زيارة بوتين لمصر والعيش في أوهام الماضي
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كثير من المحللين الذين تناولوا زيارة بوتين للقاهرة الاثنين 2015/2/9م، نظروا إليها من منظور خمسينات القرن الماضي، وكأن الزمان هو الزمان والمعادلة الدولية هي نفس المعادلة، ولذا تراهم يتحدثون وكأن النظام المصري الحالي يبحث عن حليف خارج إطار الهيمنة الأمريكية على الوسط السياسي في مصر السابق والأسبق والحالي، وفاتهم أن روسيا اليوم غير روسيا أو الاتحاد السوفيتي في خمسينات وستينات القرن الماضي، فروسيا اليوم قد تكون امبراطورية، ولكنها امبراطورية هشة كما وصفها مؤلف السيرة الذاتية لبوتين المؤرخ الإخباري بن جودا، وهي تعاني معاناة شديدة من ناحية اقتصادية تحت سوط تدني أسعار النفط العالمية التي يعتمد عليه الاقتصاد الروسي بشكل كبير ومؤثر. إذ أدت العقوبات الغربية المفروضة عليها وتدني أسعار النفط، فضلاً عن بعض المشكلات الهيكلية المزمنة التي يعانى منها الاقتصاد الروسي، إلى دخول اقتصاد البلاد في كساد وتقديرات بانخفاض الناتج المحلي بما يزيد على 5% وتضخم تتراوح نسبته ما بين 15 و20% وبطالة تعدت نسبة 8% وفقدان الروبل نصف قيمته في مواجهة العملات الرئيسية.
وتشير تقديرات خبراء كثيرين إلى أنه وإن كان الاقتصاد الروسي قد مر بظروف مماثلة، أمكنه تجاوزها (أزمتا 1998 و2008)، إلا أن الخروج من الأزمة الحالية قد يستغرق وقتاً أطول، كما أن التعافي منها سيكون أصعب.
ولعل الكثير من هؤلاء المحللين قد غرهم الموقف الروسي تجاه ما يجري في سوريا، فظنوا أن الموقف الروسي مناهض للسياسة الأمريكية في سوريا، وفاتهم أن بشار أسد هو رجل أمريكا في سوريا، والذي ظل صامدا لأكثر من أربع سنوات في مواجهة الحراك الثوري ضده وضد نظامه البعثي، بسبب السياسة الأمريكية والدعم الإيراني القوي له من خلال حزبها في لبنان وحرسها الثوري اللذين توليا وبشكل مباشر تحقيق الهدف الأمريكي وهو دعم بشار أسد ومنع نظامه من الانهيار لحين إيجاد البديل أو صناعته.
وإنه وإن كان بوتين يتحرك في كثير من رحلاته الخارجية كرحلتيه إلى الصين والهند كرجل أعمال يبحث عن موطىء قدم لشركاته واستثمارات دولته، وليس كرجل دولة يصارع أمريكا ويزاحمها في مناطق نفوذها، فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يبدو أنه يريد استنساخ تجربة عبد الناصر والتي نجحت إلى حد بعيد في التغطية على ارتباطه بأمريكا وتنفيذه لسياستها في المنطقة، والتي أثمرت ترسيخا لكيان يهود ربيب أمريكا في المنطقة، ومشاغبة كبيرة على بريطانيا وعملائها في المنطقة، والذين لم يكن يُسمع لهم حس بجانب عبد الناصر الذي قدم نفسه لشعبه وللعرب باعتباره الزعيم العروبي الذي يحمل هم العرب ويقف بقوة أمام الإمبريالية الغربية، ويدعم حركات التحرر في العالم العربي. والسؤال الجدير بأن يطرح؛ ما الذي يمكن أن يقدمه السيسي للعرب اليوم؟! وما هو القناع الذي يمكن أن يتخفى خلفه؟! فالرجل لا يملك ما يمكن أن نسميه "كاريزما" الزعامة التي كانت لعبد الناصر، كما وأن الزمان غير الزمان، فما كان يمكن لعبد الناصر أن يخفيه عن الأعين وما تلوكه الألسن لسنوات، لم يقدر عليه السيسي لأشهر، فإذا تسريبات تتبعها أخرى تلحق به لتفضحه على رؤوس الأشهاد وتضرب علاقته بدول الخليج أكبر الداعمين له.
وإن كان "الضباط الأحرار" قد استطاعوا أن يخفوا علاقة السفارة الأمريكية بحركتهم لعقود، فالسيسي قد أعلن في أول حوار تلفزيوني له أنه قد اتخذ قرار الانقلاب على محمد مرسي في شهر مارس 2013، وعندما سُئل: من أول من أعلمته بهذا القرار؟ قال في بلاهة لا تصدق: الأمريكان، ليفضح ما يحاول اليوم تغطيته من خلال علاقات وثيقة مع روسيا. وكانت جين ساكي المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قد قالت تعليقا على هذه الزيارة: "إن واشنطن لا تعارض مذكرة التفاهم التي وقعت عليها مصر وروسيا خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إلى القاهرة بشأن بناء محطة نووية فى مصر". مما يعني أن الزيارة إما تمت بالتنسيق مع أمريكا أو أن أمريكا لا ترى فيها أي محاولة مصرية للتخلص من الهيمنة الأمريكية على القرار في مصر.
ويُعدّ شعار "الحرب على الإرهاب" الذي ترفعه روسيا ومصر في الفترة الحالية؛ هو الشعار الأبرز والحاضر بقوة في لقاء بوتين السيسي، حيث أكد السيسي في كلمته على "أن خطر الإرهاب الذي تواجهه مصر لا يهددها بمفردها، مشيراً إلى أن زيارة الرئيس الروسي بوتين إلى القاهرة في هذا التوقيت تؤكد على دعم روسيا لمصر في حربها ضد الإرهاب". وقال أيضا: "نحتاج لمنهج شامل للتصدي للإرهاب، لا يقتصر على الأمن".
ومن المؤكد أن السيسي يدرك مفردات "الحرب على الإرهاب" التي ترفعها روسيا، ويدرك الممارسات القمعية التي قام بها بوتين تجاه المسلمين في روسيا وفي الجمهوريات ذات الغالبية المسلمة المحيطة بها. فإذا كان بوتين يحارب "إرهاباً" إسلامياً يتمثل في منع توجه الأمة نحو إسلامها وتمكينه في دولة إسلامية، وهو يرى في سعي الأمة نحو الخلافة خطرا داهما على نظامه ومحيطه الإقليمي، وهذا ما أكده مرارا وتكرارا وزير خارجيته لافروف، فإن هذا نفس ما يقلق السيسي أيضا، الذي انقلب على نظام فيه رائحة إسلام، والذي يخوض حربا شرسة على الإسلام السياسي في مصر الآن، كما ويخوض حربا بالنيابة على أفكار الإسلام ومفاهيمه من خلال مطالبته بتغيير نصوص تم تقديسها على مدار مئات السنين تعادي الدنيا كلها كما يقول، والذي طار مسرعا إلى دافوس ليلقي اللوم على الإسلام والمسلمين في حادثة شارلي إيبدو ويشبّه المظاهرات التي خرجت بباريس استنكارا للحادثة بالمظاهرات التي خرجت في 30 يونيو، إذ يراهما مظاهرات مناهضة للإرهاب الذي ينبغي محاربته والتعاون مع الشيطان نفسه لمحاربته.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر