الخميس، 26 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

وعند اللهِ تجتمعُ الخصوم

 

قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّار﴾ [الزمر: 16]، وعن النبي e قال: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ؛ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ». (رواه الترمذي).

 

أن يظلم الناس بعضهم بعضا ليس غريبا بل يحدث عامة، لكن أن يقع الظلم وتهضم الحقوق داخل المحاكم حيث لجأ المظلوم للقاضي لينصفه فهذه مصيبة هذا الزمان الذي غاب فيه الإسلام عن نظام الحكم في بلاد المسلمين. وكثيرة هي القضايا وكثيرة هي المظالم التي لم تُحسم، والسائد عدم تحقق العدالة واسترداد الحقوق بسهولة، وبينما تسمع عن حقوق الإنسان وعن منظمات دولية تقتحم بلادنا لتضمن هذه الحقوق لكن الواقع أنها ليست أكثر من هرطقات إعلامية وتنفيذ أجندات سياسية تتحكم بها الأهواء البشرية في شريعة الغاب والبقاء للأقوى!

 

لقد حضرنا نطق القاضي بحكم المحكمة على امرأة مكلومة لم تتمالك نفسها فأخذت تنتحب وتصرخ، فالمصاب جلل والظالم هو زوجها ووالد أطفالها الذي طلقها، وحكمت المحكمة بطردها من بيتها هي وأولادها الصغار، ومع أن الوالد ملزم شرعاً بتوفير المسكن ونفقات المأكل والمشرب للأبناء في حضانتها بعد الطلاق، ويجب أن تبقى المطلقة فترة العدة في بيتها، وهذا حكم شرعي واضح لا خلاف فيه، ومع ذلك تجاهل القاضي بكل بساطة هذه الأحكام الربانية ليحكم بقوانين علمانية، والمصيبة أن كل من تجول في المبنى من محامين وقضاة لحظة النطق بالحكم ومن شهدوا صراخ المرأة ونحيبها المؤلم تحولوا إلى حالة الثلاثة قرود: لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم!! سكتوا جميعا على هذا الظلم بحجة الانصياع لسلطة القانون، لا يملكون من أمرهم شيئاً! وهذا الحكم الذي صدر لا يتغير أبداً ولا رجعة فيه (احتراماً للقوانين واللوائح بغض النظر عن كونها مجحفة) إذ حقق مصلحة الزوج الذي "كسب" القضية، وربما قبض القاضي والمحامي ثمناً لهذا الحكم الجائر، رشوة كبيرة من الزوج الظالم، فالقاضي يؤدي دور الكاتب ينسخ ويلصق؛ لا يختلف كثيراً عن دور الناقل، فهو لا يحكم بقوانين الله ورسوله بل يطبق اللوائح دون أن يفكر في مصادرها وصحتها من خطئها!

 

والسؤال: إن كانت الدولة توقع على اتفاقيات تضمن حرية المرأة ومساواتها بالرجل فكيف تحكم محاكمها ضد المرأة؟ والسبب في ذلك هو قوانين القضاء على التمييز ضد المرأة الغربية "الحقوقية" المزعومة كقوانين اتفاقية "سيداو" التي تنظر إلى هذه القضية نظرة الشماتة والفرح لهدم أسرة مسلمة ولتشريد الأطفال وطلاق المرأة وتشجع هذا الحكم في مثل هذه القضايا، بل إن هذه الاتفاقية تستهدف عفة وشرف وكرامة المرأة المسلمة وتُطبق قسراً على المسلمين لتهدم أركان الأسرة المسلمة فلا مكان للعدل ولا مكان للإنصاف في هذه المحاكم، فالقانون قانون علماني وُضع ليتسلط على رقاب الناس وليس ليرعى شؤونهم وليس لحل مشاكلهم وتسهيل حياتهم اليومية... وهذا القضاء الذي يفصل الدين عن الحياة يعمل فقط لخدمة الأجندات الغربية الاستعمارية الكافرة، فيه يتكلم المال ويسكت الشيطان الأخرس! فالحل في نظر سيداو الخبيثة هو "تمكين" هذه المرأة وجعلها، وإن أهملت أطفالها وبقوا بدون الأب وبدون الأم، جعلها تخرج يومياً من بيتها، تلهث لتحصيل لقمة العيش بعد أن تركها زوجها وحدها لتصبح في نظرهم الأخرق المرأة "الحرة المستقلة" التي "تنعم" بالمساواة مع الرجل، بينما هي تكابد وتعاني وتشعر بالظلم والقهر وبعدم الأمن والأمان... فيتسبب القانون الوضعي في مائة مشكلة أخرى للإنسان بدلاً من حل مشكلته، فهذا القضاء ليس هو للفصل في المسألة بالعدل الرباني بل لحماية انقلاب الموازين وازدواجية المعايير لتحقيق المصالح المادية وضمان استمرارية الخلافات لمدة طويلة جداً. والقضية بيد المحامي، فإن كان مُحسناً تقياً أخذ من المحاماة وظيفة لأنه مخدوع بأن هناك دستورا وقوانين وتشريعات عادلة في هذا النظام يهوّن على موكله مصيبته على الأقل، لكن إن وقع الأمر بيد محامٍ يرى أن وظيفته كسب قضيته وإن كان موكله هو الظالم زاد الظلم والقهر لأنه لن تنعقد جلسة إلا بوجود هذا العنصر الطفيلي داخل المحكمة. والأغلبية من المحامين هدفهم التكسب على حساب مشاكل الناس ولا دور لهم غير القبول على مضض بقرارات مصدرها دستور وقوانين بشرية تصدر من القاضي أو القاضية، دائماً ما تطيل عمر المظلمة ليكسب القاضي والمحامي والمنشأة والجهة القضائية الأموال على حساب المظلوم الذي لجأ مجبوراً ومقهوراً للقضاء بعد أن عِيل صبرُه من الظالم الذي يستعرض عضلاته ويستقوي على المظلوم بالنظام القضائي الفاسد الذي يعمل على نصرة الظالم على المظلوم! فالقضايا عادة تستمر لسنوات، وإن كانت قضايا عاجلة وإن كانت واضحة وإن كان الشرع يفصل فيها في غضون ربما دقائق؛ هي الوقت الذي يحتاج إليه القاضي لمعرفة الحكم الشرعي بمراجعة الفقهاء إن لم يكن يعرفه، ليفصل بين المختلفين ليعيد الحق إلى صاحبه ويرفع الإثم عن الظالم فينطق بالحكم الشرعي وينفض المجلس بعد أن يتخذ كافة التدابير التي تضمن تنفيذ الحكم الشرعي... بهذه البساطة، وبهذه الثقة، وبهذه السرعة وبدون الاستئنافات المتعددة التي تُعتبر من حق المدعى عليه. فالنظام القضائي الفاسد يضمن للظالم أن يستمر في ظلمه ولا يعينه على التوبة ولا على رد الحقوق، وفي الإسلام تُرفع دعوة المظلوم لله سبحانه مباشرة.

 

واحذر من المظلوم سهما صائبا *** واعلم بأن دعاءه لا يحجب

 

وفي النظام الفاسد الحالي السلطات ثلاثة أنواع (تنفيذية وتشريعية وقضائية). سلطات لا تخضع لحكم الله تعالى كما ينبغي ولا ترتبط بالحاكم، فهي دولة مؤسسات ووزارات لا تمت بصلة لأجهزة الدولة في الإسلام مما يفتح الأبواب للفساد، وكأنما لا يكفي هذا التناقض وعقيدة المسلمين في السلطات. وحتى القضايا أنواع؛ فهذه قضية شرعية وتلك مدنية وأخرى جنائية أو عسكرية أو أمن دولة... وتحتاج هذه المصنفات لشرح!

 

إن المسلم في ذهنه أن هناك حكماً شرعياً لكل أنواع القضايا وأن السلطة واحدة هي السيادة لشرع رب العالمين الذي يفصل بالحكم الشرعي المستنبط بالدليل الشرعي من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة في جميع الخلافات. ومع أن كل القضايا يجب أن تخضع للحكم الشرعي، فلم يخلُ نظام الإسلام من أحكام شرعية مفصلة تحدد من الذي يظلم ومن يكون المظلوم ويُحدد الشارع جميع الحقوق والواجبات في كل القضايا؛ الاقتصادية والاجتماعية والعقوبات، فكل القضايا قضايا شرعية، إلا أن الدستور والقوانين التي تُطبق اليوم في النظام القضائي ليست دساتير إسلامية ولا قوانين ربانية عادلة بل هي من مخلفات الاستعمار الغربي الكافر. ففي السودان مثلاً القوانين خليط من قوانين غربية بريطانية وأمريكية وأخرى هندية وشيوعية، مع إضافة بعض الأحكام الشرعية كقانون الأحوال الشخصية الذي أُلغي حديثاً لتحل محله قوانين اتفاقية "سيداو" المشؤومة، وكلها قوانين علمانية مستمدة من الغرب الكافر المستعمر وتُطبّق على المسلمين في المحاكم وفي جميع المنشآت، أحالت حياة المسلمين إلى حياة لا تُطاق وضنك في العيش، وهذه نتيجة حتمية للحكم بغير ما أنزل الله تعالى يتحمل مسؤوليتها في الدنيا وفي الآخرة كل من سنّ قوانين وضعية على هواه أو وقع على اتفاقيات أهل الكفر لتُطبق في المحاكم.

 

أما في الدولة الإسلامية، دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة القادمة بإذن الله، فيُطبق الشرع ويكون القضاء متصلاً بالحاكم ومبني على أساس الإسلام والحكم بما أنزل الله وعلى هدى رسول الله e فتُسترد الحقوق ويُنصر الإنسان إن كان ظالماً أو مظلوماً بتطبيق أوامر الله تعالى وباجتناب نواهيه، وجميع أنواع القضايا تخضع لحكم القرآن الكريم والسنة وما أرشدا إليه بالأدلة الشرعية المعتبرة:

 

جاء في كتاب مشروع دستور دولة الخلافة لحزب التحرير - دائرة القضاء (المواد 75 – 95):

 

"المادة 75 – القضاء هو الإخبار بالحكم على سبيل الإلزام، وهو يفصل الخصومات بين الناس، أو يمنع ما يضر حق الجماعة، أو يرفع النزاع الواقع بين الناس وأي شخص ممن هو في جهاز الحكم، حكاماً أو موظفين، خليفةً أو مَنْ دونه.

 

الأصل في القضاء ومشروعيته الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة: 49] وقوله: ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ [النور: 48] وأما السنة فإن الرسول e تولى القضاء بنفسه وقضى بين الناس، ومن ذلك ما رواه البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: (كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَالَ: ابْنُ أَخِي قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ e فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنُ أَخِي كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ»، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ e: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ»). وقد قلد رسول الله e القضاة فقلد علياً رضي الله عنه قضاء اليمن ووصاه تنبيهاً على وجه القضاء فقال له: «إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلاَنِ، فَلاَ تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلامَ الآخَرِ، فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي» رواه الترمذي، وأحمد، وفي رواية لأحمد بلفظ «إِذَا جَلَسَ إِلَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلا تَكَلَّمْ حَتَّى تَسْمَعَ مِنْ الآخَرِ كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الأَوَّلِ». فهذا دليل مشروعية القضاء، ويتبين من حديث عائشة عن الكيفية التي حصل عليها قضاء الرسول e أن سعداً وعبد بن زمعة اختلفا في ابن وليدة زمعة، فادعى أحدهما أنه ابن أخيه، وادعى الآخر أنه أخوه، وأن الرسول eأخبرهما عن الحكم الشرعي أن ابن وليدة زمعة أخ لعبد بن زمعة، وأن الولد للفراش، فيكون قضاؤه e إخباراً بالحكم الشرعي، وقد ألزمهما بهذا الحكم، فأخذ عبد بن زمعة الولد. وهذا دليل المادة الخامسة والسبعين، فإنها تعرف القضاء، وهذا التعريف وصف واقع ولكن بما أنه واقع شرعي، والتعريف الشرعي حكم شرعي، فلا بد له من دليل يستنبط منه، وهذا الحديث دليل تعريف القضاء الموجود في هذه المادة. وقد قال بعضهم في تعريف القضاء بأنه الفصل للخصومات بين الناس، وهذا التعريف قاصر من جهة، وهو ليس وصفاً لواقع القضاء كما ورد في فعل الرسول e وقوله من جهة أخرى، وإنما هو بيان لما يمكن أن ينتج عن القضاء وقد لا ينتج عنه، فقد يفصل القاضي في القضية ولا يفصل الخصومة بين المتقاضين، ولذلك كان التعريف الجامع المانع هو ما ورد في المادة وهو المستنبط من الأحاديث.

 

ثم إن هذا التعريف يشمل القضاء بين الناس وهو ما ورد في حديث عائشة. ويشمل الحسبة وهي: (الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر حق الجماعة)، وهو ما ورد في حديث صبرة الطعام. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟ قَالَ: أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» وفي رواية أحمد وابن ماجه والدارمي: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنِّا». ويشمل النظر في قضايا المظالم لأنها من القضاء وليست من الحكم إذ هي شكوى على الحاكم، وهي أي المظالم: (الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يقع بين الناس وبين الخليفة أو أحد معاونيه أو ولاته أو موظفيه، وفيما يقع بين المسلمين من اختلاف في معنى نص من نصوص الشرع التي يراد القضاء بحسبها والحكم بموجبها). والمظالم وردت في حديث الرسول e في التسعير إذ قال: «وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَلْقَى اللَّهَ وَلا يَطْلُبُنِي أَحَدٌ بِمَظْلِمَةٍ ظَلَمْتُهَا إِيَّاهُ فِي دَمٍ وَلا مَالٍ» رواه أحمد من طريق أنس بن مالك، وفي قوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ أَخَذْتُ لَهُ مَالاً فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْراً فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَقْتَصَّ مِنْهُ» أخرجه أبو يعلى عن الفضل بن عباس. قال الهيثمي وفي إسناد أبي يعلى عطاء بن مسلم وثقه ابن حبان وغيره وضعفه آخرون وبقية رجاله ثقات. مما يدل على أنه يرفع أمر الحاكم أو الوالي أو الموظف إلى قاضي المظالم فيما يدعيه أحد مظلمة، وقاضي المظالم يخبر بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام، وعليه يكون التعريف شاملاً للأنواع الثلاثة من القضاء الواردة في أحاديث الرسول e وفعله، وهي فصل الخصومات بين الناس، ومنع ما يضر حق الجماعة، ورفع النزاع الواقع بين الرعية والحكام أو بين الرعية والموظفين في أعمالهم."

 

"المادة 83: لا توجد محاكم استئناف، ولا محاكم تمييز، فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة، فإذا نطق القاضي بالحكم فحكمه نافذ، ولا ينقضه حكم قاضٍ آخر مطلقاً إلاّ إذا حكم بغير الإسلام، أو خالف نصاً قطعياً في الكتاب أو السنة أو إجماع الصحابة، أو تبين أنه حكم حكماً مخالفاً لحقيقة الواقع.

 

 هذه المادة تبين أن حكم القاضي لا ينقض لا من قبله هو ولا من قبل قاضٍ آخر غيره، والدليل على أن حكم القاضي لا ينقض أن الصحابة أجمعوا على ذلك، فإن أبا بكر حكم في مسائل باجتهاده وخالفه عمر ولم ينقض أحكامه، وعلي خالف عمر في اجتهاده فلم ينقض أحكامه، وأبو بكر وعمر خالفهما علي فلم تنقض أحكامهما. أخرج ابن أبي شيبة في المصنف عن سالم قال: "جاء أهل نجران إلى علي فقالوا يا أمير المؤمنين كتابك بيدك وشفاعتك بلسانك أخرجنا عمر من أرضنا فارددنا إليها فقال لهم علي ويحكم إن عمر كان رشيد الأمر ولا أغير صنعة عمر".

وروي أن عمر حكم في الْمُشَرَّكَة بإسقاط الإخوة من الأبوين. ثم شرَّك بينهم وقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا. وأنفذ الحكمين مع تناقضهما، ذكر ذلك ابن قدامة في المغني، والبيهقي عن الحكم بن مسعود الثقفي. وقضى في الجد بقضايا مختلفة ولم يردَّ الأولى، كما ذكر ذلك البيهقي في السنن الكبرى. وأما ما روي أن شريحاً حكم في ابني عم، أحدهما أخ لأم، أن المال للأخ، فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال: علي بالعبد، فجيء به، فقال: في أي كتاب الله وجدت ذلك؟ فقال: قال الله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ [الأنفال: 75] فقال له علي قد قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ﴾ [النساء: 12] ونقض حكمه، كما ذُكر ذلك في بعض الروايات، فقد أجاب ابن قدامة على ذلك في المغني في كتاب القضاء بقوله: (لم يثبت عندنا أن علياً نقض حكمه، ولو ثبت فيحتمل أن يكون علي رضي الله عنه اعتقد أنه خالف نص الكتاب في الآية التي ذكرها فنقض حكمه). ولقد ثبت أن الصحابة قد حكموا في مسائل باجتهادهم، وكان يخالفهم في ذلك الخليفة في عهد أبي بكر وفي عهد عمر وفي عهد علي ولم ينقض أحدهم حكم الآخر، والثابت أن عمر قد حكم أحكاماً متباينة في مسألة واحدة وأنفذ كل الأحكام، وثبت أنه قال في ذلك: "تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا" ذكر ذلك ابن قدامة في المغني والبيهقي عن الحكم بن مسعود الثقفي، وهذا كان للدلالة على عدم نقض أحكام القضاة. قال ابن قدامة في المغني: "وأما إذا تغير اجتهاده من غير أن يخالف نصاً ولا إجماعاً، أو خالف اجتهاده اجتهاد من قبله، لم ينقضه لمخالفته؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على ذلك."

 

من هاتين المادتين فقط نفهم الكثير عن تطبيق الشرع في نظام الحكم وتأثيره وتطبيقه على دائرة القضاء، فهذه المواد مصدرها القرآن والسنة وهي قوانين رب العالمين فالأصل أن تُطبق على الناس حتى يعم العدل وإلا استمر هذا الانحدار الذي تعيشه البشرية جمعاء حيث تلوث أقوى جهاز يحتاجه الناس للعيش بسلام وسيطر عليه المنافقون اللئام بدلاً من الأتقياء الكرام، فالحل الوحيد هو العمل لإقامة دولة الخلافة دولة رعاية الشؤون التي وُضع دستورها ووُضعت قوانينها لتسهيل حياة الناس ولمعالجة مشاكلهم وتنظيم أمورهم وللارتقاء بهم.

 

وأخيراً نذكر القضاة والمحامين الذين سخرهم الله تعالى في مناصبهم هذه أن يوم القيامة آتٍ وأنه يوم الفصل:

 

 قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ [الأنبياء:47]. فحتى لو أخذ الظالم حقوق غيره بواسطة المحاكم والمحامين فإنه يوم القيامة سيحاسب وسيؤدي الحقوق هذه رغما عنه وسيدفعها من حسناته في محكمة قاضي السماء الذي حرم الظلم على نفسه.

 

فَوَيْلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْلُ *** لِقاضِي الأَرْضِ منْ قَاضِي السَّماءِ

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

غادة محمد حمدي – ولاية السودان

 

 

1 تعليق

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj السبت، 07 كانون الأول/ديسمبر 2019م 00:10 تعليق

    اللم يسر للأمةسبيل الخلاص من الظلم والظلمات

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع