الجمعة، 27 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 2 تعليقات

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

حرائر تونس، يرفضن الوصاية ويتقن إلى عدل الإسلام

 

هذه ليست المرة الأولى التي تعقد فيها الوزارة المختصة في شأن المرأة مؤتمرا خارج البلاد، وفي كل مرة يحاولون إقناع المتابعين بحرصهم على قضايا حقوق وحريات المرأة وأنهم أنجزوا المشاريع وحققوا البرامج وتفاعلوا مع الإحراجات التي تتعرض إليها المرأة التونسية بنجاعة، وهذا بالطبع أمر يتجلى ظاهريا وشكليا. أما الحقيقة فهي ما يخالف ذلك تماما؛ إذ يجب أن نطرح تساؤلات جوهرية عدة حول الحدث الذي يتمثل في انعقاد مؤتمر للوزارة بجامعة السوربون - فرنسا.

 

فعن عضو منظمة المرأة العربية في مداخلة لها: "نعتز بالوقوف إلى جانب الجمهورية التونسية في هذا النشاط الذي يندرج ضمن إطار عام حافل بالفعاليات والذي يختتم سنة كانت فيها تونس عاصمة للمرأة العربية".

 

عام حافل من الفعاليات أم حافل بسن القوانين الفاسدة والتي لا ترتقي إلى مستوى تطبيق عملي على أرض الواقع؟!! فهي مجرد قوانين نظرية ترقيعية لا تلامس مشاكل وواقع المرأة التونسية في شيء! حيث تسجل الدولة سنويا أرقاما مرتفعة عن حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي ( 8حالات اعتداء جنسي كل شهر سنة 2018).

 

هذه الحالة الهستيرية من الاعتداءات والانتهاكات ضد المرأة لا تتوقف بما أن النظام بأجهزته التشريعية والتنفيذية لا يتخذ وسائل ردع إلا بعقوبات لا تقل عن سنوات سجن أو إلزام بالزواج من الضحية، وهذا اغتصاب ثان!!!

 

ونسلط المنظار أيضا على شركات معنونة ومقننة تشرف على بعث الفتيات القصر (سمسرة) إلى بؤر الاضطهاد والاستغلال المادي والمعنوي والجسدي (معينات منزليات أو راعيات أطفال)، بينما من حقهن المشروع تعليم ورعاية نفسية وعيش كريم في كنف أسرة متوازنة... رغم ذلك فإن وزارة المرأة لم تصدر أي فعل ضد هذه العصابات المقننة تدين به اعتداءهم على المرأة والطفولة!

 

ضروري أيضا أن أذكر ما تسميهن الدولة بالنساء الكادحات، هذه التسمية التي تمنحهن طاقة نفسية أكثر للعمل والعطاء فيغفلن عن طلب وافتكاك حقوقهن التي أعطى الله عز وجل "عرض يجب أن يصان"... هذه المرأة الكادحة، كما وصفوا وألصقوا فيها التسمية حتى يمددوا في عمر استغلالها، هي نفسها التي تعمل لأكثر من اثنتي عشرة ساعة تاركة أطفالها الذين يحتاجون إلى ساعات مهمة من الحب والعطاء والتربية السليمة عسى أن تكون فيهم شخصيات متوازنة وسوية وصالحة للتفاعل مع المجتمع والأمة، كذا فإن المرأة التي جبل فيها الله عز جلاله فطرة الأنوثة فإنها بذلك تكون ربة بيت وعرضاً يجب أن يصان، وهذه الصفة التي نعتبرها تزكية وتكريما للمرأة، لا ذلة واستنقاصا من كينونتها كما تزعم هجمات الفلسفة النسوية؛ فهي لا تنزع منها حقها في طلب العلم والعمل وتحقيق النجاحات الاجتماعية التي تطمح وتريد، بل هو أمر واجب في الإسلام، فبنهضة المرأة تنهض الأمة وبسقوطها جسديا وفكريا تسقط الأمة لا قدر الله، وهذا حقيقة ما يخطط له أعداء الإسلام لا في صفته كدين بل في حقيقته كنظام حياة وعيش يكفل للمرأة حقوقا تعز بها وترتقي.

 

لماذا السوربون فرنسا؟

 

من النظر السطحي أن نطرح هكذا سؤال على غير القصد الاستنكاري، فليس بالجديد على أهل تونس أن تتدخل فرنسا في شأنها الداخلي بسن القوانين وتعيين "الكوادر" لتعمل سرا على مصالح الحكومات الغربية ويتستر كل هذا الاستهجان في إطار "التعاون الدولي".

 

فعن وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن "نزيهة العبيدي" في خطابها بجامعة السوربون: "لم نختر السوربون لعقد هذا المؤتمر جزافا، بل كان اختيارا بعد تفكير عميق، فهذا تمثال "السوربون"، امرأة تغرس سيفا في الأرض وذلك دلالة على أنها تدين الحرب، وهذه الكتب منتشرة حولها دلالة على أنها رمز للعلم والثقافة". إضافة إلى تصريح عضو منظمة المرأة العربية تفصح فيه عن الآتي: "...تحية لها لأنها سعت إلى عقد هذا اللقاء خارج العالم العربي كعربون انفتاح نحن العرب على العالم ولأن مجال قضايا المرأة يمكن له أن يتحول من مجال مواجهة بين الشرق والغرب، بين الشمال والجنوب إلى مجال للتفاهم والتفاعل والتلاقي خاصة من خلال تفكيك الصور النمطية السائدة حول الآخر، حول المرأة العربية، حول المرأة الغربية وحول المرأة بصورة عامة أو بصورة خاصة في الإسلام".

 

فعلى حد التصريحات المنقولة عن المؤتمر فإن فرنسا، "التاريخ الأسود وفنون التعذيب" ترتدي ثوبا أبيض للسلام والانفتاح والتسامح، هي نفسها من لقنت ساسة تونس ومن تعاقبوا على حكمها من الاستعمار؛ كل قواعد الجلد والسلب والتغريب، فرنسا مهد القوانين المسمومة التي ترتهن البلاد اقتصاديا وفكريا بالضغط على عملائها من أجل عمالة أنجع وضمان أرضية مناسبة لبسط نفوذها الثقافي والحضاري والاقتصادي (مثال ذلك النظام الفرنكفوني الذي ازداد تشددا وانتشارا بتونس ليصبح "فرنكفولية La Francfolie" الذي يُعَلْمِنُ الشباب ويصهرهم في قبضته)، متبعة سياسة الكاهنة البربرية المشهورة فتحرق ما وراءها من يافع وخصب (سياسة الأرض المحروقة)، ثم إن الغاية معلومة والسؤال عنها بدعة، قال الله عز وجل: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾، فتحت ما يسمى بالتسويات والعلاقات الدبلوماسية تستولي فرنسا على البلاد التونسية سنة 1881، وتحت إجراء المعاهدات تخرج هذه الخبيثة ما بجعبتها في ورقة واحدة "معاهدة باردو" لتعلن الوصاية على تونس (معاهدة الحماية)، وإلى الآن لن ترضى عنك فرنسا حتى تنهب ثروات البلاد جهارا نهارا، وتحت ما يسمى بعقد المائة سنة (نهب مقنن للملح التونسي) الممضى منذ سنة 1949 تستغل فرنسا ثروات الملاحة بثمن زهيد جدا لا يزيد عن الفرنك دون رقيب ولا حسيب ودون إعادة النظر في العقد إلى يومنا هذا! وحتى لو حصل ذلك هذه الأيام فهي مجرد محاولة إلهاء وترقيع وترويض مؤقت للحملات الشعبية التي تطلق لأجل استرجاع الثروات أو يقع استعمال العمليات الإرهابية والأحداث السياسية الفجائية بشكل هستيري عجيب يصرف صاحب الحق عن افتكاك حقه.

 

ولن ترضى عنك فرنسا حتى تمتص من الثروات الطاقية والمنجمية للبلاد، مثال ذلك تركز شركة OIL PRIME الفرنسية للتنقيب عن البترول، وكذا عدة شركات أخرى من أصل بريطاني أو دنماركي خاصة دون مراقبة من الدولة، شركات ترتع في أراضي تونس وتستنزف من ثرواتها وأياديها العاملة.

 

وكذا لن ترضى عنك فرنسا وخليلاتها حتى تتبع ملتها؛ إذ إن التاريخ حافل بملاحمها وقصفها ضد شعب تونس والجزائر وسوريا وإطلاقها لجندها يستحيون نساء الأمة ويذبحون الأطفال، مهدمين آثار الحضارة الإسلامية بمدافعهم لا حاملين لواء سلم ولا تسامح ولا لواء سوربوني كما يزعمون اليوم! نعم هي نفسها فرنسا اليوم لكن بحلة جديدة تلعب فيها الوثائق والمؤتمرات والمحاضرات "الثقفوتية" دورا جوهريا في إبادة سيادة الشعب التونسي المسلم خاصة والأمة الإسلامية عامة.

 

اليوم ضاقت بهم السبل والأمكنة ليعقدوا مؤتمرا اختتاميا بفرنسا، ذا طابع احتفالي يذكرني جدا بمشهد الديك الذي يرقص مذبوحا وكل هذه الأجراس الرنانة بزعم أن السوربون هي أرض سلام وسلم! فإن كان كذلك حقيقة فما يكون عندكم النهب والتعدي على حقوق الناس؟!! أم هل اندثرت الكفاءات السياسية والأدمغة المختصة والخبراء عندنا حتى نلتجئ إلى الحكومات الفرنسية التي هي بعينها تتصدى بكل وسائل العنف المعنوي والجسدي ضد شعبها، ومن هذا الحديث أشير إلى حركة السترات الصفراء الثائرة ضد نظام رأسمالي وحشي يستغل الإنسان ثلبا وسلبا وتغريبا فيدني به من رقي الإنسانية إلى دنو الشيء والمادة!

 

ثم لتبادر ارتهانا هذه المنظومة الفاسدة نفسها بتمكين اقتصادي للمرأة التونسية؟!!

 

تمكين اقتصادي أم كمين اقتصادي؟

 

"تمكين اقتصادي" عبارة لغوية لا بأس بها تحمل حسنا في ذاتها، ولكن بصفة آلية تتحول إلى قبح وخبث سياسي إذا ما جادت بها فرنسا على المرأة التونسية، فكما صرحت وزيرة المرأة فإن فرنسا تتدخل مساعدة لتونس بتمكين اقتصادي للمرأة يتمثل في:

 

* توفير أكثر فرص عمل ببعث مشاريع صغرى وأخرى كبرى تتمثل في بناء مصانع.

 

* منح وقروض مالية لتمويل المشاريع الصغرى.

 

* ضمان استقلالية مادية للمرأة التونسية حتى لا تخنع لدخل مادي ضعيف من رجل لتتجلى كل هذه النقاط في إطار حماية حقوق المرأة وحرياتها لتدرج مباشرة في ملف المساواة التامة بين الجنسين.

 

نعم، لقد عالجت فرنسا كل مشاكل المرأة الفرنسية لتلتفت حانية عنقها التفاتة تمثال "السوربون"، سلم وتسامح كما زعموا، إذاً فإليكم إخوتي وأخواتي بعض الإحراجات التي تعيشها المرأة الفرنسية:

 

* بعض الشركات الفرنسية تؤجر المرأة بنسبة 6% أقل من أجرة الرجل.

 

* واحدة من عشر نساء تعرضن في حياتهن إلى عملية اعتداء جنسي.

 

* اعتداءات متكررة من البوليس الفرنسي ضد النساء المحتجات التابعات لحركة السترات الصفراء مما دفعهن لتأسيس جناح نسائي لحركة السترات الصفراء.

 

* نساء محتجات يشتكين من ساعات العمل الطويلة وتأثير ذلك على علاقاتهن بأطفالهن وحسن رعايتهن لهم.

 

إذاً كفى مزايدات وخططاً خبيثة، ففرنسا من ترتدي ثوب "الأم تريزا" رمز العطاء والخير في الحضارة الغربية، تثور اليوم ضد نظامها رافعة شعاراً لا يدل إلا على احتضار ملحوظ للنظام العالمي المسيطر "Dégage Capitalisme".

 

هذه الدولة التي يجف القلم في نقل وتدوين جرائمها في حق تونس منذ أكثر من 60 سنة ينيبها عملاؤها من مسؤولينا حتى تدير شؤوننا وتحل مشاكلنا فتسن القوانين وتعدل وتحرف إلى ما يدعم مصالحهم راكضة لهاثا وراء غاية نوعية ألا وهي ارتهان المرأة التونسية ووضعها تحت ضغط "الماكينة" الرأسمالية فتستنزف طاقاتها وكينونتها لتغدو هباء منثورا عوض صناعة جيل يكون ذخرا للأمة فيرث به الله الأرض ومن عليها.

 

المرأة في نظام الإسلام هل تحتاج تمكينا اقتصاديا من دول الاستعمار؟

 

لنا أن نطرح سؤالا بريئا فيه من الموضوعية:

 

هل المرأة التونسية أعلى قيمة من المرأة الفرنسية المخذولة من نظامها حتى تتدخل فرنسا تدخلا ناعما تفرض فيه على نسائنا مرطبا مسموما كالتمكين الاقتصادي؟!

 

أم أن نظام الإسلام قد منع المرأة حقوقها، وهي التي بمجرد أن تولد أنثى فحقها مكفول بحكم شرعي لا يقبل التعديل أو التحريف أو التأويل؟!

 

قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.

 

فقوله تعالى يتضمن حكما شرعيا يضمن فيه حق المرأة في النفقة ويفرض فيه على الرجال واجب الرعاية المادية وليس كما يعوج البعض من ضعيفي الحجة فيستعملون معنى "القوامة" كرصاصة لضرب أحكام الإسلام في أذهان أهله فيوهمونهم أن الرجال أعلى درجة عند الله من المرأة وأن له أفضلية عليها وأنها كائن ضعيف لا يستطيع شيئا، بينما يقول الله عز وجل في محكم تنزيله: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ﴾ ويقول الرسول e في حديث أخرجه الإمام أحمد: «إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ».

 

بمعنى أنهن والرجال سواء عند الله تعالى إلا بما خص المرأة والرجال من أحكام كل على حدة، واختلاف الأدوار والوظائف من حقوق وواجبات بينهما لا ينقص من قدر أحدهما ذرة قدر...

 

ولذلك نقول لنساء أمتنا اللواتي كرمهن الله منذ أكثر من 1400 سنة: إن هذه "القوامة" التي فرضها الله عز وجل على الرجال هي قوامة رعاية وحفظ وإدارة لشؤون المرأة وسهر على راحتها المادية والنفسية، وقد وصى النبي e رجال أمته قائلا: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْراً».

 

فللمرأة في عقيدة الإسلام رحمة وإحياء للنفوس، فقد سعى رؤوس الغرب الحاقد على الإسلام (بطبيعة أنه الدين الوحيد الذي ينبثق منه نظام ويصلح لبناء دولة)، سعوا إلى تشتيت حال المرأة والسعي وراء ضياعها من خلال سن قوانين توهمها أنها لصالح أمرها بدعوى إثبات الذاتية والاستقلالية المادية! وما ذلك إلا ضرب لهيكل الأسرة المسلمة المبني على المودة والرحمة والتعاون وحسن العشرة، قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.

 

ثم إن العزة وكل العزة في دين الله، فنسأل الله أن يعيذنا من قوانين الغرب التي سنتخذ الفكر المستنير سلاحا ضده... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة.

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

رحاب عمري

 

2 تعليقات

  • SABER
    SABER الجمعة، 22 آذار/مارس 2019م 02:28 تعليق

    رحاب عمري قلم واعد يستحقّ التشجيع .. موهبة لافتة قادمة على عجَل إن شاء الله .. نتابعها اليوم وننتظرها هناك ...في المستقبل !

  • Mouna belhaj
    Mouna belhaj السبت، 16 آذار/مارس 2019م 22:54 تعليق

    ما شاء الله،لا فض فوك ولا جف قلمك اختنا الفاضلة رحاب،

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع