد المساواة وانتفاء التمييز". (العربية.نت)
على مرِّ التاريخ لم تتطوَّر أمة إلا بعد مرورها بأزمات حالكة السواد تقودها إلى تَجديد فِكْرها، تماما كما تجدد عمْرانَها وأبنيتها، نعم الأزمة هي التي تُعطي الفرصة لتجديد حقيقي ينقل الأمة إلى واقع تتجاوز فيه أخطاء الماضي جميعها، لكن أن نستخدم لحل الأزمات التي نعيشها مصطلحات الأزمة التي عجز الغرب عن إصلاحها فرموها لنا جيفة فهذه تصبح أم الأزمات.
تجمع المهنيين، هو تحالف نقابات عمالية وقوى سياسية، يطرح نفسه لقيادة التظاهرات في السودان منذ 19 كانون الأول/ديسمبر الماضي للمطالبة بالتغيير السياسي في البلاد، لكن كثيراً ما استخدم هذا التجمع مصطلحات لَم يكلِّف نفسه حتَّى عناءَ البحث في صحَّتها، فضلاً عن صلاحيتها لواقع أهل السودان المسلمين، فقد قرر ناطقه أنه يجب تحرير الدين من الدولة، وها هو التجمع يقع في المنزلق نفسه باستخدام مصطلحات العدالة الاجتماعية والمساواة وانتفاء التمييز. فما هي حقيقة هذه المصطلحات؟
على الرغم من أن شعار المساواة يبدو جذابا في ظاهره، إلا أن هذا المفهوم ينبغي توضيحه حتى يتبين للعامة ما يراد منه على وجه التحديد. فمبدئيا، مطلب المساواة بين الرجل والمرأة شعار أصبح متداولا منذ مطلع القرن العشرين، والغاية منه خاصة في الغرب، تحقيق المساوة التامة بين الجنسين، ولا شك أن كثيراً من تلك المطالب التي تنضوي تحت هذا الشعار الواسع تعبر عن حاجة لإنصاف المرأة في الغرب، والتي كانت مهضومة الحقوق، لكن هذا الشعار يخفي وراءه غايات خفية وسيئة تستهدف النيل من استقرار المجتمعات عبر تفكيك الأسرة بزرع الشقاق بين الرجل والمرأة، وتشجيع النساء على التمرد على الدور الفطري الذي توافق عليه الناس منذ بداية التاريخ. إن مطالب المدافعين عن المساواة بين الرجل والمرأة غالبا ما تتطلع إلى تكافؤ الفرص بين كلا الجنسين، وأن يتم التعامل مع كليهما على قدم المساواة وبدون تمييز سواء أكان ذلك في العمل أو الوظائف العامة، أو حتى في الحياة الخاصة والحصول على نفس الحقوق وتحمل نفس الواجبات، وبهذا ينكشف أنها ليست مجرد دعوة لحصول النساء على نفس الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية مثل الرجال، بل هو جعل الحقوق والأدوار والواجبات للرجال والنساء في الزواج والحياة الأسرية والمجتمع بصفة عامة متساوية، وهذا مما يشيب له الولدان!
إن مفهوم المساواة بين الجنسين هو مفهوم دخيل على مجتمعنا مستوحى من الغرب وله جذور تمتد إلى التجربة النسوية في الغرب، والتي ولدت نتيجة الظلم وغياب الحقوق التعليمية والاقتصادية والقانونية والسياسية الأساسية التي حرمت منها النساء تحت حكم أنظمة ليبرالية، فاتخذت المرأة هذه الشعارات كوسيلة لنيل حقوقها المهضومة، ولكن واقعياً وبعد كل هذا الوقت فشلت فكرة مساواة المرأة بالرجل حتى في دول تعد منارة الغرب، (تفاقمت مشكلة عدم المساواة بين الجنسين خلال عام 2017، وذلك للمرة الأولى في التاريخ، بحسب بيانات مؤشر الفجوة بين الجنسين الذي يصدره "منتدى الاقتصاد العالمي". وأظهر المؤشر أنه منذ عام 2006 بدأ اتساع الفجوة بين الرجال والنساء، قبل أن تصل في 2017 إلى نسبة 68%. ووفقاً لتقرير المؤشر الذي نشرته وكالة "سبوتنيك" الروسية الخميس، فقد قارن مُعدّو الدراسة الخاصة وضع النساء والرجال في 144 بلداً حول العالم بالمؤشرات الرئيسية: الحصول على خدمات صحية، ومستوى المعيشة، والتحصيل العلمي، والفرص الاقتصادية والنشاط السياسي). (الخليج أونلاين).
والدول الاسكندينافية، هي الدول الأكثر مساواة بين الجنسين، حسب مؤشر الأمم المتحدة لعدم المساواة بين الجنسين لسنة 2011م والمنتدى الاقتصادي العالمي في "تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين" لسنة 2013، وأيضا لديها نسبة لا تحسد عليها من الولادات خارج إطار الزواج (55% في السويد و54 % في النرويج، وفقا للمركز الأمريكي لمكافحة الأمراض والوقاية منها. علاوة على ذلك، فإن 40 سنة من ممارسة سياسة المساواة بين الجنسين من خلال هذه الحكومات لتحقيق "حضور متساوٍ" للرجال والنساء في سوق العمل، قد أجبر النساء العاملات على تسليم أطفالهن لدور الحضانة من أجل العمل. وفي السويد، أكثر من 90% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 شهرا و5 سنوات يوضعون في الحضانة النهارية. وقد تم منع الأمهات من البقاء في المنزل وذلك من خلال نظام ضريبي يعاقب النساء اللاتي يرغبن في البقاء في البيت لرعاية أطفالهن. كل هذا قد قلل من قيمة الأمومة، وساهم في تآكل الأسرة، وتسبب في تربية الأطفال على يد مربيّات بدلاً من والديهم. وقد ألقي باللوم على هذه السياسة المتبعة لأنها تسببت في مشاكل نفسية وسلوكية، ومشاكل في عملية التعلم لدى الأطفال والشباب في السّويد. هذا وقد سجّلت المدارس السويدية أعلى معدلات التغيب عن المدرسة واضطراب الفصول الدراسية وكذلك أسوأ مشاكل الانضباط في أوروبا. كل هذا ليس دليلا على التقدّم، هذه التجربة المدمرة للنسيج المجتمعي هي أبعد من أن تكون مثالا يحتذى به، ناهيك عن أن النساء في السويد اليوم لا زلن يتلقين أجورا أقل من الرجال وتقدر الفجوة في الأجور بين الجنسين بحوالي 15%. ووفقا لكاترين حكيم وهي عالمة اجتماع بريطانية بارزة ومتخصصة في قضايا المرأة وتشغيل المرأة، فإن 75% من النساء في السويد يعملن في القطاع العام الذي هو عادة أقل أجرا وأدنى مؤهلات في سوق العمل. من الواضح إذن أن الوعود التي بشّرت بها سياسات المساواة بين الجنسين التي ضحت من أجلها المرأة لم تنجح في معالجة مشاكل المرأة الاقتصادية. علاوة على ذلك، فإن فكرة المساواة في واقع طبيعة جسدية مختلفة هو ظلم للنساء، ما أجبر النساء على لعب دور الرجال، وأصبح شكلاً من أشكال الاضطهاد الممارس عليهن.
إننا في السودان مسلمات ولله الحمد، ولا نقبل بفكرة المساواة لأننا معتزات بحقوق وواجبات أعطانا إياها الله سبحانة منة منه، قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمراً أَن يَكُونَ لَهُمُ ٱلخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلَـٰلاً مُّبِيناً﴾. كما أقر الإسلام الاختلافات الواضحة في الأدوار والواجبات والحقوق للرجال والنساء داخل الأسرة والمجتمع. قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾. وقال عز وجل: ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً﴾، فبدلاً من تكرار التجارب المجتمعية الفاشلة، يجب علينا أن نتبنى ونتمسك بديننا وقيمنا وقوانيننا ونظامنا الإسلامي الإلهي الذي لديه نهج سليم ومُجرب لتنظيم أدوار وواجبات وحقوق الرجال والنساء في أكثر الطرق سلاسة. لقد قدم الإسلام إجابات وإرشادات مفصلة لكل أمر في حياتنا. لذلك، يجب علينا التوجه نحو ديننا لحل المشاكل العديدة التي تواجهها النساء والأطفال والعائلات اليوم. قال الله تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾، كفانا تجارب مستوحاة من المنظومة الغربية الفاشلة، فالمساواة بين الجنسين ليست سوى أفيون بل هي معيار كاذب ومضلل لتقييم التقدم والازدهار لحياة المرأة كما وضحنا سابقا. أهل السودان ليسوا بحاجة إلى هذه المساواة، وكفى يا تجمع المهنيين تسويقا لأفكار ثبت عدم صلاحيتها. أهل السودان في حاجة ماسة إلى العودة إلى المنهج الذي أرساه الإسلام للخروج من دوامة الظلم والفقر والاستبداد والعبودية لغير الله وذلك بدولة تطبق شرع الله وتوقف هذا التلاعب.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار (أم أواب) – الخرطوم
1 تعليق
-
لا فض فوك ولا جف قلمك اختنا غادة،نسأل الله أن ييسر للأمة سبل الرشاد وهيئ لها النصر