السيسي... وفصل متأخر في حرب الرأسمالية على الإسلام
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
تفاجأت الأمة الإسلامية مرة أخرى من أحد حكامها المؤتمنين، افتراضا، على كرامتها وحسن رعايتها ومحضها النّصح، بما لا يُعهد من أمثالهم تجاه شعوبهم، فيطلع عليها "الثعلب" وقاتل الآلاف من أهل مصر، عبد الفتاح السيسي، في ثياب الواعظين، ليقرر أنَ على أمة الإسلام أن تتوب وتعدل عن السعي إلى قتل سبعة مليارات من البشر من غير المسلمين، لتنفرد وتستأثر بالعيش وحدها في هذه الدنيا بقوله حرفيا: "إنها بتعادي الدنيا كلها.. بتعادي الدنيا كلها، لدرجة أن الواحد وستة من عشرة مليار هيقتلوا الدنيا كلها إلًي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا همه". ولخوفه على هؤلاء المستهدفين، بزعمه، يدعو الأزهريين إلى تبني فكر جديد يمنع المسلمين من ذلك، ويشهد الله عليهم توكيدا لرأيه وموقفه. وهنا يحق التساؤل: هل أن السيسي يصدر في رأيه هذا عن إرادة حرة؟ أم هل تراه من الحكام الذين تسلٌموا السلطة في بلدانهم بعقد مراضاة واختيار، عقده مع الشعب المصري؟ ألم يكن، حين قال كلامه ذاك، يرنو ببصره وعقله نحو أمريكا صاحبة الشأن في مصر وربيبتها دولة يهود وهو يخاطب رجال الأزهر، حتى يشاركوه جرم خيانة الله ورسوله والمؤمنين؟ لقد طالبهم بتجديد الخطاب الديني وتصحيح صورة الإسلام، فهل هكذا تنشأ الأفكار وتؤسس التحولات المبدئية؟ أيحتاج الأمر إلى مجرد طلب من حاكم لحاشية تأتمر بأوامره فتصنع له فكرا على المقاس؟ أإلى هذا الحد تبلغ جرأة الرويبضات على أمة كريمة كانت زهرة الدنيا ومحط أنظار البشر؟
فالدولة الإسلامية؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، دولة هذه الأمة الذي يفتري عليها الأفاكون، ويسعون إلى مسخ فكرها، وقد تحملت منذ نشأتها، على أساس عقيدة "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، مسؤولية نجدة الإنسانية، بقيادة ساسة ورجال دولة أفذاذ وباقتدار وجدارة وتخليص الشعوب من الظلم والقهر ورفعها إلى مستوى التكريم الذي فطرها الله عليه مما عرض هذه الدولة وبحكم سنن الحياة، إلى محاولات قوى الردة لمنعها من أداء رسالتها، بالأعمال المادية، إقليميا في محيط نشأتها، أو دوليا بالحروب الصليبية وهجمات المغول، فاستطاعت التفوق على الأعداء ورد كيدهم ومكرهم ومضت تنير صفحات التاريخ، برسوخ الإيمان لديها بعقيدتها وبرسالتها في الحياة وقوة الفعل عندها لقرون عديدة، نعمت البشرية في ظلها بالأمن والعدل... إلا أن عوامل الضعف التي طرأت عليها في فهم قوة الطاقة الكامنة في مبدئها وجمودها أمام الأحداث المتجددة، جعلها تُهاجَم من قبل أعدائها فكريا، في محاولة لحرفها عن خط سيرها ومسخها عن طبيعتها للقضاء عليها وإنهاء وجودها، فكان من الممكن والحال هذه، فهم أسباب استسلام رجال الفكر فيها والطبقة المثقفة ثقافة غربية أمام الهجمة الفكرية الزاحفة من أوروبا، والانهزام أمام قوة سطوة سحر العلوم الحديثة ونظم الحكم في البلاد الغربية، معرضين، جهلا أو عجزا، عن المعالجات الشرعية التي يفرضها الإسلام لكل قضايا الحياة.
أما اليوم وأمام إفلاس المبدأ الديمقراطي الرأسمالي، الذي يدعونا السيسي وأضرابه إلى الخضوع له، وأمام انكشاف خطره على الإنسانية وعجزه على معالجة قضايا الإنسان المعاصر، وتتالي الأزمات التي يمسك بعضها برقاب بعض جراء تطبيق نظمه وأحكامه، ورفض البشرية المتنامي للخضوع لسطوة ووحشية هذا المبدأ اللاإنساني، وأمام وعي الأمة الإسلامية على ذاتها وعلى رسالتها في الحياة، واستعادة قدرتها على تقدير الأشياء بميزان الإسلام، وأمام تعلق القلوب بأحكامه ومعالجاته ونزع يدها من طاعة هؤلاء الحكام الذين نصبهم زبانية الرأسمالية العالمية على الرقاب، أمام كل هذا نجد الغرب قد دفع بسلاحه هذا، المفلول، وعن طريق أحد أتعس عملائه الموتورين، وهو في الحقيقة دليل آخر على فشل هذا الغرب وفراغ جعبته من أن يجد حكاما أكفاء يؤدون عنه أفكاره وينفذون أمره. ومع كل ذلك نسأل السيسي ولا ننتظر منه جوابا وإنما بعض نصيحة لمن قد تنفعه النصيحة.
أين وجد السيسي الشواهد، في فكر هذه الأمة الإسلامية أو في تصرفاتها أنها قتلت أو تعمل على قتل الناس أو إبادة الشعوب؟ وهل حدث مثل ذلك في تاريخها الطويل؟.
وهنا حق لنا التساؤل أيضا:
ـ هل الأمة الإسلامية هي التي ارتكبت فظائع وأهوال محاكم التفتيش؟
ـ أم تراها هي التي أفنت سكان القارتين الأمريكيتين ولم تبق منهم إلا أنفارا غيبتهم الجبال والغابات وهم اليوم في أرض آبائهم أهون من الغريب؟
ـ هل الأمة الإسلامية هي التي ساقت الملايين من الأفارقة مكبلين بالحديد وهجرتهم قسرا من بلدانهم وسخرت، لذل العبودية، من نجا منهم من القتل أو الغرق في مياه المحيط؟
ـ أم تراها هي التي أفنت عشرات الملايين من الناس في الحربين العالميتين الأولى والثانية وأزالت مدينتين من الوجود بأفظع أنواع أسلحة الدمار؟
ـ هل كل هذا، وغيره أكثر وأغرب، من صنيع الأمة الإسلامية؟ أم هل هو من صميم فكرها وثقافتها؟ أليس كل ذلك، وغيره أكثر وأغرب، من صنيع الملة التي تدعونا إلى الاقتداء بهم؟ أليسوا هم أصحاب الجُحر الذي نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دخوله معهم؟
ـ أم ترانا، يا سيسي، نحن أبناء الأمة الإسلامية، ها قد زرعنا شركاتنا تنهب اليوم النفط من حقول الولايات المتحدة الأمريكية، وتستولي على ثرواتها من مناجم فحمها الحجري، أم نحن الذين نستبيح الأرض والعرض في قارات الدنيا؟
ـ أم تراكم يا من تسلطتم على رقابنا قد أعددتم مخابراتكم لإعداد الخطط لرد كيد الأعداء عنا، وتجهزون الجيوش لرد الاعتبار لكرامتنا بعد الهزائم التي أذللتم الأمة بها فخافتكم الدول العظمى وأعدت لكم عدتها؟
ثم إنك طلبت من "علمائك" الذين لم يجرؤ أحد منهم أن ينصحك فيردك إلى رشدك، أن يقدموا للعالم، وأنت تقصد أوروبا وأمريكا حصرا، صورة مشرقة عن الإسلام، فأي صورة تعني حتى يرضوا عن شرع رب العالمين؟
- أتعني بكلامك قوله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 46]
ـ أم تعني بكلامك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل مكة يوم الفتح «...اذهبوا فأنتم الطلقاء...» أم قوله: «...ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتن عنها...»؟
ـ أم قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه يوم ولي الخلافة..."لست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم..."؟
ـ أم قول عمر الفاروق رضي الله عنه وهو ينصف مظلوما اعتدى عليه ابن واليه: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا..."؟
ـ أم موقف ذي النورين عثمان رضي الله عنه من البغاة عليه بعدم قتالهم لأنه يرى أن ذلك لا يحل له شرعا حتى لو قتلوه؟
ـ أم موقف علي بن أبي طالب من الخوارج، أي جماعة معارضة باصطلاح اليوم، وقد حملوا السلاح في وجه الدولة، وقبوله ثلاثة أوضاع لا يتصور أن يتقبلها أي حاكم من مثل الخوارج، إذ أعطاهم:
1 ـ أن لا يمنعهم المساجد.
2ـ أن لا يمنعهم الفيء ما دامت أيديهم معه.
3ـ أن لا يبدأهم بقتال حتى يكونوا هم البادئين.
فأي صورة ترضاها لأمتنا اليوم، حتى نقدمها للسادة الغربيين لتحظى برضاهم عنها؟
ـ أيّ صورة من هذه الصور المشرقة، والتي لا نظير لها في الوجود تدعونا إلى الاقتداء بها حتى يرضى عنا غربُك؟
ـ هل استكثرتم على الأمة جهد بعض شبابها؟ تشتتوا في الأمصار يردون لوجهها الجميل المعفر بسوء فعلكم وعدوان أعداء الحياة، وبأكفهم المجردة، بعض بهائه، ريثما تستعيد هذه الأمة دولتها، وهي تستعد لإعلانها قريبا إن شاء الله، ويومها لكل حادثة حديث.
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [سورة الحج: 46]
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ عبد الرؤوف العامري
رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير في تونس