الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في ذكرى هدم الخلافة

هل حقاً يجهل علماء بلاد الحرمين والمسلمون فيها معنى الخلافة؟!

 

إن المبادئ والأنظمة الموجودة في العالم من حيث ارتباطها أو عدم ارتباطها في الدين لا تخرج عن ثلاثة لا غير؛ مبدأ ضالّ يرى أن لا دين وأن الحياة مادة وهذه العقيدة (اللادين) قام عليها المبدأ الاشتراكي وقامت على أساسه دولها وحكمت بشريعتها وأنظمتها ثم بادت وغارت إلى غير رجعة بإذن الله، ومبدأ منحرف يرى أن الدين لا شأن له بحياة الناس، فليعبدوا في أماكن عبادتهم ما يشاؤون، ولكن أيا كان دينهم فإن نظام حياتهم وقوانينها لا بد أن تكون من وضع البشر معزولة عن أي دين، وهذه العقيدة (فصل الدين عن الحياة) قام عليها المبدأ الرأسمالي وها هو يحكم العالم كله -بقيادة أمريكا المجرمة - بشريعته التي أشقت البشرية جمعاء بتخبطاتها وتناقضاتها وفشلها في معالجة شؤون البشر عامة، عدا عن مخالفتها لعقيدة المسلمين الربانية، العقيدة النقية الصافية المقنعة للعقل والموافقة للفطرة، والتي جاء بها خالق البشر ووضع لهم بناءً عليها شريعةً كاملة شاملة تنظم شؤون حياتهم كلها من أدق دقائقها وأصغر شؤنها كقضاء حاجة عضوية أو إشباع غريزة، إلى أعظم وأصعب شؤون الحياة كالحكم وإدارة الدولة وقيادة العالم، وهذا هو ببساطة مبدأ الإسلام، الذي جاء به خاتم النبيين ليخرج الناس كافة من ظلمات الأنظمة الوضعية إلى نور الإسلام الذي يقوم على أن الدين هو أساس الحياة وهو منظمها وهو مقياس كل عمل فيها، فالدين في الإسلام هو عقيدة من عند الله ينبثق عنها أنظمة وأحكام وقوانين تنظم شؤون البشر جميعها، سياسية واقتصادية واجتماعية، داخلية وخارجية، فردية وجماعية، وكل ما في الحياة من شؤون على أساس الدين ليست مفصولة عنه، فالإسلام عقيدة كاملة ينبثق عنها نظامٌ كامل شامل، فهو ليس كالرأسمالية ولا كالشيوعية بل هو مبدأ كامل متكامل مستقل بذاته، مميز عن غيره، ولا مقارنة بينه وبين غيره، لأن غيره من وضع البشر والإسلام وحده من وضع رب البشر، فلا يستوون، ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾...

 

لقد جاء الإسلام بأحكام شرعية تنظم حياة الناس الاجتماعية، فنظم الصلات بين الرجل والمرأة، وفرض أحكاما للباس المرأة والرجل، وأحكاما للزواج والطلاق، وأحكاما للحياة الخاصة والعامة وبيّن أحكام الاختلاط والخلوة، وأحكام الأرحام والأنساب والمواريث، وغيرها...

 

وجاء بأحكام شرعية تنظم حياة الناس الاقتصادية، فحرّم الربا والرشوة والغش والاحتكار والكنز، وفرض الزكاة والخراج والعشور، ووضع شروطا لعقود الإجارة والشركات والمعاملات المالية، وأحكاما للصناعة والزراعة، وأوجب على الرجل القادر العمل، وحدد له الأعمال المباحة والأعمال المحرمة، وجاء بأحكام للملكيات، فهناك ملكيات عامة وملكيات للدولة وملكيات فردية، وبيّن تفاصيل كل واحدة منها بشكل واضح، وغيرها الكثير من الأحكام الاقتصادية التي تضمن حسن توزيع الثروة بين الناس، والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، وتضمن إشباع الحاجات الأساسية وأكبر قدر من الكمالية لكل من تطبق عليهم...

 

وشرع أحكاما للتعليم والإعلام والقضاء والجيش وحتى الإدارة، فلم يترك شأنا من شؤون البشر إلا ونظمه بأحكام نقية صافية تضمن الطمأنينة للبشرية كافة إن هم طبقوها بإحسان، وقبل ذلك وبعده، تضمن رضا الله سبحانه للمسلم الحريص على رضا ربه...

 

ثم عمد إلى السياسة، فكانت عمل الأنبياء بالنص الصريح وبواقع فعل الرسول e في سيرته، قال عليه الصلاة والسلام: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». (متفق عليه)، فالسياسة في الإسلام ليست إلا رعاية شؤون البشر بأحكام الإسلام أي بتطبيق أحكام الإسلام عليهم، فكيف إذن يكون الإسلام مفصولا عن السياسة؟ وكيف إذن تكون سياستهم مستوردة من أعداء دينهم؟! كما وضع الإسلام أحكاما شرعية تنظم السياسة في الداخل والخارج، فأوجب على المسلمين حمل الإسلام بالدعوة والجهاد لغير المسلمين، وبين أحكام المعاهدات والمفاوضات والمنظمات الدولية، وبين دار الإسلام ودار الكفر وأحكام كل منها، وغيرها الكثير...

 

ثم بيّن أن الطريقة الشرعية العملية الوحيدة لإقامة تلك الأحكام كلها هي الدولة، فلا يتأتى تطبيق كل ذلك بغير وجود دولة، وهذا ما كان محور عمل رسول الله e في مكة وما حولها حتى أقام دولته في المدينة، فلكي يقام مبدأ الإسلام عقيدة وشريعة لا بد من دولة تطبقه، تماما مثلما كان للشيوعية دول تطبق أحكامها وأنظمتها، وللرأسمالية دول تطبق أحكامها وأنظمتها، فلا بد أن يكون للإسلام دولة تقيم هذه الأحكام والأنظمة فتطبقها في داخلها في الحكم والاقتصاد والاجتماع والسياسة الداخلية والخارجية والتعليم والإعلام وكافة شؤون الناس، اعتقاداً وعملاً بقوله تعالى ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ [الأنعام: 57]، [يوسف: 40]، [يوسف: 67] وقوله ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]، وقوله سبحانه في سورة المائدة ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أو الظالمون أو الكافرون، وغيرها من النصوص، ثم تحمل هذه الدولة هذا النور للعالم كله لتضيء به مشارق الأرض ومغاربها تحقيقا لبشرى رسول الله e «إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا» (رواه مسلم وغيره)، وغيرها من النصوص...

 

إن هذه الدولة التي تقيم هذا الدين في داخلها وتحمله للعالم كافة، ليست إلا دولة الخلافة، الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، كما كانت في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم أجمعين، فالخلافة هي نظام الحكم في الإسلام، وقد سماها اللهُ ورسولهُ الخلافة، ورئيسها الخليفة، وليست تسمية مبتدعة من أحدٍ من المسلمين، قال تعالى في سورة البقرة: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قال ابن كثير: "وقد استدل القرطبي وغيره بهذه الآية على وجوب نصب الخليفة ليفصل بين الناس فيما يختلفون فيه، ويقطع تنازعهم، وينتصر لمظلومهم من ظالمهم، ويقيم الحدود، ويزجر عن تعاطي الفواحش، إلى غير ذلك من الأمور المهمة التي لا يمكن إقامتها إلا بالإمام، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب... فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر فلا يجوز لقوله عليه الصلاة والسلام:

 

«من جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم فاقتلوه كائنا من كان». وهذا قول الجمهور، وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين"، وقال سبحانه في سورة ص: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾، وقال عزّ من قائل: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ [النور: 55]، وقال e «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا،ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةٍ. ثُمَّ سَكَتَ» رواه أحمد، وفي النص السابق «وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ»، فالخلافة إذن مصطلحٌ شرعي جاءت به النصوص الشرعية، ومهاجمته أو إنكاره مصادمةٌ صريحة لله ورسوله وشريعته، هذه الخلافة التي بنى دولتها الأولى محمد e بعد 13 سنة من العمل والدعوة والكفاح والصراع والعذاب والمعاناة، ورأَسَها e بنفسه عشر سنوات، ثم أعطاها الصحابةُ العظامُ الأولويةَ على دفن جثمانه e، ثم بذلوا رضوان الله عليهم المهجَ والأرواحَ لحمايتها والحفاظ عليها وتوسيع رقعتها، وهكذا فعل من بعدهم من خلفاء بني أمية والعباس وعثمان، حتى هدمها المجرم مصطفى كمال عميل الإنجليز بمعاونة خونة العرب والترك في مثل هذه الأيام قبل 97 عاما، ثم تآمر لمنع عودتها كل حكام العرب والمسلمين حمايةً لعروشهم وتنفيذا لتعليمات أسيادهم، ثم ها هو يخرج علينا صعلوك تافه لم يكن بالأمس شيئا مذكورا لينفي وجودها تقربا لأسياده الأمريكان والكفار وطمعا في استعجال كرسيٍّ، أسأل الله أن لا يناله، يقول ذلك بكل إجرام في أيام ذكرى هدمها وكأنه يريد أن يذكرنا بإجرام أجداده الذين تآمروا عليها وساهموا في هدمها من قبل (صحيفة سبق السعودية: كيف فنّد ولي العهد أباطيل محور الشر عن "الخلافة"؟)...

 

فأين علماء بلاد الحرمين والمخلصون الأنقياء من أبناء هذه البلاد مما يقوله ويفعله هذا الإمعة ابن سلمان، هل يجهلون حقا معنى الخلافة وما فرضه الله عليهم من وجوب إقامتها؟! أم أنهم اتخذوا ابن سلمان وآله أربابا من دون الله وقدوةً دون رسوله؟!...

 

قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾ [المائدة: 49]، وقال سبحانه: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]، وإن الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لقائمة قريبا لا محالة بإذن الله، فمن أراد أن يصدّق ابن سلمان وسادته فليفعل، ومن أراد أن يصدّق اللهَ ورسولَه، فلطاعة أوامرهما بإقامة خلافة راشدة وبيعة خليفة على منهاج النبوة فليعمل، ولذلك الفوز العظيم في الدنيا والآخرة فليسعَ وليتطلع...

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد بن إبراهيم

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع