الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

حكم الشرع في تبنّي عَلَم الائتلاف وأشباهه

بسم الله الرحمن الرحيم


قام الأستاذ الفاضل أحمد القصص رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان بنشر هذه المقالة على صفحته في الفيسبوك، ولأهمية ما جاء فيها ارتأينا أن نعيد نشرها على صفحات المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير.

 


الحمد لله ربّ العالمين، هادي الناس إلى سواء السبيل، المنعم عليهم بتشريع يُصلح أمرهم ويرعى شؤونهم ما تمسّكوا به إلى يوم الدين. والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمّدٍ خاتم النبيّين وعلى آله وصحبه ومن اتّبعه واستنّ بسنّته وسار على دربه بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:


منذ أن رُفعت الراية الإسلامية وانتشرت في ثورة الشام المباركة وسقطت أمامها الرايات القُطرية والوطنية أعربت الأطراف الدولية والإقليمية - ومعها الهيئات والشخصيات السورية المرتبطة بها - عن استيائها من هذه الظاهرة التي كشفت بوضوح تطلّع أهل الشام إلى دولة تطبِّق الإسلام وتُحيي هويَّتهم الحضارية بوصفهم جزءًا من الأمّة الإسلامية. وقد اشتدّت الحملة مؤخّرًا ضدّ الراية الإسلامية من خلال إبراز العَلَم الذي ظهر مع نشوء الكيان السوري في عهد الانتداب الفرنسي عقب الحرب العالمية الأولى. وكان واضحًا أنّ الإصرار على ترويج هذا العَلَم وتكريسه رايةً لأهل سوريا وثورتهم هو تأكيدٌ من رافعيه التزامهم نظامًا علمانيًّا يعقب سقوط نظام بشّار، ورفضهم قيام دولة إسلامية ترعى شؤون الناس بالشريعة الإسلامية وتحمل الإسلام رسالة إلى العالم.


وأكثر ما يُحزن ويؤلم في الفصل الأخير من هذه الحملة هو اتّكاء هؤلاء العلمانيين على مقالات تحمل صبغة "الفتاوى" الشرعية التي تُقلِّل من شأن اعتماد الراية الإسلامية وتسوّغ رفع عَلَم الكيان العلماني الذي أنشأته فرنسا في الجزء الأوسع من بلاد الشام في عشرينيات القرن الماضي. وعليه فإنّ الواجب الشرعي يقتضي تبيان الحكم الشرعي في رفع هذا العَلَم.


لقد كان ملاحظًا أنّ الذين أفتَوا بجواز اتّخاذ هذا العلم كان مدار كلامهم على جواز أن يكون للمسلمين رايات ملوّنة يصطلحون عليها لترمز إليهم، فتتعدّد الرايات وألوانها بتعدّد الكتائب والفرق والقطاعات والدوائر. والحقيقة أنّ مدار البحث ليس ههنا، إذ إنّ القول بجواز تعدّد الرايات الفرعية والتفصيلية وجواز أن يكون للولايات رايات مختلفة وبألوان متعدِّدة لا يصلح مدخلًا لتبرير رفع العَلَم الذي يروّج له الائتلاف العلماني المتواطئ مع المجتمع الدولي والقوى الإقليمية ضدّ إسلامية ثورة الشام.


وبيان ذلك أنّ الحكم على شيء من الأشياء بالحِلِّ أو الحرمة يتطلّب بدايةً معرفة واقع هذا الشيء، ما هو. وهذا ما يُسمّى في علم الأصول بتحقيق المناط. فالمناط هو الشيء أو الواقع الذي يتعلّق به الحكم الشرعي المستنبط من الأدلّة الشرعية، أي من الكتاب والسنّة وما أرشدا إليه.


والواقع المبحوث هنا - وهو عَلَم الائتلاف - لا يكون إدراكه بإدراك ألوانه وشكله، ومن ثَمّ الحكم عليه من هذه الزاوية. وإنّما إدراكه يكون من حيث هو رمزٌ يرمز إلى معنى أو فكرة، فيكون الحكم عليه تابعًا لحُكمِ ما يرمز إليه من معنى أو فكرة أو شيء. فالأعلام والرايات واقعها أنّها رموز، والرموز لها بكلّ تأكيد حكم في شرع الإسلام، إذ لا يخلو الشرع الإسلامي من حكمٍ شرعيٍّ لأيٍّ من أفعال العباد، ولا لأيٍّ من الأشياء من حيث الحِلُّ والحُرمة.


فالعَلَم يُتَّخذ رمزًا، مثلما أنّ الشعارات والرسوم تُتَّخذ رموزًا، ومثلما أنّ الكلام والتعابير والكتابات هي رموز. فالكلام هو رموزٌ تعبِّر عن الأشياء والمعاني، والكتابة هي رموزٌ تعبِّر عن الكلام. وكذلك الرسوم والأختام والأعلام والرايات هي رموزٌ تعبِّر عن أشياء ومعانٍ وأفكار. ونظرة إلى الرموز التي تحملها أعلام الدول المعتبرة تؤكِّد ذلك. فما حكم الإسلام باعتماد الرموز واستخدامها؟


لا خلاف أنّ الرموز، من لغةٍ وكلام وكتابة وحروف وأختام ورسوم ورايات وأعلام، هي من المباحات في الشرع، بناء على قاعدة أنّ "الأصل في الأشياء الإباحة". والرموز هي من الأشياء، فتأخذ حكم الإباحة. فضلًا عن أنّ الأدلّة تضافرت على جواز استخدام الرموز في الشرع. إلّا أنّ عموم الإباحة هذا هو عرضة للتخصيص. والقاعدة الشرعية تمامها: "أنّ الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم". والأدلّة الشرعية دلّت على أنّ الرموز إن كانت تعبِّر عن أشياء أو معانٍ تخالف الشرع فإنّها تكون حينها من المحرَّمات. وفيما يلي بعض الأدلّة على ذلك:


أولًا: قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. في هذه الآية نهى الله تعالى المسلمين في عهد النبيّ صلى الله عليه وسلم عن استخدام عبارة من العبارات التي هي من رموز المعاني، وهي عبارة "راعنا"، مع أنّ الأصل أنّها مباحة، إلّا أنّ النهي هنا أخرج هذه العبارة من عموم الإباحة. وعلّة ذلك النهي أنّ يهود المدينة استخدموها رمزًا لمعنًى مسيءٍ للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، بما تحتمله هذه العبارة من معنى في اللغة. قال ابن كثير رحمه الله: "فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا، يقولون: راعنا. يُوَرّون بالرعونة، كما قال تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلا﴾". ولذا حرّم الله تعالى هذه العبارة على المسلمين لحرمة ما ترمز إليه، ولو احتمالًا. قال الشوكاني في فتح القدير: "وفي ذلك دليل على أنّه ينبغي تجنّب الألفاظ المحتمِلة للسبّ، والنقص، وإن لم يقصد المتكلِّم بها ذلك المعنى المفيد للشتم؛ سدًّا للذريعة ودفعًا للوسيلة، وقطعًا لمادّة المفسدة، والتطرّق إليه".


ثانيًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال:َ «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ عَبْدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُمْ عَبِيدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلْ غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي» (رواه مسلم). وفي رواية لمسلم أيضًا زيادة: «وَلاَ يَقُلِ الْعَبْدُ رَبِّي، وَلَكِنْ لِيَقُلْ سَيِّدِي».


وههنا أيضا نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن استخدام عبارات معيَّنة، لِـما ترمز إليه - ولو احتمالًا - من معانٍ باطلة منهيٍّ عنها.


وعليه فإنّه وفق هذه القاعدة يكون الصليب محرّمًا، مع أنّ الصليب في الأصل شكل من الأشكال الهندسية التي الأصل فيها الإباحة، ولكنّه خرج من عموم الإباحة لـمّا صار يرمز إلى معتقد كفرٍ يناقض العقيدة الإسلامية. وكذا النجمة السداسية المعتمدة لدى اليهود، وشعار المنجل والمطرقة على النحو المعروف لدى الشيوعيين، وشعار المثلَّث والبيكار المعتمد لدى الماسونية... فهذه كلّها أشكالٌ الأصل فيها الإباحة، ولكن لـمّا اعتُمدت رموزًا لأديان كفر وعقائد كفر خرجت من عموم الإباحة إلى الحرمة. وكذلك أعلام دول الكفار القائمة في العالم، وأعلام الدول القطرية القومية والوطنية القائمة في العالم الإسلامي، والتي بُنيت على أنقاض دولة الأمّة الواحدة، فإنّ رفعها أو اعتمادها صار محرَّمًا بمجرّد أن اتُّخذت أعلامًا لهذه الدول، مع أنّها في الأصل أشكالٌ من الأشكال المباحة.


على هذه القاعدة يُنظر إلى واقع العَلَم الذي يُروَّج اليوم لأهل سوريا وثورتهم، وعلى هذه القاعدة يُعرف الحكم الشرعي فيه، أي على قاعدة ما يرمز إليه هذا العلم، لا من زاوية أنّه قطعة قماش ملوّنة فيكون حكمه الإباحة!


وواقع هذا العَلَم أنّه يرمز إلى كيانٍ قُطْري نشأ في عهد الاحتلال الفرنسي، بقرار من المفوّض السامي الفرنسي. ففي سنة 1930م أصدر المندوب السامي الفرنسي هنري بونسو المرسوم 3111 الذي نصّ بموجبه على صياغة "دستور الجمهورية السورية"، ثمّ صدر هذا الدستور فيما بعد في عهد الاحتلال الفرنسي. وهذا الدستور أشار إلى أوصاف العَلَم في المادّة الرابعة من الباب الأوّل بما يلي:


"يكون العَلَم السوري على الشكل الآتي: طوله ضعف عرضه، ويقسّم إلى ثلاثة ألوان متساوية متوازية، أعلاها الأخضر فالأبيض فالأسود، على أن يحتوي القسم الأبيض منها في خطّ مستقيم واحد على ثلاثة كواكب حمراء ذات خمسة أشعة".


وبقي هذا العلم معتمَدًا حتّى قيام الجمهورية العربية المتّحدة، إثر إعلان الوحدة بين سوريا ومصر عام 1958، حيث اعتُمد عَلَم الجمهورية العربية المتحدة. ثمّ بعد انهيار الجمهورية العربية المتّحدة في 28 سبتمبر 1961، أُعيد ذلك العَلَم، إلى أن وصل حزب البعث إلى السلطة من طريق انقلاب سنة 1963، فألغى هذا العَلَم واعتمد عَلَمًا جديدًا أقرب ما يكون إلى عَلَم النظام الحالي. وعليه فإنّ هذا العَلَم رمزٌ لدولة علمانية قُطْرية تحكم بغير ما أنزل الله، أقامها الغرب الكافر على أنقاض دولة الخلافة، عقب اتّفاقيات بين الدول الكبرى، كاتّفاقية سايكس-بيكو بين فرنسا وبريطانيا خلال الحرب العالمية الأولى، ومقرّرات مؤتمر سان ريمو الذي عُقد في إطار عصبة الأمم سنة 1920 في إيطاليا، والذي فوَّض "الانتدابَ الفرنسي" القسمَ الشمالي من بلاد الشام. في تلك الظروف والأجواء وُلد ذلك العَلَم الذي يُعمل اليوم على ترويجه، وذاك هو الكيان السياسي الذي يرمز إليه.


وعليه فإنّ رفع هذا العلم ومحاولة إلصاقة بالثورة إعلانٌ واضح وصريح بأنّ غاية الثورة هي مجرّد إسقاط نظام بشّار وعصابته وحزبه، وأنّ الغاية القصوى للثورة هي العودة إلى ما قبل انقلاب حزب البعث، أي البقاء في دائرة العلمانية. فهل هذا جائزٌ في شرع الله؟! وهل هذا ما يريده أهل الشام؟! العودة إلى وديعة بريطانيا وفرنسا فينا؟! تلك الوديعة التي قامت على أنقاض دولة الخلافة الإسلامية؟!


هذا من حيث النشأة ومن حيث الكيان الذي كان يرمز إليه هذا العَلَم. أمّا من حيث الواقع المستجدّ له: فإنّ هذا العَلَم هو العَلَم الذي اعتمده الائتلاف الذي يعلن ليل نهار رفض قيام دولة إسلامية في سوريا، وأنّ هدفه هو دولة مدنية علمانية ديمقراطية. وبالتالي بات واضحًا أنّ الحرص على رفعه يرمي إلى إسقاط الراية الإسلامية التي ترمز بدورها إلى إسلامية الثورة، وإلى إسلامية المشروع السياسي الذي يرتضيه أهل سوريا. وما دامت هذه رمزيتها، فكيف يعمد بعض (الـمُفتين) إلى تجويزها وتسويغها، مقدِّمًا تلك الخدمة الجليلة لأعداء المشروع السياسي الإسلامي: مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة؟!


الخلاصة:


إن عَلَم الائتلاف هو ومنذ وجوده رمز لدولة قُطرية علمانية كانت تحكم بغير ما أنزل الله تعالى، أنشأها الكافر الفرنسي المستعمر على أنقاض دولة الخلافة. وبقي عَلَمًا لها حتى استيلاء حزب البعث على الحكم سنة 1963م. ومن يعمل على إحيائه يعلن - من حيث يدري أو لا يدري - أنّه يريد العودة بسوريا إلى ما قبل حزب البعث مباشرة، أي إلى تلك الدولة العلمانية القطُرية ذات حدود سايكس-بيكو. وحكمه في الشرع هو حكم ما يرمز إليه. فما دامت تلك الدولة دولة مخالفة لشرع الله يكون العَلَم الذي يرمز لها مخالفًا للشرع، يحرم تبنِّيه واتّخاذه ورفعه. علاوة على أنّ ترويجه اليوم من قِبَل الائتلاف العلماني المرتبط بالنظام الدولي هو في مواجهة الراية الإسلامية، من أجل إسقاط ما ترمز إليه من مشروع سياسي إسلامي: مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوّة، ما يزيده حُرمة فوق حُرمة.


﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾

 

 

أحمد القصص
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية لبنان

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع