- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاد العمّال المهاجرين يكبرون بدون رفقة آبائهم
يعيش أكثر من 13 في المائة من سكان قرغيزستان ويعملون خارج وطنهم، ومعظمهم في روسيا.
قرغيزستان لديها اقتصاد يعتمد على العمال المهاجرين لمختلف أنحاء العالم إذ تشكل التحويلات ثلث الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. ومع ذلك، فإن المشكلة الرئيسية لا تتعلق بالاقتصاد؛ فالجيل بأكمله، الذي يخضع لرعاية الأقارب في البلاد غالباً ما يكونون ضحايا لحوادث العنف أو الإهمال.
"مدينة" فتاة صغيرة بقيت مع أشقائها الثلاثة الذين تتراوح أعمارهم بين الرابعة والخامسة والإحدى عشرة في رعاية الجدّة التي تبلغ الرابعة والخمسين من العمر لأنّ أباها وأمها اضطّرا للسفر إلى روسيا لكسب المال. فالراتب لم يكن يكفي لسد حاجات الأسرة ولمّا رجعا إلى بلدهما بعد عدّة أشهر كان ينتظرهم دفن ابنتهما مدينة ذات الثماني سنوات التي سقطت وانكسرت يدها. ولم تقدر جدتها على حملها للمستشفى إلا بعد عدة أيام لأنها لم تكن عندها سيارة والمستشفى بعيدة خمسة وثلاثين كيلومترا عن القرية. بسبب ذلك بدأ القيح في يدها وماتت في الطريق قبل الوصول.
وفاة مدينة ليست هي الحالة الوحيدة، إذ هناك الكثير من مثل تلك الحوادث في قرغيزستان. مثلا في نهاية العام الماضي، هزت أخبار وفاة مجموعة من الأطفال الصغار البلاد كلها. إذ توفيت طفلة تبلغ من العمر عامين في المقاطعة الشمالية "تشوي"، وفي مدينة "نارين" اغتصبوا فتاة عمرها أربع سنوات ثم قتلوها هي وأخوها ذا السبع سنوات وكذلك الجدة، أمّا في محافظة "إسِّق كول" فقد توفي صبي يبلغ من العمر عامين ضربته خالته لأجل بوله على الفراش، وكلهم كانوا أبناء مهاجرين.
بالطبع، لا يحدث العنف والحوادث فقط في أسر المهاجرين. ومع ذلك، يقول الخبراء إن الأطفال الذين تركوا دون رعاية الوالدين ينمون في ظروف قاسية أشّد من غيرهم. فكثيرون منهم بسبب غياب رعاية الأم والأب لا يتغذُّون تغذية جيدة أو يجدون حتى من يغيرّ حفاظاتهم. وقبل ذلك حتى إن كثيرا منهم ولدوا في ظروف قاسية. يقول نازغول تيردوبكوفا، مدير مؤسسة رابطة حماية حقوق الطفل: "لقد عاش هؤلاء الأطفال في موقف صعب حتى قبل مغادرة آبائهم إلى بلد آخر".
ووفقا للبيانات الرسمية الأخيرة، يعيش 1.6 مليون قرغيزي تحت خط الفقر - أي حوالي 27 بالمائة من سكان البلاد. معظمهم (72٪) يعيشون في المناطق الريفية.
ورغم كون نسبة أطفال المهاجرين في قرغيزستان متضاربة إلا أنه وفقا لوزارة التنمية الاجتماعية في قرغيزستان، يبلغ عدد هؤلاء الأطفال حوالي 72 ألفا. كما أفادت اليونيسف أن هناك 199.000 طفل يعيش في ظل غياب آبائهم المهاجرين وأنّ هناك 299.000 طفل أحد أبويهم يعمل في الخارج.
صحيح أنه في العصر الحديث لا يمكن منع الهجرة، لكن المهاجرين عليهم التنقل مع أسرهم، كما يقول عالم الاجتماع جولنورا إبيريفا: "الزوجان اللذان يسافران إلى روسيا لا يمكن أن يصطحبا أولادهما معهما بسبب سوء الظروف الموجودة في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، في معظم الحالات، الزوج والزوجة يجبران على العيش في شقق منفصلة، ويلتقيان معا أحيانا". وهناك من الأمهات من تعرضت للصعوبات حتى اضطرت لترك مولودها في مستشفيات الولادة في روسيا.
حسب مصلحة الدولة للهجرة، فإنّ حوالي 45 في المائة من المهاجرين من قرغيزستان هم من النساء. ويشير مؤلفو التقرير الصادر في الغرض إلى أن الهجرة لا تؤثر فقط على حياة المهاجرين، ولكن أيضاً على أفراد الأسرة، ويتعرض تقرير المنظمة الدولية للهجرة، للآثار السلبية لهجرة النساء - من تغير نظرة المجتمع، والصراعات مع السكان المحليين، وانهيار الأسر، وتصدع العلاقات الأسرية.
"وقد جعل الشرع المرأة أُماً وربة بيت، فجاءها بأحكام تتعلق بالحمل، وأحكام تتعلق بالولادة، وأحكام تتعلق بالرضاع، وأحكام تتعلق بالحضانة، وأحكام تتعلق بالعدة. ولم يجعل للرجل شيئاً من ذلك، لأن هذه أحكام تتعلق بالأنثى بوصفها أُنثى، فألقى عليها مسؤولية الطفل من حمل، وولادة، وإرضاع، وحضانة. فكانت هذه المسؤولية أهم أعمالها وأعظم مسؤولياتها. ومن هنا يمكن أن يقال إن العمل الأصلي للمرأة هو أنها أُم وربة بيت، لأن في هذا العمل بقاء النوع الإنساني، ولأنها قد اختصت به دون الرجل. وعليه فإنه يجب أن يكون واضحاً أنه مهما أُسند للمرأة من أعمال، ومهما ألقي عليها من تكاليف، فيجب أن يظل عملها الأصلي هو الأمومة، وتربية الأولاد. ولذلك نجد الشرع قد سمح لها أن تفطر في رمضان وهي حامل أو مرضع، وأسقط عنها الصلاة وهي حائض أو نفساء، ومنع الرجل من أن يسافر بابنه من بلدها ما دامت تحضنه، كل ذلك من أجل إتمام عملها الأصلي، وهو كونها أماً وربة بيت." من كتاب "النظام الاجتماعي في الإسلام".
اليوم نساء قرغيزستان لا يستطعن أن يتممن عملهن الأصلي؛ لأنّ القائمين على الدولة لا يطبقون الأحكام الشرعية. فالبلاد مُلِئت بالمشاكل؛ الفقر، البطالة، الأمراض، النقص في مجال التعليم، العنف والمشاكل الأسرية وكذلك حرمان الأولاد من رعاية أهاليهم بسبب اضطرارهم لكسب لقمة العيش خارج البلاد.
فإلى متى ستستمر هذه الأحوال والمشاكل، بينما بلادنا غنية بالمواد الطبيعية والأراضي الخصبة والظروف الطبيعية ملائمة لازدهار كل المجالات الزراعية مثل النحالة، والبستنة وزراعة القطن، وتربية الماشية والغنم؟!
إنّ العمال المهاجرين يستطيعون توفير الحاجات الضرورية من مأكل وملبس ومسكن لأولادهم بفضل السفر خارج البلاد، ولكنهم لا يستطيعون ضمان رعايتهم ومحبتهم وصحبتهم في ظل غياب الوالدين. إنّ هذا السؤال سيبقى دائما بدون جواب. فحكام قرغيزستان لا يسمعون أصوات أولاد المهاجرين مثل عمر بن الخطاب الذي سمع صوت بكاء المولود الذي لم ترضعه أمه لكي تأخذ مال الفطام وحل كل مشاكل أولاد المرضعات. أما اليوم فنحن نعيش تحت حكم الدمى الذين لا يتقون الله بل يخافون أسيادهم الكفار. وحتى لا تنهض الأمة الإسلامية فهم يغرقونها في الفقر والبطالة والجهل ويبذلون كل جهودهم حتى يظل مسلمو قرغيزستان منغمسين في كسب لقمة العيش فقط.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
مخلصة الأوزبيكية