الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

خذلان القريب والبعيد لأهل الشام أخّر من انتصارهم على طاغية الشام

حين تدّخل الاتحاد السوفيتي في عام 1978 لإنقاذ ومساندة الحكومة العميلة له في أفغانستان، وكان تدخله من خلال استخدام الجيش السوفيتي الكبير والذي دخل بعد ذلك بسنوات في سباق تسلح مع أمريكا، حين تدخل بكامل قوته في أفغانستان، هبّت الأمة في مشارق الأرض ومغاربها لمواجهة ذلك الجيش الجرار وأعلن النفير العام والجهاد في سبيل الله لمواجهة جيش الإلحاد السوفيتي، فهب المقاتلون مدعومين من دولهم أو على الأقل بغض الطرف عنهم، من باكستان إلى الحجاز إلى ليبيا والمغرب العربي والشام، حتى أجبروا الاتحاد السوفيتي على الانسحاب من أفغانستان بعد مرور نحو عشر سنوات، تكبد خلالها الكثير من الخسائر في الأرواح والمعدات، وأجبر على إعلان الهزيمة أمام قلة من المجاهدين هبوا لنصرة إخوانهم في أفغانستان. فكان هذا مثالاً في العصر الحديث يؤكد أن الأمة إن هي تبنت قضاياها كما ينبغي فإنها قادرة على تحقيق النصر على أعدائها، فصدق فيهم ما صدق على أجدادهم، حيث يروى أن خالد بن الوليد أرســـل رسالة إلى كسرى وقال له: (أسلم تسلم وإلا جئتك برجال يصرّون على الموت كما تصرون أنتم على الحياة)، فلما قرأ كسرى الرسالة، أرسل إلى ملك الصين يطلب منه المدد وَالنجدة، فرد عليه ملك الصين قائلا: (يا كسرى لا قبل لي بقوم لو أرادوا خلع الجبال لَـخلعوها).

 

لقد بح صوت أهل الشام منذ اليوم الأول من اندلاع ثورتهم على طاغية الشام وهم يستنصرون إخوانهم من أبناء الأمة ويطلبون منهم العون، ولكن بالمقابل لم يصل أهل الشام من أبناء أمتهم إلا القليل من الدعم بسبب منع الدول العالمية وعملائها من حكام المسلمين، وفي الوقت نفسه وبدلا من نصرة المظلوم قامت تلك الدول بتشكيل تحالف دولي، امتداداً للحروب الصليبية الجديدة على الأمة، فأمدت الطاغية بشتى أسباب القوة ومنعته عن الثوار المخلصين وأهل الشام الثائرين، فكان نتيجة هذه الحملة الصليبية قتل أكثر من مليون و5 ملايين لاجئ، وأكثر من 6 ملايين نازح، وأكثر من مليون شخص يعيشون في المناطق المحاصرة، واختفاء أكثر من مئة ألف في سجون الطاغية، مع ممارسة مختلف أشكال التعذيب والتنكيل والاعتداء على الأرواح والأعراض، في مشهد لم نسمع عنه حتى في محاكم التفتيش الأوروبية ضد المسلمين، وتنأى عنه وحوش الغاب.

 

على الرغم من اعتماد أهل الشام على قدراتهم الذاتية المتواضعة لاستمرار ثورتهم ضد النظام والتحالف الدولي اللئيم، إلا أنهم استطاعوا الاستمرار في ثورتهم في إصرار عجيب على تحقيق غاياتها، وعلى الرغم من كبر حجم الخسائر في الأرواح والأملاك إلا أنهم ما زالوا مصرين على إدراك غايتهم بالإطاحة بالنظام وإقامة نظام يرضي ساكن السماء وساكن الأرض، ولولا تآمر القريب والبعيد عليهم وخذلان إخوانهم من أبناء الأمة، لأسقطوا الطاغية بشار منذ زمن بعيد، فهمتهم قد فاقت همة إخوانهم المجاهدين الأفغان، ولو واجه شعب آخر ما واجهه أهل الشام من مؤامرات وقتل وتنكيل لما بقي منهم أحد ينادي بغايات سامية ولقبل الانصياع للموقف الدولي المجرم وممثله النظام النصيري في دمشق، ولكن شدة كفر النظام وظلمه جعل أهل الشام والثائرين ومنهم قوات المقاومة لا ترى خيارا إلا الاستمرار حتى النهاية، وقد أحرقوا السفن فكان خيارهم مثل خيار قوات طارق بن زياد حين أحرق السفن فكان العدو من أمام جيشه والبحر من خلفه، فكانت تلك المعادلة حافزاً لجيش طارق على الانتصار على عدوهم.

 

إنّ وقوف أهل الشام في وجه العاصفة لا يعفي عامة المسلمين في أمتهم الكريمة من نصرتهم، فالنصوص الشرعية في وجوب نصرة المسلمين بعضهم بعضا ليست موقوفة على القريب دون البعيد خصوصا بعد خذلان القريب لهم، فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [الأنفال: 72]، ومع تأكد القاصي والداني أن النظام المجرم ضعيف وهو متهالك، فإن نصرة أهل الشام على النظام لا تحتاج إلى كثير جهد منهم، فمثلا تستطيع أي دولة قائمة في العالم الإسلامي مد الثورة بالرجال والسلاح إن هي امتثلت إلى أمر ربها في نصرة إخوانهم في الشام؛ فمثلا تستطيع باكستان أن ترسل بعضاً من قواتها الخاصة عالية التدريب مع بعض السلاح النوعي مثل مضادات الطائرات الخفيفة التي تحمل على الكتف والمتوسطة، والتي من شأنها شل وتحييد السلاح الجوي الروسي والتركي والأمريكي من قوات التحالف، وهو السلاح الذي يفتك بالمدنيين قبل المقاتلين، وبذلك يتم قلب ميزان تفوق قوات التحالف ومنهم الطيران الروسي والإطاحة بالطاغية... ولكن معلوم لدى الجميع أن الدول القائمة في العالم الإسلامي ومنها النظام الباكستاني بقيادتيه السياسية والعسكرية، هي أنظمة مسلطة على رقاب المسلمين وهم عملاء لأسيادهم الغربيين، فهم لا يقلون جرما عن الطاغية بشار، لذلك لا يتوقع منهم نصرة الثورة السورية، بل الذي يتوقع منهم هو كالذي تقوم به تركيا، من استضافتها وانضمامها لقوات التحالف ومشاركتها بشار وروسيا وأمريكا وإيران في قتل الناس رجالا ونساء وأطفالا، بشرا وحجرا، من أجل تركيع الناس والقضاء على الثورة وقبول الطاغية بشار عميل أمريكا.

 

نعم إن الأمة الإسلامية أمة واحدة وما لم تتصرف وتتخذ موقفا واحدا وموحدا تجاه قضاياها فإنها لن تتمكن من تحقيق غايتها، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يَرُدُّ مُشِدُّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمُتَسَرِّيهِمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ»، وصحيح أن الأنظمة في العالم الإسلامي تقف حائلا أمام الشعوب والجيوش من نصرة إخوانهم في الشام، ولكن هذا لا يعفي الأمة من نصرة بعضها بعضاً، ويكون ذلك من خلال إزالة الأنظمة التي تقف أمام نصرة المسلمين بعضهم بعضا، فأصبحت الإطاحة بهذه الأنظمة واجبا، كما جاء في القاعدة الشرعية "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وتكون الإطاحة بهذه الأنظمة من خلال حض أهل القوة من المخلصين في الجيوش على الإطاحة بهؤلاء الحكام والقادة وتسليم قيادة الأمة لأصحاب مشروع الخلافة على منهاج النبوة؛ حزب التحرير. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ».

 

إنّ نصرة المسلمين الثائرين في الشام لا تنفك عن نصرة المسلمين لدينهم وهي النصرة الواجبة، بل هي أولى أولويات كل موحد بالله، ولا يعفي المسلم قيامُه بالبكاء والتعاطف مع المضطهدين في الشام وغير الشام بحجة القيام بأضعف الإيمان، فأضعف الإيمان يُقبل من العاجز ولا يقبل من القادر على القيام بالواجب على وجهه، والمسلمون ومنهم أهل باكستان قادرون على نصرة إخوانهم في الشام إن هم نصّبوا عليهم الحاكم والقائد العسكري المخلص، خليفة راشداً يحكم بكتاب الله وسنة نبيه e .

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

بلال المهاجر – باكستان

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع