الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

  قراءة في تشكيلة الحكومة... وكذب الوعود الانتخابية  

بسم الله الرحمن الرحيم


أعلن الحبيب الصيد رئيس الحكومة المكلف يوم الاثنين 2 شباط/فيفري 2015 تشكيلة حكومته، بعد الرفض الواسع الذي قابلته التشكيلة في نسختها الأولى يوم 23 كانون الثاني/جانفي، ورغم التغيير الطفيف والشكليّ الذي لا يتجاوز تفسيره على أنه مسرحية سياسية عَجزَ عن إحكامِ إخراجها رئيس الحكومة ولها أسبابها... وقد تمثلت هذه التشكيلة في إعادة تسمية أطراف وقعت تسميتها في حقائب وزارية في التشكيلة الأولى وأضافت وجوها جديدة، مما يُفسر أن هذه الخطوة ما هي إلاّ مكافآت وترضيات، وقد أجمع على ذلك المتابعون.


وتجاوزًا لموضوع تغيير النظام وهو الأصل، إلا أنه بمنطق الأشخاص والحكام فلم تسلم هذه الحكومة من الشهادة بفساد بعض أعضائها على غرار وزير الداخلية المتهم من قبل القضاء بمضايقة القطاع في الحقبة النوفمبرية، كما ظهر في هذه التشكيلة أفرادٌ تمعّشت بل واستوزرت زمن الدكتاتورية، فضلا على الشهادة بعدم الكفاءة، فمن شغل منصب وزير التشغيل في حكومة سابقة قُلد وزارة الصحة!! ومن وزير نقلٍ إلى وزير تنمية وتعاون دولي، فبأيّ معايير يقيسون؟ كما لا تُخفي هذه التشكيلة التخبّط وضبابية الرؤية والسقم الفكري الذي يعتمد على استنساخ النموذج الغربي من حيث الإدماج في الوزارات أو الإنشاء لها، فتُستحدث كتابة دولة لتأهيل المؤسسات الاستشفائية (ولا نعلم هل هي العمومية أم الخاصة؟؟ ما يُؤشر لاستمرارية خصخصة الصحة الذي بدأته حكومة الترويكا مع الجانب التركي...)، وتُستحدث كذلك كتابة دولة مكلفة بملف الشهداء وهو ملف الالتفافات والتهافت على رفع شعار الثورية.


كما أن المرحلة المرتقبة ملفاتها والتي أرجأتها الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وادّعت انتظار حكومة رسمية غير مؤقتة ولا مكلفة بتسيير أعمال للاشتغال على أهداف الثورة، وخاصة ملفا الاقتصاد وما يُسمى مكافحة الإرهاب في ما يتعلق بتداعيات الأوضاع في التراب الليبي (في سياق إقليمي يعتبرُ الجماعات المسلحة المدعومة أمريكيًا مثل حركة حفتر حركة سياسية لها مبرراتها على غرار جماعة الحوثي المدعومة أمريكياً كذلك ولا تُصنّف رغم ذلك بالإرهابية..)، وتبقى هذه الملفات حارقة في غياب الرؤية والمنطلق فضلا على غياب الإرادة التي تُفتكّ بها كرامة البلد وهذا ما تعجز عنه مثل هاته الحكومات ولا تتعاطى مع هذه القضايا إلا بمزيد الإرهاب بالإرهاب وعدم كشف الحقائق وبالتضييق أكثر على موارد رزق الناس مقابل التفريط في الثروة وفتح المجال للمستثمر الأجنبي.


وبعد الزخم الذي رافق المشاورات حول تشكيل الحكومتين وما يُنتظر من نيل ثقة نواب قبّة البرلمان سواء التسريبات والتصريحات أو الانسحابات والمواقف، حضرت المحاصصة والتسوية وغابت البرامج والأهليّة والكفاءة في تعدٍ صارخٍ وإخلافٍ لوعد انتخابيّ مُموّلٍ ومُثقلٍ على كاهل أهل البلد.


ووقفة أمام أحد الأطراف المُشكِّلة للحكومة وهو حزب الأغلبية، حزب حركة نداء تونس، والذي حمل شعار "ضد تجربة الإسلاميين وحكم الترويكا"، واعتبر إقصاء النهضة وتجربتها ذروة سنام برنامجه الانتخابي، نجده اليوم يُشرِّك النهضة بدعاوى متهافتة ما حرّك قواعده الانتخابية وحتى الحزبية بل وصل إلى نائبين في البرلمان يمثلانه وأُطلقت حركةٌ احتجاجية تحت عنوان "لا تراجُع" وهو الموقف الذي عبر عنه الأمين العام للحركة ووزير الخارجية المكلف!! في تصريحٍ للإعلاميين بأن جناحًا في حركة نداء تونس غير راضٍ ويقوم بضغوطات، وهو ما يُنبئ بفشلٍ لاحق في استمرارية الحكم فضلا على إمكانية تفكّك هذا الحزب الهجين وانشطاره، فيُضاف بذلك عامل آخر على فشل وخيانة الحكام الجدد لوعودهم الانتخابية.


أمّا الطرف الآخر وهو الحزب الثاني، حركة النهضة، فقد حملت شعار "ضدّ إرجاع المنظومة القديمة" وترنحت مواقفها في علاقتها مع قواعدها الحزبية والانتخابية وشهدت الحياة السياسية عندهم في فترة الانتخابات سياحة انتخابية قياسا على السياحة الحزبية سابقا داخل المجلس التأسيسي المنتخب!! وتناقضت المواقف قبل النتائج وبعدها على اختلاف المحطات الانتخابية وحسب تكتيكات المرشد والهيئة المنظمة مجلس الشورى، فمن بحثٍ على شخصية وطنية تُزكّى وتُرشّح وبالطبع تلقى الدعم، إلى الحياد والتبرؤ من الشريك السابق، إلى عدم ترك حزب الأغلبية يغرق وحده في إدارة البلاد، إلى المشاركة بتمثيليةٍ في الحكومة، تُسوّق خرقًا سياسيا ولو كانت غير ملائمة مع حجم الحركة، ونجاحًا للحركة في التّموقع في المشهد السياسي ومنه الحكم والإدارة على اختلاف حساسيتهما.


أما الطرف الثالث فهو لا يُعبّر إلا عن شخص أو اثنين ومجموعة ممن يُقدّمون أنفسهم خبراء أو تكنوقراط، يُمثّلون صفراً بالمائة وجوداً سياسياً على المستوى الشعبي والحركي، وهذا الحزب ما ظهر إلا في جولاته الانتخابية وحين تجارى صاحبه لتلقُّف منصب وزير النقل في أول حكومة بعد الإطاحة بنظام بن علي، ما يُثبت عقلية انقضاضية وصولية، ويمثل كذلك صفراً بالمائة كرصيد نضالي، ونسبة انتخابية مُضخمة قائمة على نظام أكبر البقايا مما يكشف إرادةً لتثبيت من ليس له وجود ما يفسح المجال لأكثر مساومات داخل قبة البرلمان.


أما الطرف الرابع فلا يختلف عن حكم الأخير من حيث النشأة والخواء الفكري والسياسي، مع امتياز وتفرّد على بقية الأطراف الأخرى بالأموال الضخمة في حملته، وهو الذي صرّح صاحبه "رجل الصفقات" أنه فهم السياسة فهي على قوله: أموال (مهما كان مصدرها) في تلاقح مع برامج (مُستوردة ومشتراة بأموال طبعا)... وقد اختار عنواناً لحملته الانتخابية "نحو القضاء على الفقر" وهو الملف الذي يتجاوز الحزب والدولة "الوطنية" ليستقرّ ضمن مخططات إعلان الألفية المنبثق عن الأمم المتحدة المموّلة عبر شركائها الماليين حسب الأهداف الثمانية التي أعلنت عنها الدول الكبرى عبر المنظمة، ومن هذه الأهداف القضاء على الفقر في أفق 2015، فتُثبّتُ التبعية باعتماد التوجيهات والتمويلات ولا يتجاوز دور هذا الحزب إلاّ الديكور.


أما ما تبقى ممن اختاروا المعارضة وخاصة الجبهة الشعبية (حركات يسارية وقومية)، والتي لم تعِ بالدور العالمي عبر الإقليمي في التمسّك بمسارات البلاد، فلن يتجاوز دورها المعارضة والتشويش، وستُستغل كالعادة في أحداث لإيجاد وضعيات، ثم يُرجع بها إلى دور المشاكسة، فالتغريد خارج السرب مع خسارة المناصب.


ويبقى حزب التحرير متمسكا بشعار الثورة "الشعب يريد إسقاط النظام"، وهو الذي قاد تحركا في الذكرى الرابعة للثورة في بوزيد يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2014، وفي العاصمة أمام وزارة الداخلية يوم 14 كانون الثاني/جانفي 2015، وقد اختار لنفسه شعار: "تغيير النظام لا تغيير الحكام" وهو لا يزال يعمل مع الأمة ويصل ليله بنهاره يتواصل مع الناس ولا يُقدم وعودا ولا عروضا، وإنما يُقدم واجبا تلبّس به يستنهض به الأمة لتتبوأ مقعدها بين الأمم.

 


﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾


كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمد البسكري - تونس

 

 

 

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع