لا يا بخيتي! السياسة كما أمر الله هي من صميم الدين
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
نشر الأخ علي البخيتي عضو المكتب السياسي للحوثيين (أنصار الله) مقالاً يطالب فيه بفصل الدين عن السياسة حيث قال (عندما يصبغ الصراع السياسي بصبغة دينية فإن الدين الجامع والرسول الكريم وأهم الشخصيات الدينية يدخلون في الصراع ويصبحون محل تعريض وعامل من عوامل الانقسام، وهنا تفسد السياسة والدين معا، ولذا أدعو دائما إلى فصل الدين عن السياسة، لنحافظ على قدسية الدين ونمارس السياسة بشكل واضح).
يحاول الأخ علي البخيتي أن يوحي للقارئ الكريم أن مشكلة الأمة اليوم تكمن في أنها تساس بالدين كما كان في أوروبا في عصور الظلام وعهد الاستبداد الديني الذي مارسه القياصرة والملوك ورجال الكنيسة على الناس هناك، والواقع يقول أن العكس هو الصحيح؛ فالأمة لم تكن مشكلتها مع الإسلام ولا مع أحكامه السياسية وأنظمته التي ترعى شؤونهم في جميع المجالات في ظل دولة الإسلام الخلافة، وإنما مشكلة الأمة ومنها أهل اليمن وسبب انحطاطها هو نتيجة لإقصاء الغرب الكافر للإسلام عن واقع حياة المسلمين عن طريق القضاء على خلافتهم؛ مما جعلهم يعيشون حالة غير طبيعية؛ حيث عقيدتهم إسلامية، وإن علتها بعض الأتربة واكتنفتها الغشاوة، بينما أنظمتهم التي يساسون بها من قبل هؤلاء الحكام ليست من جنس هذه العقيدة، هذا في ما يخص الحكام، أما في ما يخص الجماعات؛ فقد منعت الجماعات التي تريد إعادة الإسلام إلى واقع الحياة وحوربت، كما هو حال حزب التحرير، وضيق عليها بحجة أن هذه الجماعات مناهضة لعقيدة الغرب ألا وهي فصل الدين عن الحياة والدولة، وأقصيت عن المشاركة السياسية، بينما سمح للجماعات التي تعمل في إطار مبدئه وسياسته أن تشارك في الحكم ولعبته.
لنسأل الأخ علي البخيتي هذا السؤال:
هل لو تمسك الحكام والحركات والجماعات بسياسة الإسلام وأحكامه التي ترعى شؤونهم في الحكم والاقتصاد والنظام الاجتماعي وسياسة التعليم والسياسة الخارجية وجميع الأنظمة التي انبثقت من عقيدة الإسلام، هل سيكون ذلك مشكلة؟؟!! أم أن مشاكل الأمة ستحل وتصبح الحياة في جميع جوانبها كما أمر الله؟!
فالأصل والواجب علينا إذا رأينا الحكام أو الجماعات المشاركة في الحكم لا يلتزمون بأحكام الإسلام في سياستهم، وهو الذي يحصل اليوم أن نقول لهم التزموا بسياسة الإسلام وسوسوا الناس حسب أحكامه لا أن تأتوا بسياسة ميكافيلية الطابع كل همها فقه المصلحة والمنفعة وتنسبوها للإسلام، هكذا الواجب أن نقول لهم ونحاسبهم.
لا يخفى على الواعين في الأمة اليوم أن الحكام ومعهم الجماعات التي يسمح لها بالمشاركة السياسية لا ينطلقون من الإسلام أو الدين، بل ينطلقون في سياستهم من فصل الدين عن الحياة ومن فقه الميكافيلية، ثم يأتون بالدين عندما يوافق مصلحتهم ليشرعنوا لأفعالهم، بل غدا الدين عندهم مجرد شعائر وعبادات على أحسن الأحوال؟!! وهذا الذي يجب أن نعيبه ونحاربه ونشنّع على فاعليه، أما المناداة بفصل الدين عن السياسة كردة فعل على تصرفات هؤلاء فهذا تجنٍّ على الإسلام وجرم وكبيرة في حقه، وهو أخذ لبعضه دون بعض بحجج واهية أقبحها هي كلمة فيما معناها (نفعل ذلك لنجنب الدين المقدس عن السياسة التي هي نجاسة). فعلا السياسة التي ليست من الإسلام في شيء الميكافيلية الطابع الآتية من قمامات الغرب هي النجاسة وأنتم واقعون فيها ولكنكم ربما لا تشعرون لتبلد الإحساس بفعل المجال المغناطيسي للثقافة الغربية الذي تأثرتم به.
أما السياسة التي تسير وفق أنظمة الحياة التي أنزلها الله لتدبير شؤون الناس والتي هي الدين ومن صميمه فهي نور من الله وطهر للمجتمع من الشهوات، ولو تقيدنا بها لحلت مشكلاتنا، وهذا ما يجب أن نسعى إليه ونعمل لإيجاد دولته التي تطبقه.
كثير من الناس لا يعرف السياسة إلا بالمعنى المستورد من الغرب، فما هي السياسة؟!
السياسة كما في لسان العرب: ساس الأمر يسوسه سياسة إذا دبر الأمر فأحسن التدبير، فالسياسة هي رعاية شؤون الأمة داخلياً وخارجياً، وتكون من قبل الدولة والأمة، فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عملياً، والأمة هي التي تحاسب بها الدولة. وهي من أجلّ الأعمال لأنها عمل الأنبياء، قال صلى الله عليه وسلم: «كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه آخر إلا أنه لا نبي بعدي وستكون خلفاء... »، بينما السياسة بالمفهوم الغربي هي المكر والخديعة والنفعية، وهذا المفهوم مرفوض لدينا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المكر والخديعة في النار».
إن ما يجب أن تدركه الأمة الإسلامية أن رعاية شؤونها بالإسلام لا تكون إلاّ بدولة الخلافة على منهاج النبوة، وأن فصل الإسلام عن الحياة وعن الدين هو وأد للإسلام وأنظمته وأحكامه، وسحق للأمة وقيمها وحضارتها ورسالتها.
والدول الرأسمالية تتبنى عقيدة فصل الدين عن الحياة وعن السياسة، وتعمل على نشرها وتطبيق أحكامها على الأمة الإسلامية، وتعمل على تضليل الأمة وتصور لها بأن السياسة والدين لا يجتمعان، وأن السياسة إنما تعني الواقعية والرضا بالأمر الواقع مع استحالة تغييره، حتى تبقى الأمة رازحة تحت نير دول الكفر، دول الظلم والطغيان، وحتى لا تترسم الأمة سبيلاً للنهضة بحال.
وإذا لم تسيَّر أمور الناس ورعاية شؤونهم بنظام منبثق عن عقيدتهم فبأي سياسة سيسيرون؟ ولكن مع جهل المسلمين بالمعنى الصحيح للسياسة من وجهة نظر الإسلام بأنها رعاية شؤون الأمة بأحكام وأنظمة الدين سوق إليهم المعنى المغلوط للسياسة، وهذا المعنى رأسمالي وهو أن السياسة نجاسة والسياسة هي التضليل والكذب والتزوير، وكأن الغرب الكافر ومن معه من المسلمين المضبوعين بالثقافة الغربية يريدون من المسلمين أن لا يلتفتوا إلى فهم السياسة الشرعية وهي رعاية الشؤون في دولة تطبق أنظمة الكتاب والسنة على الرعية في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياسة الخارجية وسياسة التعليم وغيرها، ويريدون من المسلمين أن يستمروا على هذا الحال؛ دينهم مفصول عن سياستهم ودولتهم وحياتهم حتى يساسوا بغير أنظمة الإسلام كما هو الحال لديهم عندما فصلوا الدين في الكنيسة وشرعوا لأنفسهم ما يريدون من التشريعات .وقد كان من السهل قيامهم بذلك كون أديانهم لم تحتو على أنظمة شاملة ومعالجات متكاملة لمشاكل الحياة بالإضافة إلى التحريف والتزوير للأديان السابقة من قبل الأحبار والرهبان بحسب الأهواء والمصالح.
وأما عن الحركات التي تتلبس بلباس الإسلام والتي وصلت إلى الحكم فإنها لم تطبق الإسلام وإنما طبقت غيره من أنظمة العلمانية الرأسمالية ولو كان أفرادها ملتحين ويصلون ويصومون، وكان الغرض من إيصال مثل هذه الحركات هو إيصال مفهوم للناس أن الإسلام السياسي فاشل في رعاية شؤون الناس، ومن أراد أن يتأكد أن هذه الحركات لم تطبق الإسلام ولم تتبناه في برامج حكمها فليرجع لمشروع كل حركة ويأخذ مشروعها ومنهجها المتمثل في الفكرة والطريقة والغاية وليعرض هذه المشاريع على العقيدة الإسلامية وسيظهر له الأمر ويتجلى.
لقد أصبح الدين عند البعض مقصورا على علاقة الإنسان بخالقه، وأنه التزام فردي؛ فقط فصوروا الإسلام بأنه دين كهنوتي كما هو حال الأديان السابقة، مع أن الإسلام من ذلك براء حيث الناظر في أحكامه ومعالجاته يجدها تعالج مشاكل الحياة جميعا، وإذا كان الحكم هو رأس السياسة فماذا نقول في قوله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ﴿ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون﴾، ﴿هم الظالمون﴾، ﴿هم الفاسقون﴾، ﴿وأن احكم بينهم بما أنزل الله﴾، ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم﴾... هذه هي المكانة الحقيقية للدين؛ أن يحكم الحياة بجميع مجالاتها وأن ينضبط سلوك الأفراد وفق أفكار ومفاهيم الدين.
أخيراً أنصح من يحمل فكرة فصل الدين عن السياسة أن يراجع نفسه وأن يقوّم أفكاره ومفاهيمه التي تحدد سلوكه في الحياة حسب أحكام وأنظمة العقيدة الإسلامية لا غير، وأن يعمل لأن يكون الإسلام هو أساس الدولة والمجتمع والدستور والقوانين ليرضي رب العالمين ولو أسخط الناس.
لقد كان بعض الناس ممن استهوتهم الشعارات ينتظرون من الحوثيين، (أنصار الله) كما يسمون أنفسهم، أن يطبقوا شرع الله وأن ينصروه بحق، لكن سرعان ما عرفوا أنهم ليس لهم من اسمهم نصيب، وهذا ما يظهر من هذه الأفكار والأعمال التي يقومون بها ليغدو الإسلام شعارا يحققون مصالحهم وأطماعهم من خلاله والله المستعان.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله القاضي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية اليمن