تحركات دي ميستورا وروسيا... هل نضج الحل السياسي في سوريا؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
صرح ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا في 2015/2/13، في ختام لقائه مع وزير الخارجية النمساوي سيباستيان كورتس، بأن "الرئيس الأسد جزء من الحل" و"سأواصل إجراء مناقشات مهمة معه". وأكد دي ميستورا قناعته بأن "الحل الوحيد هو حل سياسي"، معتبرا أن "الجهة الوحيدة التي تستفيد من الوضع" في غياب اتفاق هي تنظيم الدولة الإسلامية الذي "يشبه وحشا ينتظر أن يستمر النزاع ليستغل الوضع". ومن جهته، قال كورتس أنه "في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، قد يكون من الضروري الكفاح إلى جانب دمشق"، وإن كان "الأسد لن يصبح يوما صديقا ولا شريكا".
مع أننا لم نطلع بعد على تقرير دي ميستورا إلى مجلس الأمن (في 2015/2/17) إلا أن "المكتوب يُقرأ من عنوانه"، وقد أفصح في تصريحه هذا عن خلاصة تقريره الداعي إلى التعاون مع بشار ضد الخطر الأكبر المزعوم لتنظيم الدولة، كما عبر عن ذلك الوزير النمساوي. وفي محاولة ممجوجة من الخارجية الأمريكية لتخفيف وقع الصدمة، المفتعلة، من فرسان الائتلاف الأمريكي الوطني، المسمى بالسوري، قالت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية جينفر ساكي في بيان «إن موقف الولايات المتحدة لم يتغير. الأسد فقد الشرعية ويجب أن يرحل عن السلطة».
هل من خيط مشترك بين هذه التصريحات وبين المجازر الأخيرة في دوما التي استهدفها جيش النظام بعشرات الصواريخ والبراميل المتفجرة، والتي أسفرت عن مقتل مائة من أبنائها، ثلثهم على الأقل من الأطفال، إلى جانب أكثر من 400 جريح يواجه عدد كبير منهم الموت بعد إغلاق نقطتين طبيتين، ولم تسلم أي منطقة في المدينة من القصف الذي طال الأحياء السكنية والنقاط الطبية وسيارات الإسعاف وجرت دماء الشهداء في الشوارع في مشهد ذكرنا بما جرى في بغداد على أيدي المغول؟ نعم، فأمريكا تراهن على عامل الوقت لكسر إرادة الشعب في سوريا لحمله على القبول بـ"الحل السياسي"، وما بين المبعوث الأممي والآخر يقوم الأسد وزبانيته بحرب إبادة غير مسبوقة في قصف وقتل المدنيين، تحت سمع وبصر أمريكا و"المجتمع الدولي" الذي لم يعد يرى غير إرهاب تنظيم الدولة...
أما تصريح الخارجية الأمريكية فليس هو الأول من نوعه؛ ففي آب 2011، بعد ستة أشهر من انطلاق الثورة السورية، قال أوباما: «إن مستقبل سوريا يجب أن يقرره شعبها. لكن الرئيس الأسد يقف في طريقهم. ومن أجل مصلحة الشعب السوري، جاء الوقت ليتنحى الأسد جانباً».
ولكن بقيت هذه التصريحات المتكررة لأوباما فقاعات من الهواء تترجم إلى حمام من الدماء في شوارع سوريا، بينما يذهب المبعوث تلو المبعوث ليجس نبض الثوار وما إذا "نضجت طبخة الحل السياسي" في رؤوسهم، وفي كل مرة كان يفاجأ بأن الشعب الذي خرج تحت شعارات "هي لله هي لله"، و"يا الله ما لنا غيرك يا الله"، ما زال عصيّاً على كل التآمر الدولي والمجازر البشعة التي يرتكبها الحاكم الأمريكي في دمشق. لا بل حتى جون كيري وزير الخارجية الأمريكي دعا الأسد إلى" الاهتمام بمصلحة شعبه والتفكير في نتائج أعماله التي أصبحت تجلب المزيد من الإرهابيين إلى سوريا»، ولا يزال الخطاب الإعلامي الأمريكي يصف ما يجري في سوريا بأنها حرب أهلية، أي نزاع بين فريقين يتطلب وسيطا "نزيها" لمساعدتهم في الوصول إلى حل وسط، الذي أعلن عنه في مؤتمر جنيف 2012/06/30، من إنشاء هيئة انتقالية ذات صلاحيات كاملة تشكل برضا الطرفين، الجلاد والضحية. (نقلت صحيفة "الحياة" يوم الأحد 2015/02/15م أن «الائتلاف» بدأ في اجتماعه في اسطنبول مناقشة وثيقة مبادئ الحل السياسي وتضمنت أن هدف المفاوضات مع النظام تشكيل هيئة حكم انتقالية بـ «صلاحيات تنفيذية كاملة بما فيها سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية» وأن الهيئة «هي الجهة الشرعية الوحيدة المعبرة عن سيادة الدولة»).
... وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية قالت أن واشنطن «تشجع» هؤلاء «المعارضين» على الذهاب إلى موسكو، وذكر الوزير الروسي لافروف أن أمريكا تدعم لقاء موسكو، الذي ضم أطراف النظام وصنيعته ممن يسميهم "المعارضة الداخلية"، في البحث عن "الحل السياسي" المعمَّد بدماء وأشلاء أهل سوريا؛ فكل هذه محاولات لا تخرج عن التصور الأمريكي لضمان السيطرة على سوريا، وهي قلب الأمة الإسلامية، في جوار بيت المقدس.
لقد عُرفت ثورة الشام بأنها الكاشفة والفاضحة؛ لكل حكام المسلمين الذين توزعوا الأدوار ما بين مشاركٍ في القتل مباشرة كحكام العراق وإيران، أو مساندٍ له، ولو بطرف خفي كحكام مصر، أو متظاهرٍ بأنه يدعم الثورة في الوقت نفسه الذي يلجم جيشه عن التدخل لإنقاذ أهل سوريا كتركيا... إلخ
كما أنها كشفت عن قلوب أهل الشام العامرة بالإيمان والصبر وحسن التوكل على الله سبحانه والثقة بوعده. كما أنها كشفت عن بعض رافعي لافتات الحل الإسلامي، بينما هم يخشون الغرب أشد من خشيتهم لله، ولا يتصورون أو يعقلون أن الله أكبر من أمريكا والغرب والشرق مجتمعين، وأنهم سيبوؤون بسخط الله وغضب الأمة بسبب لهاثهم وراء "حل" أيِّ حل يرضي الغرب...
كما أنها كشفت عن عقليات مريضة انحرفت في فهمها لرسالة الإسلام، فبررت الانقسامات والاقتتال في صفوف الثوار، الذين يريدون تحكيم شرع الله، ولكنهم يرون أن شرع الله يسعهم وحدهم دون غيرهم من المسلمين!
من هنا فإننا نتوجه إلى الصادقين المخلصين أن يلتفوا حول ميثاق الخلافة، وينبذوا الخلافات الفرعية، ويتخلصوا من العقليات المريضة القائمة على مقولة "الفرقة الناجية"، فوحدة الصف القائمة على التمسك بحبل الله والبراء من الأعداء والعملاء، كفيلة بالقضاء على الجرثومة الأمريكية في دمشق ووضع حد لما يعانيه أهلنا في الشام، ومبايعة خليفة يقود جيوش المسلمين للفوز ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بفتح روما، بعد أن نال السلطان محمد الفاتح شرف فتح القسطنطينية. فهل هم فاعلون؟
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عثمان بخاش
مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير