الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

كلمة الدكتور عثمان بخاش مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

لمؤتمر الخلافة المنعقد في ماليزيا

 

21 ربيع الأول 1439ه – 09 كانون الأول/ديسمبر 2017م

 

"الأمة مستعدة للخلافة"

 

 

P1150237

 

 

إنه لمن الواضح جدا لأي مراقب محايد أن الصراع الأيديولوجي الوحيد الذي يجري على الساحة العالمية هو الصراع بين الإسلام وبين الرأسمالية العلمانية. أما الصراع الذي كان بين الرأسمالية والشيوعية الماركسية إبّان الاتحاد السوفييتي الغابر، فلم يكن سوى مشهد عابر، حيث إن الشيوعية ما هي إلا مجرد ردة فعل بائسة على الرأسمالية، وهي تتساوى مع الرأسمالية في كونها دليلاً على قصور العقل البشري في محاولته القيام بدور الخالق سبحانه وتعالى في إدارة العلاقات البشرية؛ حيث إن المآسي التي حصلت في القرن العشرين والمصائب والكوارث التي نتجت عن حكم الحضارة المادية هي خير شاهد على إفلاس العقل العلماني بشقيه الرأسمالي والشيوعي.

 

من الواضح أن هذا الصراع بين الحضارات غير عادل: فمن جهة فإن القوى الغربية تتمتع بقوى مادية متفوقة تتجسد في قوتها العسكرية، واقتصادها، ونظامها الرأسمالي المادي الذي يُطبق كل يوم في الحياة اليومية وعلى كافة المستويات، يرافقه شبكات وسائل الإعلام المسيطرة، والتي توثر على كل مناحي الحياة العامة والخاصة للفرد والمجتمع، محليا وعالميا. ومن جهة أخرى، فإن الحضارة الإسلامية مغيّبة بالكامل عن الحياة، حيث إن حكّام البلاد الإسلامية ابتعدوا عن تطبيق الشريعة كطريقة للحياة، وبالمقابل استسلموا للرأسمالية التي فرضها الغرب.

 

 وبالتالي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف نفسر سيل الخطابات التي لا تنتهي من قادة العالم المهمين أمثال جورج دبليو بوش وتوني بلير ونيكولا ساركوزي وفلاديمير بوتين وديمتري ميدفيديف وتشارلز كلارك، حيث إنهم جميعاً ،وبتعبيرات مختلفة، أقسموا على منع إقامة دولة إسلامية وبالتالي وأد أي محاولة لتطبيق الشريعة؟؟ أنا سأقتبس فقط ما أعلنه جورج دبليو بوش وبشكل علني في 16 أيلول/سبتمبر 2001 (5 أيام بعد حادثة 9/11 والتي كانت على الأغلب مخططاً لها من جهاز المخابرات الأمريكي) "إن هذه الحملة الصليبية، هذه الحرب على الإرهاب، ستستمر لفترة طويلة". ولقد حذّر من أن "هدف الإسلاميين المتطرفين هو تدمير الحكومات المعتدلة وإقامة إمبراطورية إسلامية متطرفة تمتد من إسبانيا إلى إندونيسيا".

 

فلو كانت إمكانية تطبيق الشريعة حلماً بعيد المنال، لما تكلّف أيّ منهم عناء شجبها، والتهديد بشكل علني على محاربة عودتها! وقد قال أحمد طعمة، وهو رئيس سابق للحكومة السورية المعارضة في المنفى في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2015: إن المجتمع الدولي (أي القوى الغربية) لن يسمح أبداً بتطبيق الشريعة. أما المطالبة بتطبيق الشريعة فهو أمر مستحيل وفقا لقرار صادر عن القوى الغربية؛ وقد حذّر من أن "هذا المطلب قد يعني (إهراق) بحور من الدماء من أجل منعه"، أي أن القوى الاستعمارية الغربية عازمة كل العزم على محاربة استئناف الحياة الإسلامية.

 

وعلى الرغم من هذا فإن المسلمين يؤمنون بأساس العقيدة الإسلامية: أنه لا إله إلا الله، وأن محمدا e رسول الله. وبالتالي فإن القادة الغربيين ،وعلى الرغم من قواهم المهولة منقطعة النظير في التاريخ الحديث والقديم، إلا أنهم بشر غير معصومين؛ ورغم تكبرهم إلا أنهم ليسوا بآلهة، وقواهم العسكرية غير قادرة على جعل سياساتهم الإجرامية محقة، مع وقوف الإمبراطوريات الإعلامية الخبيثة التي يمتلكونها إلى جانبهم، ولا مع كل التكنولوجيا الحديثة التي يمتلكونها لغسل عقول الرأي العام العالمي.

 

فالله سبحانه وتعالى أمر المسلمين بتطبيق الشريعة الإسلامية في حياتهم، بغض النظر عن الظروف، وعلى العمل على استئناف الحياة الإسلامية في حال غيابها؛ وذلك ليس كردة فعل على الظلم والاضطهاد فقط، بل لأنه من الطبيعي للمؤمنين أن يعيشوا حسب شرع الله، وأن يُظهروا لبقية العالم جمال دينه.

 

لقد رفضت الأمة الإسلامية المصير الذي قررته لها ذات يوم عواصم الدول الرأسمالية البعيدة. مستقبل دبّره الغرب لها على مدى مئات السنين لجعلها تهجر الإسلام وتتخلى عنه، وتمزق درع دولة الخلافة الحامي، وأن تفكر وتؤمن كما يفعل غيرها (بذوبانها في الحضارة الغربية). وأما ما تبقى الآن من سيطرة الغرب على الأمة فهو يتهاوى يوما بعد يوم حيث إن العالم الإسلامي بأكمله بدأ بالنهوض من كوارث القرن الماضي.

 

أما تقييم مكانة الأمة في هذا الوقت فهو ليس بالأمر الصعب. فالعديد من استفتاءات الرأي والاستبيانات تشير إلى الرغبة ذاتها في التوحد، وحتى لو كان هناك من يشكك بهذه الاستطلاعات، فهناك ما يكفي من الأدلة من العالم الإسلامي، حيث إن المسلمين يرفضون وبكل وضوح الغرب وعملاءه ويطالبون بالشريعة والحكومة الإسلامية. أما الهدف من الوجود الغربي في بلاد المسلمين فهو لزرع بذور الفتنة ووأد الدعوة إلى إقامة الخلافة على منهاج النبوة.

 

لقد أظهرت أحداث العقد ونصف العقد الماضيين بكل جلاء ووضوح أن الدعوة لتطبيق النظام العلماني الغربي في البلاد الإسلامية ما هي إلا دعوات فارغة مرفوضة. فقد أظهر المسلمون في الشرق الأوسط شجاعة أصبحت مضرب المثل للعالم أجمع. فقد انطلقت أحداث الربيع العربي في آخر 2010 من الشوارع  والميادين  والمساجد على شكل مظاهرات في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا واجهت أعتى النظم الدكتاتورية القمعية. وعلى الرغم من استبدال بعض الطغاة وتنظيم بعض الانتخابات، إلا أن الصراع لم ينته بعد. حيث إن المظاهرات كانت تستهدف الحكام المستبدين، والهيمنة الغربية، وفي الأساس الأنظمة المروعة في بلادنا الإسلامية التي فشلت باستمرار في توفير أبسط الحاجات الإنسانية للشعب.

 

هذه الأحداث تشهد أيضا أن النظام الجيوسياسي الحالي ،والذي فُرض من قبل الغرب المستعمر بهدف تقسيم الأمة، قد فشل فشلا ذريعا. حيث إن قلوب المسلمين وعقولهم تسارع في إظهار التضامن والتآزر مع إخوتهم المسلمين حول العالم: فمن مسلمي الإيغور في تركستان الشرقية المحتلة، إلى الروهينغا وإلى آسيا الوسطى وإلى كشمير وأفغانستان وإلى إفريقيا الوسطى، وفي قلب كل هذا: المسجد الأقصى والأرض المباركة حوله الشام كما ذكر في سورة الإسراء.

 

نعم، إن القوة الغربية لم توفر أي حيلة، واخترعت شتى الأكاذيب مع استخدامها للدولة البوليسية القمعية بكل وحشية التي يقودها عملاؤها، والتي استخدمت كل أوراق الوطنية والاجتماعية والديمقراطية والرأسمالية، والتي فشلت كلها، فاتحة أعين المسلمين ليدركوا تماما أن الحل الوحيد يكمن في الإسلام وحسب.

 

وليس من المفاجئ انضمام حزب التحرير في قلب صراع الأمة ضد المكائد الغربية: حيث إن دعوة حزب التحرير قد انتشرت بشكل واسع وقد احتضنتها قلوب المؤمنين المخلصين وعقولهم، رجالاً ونساءً، صبياناً وشيوخاً، في تركستان وآسيا الوسطى وإندونيسيا وماليزيا - حيث إن هذا المؤتمر شهادة حية على ذلك، إلى بنغلاديش وشبه القارة الهندية وباكستان وأفغانستان وفي قلب تتارستان والقفقاس، والقرم، كما في تركيا والبلاد العربية وصولا حتى إلى كينيا ونيجيريا.

 

إن البذور الأولى لهذه الدعوة المباركة قد زرعت في القدس، وضربت شجرة الدعوة المباركة هذه جذورها سريعا في قلوب المسلمين وعقولهم في الشام ومصر وليبيا وتونس. وهذه الشجرة العظيمة الآن تظلل الأمة الإسلامية في كل مكان.

 

لقد نجح حزب التحرير في توحيد المسلمين حقاً في مشاعرهم ومعتقداتهم وأفكارهم ومفاهيمهم على الرغم من كل العوائق: فلا يهم من أين يأتي المسلم (رجلاً كان أو امرأة): فقد يكون من كينيا أو البنغال أو أوزبيكستان، وقد يكون يتبع المذهب الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي، وقد يكون أبيضاً أو حنطياً أو أسوداً.. لكنه في داخله مؤمن بالله سبحانه وتعالى، وقد أذعن بإرادته لعبادة رب الكون.. وهنا يكمن جمال الإسلام، كونه رسالة للرحمة لبني البشر: ليس للعرب أو الفرس أو الأكراد أو الأتراك... بل إن الإسلام يوصي أن المسلم أخ للمسلم، وأن الإسلام متاح للجميع لاعتناقه دون التقيد بأحكام مسبقة أو عوامل تفرقة طارئة صنعها البشر.

 

وهنا يكمن أكبر نجاح حققه حزب التحرير: فقد بنى منبراً ليوحد الأمة في صراعها لاستئناف الحياة الإسلامية؛ فتحت حكم الشريعة الإسلامية لا يهم فيما إذا تبنى الإمام أو الخليفة اجتهاداً بعينه أو غيره، طالما أن الاجتهاد ينبع من  العقيدة الإسلامية والوحي الإلهي في القرآن الكريم. كما أن حزب التحرير أظهر وبكل وضوح الطريق المفصل للتطبيق الكامل للشريعة من خلال التعرض لجميع القضايا في الحياة؛ فـحزب التحرير أصدر كتباً تتضمن دستوراً مقترحاً، وكتباً تفصّل النظام الاقتصادي والأنظمة السياسية والتعليمية والمالية والسياسة الخارجية، بالإضافة إلى حمل الدعوة إلى العالم بالدعوة والجهاد. ونحن لن نشعر بالخجل من الدعوة إلى الجهاد كوسيلة لنشر رسالة الإسلام إلى العالم؛ فنحن لا يمكننا تبديل أو تغيير أوامر الله عز وجل التي نص عليها القرآن الكريم والقاعدة القرآنية التي تنص: لا إكراه في الدين. فالناس أحرار في الوصول إلى قناعتهم الخاصة: اعتناق الإسلام أو رفضه.

 

ولا يكمن نجاح حزب التحرير فقط في توفيره لرؤية واضحة لاستئناف الحياة الإسلامية من خلال تطبيق الشريعة في ظل دولة الخلافة، بل وأيضا من خلال بناء جيل من حملة الدعوة في مختلف قطاعات الأمة، وفي مختلف بلاد المسلمين. فأي شخص يتابع النقاشات حول قضايا الساعة لا يفوته إدراك أن المطالبة باستئناف الحياة الإسلامية تحت حكم الخلافة يحتل المنصة الأساسية.

 

لا يتسع المقام هنا لسرد القوائم الطويلة من العروض التلفزيونية والمقالات الصحفية والفتاوى (أو الفتاوى الزائفة) التي يصدرها رجال الدين "الرسميين"، والذين هم خدم لنزوات طغاة مصر والأردن وتونس والمغرب وتركيا وطاجيكستان وأوزبيكستان على سبيل المثال لا الحصر. إنك تجدها شهادة دامغة على حقيقة أن القوى الغربية الاستعمارية تخشى النداءات المتصاعدة من أجل الخلافة بين جماهير المسلمين. فعندما لجأت السعودية لتأسيس مركز لمحاربة (الإرهاب) بالتعاون مع البيت الأبيض، قامت بالبداية بطرد 3000 إمام، وفتحت الأبواب مشرعة أمام العلمنة الغربية للمجتمع تحت ذريعة ما يسمى بـ "الترفيه"، كل هذا مع تسارع تطبيع العلاقات مع كيان يهود المحتل لفلسطين، فهذه الأحداث برهان كافٍ على أن العالم الإسلامي أصبح في جبهة واحدة لمواجهة عملاء القوى الغربية.

 

وقد قام البعض بانتقاد حزب التحرير طويلا لقيامه بدعوة قادة الجيوش الإسلامية لإعطاء النصرة من أجل إقامة دولة الخلافة، إن الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط أثبتت جدوى هذا الموقف: فمن الجزائر (1991) إلى الربيع العربي (2010 وحتى الآن) تُظهر وبشكل واضح أن المطالبات الواسعة القوية لاستئناف الحياة الإسلامية لا بد وأن تترافق بدعم من القوى العسكرية، من أبناء هذه الأمة، حتى نتمكن من التحرر من السيطرة الاستعمارية ولتتمكن الأمة من الاستمتاع بثمار الشريعة والتي ليست هي سوى رحمة لبني البشر.

 

إن القوى الغربية لجأت إلى تشويه صورة حزب التحرير من خلال محاولة ربطه (بالإرهاب)، وذلك لتبرير الحملة العنيفة التي تستهدف نشاطاتنا. والحمد لله فإننا لا نحتاج إلى الدفاع عن أنفسنا: فنحن أقسمنا منذ اليوم الأول على اتباع خُطا رسولنا محمد e في حمل الدعوة، وبالتالي قمنا وبكل وضوح بالتعريف عن نهجنا، حيث إننا نعمل مع الأمة من أجل بناء وعي عام والثقة في الإسلام كطريقة للحياة، وفي الوقت نفسه فضح حقيقة الأنظمة الفاسدة التي تخدم مصالح الغرب؛ من خلال الدخول في الصراع الفكري والكفاح السياسي، فـحزب التحرير لم يقم باتخاذ أي موقف بناء على مصلحة ذاتية أو تسوية مع النظم الجائرة. ما مكّن حزب التحرير من اتباع هذا المسار هو حقيقة أنه لا يسعى سوى لرضا الله عز وجل، مع إدراكه الكامل لحقيقة الأنظمة الفاسدة، فقد استنكر حزب التحرير كل هذه الأنظمة واعتبرها غير شرعية في نظر الشريعة.

 

وفي الوقت الذي يعاني فيه النظام الرأسمالي للعالم من أزمات مدمرة على كل المستويات: سياسية واجتماعية واقتصادية، فقد حان الوقت من أجل انبثاق الفجر الجديد للإسلام.

 

لقد اطلعنا على العديد من تصريحات مسؤولين أمريكيين يدّعون فيها أنه قد حان الوقت لدفن نظام سايكس-بيكو، وإعادة تشكيل خريطة المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية. لكننا نقول إن الوقت قد آن للمؤمنين المخلصين من هذه الأمة ليعملوا معنا للفوز بالشرف العظيم من خلال إعادة الأمة الإسلامية إلى مكانها الصحيح: لقيادة البشرية من هذه المآسي والظلمات الناتجة عن الرأسمالية العلمانية الفاشلة إلى نور رحمة الإسلام. فنحن نناشد كل من يشاهدنا بالعمل معنا لتوحيد الأمة من خلال فهم هذا الدين والمطالبة باستئناف الحياة الإسلامية.

 

كما أننا ندعو جنودنا وقادة الجيوش الإسلامية الشجعان إلى الإسراع بالفوز برضا الله سبحانه وتعالى من خلال إعطاء النصرة لحزب التحرير. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾.

 

وأختم بتذكير الجميع أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق السماوات والأرض بالحق، قد وعد ووعده الحق، بأن يظهر الدين. فلنسعَ جميعا لنكون من الفائزين بشرف العاملين لنصرة هذا الدين.

 

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj الأحد، 10 كانون الأول/ديسمبر 2017م 19:39 تعليق

    ادامكم الله ذخرا للامة وزاد في علمكم واستعملكم لنصرة دينه

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع