محمد من منروفيا.. الاستعمار باقٍ ولو رفرف العلم
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ولد محمد في بلد يقع في الساحل الغربي لأفريقيا، بلد اشتهر بالثروات والحروب والاعتماد على المعونات الخارجية وفيروس الإيبولا، محمد من الأقلية المسلمة في جمهورية ليبيريا التي وصلها الإسلام قبل أن تصل إليها أيدي الاستعمار. ولد محمد في العاصمة منروفيا ولعل الكثيرين يجهلون قصة ليبيريا وعاصمتها منروفيا.. ليبيريا مستعمرة للعبيد المُحَرَّرِين من أمريكا والذين تم ترحيلهم مرةً أخرى إلى أفريقيا وتمكينهم من البلاد من قبل "جمعية الاستعمار الأمريكية" حتى تعطي العبيد المُحَرَّرِين حرياتهم في أفريقيا موطنهم الأصلي عبر برنامج "العودة" أو إعادة التوطين ومن هنا جاءت تسمية البلاد بليبيريا من كلمة "ليبرتي" التي تعني الحرية وقد قام الغرب بنفس المغامرة الاستعمارية في سيراليون وتحمس الكثيرون لتجربة إعادة توطين السود الذين تم تحريرهم.
لعل إعادة التوطين ليس بالمعنى الدقيق، فبدلًا من أن تعيد أمريكا العبيد المُحَرَّرِين إلى بلادهم المختلفة جمعتهم في ليبيريا إذ إن الغرض لم يكن إعادة توطين السود الذين تم تحريرهم بل التخلص من فئة أصبحت عبئًا على المجتمع في أمريكا، وكشفت التناقض بين الشعارات الرنانة عن الحريات وما يلاقيه السود من إساءة وتمييز. ولهذا فليبيريا موطن محمد فيها خليط غير متجانس من مستوطنين سود عادوا من أمريكا بعد رحلة الرق والعذاب وتبدد الهوية وبين سكان أصليين يرفضون هيمنة ونفوذ هؤلاء القادمين من أمريكا المدعومين بسلطتها وقواتها.
تمركُز السود المحرَّرين في منطقة واحدة كان له أهمية أيضًا في توظيف الاستعمار ونشر نفوذ أمريكا في بقعة بعيدة من العالم وبشكل طبيعي ولم يخجل زعماء "جمعية الاستعمار الأمريكية" من الإعلان عن طموحهم بتكوين مستعمرة أمريكية على يد السود المحررين!. تعتبر ليبيريا ثاني أقدم دول مستقلة في العالم يسكنها السود (تتقدمها الدولة الأخرى المنكوبة هاييتي) حيث أسس العبيد المُحَرَّرون في 1847 جمهورية ليبيريا وسموا عاصمتها بمنروفيا تيمنًا بخامس رئيس للولايات المتحدة "جيمس منرو".
المفارقة أن جيمس منرو الذي سميت العاصمة "الحرة" على اسمه كان من مؤيدي الاستعمار، ولم يكن هذا التناقض أمرًا يستحق أن يتوقف المرء عنده لأن الواقفين وراء ترحيل العبيد المحررين لم يكونوا تحرريين بالفعل ولم يقوموا بهذا من باب الحرص عليهم ولكن من باب العنصرية ورفضهم في المجتمع في أمريكا. أتى العبيد المُحَرَّرون باستعمار من نوع جديد، استعمار الرجل الأسود بدلًا عن الرجل الأبيض أو استعمار بالإنابة تحل فيه العقول المستعبدة مكان السيد وتؤدي مهامه على أكمل وجه. إنه تأطير جديد يحول الرق إلى مؤسسة سياسية ويضع لها رموزًا تربطها بالسيد ولكن تحت غطاء الحرية والتحرر. أتوا تحت رايات الرجل الأبيض وبنوا قصور حكم تحاكي نمطه في العمارة وأصبحت لغته اللغة الرسمية في البلاد فحلت الإنجليزية محل لغات أهل البلد.
كانت ليبريا منذ ولادتها داعمةً لأمريكا في سياساتها في غرب أفريقيا ولأمريكا وحدها اليد العليا والقول النافذ في شأن البلاد ودعمت الخط العريض للسياسات الأمريكية فانتقدت نظام الأبارثايد (الفصل العنصري في جنوب أفريقيا) ودعمت حركات التحرر من القوى الاستعمارية الأوروبية في أفريقيا وسارعت للانضمام في الهيئات والمنظمات الأممية التي أسستها الولايات المتحدة الأمريكية (سواء تم تأسيسها بشكل مباشر أو عبر دول أخرى تابعة).
نظر محمد إلى العلم الليبيري وهو يرفرف في سماء البلاد التي أنهكتها الحروب والأزمات. إنه علم مميز جدًا وفريد من نوعه: يتكون من أحد عشر خطًا أفقيا، باللونين الأحمر والأبيض، ستة أشرطة أفقية باللون الأحمر وخمسة أشرطة عمودية باللون الأبيض ويوجد في الزاوية اليسرى من العلم مربع أبيض في وسطه نجمة بيضاء.. علم مستوحى من العلم الأمريكي ولكنه قطعة مميزة وكل خط فيه يرمز لفكرة متعمقة في جذور التاريخ الليبيري ولا زالت عبارة التذكير ترن في أذنه "العلم الليبيري يرمز للهوية الليبيرية ومحض فخر واعتزاز كل مواطن شريف" ضحك محمد بصوت منخفض وقال لنفسه "يا لها من كوميديا سوداء"!!
لقد شكلوا ليبيريا لتحاكي المستعمرة الأم وترتبط بها للأبد فاسم العاصمة، والعلم، والعملة، واللغة، دستور البلاد، ونظام الحكم، وغيرها من مقومات الهوية مرتبطةً بأمريكا ولكن هذه المحاكاة لم تدفع ليبيريا للأمام بل بات الفشل يحاصر البلد من جميع الجهات حتى صار الأمر أشبه بالشيء وظله الممسوخ. ومن ذلك ما تناقلته وسائل الإعلام عبر العالم في آب/أغسطس 2013 حين أعلنت وزيرة التعليم الليبيرية "ايتومنيا ديفيد" أن جميع الطلبة في البلاد والبالغ عددهم 25,000 طالب فشلوا في اجتياز اختبار قبول الجامعة وأعلنت البلاد رسميا نتيجة "لم ينجح أحد". وبالنسبة للمتابعين للشأن الأفريقي فلم يأت هذا الفشل الذريع كمفاجأة، ذكر مراسل بي بي سي في العاصمة مونروفيا إن أغلب المدارس في ليبيريا تعاني من نقص حاد في الأدوات التعليمية كما يعد مستوى المدرسين منخفضًا على مدار السنوات الماضية لكن هذه هي المرة الأولى التي يفشل فيها جميع الطلاب في عبور اختبار دخول الجامعة الذي يتطلب مصاريف إداريةً تعادل 25 دولارًا أمريكيًا. كشف هذا الإخفاق التاريخي أيضًا عن عدم تمكن الطلبة المتقدمين لامتحانات الجامعة من اللغة الإنجليزية، التي حلت محل 20 لغة محلية.
إضافةً لذلك، كشفت أزمة الإيبولا عن البنية التحتية المتهالكة التي دمرتها الحرب الأهلية والفساد السياسي والفشل في الإدارة ووضعت ليبيريا تحت المجهر، راقب محمد العالم وما يشهده من نمو وازدهار ورأى دولته تحارب المرض بأساليب قرون مضت وتفتقر لأبسط مقومات التطور. وفي الألفية الثالثة شاهد الناس سبورة أخبار في أكبر الميادين تكتب بالطباشير لتضع الأخبار في متناول شعب فقير لا يمتلك أغلبية سكانه تلفازاً أو مذياعاً أو قدرة شرائية تمكنه من اقتناء الجرائد اليومية بشكل مستمر! لم تعد الأغلال في الرقاب والأقدام بل باتت تأسر الأرواح وتشعر الإنسان أنه فاقد لإنسانيته وهذا ما ردده أهل ليبيريا مرارًا وتكرارًا خلال فترة أزمة الإيبولا والحجر الصحي القسري قالوها بحرقة "هم لا يعتبروننا بشرًا لهذا يتمادون في ظلمهم". ليبيريا ينقصها الحرية التي نقلت رموزها ولم تمنح للآن لأهل البلاد ولن تتقدم ليبيريا حتى تنالها.
محمد إنسان محاصر بين تناقضات الوفرة والكفاف فالفقر يحاصر ليبيريا الثرية بثرواتها ويعيش أكثر من 80% من سكانه تحت خط الفقر. تنعم البلاد بتعدد موارد الاقتصاد إلا أنها تتبدد بين الفساد والإهمال والاستغلال الأجنبي ويحتار المرء بين حجم الفقر والعوز وبين الثروة السمكية وتنوع مصادر الماء والغابات والأرض الخصبة التي يعمل بها 70% من أهل البلاد والمعادن الثمينة مثل الذهب والألماس وإنتاج البلاد لخام المطاط والحديد حيث تعد ليبيريا رابع دولة في العالم في إنتاج الحديد. وبالرغم من هذا الفشل بعد الاستقلال المزعوم يرفرف علم البلاد وتصيح الحناجر في المدارس عاشت ليبيريا حرةً مستقلةً.
هذه ليبيريا وحالها حال كل دولة رفعت علم الوطنية لتعلن الاستقلال وهي ترزح تحت ذلّ الاستعمار.. تفكر يا محمد كي لا تكون حائرًا تحت راية لا تمثلك بل تجسد هوية غيرك. واعلم هداك الله إلى الحق، أن الحرية ضد العبودية وأن التحرر الحقيقي يكون بالانعتاق من المستعمر فكرًا وشعورًا وبالرجوع لهويتك التي اخترتها حينما قلت بأن لا معبود بحق إلا الله وشهد لسانك وعقلك بالشهادتين، فكان لأسلافك طرازٌ خاصٌ في العيش وفي الفكر وأصبحت راية أهالي أقاصي أفريقيا وجنوب الصحراء راية رسول الله وتناقلت قبائلها الممتدة الإسلام ونشروه في كل مكان ليملأ القلوب طمأنينةً والكون ضياءً. راية رسول الله تمثل كل مسلم في الكون ووحدها جديرة بأن يرفعها المسلم الفطن لا رايات سايكس بيكو وغيرها من أعلام المستعمر هنا وهناك. وحدها راية رسول الله تمثلك يا محمد.
#لا_لأعلام_الاستعمار
#نعم_لراية_رسول_الله
﴿مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)