- الموافق
- 1 تعليق
بسم الله الرحمن الرحيم
مؤتمر دور التعليم في مكافحة (الإرهاب)
القضية هي القرار من يتخذه
تعقد منظمة التعاون الإسلامي ممثلة في مركز صوت الحكمة، وجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، تعقد مؤتمر "دور التعليم في مكافحة (الإرهاب والتطرف)" بمشاركة إسلامية واسعة، وذلك خلال الفترة ٩-١٠ نيسان/أبريل الحالي، وصرح الأمين العام للمنظمة، يوسف بن أحمد العثيمين، أن عقد المؤتمر يأتي في ظل تنامي ظاهرة (التطرف) العنيف التي باتت تؤرق العالم الإسلامي خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وأنه من المهم النظر في تجارب المناهج التربوية من أجل التصدي لتوغل هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا، حيث إن كل فعل عنيف أو تطرف في المجتمع هو وليد بناء فكري مشوّه، تطور وتغلغل في الظل بعيداً عن الرقابة وعن القيم الإيجابية التي تبثها المدرسة الحديثة والمناهج التعليمية الرسمية.
من جهته، أشار مستشار الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي في مركز صوت الحكمة الدكتور محمد شهيم، إلى أن الهدف من المؤتمر هو "بحث دور التعليم في مكافحة (الإرهاب)، وكون (الإرهاب) ظاهرة فكرية لا تواجه إلا بالفكر، سيتم عرض التجارب الرائدة لعدد من الدول التي نجحت في هذا المجال واستخدمت التعليم لنبذ (العنف والتطرف) وتنقية الأفكار". (وكالة السودان للانباء 2019/4/1م).
ما هو الهدف من إطلاق مصطلح محاربة (الإرهاب) وتداوله بهذه الكثافة خاصة من المؤسسات الإسلامية؟ وما هي حقيقة الحرب على (الإرهاب)؟ وما الهدف الأساس من هذه المؤتمرات؟ وأي مصلحة يجنيها المسلمون من محاربة هذا (الإرهاب)؟ ولماذا ربط بالتعليم؟ وأي تعليم هو المعني؟ ولماذا يقتصر إلصاق هذا المفهوم بالإسلام والمسلمين؟! ولماذا تدار الحروب باسمه فقط على المسلمين وبلادهم؟ إن هنالك مغالطةً كبرى وتدليساً سياسياً أكبر أخفى وراءه وما زال يخفي حقيقة أمر (الإرهاب) والحرب عليه، وهذا ما سنسرده في هذا المقال.
دارت حروب طاحنة بين دول العالم في التاريخ الحديث لكن لم تضع أي دولة هدفاً لما يسمى محاربة (الإرهاب)، وهذه الحروب الطاحنة تدور بين الدول وتحصد ملايين البشر، ولم يعلن يوماً أنها لمكافحة (الإرهاب)، لكن اليوم كل الحروب التي تشن ضد (الإرهاب) هي فقط في بلاد المسلمين، وأصبح (الإرهاب) ومكافحته حديث المشايخ وغيرهم في الفضائيات وعبر الإنترنت وتقام له المؤتمرات والندوات وتسن له القوانين وتغير مناهج التعليم...
ولكي نعرف حقيقة (الإرهاب) لا بد من مقدمة تاريخية نتقصى فيها بداية إطلاق هذا المصطلح واستخدامه من الساسة في العالم. فبعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945م، تغيرت الخارطة السياسية والعسكرية وصار حلفاء الحرب أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، التي أُنشئت حينها لتعزيز التعاون الدولي فيما بينهم ومنع الصراعات في المستقبل، وتم تشكيل حلفين هما شمال الأطلسي "الناتو" بزعامة أمريكا، والتي أصبحت الدولة الأولى، ثم تلاه تشكيل حلف وارسو لمواجهة التهديدات الناشئة من أعضاء حلف شمال الأطلسي (الناتو). هذا التغير في الموقف الدولي مهَّد الطريق لحرب باردة وظهرت الندية بين القوتين العظمتين من خلال التحالفات العسكرية والدعاية وتطوير الأسلحة والتقدم الصناعي وتطوير التكنولوجيا والتسابق الفضائي.
واللافت أن القوتين كانتا تسعيان نحو التهدئة وتجنب المواجهات العسكرية المباشرة لضخامة الأسلحة النووية التي تملكها كلا الدولتين، وفي 1991م انهار الاتحاد السوفيتي تاركاً أمريكا القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب دون عدو يدفعها للخروج بجيوشها والانتشار في العالم وبدون هذا العدو يمنع الدستور الأمريكي الجيش من المشاركة في أي حرب، وهذا ما اختصره غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفيتي حينما خاطب الأمريكيين قائلا: "سأحرمكم من شيء ستندمون عليه، ألا وهو العدو".
فكان على صانعي الاستراتيجيات السياسية أن يبحثوا عن عدوٍ بديل للشيوعية، بعد أن أدركوا أن خللاً ما أصاب مسيرتهم وهو أن غياب العدو الاستراتيجي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي خطرٌ على الأمن القومي الأمريكي والذي بسببه ستلف جيوش أمريكا العالم وتسيطر عليه، فقد سُئل زينجو بيرزينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق "كارتر"، هل هو من أنصار نظرية المؤامرة في ما يخص أحداث 11 أيلول/سبتمبر؟ فأجاب قائلا: "نعم، نعم، تعودنا على أن يكون لنا عدو كل سنة".
وأصبحت أمريكا تسوق لنظام عالمي جديد خلال التسعينات تكرس من خلاله هيمنتها على العالم، وبعد حادثة انهيار مركز التجارة العالمي في أيلول/سبتمبر من عام 2001م، ثارت ثائرة أمريكا بإعلان الحرب على (الإرهاب) وهو تنظيم القاعدة في أفغانستان الذي نسبت له هذه الهجمات! وكما ساهم ذلك في حشد الرأي العام الأمريكي بضرورة الذهاب بعيداً لمحاربته! فكانت حرب أفغانستان والعراق، وخارطة طريق لشرق أوسط جديد وشمال أفريقيا.
وفي مؤتمر صحفي في البيت الأبيض في 2006/10/11م ذكر بوش الخلافة مرات عدة فقال: إن وجود أمريكا في العراق هو من أجل منع "إقامة دولة الخلافة التي ستتمكن من بناء دولة قوية تهدد مصالح الغرب"، وإن المتطرفين المسلمين يريدون نشر "أيديولوجيا الخلافة" (أي فكر الخلافة) التي لا تعترف "بالليبرالية ولا بالحريات" وأنهم يريدون حسب زعمه "إرهاب العقلاء والمعتدلين وقلب أنظمة حكمهم وإقامة دولة الخلافة"، وأن "مغامرة الرحيل عن العراق ستمنح المتطرفين الفرصة للتآمر والتخطيط ومهاجمة أمريكا واستغلال الموارد التي ستمكنهم من توسيع رقعة دولة الخلافة". وهذا يعني بالضرورة أنهم ما جاءوا لاحتلال العراق بحثاً عن أسلحة دمار شامل كما كذبوا على العالم كله.
هذه الأحداث أوجدت لأمريكا عدواً محدداً خارج حدودها، عدواً يؤهلها لإقناع شعبها ببقاء قواتها خارج الحدود أو الخروج بقواتها والانتشار بشكل أوسع من ذي قبل. إذن تم تحديد العدو الجديد وهو الإسلام والمسلمون باسم (الإرهاب).
وفي يوم 16 آذار/مارس 2019م، أعلن وزير داخلية إيطاليا ماتيو سالفيني، أن التطرف الوحيد الذي يجب الحذر منه هو "الإسلامي"، وذلك على خلفية "مجزرة المسجدين" التي راح ضحيتها 49 شهيداً في نيوزيلندا، حيث قال: "إذا كان هناك نوع من التطرف الذي أضعه كهدف لي في وزارة الداخلية، فهو التطرف الإسلامي".
أما توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق فقد قال في المؤتمر العام لحزب العمال بتاريخ 2005/7/17م "إننا نجابه حركة تسعى إلى إزالة دولة (إسرائيل)، وإلى إخراج الغرب من العالم الإسلامي، وإلى إقامة دولة إسلامية واحدة تحكم الشريعة في العالم الإسلامي عن طريق إقامة الخلافة لكل الأمة الإسلامية"، وحذر في حديث آخر من أن "تحكيم الشريعة وإقامة خلافة واحدة في بلاد المسلمين وإزالة نفوذ الغرب منه هو أمر غير مسموح ولا يمكن احتماله مطلقاً".
أما رئيس فرنسا ساركوزي وفي أول خطاب له في 2007/8/27م، فحذر من قيام دولة الخلافة التي ستمتد حسب تعبيره من "إندونيسيا إلى نيجيريا".
لعل الأمة لها قابلية فهم تصريحات زعماء الغرب عن مكافحة (الإرهاب)، الذي يعني عندهم الإسلام ومشروعه الحضاري، ولكن حكام المسلمين اليوم، ومؤسساتهم المسماة إسلامية يبحثون في التعليم الذي يؤدي إلى (الإرهاب)، وهم يعنون حذف كل ما له علاقة بالإسلام في مناهج التعليم، تذرعا بمكافحة (الإرهاب)، خدمة للغرب لعله يرضى، لأن الغرب يعي تماماً أن مناهج التعليم وما تحويه هي الآليات التربوية التعليمية التي تكوّن للأفراد شخصياتهم الإسلامية المتكاملة وبذلك ينتقل الأثر إلى الأمة بأكملها لتعيش وفق ثقافتها وثوابتها والقيم الأساسية التي تكوّن فلسفتها، لذلك يحرض الغرب على تغيير المناهج في بلاد المسلمين وينبه كل الخاضعين له...
ما سمعناهم يعقدون مؤتمراً لتعديل مناهجهم في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، لتكون على أحدث ما يمكن أو تعديل للمناهج بصورة تحيي آمال الأمة وآمال الشباب في نهضة الأمة وفي تحرير الأمة أو تعديل المناهج باتجاه ثقافة الأمة الواحدة التي تطبق شرع ربها وتحمله للعالم رسالة هدى ونور، لأن القضية الأساسية هي قضية القرار من يتخذه، فلم يتم الحديث عن قضية تغيير المناهج إلا حينما طالبت أمريكا بها، والكل تداعى هكذا بقرار سياسي وفي يوم وليلة وكأن كل ما مضى من مناهج تستحق أن تُنسَف نسفا. ففي 24 أيلول/سبتمبر 2003 قامت إيلينا رومانسكي مسؤولة ما يسمى ببرنامج مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية بزيارة لدول الخليج وقالت في تصريحات كثيرة منها لا توجد فسحة لسردها (من الآن فصاعدا لا للكراهية وعدم التسامح والتحريض ونحن نحاول أن نعيش معا وأي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه يجب تغييره)، وأضافت أنه (إذا كانت الحكومات والمجتمعات تريد رؤية مثل هذا التغيير وتود الحصول على نظام تعليمي يوفر المهارات وفرص العمل والمنافسة فإننا سنمد يدنا للمساعدة وأؤكد لكم نعم نود إزالة كل المواد السلبية من النصوص الدينية). ونشرت الشرق الأوسط أن إدارة بوش قررت تخصيص مبلغ 145 مليون دولار لميزانية العام 2004 لتشجيع التعليم العلماني في العالم العربي، فما تعليقك؟
إن مصطلح (الإرهاب) أينما أطلق لا يعني إلا محاربة الإسلام ومشروعه وهو بناء دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ومن يعمل لها!! هذا هو (الإرهاب) الذي صنعوه كعدو لهم ليحاربوه، باسم نشر الحرية والعدل والمساواة ليُدَلِّسوا على شعوبهم بأن الإسلام هو عدو لهم، يقول الحق سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ﴾.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذة/ غادة عبد الجبار أم أواب – الخرطوم
1 تعليق
-
بوركت لهذه المقالة الدقيقة والثرية ,جزاك الله كل خير