الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الكلمة التاسعة   الأرض المباركة فلسطين   الحياة الزوجية في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلمات المؤتمر النسائي العالمي الذي عقد في تونس بعنوان:
"الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"

يوم السبت 18 صفر 1440هـ الموافق م2018/10/27

 

الكلمة التاسعة

الأرض المباركة فلسطين

الحياة الزوجية في الإسلام

 

 


الحمد لله رب العالمين القائل في محكم التنزيل ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74]. والصلاة والسلام على رسوله الكريم القائل: «لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا» وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ سقى امرأتَهُ الماءَ أُجِرَ».


الحمد لله الذي منَّ علينا هذا الاجتماع الطيب في البلد الطيب أهلها لنتحدث عن قضية مهمة لما لها من تأثير على المجتمع الإسلامي وهي عن الحياة الأسرية والحياة الزوجية وأهمية بنائها على أساس الإسلام.


سبحان من خلق الإنسان ذكرا وأنثى على فطرة واحدة، فهما لا يختلفان في الإنسانية، وقد خلق الله في كل منهما طاقة حيوية مكملة لبعضهما البعض للمحافظة على بقاء النوع الإنساني وذلك بالزواج الذي أقره الإسلام. فقد جاءت آيات القرآن الكريم منصبة على الناحية الزوجية أي على الغرض الذي كانت من أجله غريزة النوع... وقد نظم الله تعالى هذه العلاقة بين الرجل والمرأة في إطار الزواج الذي جعله سبحانه سَكينةً ومودّةً ورحمة بين الزوجين، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾، وقد أطلق الإسلام على عقد الزواج الذي تؤسس به الأسرة، وصف الميثاق الغليظ، والميثاق هو العهد الذي يؤخذ بين اثنين، ووُصف بالغلظة لقوته وعظمته، فقد تحدث القرآن الكريم عن العقود بشكل عام فقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾، ولكن عندما تحدث عن عقد الزواج وصفه بقوله: ﴿مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾ فقال تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾، فالميثاق الغليظ هو الذي بين الرجل والمرأة، وذلك للتأكيد الشديد على أهمية الحفاظ عليه والوفاء به.


وحتى تستمر الحياة الزوجية باستقرارٍ وسكينة وطمأنينة ومحبة؛ فيجب على كلّ واحدٍ من الزّوجين أن يَعرف واجباته فيؤدّيها، وأن يَعرف حقوقه فلا يتجاوزها أو يطلب أكثر منها؛ وقد أشارت السنّة النبويّة المُطهّرة إلى حقوق الزوجين في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، فمن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنه قال: (جاءتِ امرأةٌ إلى النبيِّ e قالت: يا رسولَ اللهِ! ما حقُّ الزوجِ على زوجتِه؟ قال: «أَنْ لَا تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ وَلَوْ عَلَى قَتَبٍ، فَإِذَا فَعَلَتْ كَانَ عَلَيْهَا إِثْمٌ»، ثم قالت: ما حقُّ الزوجِ على زوجتِه؟ قال: «أَنْ لَا تُعْطِيَ شَيْئًا مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ»).


فالزواج هو أساس تكوين الأسرة المسلمة، وبالتالي المجتمع المسلم. لذلك عني الاسلام عناية فائقة بهذا البناء الكريم فحث الرجل على اختيار الزوجة الصالحة كما ورد بالحديث الشريف: «أَرْبَعٌ مِنَ السَّعَادَةِ: مِنْ ضِمْنِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ». وقوله e: «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي e: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ»... وقال في اختيار الزوجة أيضا «خَيْرُ النِّسَاءِ الَّتِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَ، وَلَا تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَلَا مَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ» أخرجه أحمد.


فخيرُ النِّساء التي تسرُّ زوجَها بهيئتها الجميلة إذا نظر إليها، وتُطِيعه إذا أمَرَها بشيء غير محرَّم، ولا تُخالِفه في نفسها ولا في مالها بما يكره، وهي الوَدُود التي تُكثِر التودُّد والتحبُّب لزوجها، هي تلك المرأة التي قال فيها e: «أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِنِسَائِكُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟ الْوَدُودُ الوَلُودُ العَؤُودُ، الَّتِي إِذَا ظُلِمَتْ قَالَتْ: هَذِهِ يَدِي فِي يَدِكَ، لَا أَذُوقُ غَمْضًا حَتَّى تَرْضَى» أخرجه الدارقطني.


هذه المرأة الصالحة المؤمنة الملتزمة بما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام تعرف واجباتها وتعرف معنى التزامها بهذه الواجبات لتنال رضا ربها وجنة عرضها السماوات والأرض. ولتكون أسرتها مبنية على أساس من الحب والوفاء والسعادة، فإن هبت رياح غربية على هذه العلاقة تعرف كيف تجابهها وتعسف بها عسفاً ولا تتأثر بها، فالغرب لا يكل ولا يملّ ولا يفتر بهدف تقطيع أصول هذه العلاقة، وإضعاف الأسرة المسلمة وبالتالي تفكيك المجتمع المسلم. ولكن هيهات هيهات أن ينال من هذه العلاقة القوية بأحكام الله وشرعه.


إن الحياة الزوجية ليست مبنية على الشراكة والمنفعة كما يصورها الغرب، وإنما مبنية على أساس الصحبة، أي يصحب أحدهما الآخر صحبة تامة من جميع الوجوه، يطمئن فيها أحدهما للآخر، قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا﴾، والسكن هو الاطمئنان وهذا هو الأصل في الزواج. وحتى تكون هذه الصحبة صحبة هناء وسعادة وأمن وأمان فقد بيّن الشرع كما قلنا ما للزوجة من حقوق على الزوج، وما للزوج من حقوق على الزوجة قال تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾، فقد أمر سبحانه وتعالى بحسن صحبة النساء فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وأن لا يعبس في وجهها وأن يكون لطيفا في القول لا فظا ولا غليظا، يكفيها مؤونتها ويسعى لراحتها.


ومن حقّها كذلك النّفقة، فلا يخصّ الرّجل نفسه بالطّعام والكسوة دونها بل ينفق عليها كما ينفق على نفسه وفي حدود المستطاع، قال الله تعالى: ﴿لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ﴾ [الطّلاق: 7]، وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوْ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» رواه أبو داود. فلا يجب بذلك على المرأة العمل لتنفق على نفسها بل كان لزاما على زوجها سدّ حاجاتها من مأكل وملبس ومسكن. وهذا على سبيل الذّكر لا الحصر...


وقد أوصى رسولنا الكريم e بالنساء عندما قال في خطبته في حجة الوداع «اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ» وقال «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي»، وقد كان عليه الصلاة والسلام جميل العشرة يداعب أهل بيته ويتلطف بهم ويضاحك نساءه وكان يسابق أم المؤمنين عائشة ويتودد لها بذلك. وكان عليه الصلاة والسلام وكذلك الصحابة يساعدون زوجاتهم في البيت ولا يجدون في ذلك غضاضة ولا نقصا...


وإن المرأة بطبيعتها تحب من يدللها وهو من الزوج آكد، وقد فطن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لهذا الأمر وراعاه في تعاملاته مع زوجاته، فقد كان يدلل السيدة عائشة رضي الله عنها ويقول لها: «يَا عَائِشَ، يَا عَائِشَ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ». وكان يقول لها أيضا: «يَا حُمَيْرَاءُ»، والحميراء تصغير حمراء يراد بها المرأة البيضاء المشربة بحمرة الوجه.


وعلى الزوج أن يطيب خاطر زوجته إذا حزنت، ولنا في رسولنا الكريم أسوة حسنة فقد كانت السيدة صفية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي، وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ودموعها، ويسكتها.


ولم ينس النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يمازح زوجاته ويسلي عنهن، تقول السيدة عائشة حين سألوها كيف كان e، قالت: «كَانَ يَدْخُلُ بَسَّاماً ضَحَّاكاً». فحري بالأزواج أن يترسموا خطا المصطفى عليه الصلاة والسلام في الحياة الزوجية. ومن الأمور التي لا بد منها للحياة الزوجية مداعبة الزوجة؛ فهذا علي رضي الله عنه يداعب فاطمة، فقد روى أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه دخل يوماً على زوجته فاطمة بنت رسول الله e فرآها تستاك بعود الأراك فأراد مداعبتها فقال هذه الأبيات:


لقد فزت يا عود الأراك بثغرها *** أما خفت يا عود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك *** ما فات مني يا سواك سواك


وقد جعل الإسلام القوامة للرجل ليقود هذه السفينة الزوجية، قوامة رعاية لا قوامة تسلط، وهذا محبة بها وليس إهانة لها أو ظلماً. والزوجة المسلمة تقوم بأعمال بيتها لأنها راعية مسئولة عن ذلك، لا كما يصورها الغرب وكأنها خادمة!! راعية تدير دفة بيتها بالحب والوئام، تعيش في كنف زوجها ملكة مدللة يتكفل زوجها بتأمين طلباتها غير مضطرة للخروج للعمل للحصول عليها، تشرف على أعمال بيتها ومتطلبات رعاية زوجها وأولادها وتربيتهم بكل حب ورغبة...


وممّا أوجبه الإسلام على المرأة على سبيل المثال طاعة الزوج ما لم تكن في معصية والمحافظة على عرضه وماله وألاّ تُدْخل البيت أحدا يكرهه وألاّ تخرج إلاّ بإذنه، قال e: «مَا اسْتَفَادَ امْرُؤٌ مُسْلِمٌ فَائِدَةً بَعْدَ الإِسْلَامِ أَفْضَلَ مِنْ زَوْجَةٍ مُسْلِمَةٍ تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَرَهَا، وَتَحْفَظُهُ إِذَا غَابَ عَنْهَا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ»، وكلنا نعرف أن امرأة أطاعت زوجها في عصر النبوة قال عنها الرسول e «إِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَهَا بِطَاعَةِ زَوْجِهَا، فَطُوبَى لَهَا ثُمَّ طُوبَى»، وهنيئا لها ولكل زوجة سارت على دربها... فحُسن تبعل المرأة لزوجها يعادل أجر الجهاد والجمعة والجماعة، وإنه لأجر لو تعلمون عظيم... هذه هي العلاقة بين الأزواج، وهذه هي الحياة الزوجية في الإسلام لا كما يصورها الغرب وكأنها ساحة حرب بها منصور ومغلوب، يبغون بذلك التفكك العائلي المنتشر عندهم.


وإن حصل ما يعكر صفو هذه العلاقة فعلى الأهل أن يأخذوا بيد الزوجين لحل المشاكل وتحقيق السعادة والهدوء في حياتهما... لا موقفا يزيد من الشقاق والبعد والهجران. فكثير من المشاكل بين الأزواج إن لم تعالج بحكمة وهدوء فستؤدي إلى هدم هذه الحياة الزوجية، لا لشيء وإنما بسبب البعد عن الأحكام الشرعية ووجود فكرة الأنا والعزة بالإثم التي تقف حائلا أمام محاولات الإصلاح. وقد حافظ الإسلام على التماسك الأسري رافضا تفكك الأسرة، وعالج الخلافات علاجا رفيع المستوى، معالجة ربانية لا معالجة رأسمالية فردية. وحافظت أحكامه الشرعية على العلاقة بين الرجل والمرأة، وكذلك على الأبوة والبنوة، وعمل على أن لا تضيع الأنساب أو تختلط، فكانت العقوبات على كل مخالف وخارج عن إطار العلاقة المشروعة...
لنسمع هذه الكلمات الثمينة التي توجهت بها أم لابنتها بحبّ ونصح كبيرين حتّى تحافظ على زواجها:


"... وإيَّاكِ والتّرح إن كان فرحا والفرح إن كان تَرِحَا، فإنّ الأولى من التّقصير والثّانية من التّكدير، وكوني أشدّ ما تكونين له إعظاماً يَكُن أشدّ ما يكون لكِ إكراماً، وكوني أشدّ ما تكونين له موافقةً، يكن أطول ما يكون لكِ مرافقةً، واعلمي أنّه لن تصلي إلى ما تحبّين حتّى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت، والله يُخَيِّرُ لكِ". فعلى رضوان الله تقوم العلاقة بين الزّوج والزّوجة وهو الأساس المتين الذي تحصّن به الأسرة ويحافظ عليها فإن ابتغيا ذلك وفّق الله بينهما وجمع بينهما في الخير وجعل بينهما المودّة والرّحمة.


أيتها الأخوات المؤمنات الفاضلات:


لنصغ إلى هذه القصّة التي هي نموذج فريد في كيان المجتمع الإسلامي النظيف، قصّة شريح القاضي مع زوجته زينب المؤمنة الفاضلة العاقلة الرزينة ليلة زفافها، وكيف استمرّت السعادة بينهما عشرين عاماً، ترفل بالحب والوئام، وتنبض بالثقة والتفاهم والإيمان.


شريح القاضي لقيه صديقه الفضيل، فسأله عن حاله في بيته فقال: يا شريح كيف حالك في بيتك؟


قال شريح القاضي: (منذ عشرين عاماً لم أجد ما يعكر صفائي).


قال الفضيل: وكيف كان ذلك يا شريح؟


قال: (خطبت امرأة صالحة، فلمّا كان يوم الزفاف وجدت فيها صلاحاً وكمالاً، صلاحاً في دينها وكمالاً في خلقها، فشكرت الله وصلّيت ركعتين على نعمة الزوجة الصالحة، فلمّا فرغت من صلاتي وجدت زوجتي تصلّي بصلاتي وتسلّم بسلامي وتشكر بشكري، فلمّا فرغ البيت من الأهل والأحباب، دنوت منها فقالت: على رسلك يا أبا أميّة، ثمّ قامت وخطبت فقالت:


"أمّا بعد: يا أبا أميّة إني امرأة غريبة لا أعرف ماذا تحبّ وماذا تكره، فقل لي ماذا تحبّ حتّى آتيه وماذا تكره حتّى أتجنّبه... يا أبا أميّة: فقد كان من نساء قومك من هي كفءٌ لك، وكان من رجال قومي من هو كفءٌ لي ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنّة رسوله e فاتّق الله فيّ وامتثل قوله تعالى: ﴿فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان﴾ [البقرة: 229]... ثمّ قعدت".


قال: (فألجأتني إلى أن أخطب، فوقفت وقلت: أمّا بعد، فقد قلت كلاماً فإن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك ذخراً وأجراً، وإن تدعيه يكن عليك حجة، أحبّ كذا وكذا، وأكره كذا وكذا ومتى وجدت من حسنة فانشريه، وما وجدت من سيئة فاستريه، والمرأة المؤمنة ستّيرة لا تفضح زوجها).


فقالت: كيف نزور أهلي وأهلك؟
قال: نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين حتّى لا يملّونا.
قالت: ومن من الجيران تحب أن أسمح له أن يدخل بيتك ومن منهم تكره؟
قال: بنو فلان صالحون... وبنو فلان غير ذلك.
ومضى عام، وفي يوم عدت فيه إلى البيت فإذا أمّ زوجتي عندنا، رحبت بها أيما ترحيب وكانت علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال.
قالت: يا أبا أميّة كيف وجدت زوجتك؟
قلت: والله خير زوجة.
قالت: يا أبا أميّة... ما أوتي الرجال شرّ من المرأة المدللة فوق الحدود، أدّب ما شئت أن تؤدّب وهذّب ما شئت أن تهذّب، ثمّ التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة.
وهكذا مضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم).


أقول: إنّ هذه المساحة الواسعة من النساء الفاضلات المؤمنات اللواتي ذُكرن في تاريخنا الإسلامي المجيد العريق، تدلّ دلالة واضحة على دور المرأة المسلمة السّمي في المجتمع الإسلامي الرفيع.


فلنترسم خطاهن الصالحة بأخلاقهنّ وشجاعتهنّ وإيمانهنّ، فكوني يا أختاه منفتحة على الآفاق العلمية من حيث عمق التفكير وسعته، وفي الالتزام الداخلي والخارجي بالعقيدة والارتباط بالإيمان بالله تعالى وشرائعه، وفي خط العمل تتلمّسين مراقبة الله تعالى في دائرة التقوى الروحية والفكريّة في ذلك كلّه، حتّى تكوني قادرة على مواجهة التحدّيات في الصراع الفكري في ساحة الدعوة وفي مواجهة المشاكل، وفجري كل طاقاتك انطلاقاً من الحقوق الخيرة التي أقرّتها الشريعة الإسلامية للمرأة، بعيدة عن تسلّط الاستعمار الثقافي الغربي البغيض، تتمثلين قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام: 90]


أخواتي الكريمات:


هذه هي الحياة الزوجية في الإسلام أساسها متين مبني على رضا الله عز وجل، تتحقق بها السعادة للزوجين في الدنيا والآخرة، ويسودها الأمان والاستقرار والسكينة، فما أروعها من عيشة إن التزمنا بما طلبه منا إسلامنا الحنيف.


فيا أيتها الزوجات الفاضلات، اتقين الله في أزواجكن وأسركن وأولادكن بالتزامكن بشرع ربنا، ولنصفع الغرب صفعة لا ينساها وندوّي معا بأعلى أصواتنا: لا لحضارة غربية شوهت الحياة الزوجية في الإسلام، لا وألف لا لتعكير هذه الحياة بمفاهيم غربية واهية وتجارة لم تنفع أهلها فكيف نحن كمسلمات نأخذها!! ويا زوجات المسلمين ارفعن رؤوسكن فأنتن في عزة في الدنيا والآخرة... ففينا الزوجة الصالحة التي حققت في بيتها السعادة، وخرج من بيتها الأبطال والرجال سواء كانوا أزواجا أم أبناء يعملون لرفعة الإسلام والمسلمين.


ومن هنا ومن هذا المنبر الطيب فلنجدد العهد ونبشر رسولنا الكريم e أن فينا من تحسن التبعّل لزوجها، وفينا من تقول لزوجها هذه يدي بيدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى، وأننا لن نرضى بحضارة غربية عفنة لم تنصف الحياة الزوجية ولا الأسرة... وأننا بالإسلام نحيا وبرسولنا نقتدي، وأننا حفيدات أمهات المؤمنين والصحابيات الجليلات اللواتي عرفن معنى الحياة الزوجية والأسرة المسلمة وطبقن أحكام الله فكنّ صانعات الرجال.


ونقول للغرب قاطبة: رغم كل محاولاتكم تشويه الحياة الزوجية في الإسلام فقد خاب فألكم وفشل مسعاكم، ورغم ما أنفقتم من أموال ونشرتم من أفكار فاسدة هادمة، فها هي الزوجة المسلمة تقف في وجهكم وتقول لكم لا وألف لا للنيل من هذه الحياة الزوجية والأسرة السعيدة.


أخواتي الكريمات: وخاتمة الختام أؤكد أننا بغير الإسلام منهاج حياة والذي ستطبقه الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، لن نستطيع العيش السعيد الرغيد لا أفرادا ولا أسرا ولا مجتمعات. فحيهلا للعمل بصفوف حزب التحرير لاستئناف حياة إسلامية، تكون فيها الأسرة المسلمة واقعا ملموسا ومثالا واضحا في رابعة النهار... ﴿لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا﴾.

 


رولا إبراهيم
عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

-----

 

لزيارة صفحة المؤتمر اضغط هنا

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع