الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

رسائل حكومة الإنقاذ للشباب مضمونها لا يتناسب مع المرحلة

 

إن الشباب هم المرتكز الأساس لبناء مجتمع ناهض ولإحداث البعد الحضاري والتقدم التنموي للمجتمعات كافة؛ حيث إنهم أكثر الشرائح المجتمعية تفاعلا وتأثيرا وتأثرا، فكان لا بد من وجود استراتيجيات وسياسات تراعي هذه الفئة المهمة وتستثمر طاقاتها وإلا انقلبت طاقتهم وبالاً.

 

دأبت الحكومات في بلاد المسلمين إلى الترويج، بشكل مكثف للإعلام الغربي العلماني الليبرالي الذي يدعو إلى نشر الأفكار العلمانية وأنماط الحياة الغربية بين صفوف الشباب، ويعمل جاهداً لجعل الشباب مهووسين بثقافة التسلية أو المغامرة ينظرون للغرب على أنه مصدر إلهام، بالإضافة إلى احتقار تراثهم وحضارتهم؛ مما جعلهم فئة غير فاعلة في حل مشكلات مجتمعاتهم المتردية بسبب سياسات الحكومات التابعة للغرب الرأسمالي.

 

وركزت حكومة الإنقاذ في السودان على أن يكون الشباب مؤيدين لسياساتها فقط فأصبح قطاع المؤتمر الوطني أقوى قطاع شبابي يملكون البطاقات الدستورية وينتسبون لجهاز الأمن، وترعرع أغلب الشباب الذين خرجوا إلى الشارع في ظل حكم البشير ووقف أغلبهم مع النظام و"مشروعه الحضاري"، وكانوا ظهيره في حرب الجنوب طوال العشرية الأولى للحكم، ومع ذلك وفي مفاجأة غير متوقعة من الحكومة تقدم الشباب الصفوف في الاحتجاجات التي تجتاح الشارع في السودان هذه الأيام، فكانت المفاجأة أن خرج الشباب من بين فرث ودم رقماً صعب التجاوز. ولعل الحكومة تداركت الأمر مبكرا لكنها لم تشخص المشكلة بدقة مما جعل سهمها يطيش ومعالجتها تذهب سدى في طرح الدعوات للحوار الشامل مع الشباب عساهم يقبلون بها فتنتهي الاحتجاجات ويعودون للاستكانة مرة أخرى!

 

يعتبر السودان من الدول الشابة، حيث تبلغ نسبة الشباب فيه نحو 55.6% من مجموع السكان البالغ نحو أربعين مليون نسمة تقريبا حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان لعام 2017.

 

وبينما لا تزال الساحة السودانية تمور بموجةٍ من الاحتجاجات الشبابية التي لا تكاد تنقطع يوماً إلا لالتقاط الأنفاس، رافعةً سقف مطالبها برحيل النظام عوضاً عن المطالبة بتوفير الخبز والوقود والسيولة النقدية، في هذه الأثناء، بدت استجابة الحكومة لمطالب الشباب تفشل واحدة تلو الأخرى في كبح جماح التظاهرات، بل أصبحت مبعثا على السخرية والتندر، وكانت كل استجابة من الحكومة لا تزيد الحال إلا بعدا عن الحلول ولا تزيد الشباب إلا نشاطا وحيوية في التظاهر.

 

ومن الإجراءات التي تعد انحناءة لمطالب الشباب جرت على ألسنة عدد من السياسيين والتنفيذيين في الحزب الحاكم والأحزاب المشاركة في الحكومة دعواتٌ لعدد من الإجراءات حسب ما يقدرون أنه سبب لخروج الشباب إلى الشوارع احتجاجا على سياسات الحكومة.

 

فقد تخلت عن قراراتها السابقة فقامت حكومة ولاية الخرطوم بفتح شارع النيل للشباب وذلك فور تسريب تسجيل لمدير جهاز الأمن والذي دعا فيه إلى مراجعة السياسات التي أدت إلى التضييق على الشباب المتظاهرين بإغلاق محلات (الشيشة) والمقاهي وشارع النيل، واصفا هذه السياسات (بالصنجاء)، وفعلاً تم إيقاف الإجراءات الأمنية وحملات التفتيش التي كانت الشرطة تسميها عملاً منظماً يأتي في إطار مكافحة الجريمة وتنفيذ الخطط المنعية والكشفية، وفعلاً أسفرت الحملات عن ضبط العديد من الجرائم.

 

ولكن مع ذلك استمرت التظاهرات ولم ينشغل الشباب بفتح شارع النيل بل أصبحت الفضاءات الإلكترونية تنقل كل فترة فيديوهات لشباب لا يطرحون إلا رحيل النظام ودون حوار معه.

 

ولعل أقوى ردة فعل للاحتجاجات كان الانتقاد العنيف الذي أطلقة الرئيس البشير في مواجهة قانون النظام العام، والذي حمّله البشير جزءاً من إثارة موجة الاحتجاجات التي يقودها الشباب في عدد من ولايات البلاد المختلفة، وقال إن تطبيق القانون خلق غبنا وسط الشباب!

 

هذا الهجوم على قانون النظام العام بمثابة رصاصة رحمة على قلب القانون الذي طالما تفاخر به نظام الإنقاذ على أنه إسلامي 100% وغير قابل للتعديل أو الإلغاء!

 

وعلى مستوى منظمة الأمم المتحدة رصدت منظمة اليونسكو مبلغ 66 ألف دولار لجمع التراث غير المادي، وكشف رئيس المجلس الأعلى للثقافة والشباب والرياضة بالولاية خالد الشيخ، عن حصر 32 آلة موسيقية شعبية مستعرضاً ملامح خطة المجلس الذي يشهد تأهيل العديد من المراكز الشبابية وفرقة فنون كردفان وقصر الثقافة بالأبيض لعل اليونسكو دائما تساهم في إشغال الشباب عن الثورة، وهذا ديدنها...

 

فقد أعلنت في أعقاب الربيع العربي عن خارطة طريق لدعم مستقبل علماني ديمقراطي لدول المنطقة، واستغلال الشباب العربي أساسي لهذه الخطة، ويكفي هنا أن نورد أن جوليا هاكسلي، أول رئيس لليونيسكو تقول (من أهداف المؤسسة مساعدة نشوء ثقافة واحدة مع وجهة نظر وخلفية خاصة بها من الأفكار ولها هدف عريض خاص بها)، هذه الثقافة التي تعتني بها اليونسكو هي مبنية على الأفكار الغربية العلمانية التي تجعل الشباب تائهاً مبتعدا عن دينه وهويته، غارقا في الألهيات يهدر طاقته في الفساد.

 

ولا ننسى أيضا أن السودان صادق على الميثاق الأفريقي للشباب الذي يعتبر أولى المواثيق الدولية الخاصة بالشباب وهو ترجمة حرفية لما تسعى له اليونسكو، ويتلخص دوره في أن الشباب والمجتمع المدني والشركاء الدوليين إطار دولي يحدد فقط حقوق وواجبات وحريات الشباب، وهذا يعد سلخاً للشباب عن هويتهم الإسلامية.

 

هكذا تريد هذه الحكومة أن تمضي قدما بالشباب في سفينة لا ربان لها إلا القيم الغربية العلمانية التي هي أساس انحراف الشباب وفسادهم بدلاً عن الاستفادة من طاقاتهم لبناء صرح حضاري ينتمي لقيم دينهم العظيم.

 

إن الحكومة فهمت رسالة الشباب خطأ أو أرادت أن تفهم أن أسباب خروج الشباب هو التضييق الذي حاق بهم سواء أكان عن طريق ملاحقتهم بسياط قانون النظام العام، أم بإغلاق المقاهي ومحلات الشيشة في وجوههم، وبالتالي تصبح قراراتها بفتح شارع النيل، أو إلغاء قانون النظام العام أو تأهيل العديد من المراكز الشبابية وفرقة فنون كردفان وقصر الثقافة بالأبيض حتى فتح باب التجنيد الإجباري، تصبح بمثابة رسائل فارقة أو ذات مضمون لا يناسب المرحلة المتقدمة، فقد أصبح الشباب يفتخرون بأنهم ضد نظام الإنقاذ وأنهم مستعدون للتضحية كما ضحى الشباب الذين استشهدوا في التظاهرات.

على الحكومة أن تعي مطالب الشباب على أنها جزء من مطالب مجتمع وأمة يفتقدون لحكم رشيد ينبع من صميم معتقداتهم؛ يعالج المشاكل ولا يشغل الناس بما لا ينفع...

 

إن الشباب هم نبض الحياة وهم مصدر الانطلاقة للأُمة، وبناء صرح حضارتها، ولذلك هم يملكون طاقات هائلة، والتطلع المنشود هو اكتشاف الطاقات الشبابية على نهج النبوة، ومن ثم توجيهها اتجاها صحيحا، حتى يتم استثمارها، هنا يحدث الشباب فرقا حقيقيا في هذا العالم، ولكن بطريقة ينالون بها رضا ربهم ويمنحهم الثواب العظيم في الآخرة كما منح أسلافهم من صحابة الرسول r.

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة عبد الجبار (أم أواب)

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الأربعاء، 27 شباط/فبراير 2019م 19:42 تعليق

    نسأل الله أن يثبتكم ويهيئ لكم سبل النصر

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع