الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الكلمة العاشرة   كلمة من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير   الخلافة: حصن الأسرة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كلمات المؤتمر النسائي العالمي الذي عقد في تونس بعنوان:
"الأسرة: التحدّيات والمعالجات الإسلامية"

يوم السبت 18 صفر 1440هـ الموافق م2018/10/27

الكلمة العاشرة

كلمة من المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الخلافة: حصن الأسرة

(مترجمة)

 

 
(1) مقدمة:


• أيتها الأخوات والضيفات الكريمات، إنه لشرف لي ومن دواعي سروري أن أكون بينكن اليوم وأن أخاطب هذا الجمع الموقر. أخواتي العزيزات، ذكر أستاذ قانون الأسرة، السويسري غاستون جز، الذي زار الجمهورية التركية بعد هدم الخلافة العثمانية بأن الانسجام بين المعتقدات الدينية في هذه الأرض، آخر معاقل الدولة المجيدة التي تُحكم بنظام من عند الله سبحانه وتعالى، قد "أنجبت أقوى دفء أسري في العالم، وهذا الكيان أسس لحياة عامة لم يسبق لها مثيل في تاريخ أي دولة".


• عندما نسمع مثل هذه الكلمات من المديح فيما يتعلق بطبيعة الأسرة المسلمة التي كانت تتمتع هذه الأمة ذات يوم بالعيش في كنفها، والتي كانت محط إعجاب الدول الأخرى، ثم نظرنا إلى الحالة المحزنة لأسرنا اليوم، لتألم القلب حقاً، ولزاد الشوق إلى العودة إلى دولة تكون فيها قوة الأسرة المسلمة والوئام الذي يسودها من السمات المميزة لهذه الأمة الإسلامية.


• لكن تحقيق هذا الهدف العظيم لن يكون من خلال الإصلاح التدريجي لقوانين الزواج، أو إجراء بعض التغييرات في دساتيرنا، أو الدعوة لمشاريع قوانين جديدة لحماية المرأة، أو وضع سياسات حكومية بديلة لحماية الأسرة، أو من خلال تنظيم حملات توعوية أو ندوات أو مؤتمرات موضوعها إنقاذ الأسرة - لا!


• لن تساعد أي من هذه الإجراءات في إنشاء وحماية وحدات عائلية متناغمة قوية في كتلة الأمة الإسلامية. ألم نلحظ أن جميع هذه المبادرات والاستراتيجيات المطبقة في بلادنا قد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق هذا الهدف؟ ذلك لأن كل هذه المقاربات تفشل في معالجة نقطة أساسية... وهذا يعني أن هناك انفصالاً كبيراً بين الأهداف الإسلامية النبيلة التي نريد تحقيقها من أجل بنية أسرنا كمسلمين، وبيئة القيم والقوانين غير الإسلامية التي تحيط بنا وبمجتمعاتنا في ظل الأنظمة التي نعيش فيها اليوم.


• هذا المزيج من الأضداد يدمر ولا يبني؛ إنه مزيج من الأفكار والأهداف المتناقضة التي لا يمكن أن تزدهر فيها وحدة الأسرة. ولا يمكن للأسرة أن تزدهر في ظل أنظمة وحكومات تعمل على تدمير الزواج بشكل منهجي، وتفكيك الأمومة، وتغذية انحلال الأسرة عبر قوانين وسياسات فاسدة، هذا عوضا عن أن تكون درعا لحماية الأسرة.


(2) الدولة القائمة على أساس الإسلام ضرورية لإقامة أسر قوية:


• لذلك أيتها الأخوات، لإنقاذ الأسرة، نحتاج إلى أكثر بكثير من مجرد التخلص من أطراف المشكلة. فالأمر يتطلب تغييرا جذريا وفرعيا للبنية والأنظمة السياسية في بلادنا، وتحويلاً شاملاً للأسس والقيم والقوانين داخل مجتمعاتنا، من خلال إقامة دولة تقدر حقًا الأهمية الحيوية لحماية قدسية الزواج، والارتقاء بالأمومة وخلق وحماية الوحدات الأسرية السليمة. ويجب أن يكون هذا واضحًا في مبادئ هذه الدولة وقوانينها ونظمها التي ستحقق عمليا هذه الرؤية النبيلة على أرض الواقع عوضا عن مجرد التعبير عنها بخطاب مجرد من قبل السياسيين.


• أيتها الأخوات العزيزات، هذه الرؤية العظيمة لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال دولة مبنية على العقيدة الإسلامية فقط، والتي تطبق بشكل شامل جميع أحكام الشريعة الإسلامية؛ لأن الله سبحانه وتعالى وحده، العليم الحكيم الذي يعرف الطريقة المثلى لتنظيم شؤون الرجال والنساء، وتنظيم حقوقهم وواجباتهم بطريقة تحقق السعادة والنجاح لوحدة الأسرة وجميع أفرادها. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور: 51]


• أيتها الأخوات الكريمات، هذه الدولة القائمة على أساس الإسلام والتي ستطبق جميع معتقداتها وقيمها وقوانينها، هي دولة الخلافة على منهاج النبوة؛ حكم الله سبحانه وتعالى. هذه الدولة هي التي ستتفهم وستحتضن هذا الدور الذي تشكله العائلة كحصن في الأمة وستنتج زيجات ووحدات أسرية قوية ومتناغمة، لأن النبي e قال: «وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».


• إن هذه القيادة والدولة الإسلامية هي ما ستحول المبادئ والقواعد الاجتماعية والأسرية الإسلامية من مجموعة من الالتزامات والأحكام التي يتبعها عدد قليل من المسلمين المتدينين، إلى مجموعة من القيم والأنظمة التي أصبحت المبدأ في المجتمع بأسره الذي تبناه الناس، والقانون الذي يعيش به الأفراد حياتهم اليومية. ويتحقق ذلك من خلال مؤسساتها وأنظمتها التي تغذي وتنفذ وتروج وتطبق وتحمي قيم الأسرة الإسلامية وأنظمتها داخل المجتمع. هذا ما جعل الداعية البارز، الإمام الغزالي رحمه الله تعالى يقول "حقا، إن أسلوب الحياة الإسلامية الذي جاء به الإسلام لا يمكن أن يطبق بشكل صحيح إلا بسلطان مطاع (خليفة)".


• إذن كيف ستكون الخلافة حصن الأسرة؟ للإجابة على هذا السؤال، أود أن أتناول ثلاث نقاط مهمة في كلمتي:


(3) ستغذي الخلافة التقوى في المجتمع - العامل الأساسي لحماية الأسرة:


• أولا أيتها الأخوات، وحدها الدولة المبنية على الإسلام، ما سيغذي التقوى - الخوف من الله - في المجتمع بأسره، خلافا لما تروج له الحريات الليبرالية وحركات المساواة بين الجنسين من السعي وراء نزوات ورغبات فردية مفسدة. إنها التقوى وكونك ستُسأل أمام الله وحده عن كل عمل والحرص على جنته، خط الدفاع الأمامي وأهم عنصر حيوي لرعاية وحدات الأسرة القوية وحمايتها. هذا لأن التقوى هي القوة الدافعة القصوى للأعمال الصالحة، وتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى وأداء فرائضه، والخضوع لحدوده وقوانينه. لهذا السبب، وصف الرسول e التقوى بأنها رأس كل أمر وجماعُ كلِّ خير.


• أيتها الأخوات الكريمات، إنها التقوى ما تدفع الفرد للتفاعل مع الجنس الآخر بحياء؛ وتجعل منه ملتزما بجميع الأحكام الاجتماعية عند اجتماعه به - سواء في الأماكن العامة أو الخاصة أو عبر الإنترنت؛ كما تجعله يطلب الزواج لتحصين نفسه؛ وتقوده إلى أن ينأى بنفسه عن أي عمل أو موقف يقربه من الحرام أو يثير الريبة في شخصيتهم كل ذلك من أجل حماية شرفهم. هذا هو الذي يقلل من العلاقات خارج نطاق الزواج داخل المجتمع. كما أن التقوى هي التي تقود الفرد إلى البحث عن الزوج القائم على الدين وحسن العمل لجعل الزواج علاقة رفقة وصحبة لا شراكة تجارية قائمة على مكاسب مادية ومالية. إنها التقوى اللاصق الذي يربط العائلة الناجحة معا، فهي ما يدفع كل عضو إلى القيام بواجباته وأداء حقوق الآخرين بصبر واجتهاد وتعاطف وتعاون على البر والتقوى، وتجنّب الأنانية والفردية والعمل، عوضا عن ذلك على ما هو أفضل للحياة الزوجية والأسرية، بما في ذلك القيام بكل ما هو ضروري لتحقيق الهدوء في إطار الزواج وتجنب الطلاق. لذلك، فهي ما يلهم الرجل معاملة زوجته بالمعروف، وأن يعمل بجد من أجل إعالة أسرته والقيام بدوره كراع يحمل الحب والرعاية والعطف والرحمة بدلاً من الخوف والعنف. إنها ما يلهم المرأة ويدعوها إلى طاعة زوجها، والوفاء بواجباتها المنزلية، وتقديم العناية والوقت والاهتمام وبذل هذا كله في تربية أولادها. كما أنها ما يلهم الشباب ويدعوهم إلى الاهتمام بوالديهم وكبار السن واحترامهم والامتثال لأوامرهم... لخلق حياة عائلية متناغمة جميلة.


• تقوم الخلافة بتغذية هذا المفهوم الحيوي للتقوى داخل المجتمع، من خلال تطبيقها الكامل للإسلام الذي سيزود رعاياها بالقيم الأخلاقية السامية للدين، بما في ذلك القيم المتعلقة بالحياة الأسرية، والتي ستذكّر الناس بطاعة الله سبحانه وتعالى في كل حين.


• وعلى سبيل المثال، فمع نظام التعليم في دولة الخلافة، تنص المادتان 171 و172 من مشروع دستور حزب التحرير لدولة الخلافة على أن هدف السياسة التعليمية هو تكوين العقلية والنفسية الإسلامية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف الإسلامية المتعلقة بشؤون الحياة. ولذلك، فإن النظام التعليمي للدولة سيغرس الأخلاق والأفهام الصحيحة للقواعد والأحكام الاجتماعية الإسلامية في نفوس رعاياها، بما في ذلك أمور الزواج والحياة الأسرية بحيث يلتزم المجتمع ككل بالشريعة الإسلامية بطواعية ومحبة لهذه القوانين ورفض للفجور والسلوك الفاسد بجميع أشكاله، في حين إن تطبيق الأحكام الإسلامية من خلال الأنظمة السياسية والقضائية في دولة الخلافة سيوقع العقوبات على أولئك الذين يتجاوزون حدود الإسلام. علاوة على ذلك، فإن سياسة الإعلام في دولة الخلافة، كما هو مفصل في مسودة دستورنا للدولة، تقوم على دعم مصالح الإسلام، بما في ذلك العمل على بناء مجتمع إسلامي قوي ومتماسك، يتصدى لأية أفكار فاسدة مع تأكيد ونشر كل ما هو خير. وسيعمل الإعلام على توظيف الصحف والمجلات والتلفزيون والراديو ووسائل الإعلام عبر الإنترنت والمؤتمرات وغيرها من الوسائل لتحقيق هذا الهدف. كل هذا سيعزز التقوى والقيم الاجتماعية الإسلامية النبيلة داخل الدولة التي ستكون بمثابة الضمانة الرئيسية للأسرة.


(4) ستعمل الخلافة على تنظيم المجتمع بناءً على النظرة الصحيحة للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تحقق التعاون بين الجنسين والوحدة الأسرية:


• ثانيا أيتها الأخوات، ستكون الخلافة بمثابة حصن للأسرة وذلك من خلال تنظيم المجتمع على أساس النظرة الصحيحة للعلاقة بين الرجل والمرأة التي تحقق التعاون بين الجنسين مع حماية وحدة الأسرة. أيتها الأخوات الكريمات، يخلق النظام الإسلامي مجتمعًا مدفوعًا برضا الله سبحانه وتعالى ويحمي شرف الرجل والمرأة باعتباره أمرا مقدسا ويضمن حرمة الزواج كأمر غير قابل للتفاوض.


• ومن خلال نظامها التعليمي ووسائل الإعلام والتطبيق الشامل للقيم والأحكام الاجتماعية للنظام الإسلامي وإنفاذها، ستوجه الخلافة وجهة نظر المجتمع تجاه العلاقة بين الرجل والمرأة بعيداً عن الهوس الجنسي والمتعة إلى ما يتماشى مع الغرض الحقيقي من الفطرة الجنسية ونفع المجتمع؛ الزواج والإنجاب. هذا بالإضافة إلى تعزيز النظر إلى المرأة كعرض مع التركيز على أهمية الحياء والعفة. ولذلك كله، فإن الإسلام يحرم النظرة الجنسية للمرأة أو المجتمع أو الترويج لأية علاقة غير أخلاقية سواء في الإعلانات أو وسائل الإعلام أو الأدب أو عبر الإنترنت. إلى جانب ذلك، ستقوم الخلافة بتبني الخمار والجلباب لباسا للمرأة في الحياة العامة؛ سواء أكانت مسلمة أم غير مسلمة، كما ستمنع الدولة كشف النساء لعوراتهن أو إبداء زينتهن في الحياة العامة؛ ما يساعد في الحفاظ على علاقة نقية بين الرجال والنساء، وحماية لعفتهن وإعادة فرض النظرة للمرأة كعرض يجب أن يصان.


• ستضع الدولة أيضاً نهاية للاختلاط بغير ضوابط والخلوة بين الرجال والنساء، وهو ما نشهده حالياً في المدارس والكليات والجامعات والحانات والنوادي وغيرها من الأماكن وكذلك المنازل والتي غالباً ما تؤدي إلى العلاقات خارج نطاق الزواج، وستطبق بدلا من ذلك فصل الرجال عن النساء قدر الإمكان في الحياة العامة - سواء في مؤسساتها التعليمية، ووسائل النقل، وأماكن العمل والمستشفيات وغيرها من الأماكن. هذا الفصل بين الرجال والنساء سيؤثر حتى على بنية المنازل، ما سيمكّن النساء من الاستمتاع بحياتهن المنزلية في بيتهن بعيداً عن أنظار الرجال غير المحارم. هذا ما رأيناه مع الحريم في ظل الخلافة العثمانية التي بنيت كمنطقة معيشة منفصلة لنساء الأسرة بعيداً عن الرجال غير المحارم. على سبيل المثال، كتبت الكاتبة التركية أسلي سانكار في كتابها "المرأة العثمانية" كيف وصفت الكاتبات الأوروبيات في ذلك الوقت التقوى والاحترام الشديدين ومدى النقاء في العلاقة بين الرجل والمرأة في الأسرة العثمانية المسلمة، وكيف التزم الرجال بصرامة بالقواعد التي تتعلق بالأماكن الخاصة بالحريم إلى الحد الذي لا يفكر فيه زوج المرأة المسلمة، حتى لو كان الخليفة، في الدخول إلى حريم منزله إذا ما رأى الأحذية النسائية على باب الحريم، التي كانت تشير إلى وجود ضيوف من الإناث.


• إلى جانب كل ذلك، ستشجع الخلافة الزواج وتدعمه إلى حد كبير، بما في ذلك توفير المساعدة المالية عند الحاجة. وقد رأينا على سبيل المثال كيف أمر الخليفة في القرن الثامن، عمر بن عبد العزيز بتمويل من يحتاج للزواج من أموال الدولة. وعلاوة على ذلك، فقد فرض الإسلام عقوبات صارمة على الزنا والفاحشة التي غالباً ما يعترض عليها العلمانيون. ومع ذلك، فإن شدة العقوبات تعكس الجدية التي ينظر بها الإسلام إلى حماية الزواج ووحدة الأسرة، لأنها بمثابة رادع قوي وآخر خط حماية للأسرة. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه، صاحب النبي e: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".


• كل هذا أيتها الأخوات، يخلق عفة ومجتمعا نقيا قائما على مفهوم الحياء، فيه يتفاعل الجنسان بطريقة مفيدة للمجتمع، حيث يمكن للمرأة أن تنعم بحياة عامة نشطة يسودها التعزيز والاحترام، دون عنف منزلي وحيث يتم الحد من العلاقات خارج نطاق الزوجية، ما سيرفع الثقة بين الزوجين ويقلص الشكوك بينهما - كل ذلك سيقوي الروابط الزوجية ويحافظ على وحدة الأسرة.


(5) ستدعم أنظمة الخلافة أداء الأدوار والحقوق والواجبات الإسلامية في الحياة الأسرية من أجل تحقيق الهدوء في الزواج والانسجام في هيكل الأسرة:


• ثالثا أيتها الأخوات، فإن الخلافة هي حصن الأسرة فأنظمتها تدعم تحقيق الأدوار والواجبات والحقوق الزوجية والأسرية للرجال والنساء لتحقيق الهدوء في الزواج والوئام في الحياة الأسرية.


• على سبيل المثال، ستسخِّر الخلافة نظام التعليم والإعلام الخاص بها لبناء فهم واضح عند شبابها ورعاياها ووعي على أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمسؤوليات الواضحة بين الجنسين في الحياة الأسرية. وكمثال على ذلك، في دروس الفقه الإسلامي التي ستوضع لتُدَرَّس في مناهج التعليم، ستقوم الدولة بتغذية النظرة الصحيحة لواجبات وخصائص الرجل كقوّام على الأسرة والتي من لوازمها الرحمة والعطف وتقديمه الرعاية لزوجته وأولاده. كما ستعمل هذه الدروس على إظهار أهمية المرأة ومسؤولياتها في دورها الأساسي كأم وزوجة وكمساهِمة حيوية في تقدم ورفاهية جماعتها ومجتمعها. بالإضافة إلى ذلك، في مرحلة التعليم الثانوي، وإلى جانب دراسة موضوعات عامة كالثقافة الإسلامية والرياضيات والعلوم، فإن الطالبات سيحظين بخيار دراسة تخصصات منزلية تمكّنهن من التخصص في المجالات المرتبطة بالطفل ورعاية وإدارة الحياة المنزلية. ففي ظل الخلافة العثمانية على سبيل المثال، دُرّست الدورات التدريبية المتعلقة بإدارة شؤون الأسرة في المدارس الثانوية للإناث، كما هو موضح في كتاب آسلي سانكار "المرأة العثمانية"، وقد ذكرت كيف كانت هذه الدورات تقدم معلومات مفصلة عن موضوعات متنوعة تتراوح بين الحديث عن مميزات المنزل الجيد، والكيفية التي يُحمى بها البيت، ويُحافظ عليه دافئا، ومُضاءً؛ وكذلك يُتطرق فيها إلى الأدوية المنزلية والأمور الصيدلانية المتعلقة بعلاج الأمراض التي تصيب الأسرة؛ وكذلك عن إعداد طعام جيد النوعية؛ وتوفير التغذية الصحيحة للأطفال والمسنين؛ وآداب استضافة الضيوف؛ والميزانية المنزلية والحسابات. كل هذا كان لإعداد الطالبات على نحو يكُنّ فيه فاعلات قادرات على تحمل مسؤولياتهن عندما يتزوجن.


• ومع ذلك، فإن الخلافة لن تقوم بتوعية رعاياها على الأحكام المتعلقة بالحياة الأسرية فحسب، بل ستساعدهم عمليًا في أداء أدوارهم وواجباتهم. على سبيل المثال، تنص المادة 153 من مسودة دستور حزب التحرير لدولة الخلافة "تضمن الدولة إيجاد الأعمال لكل من يحمل التابعية". هذا الواجب الذي تتبناه الخلافة يقوم على حديث النبي e «وَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ولذلك فإن الخلافة ستدعم كل شخص في سعيه للوفاء بالتزامه تجاه أسرته، بما في ذلك دعمه بالأموال من خزينتها، ومنحه أرضاً زراعية، وتدريب أولئك الذين يحتاجون إلى تأهيل للعمل، وتمكينهم من كسب لقمة العيش. كل هذا قابل للتحقيق بسبب الطبيعة السليمة للنظام الاقتصادي الإسلامي الذي يولد اقتصادًا مزدهرًا.


• وبالمثل، ستعمل الخلافة على تمكين النساء من القيام بدورهن الأساسي كأمهات من خلال ضمان استقرارهن المادي على الدوام وعدم إجبارهن على التنازل عن واجباتهن الحيوية تجاه أطفالهن بسبب الضغوط الاقتصادية في سبيل الحصول على عمل. ولذلك، فإن المحاكم في دولة الخلافة ستدعم أي امرأة يقصر زوجها في إعالتها وأطفالها، وستجبره على الوفاء بما عليه وفقاً لقدرته أو سيتعرض للعقوبة إذا ما رفض. وتصف النصوص الواردة في كتب القانون المتعلقة بالعلماء المسلمين فترة الخلافة العباسية على سبيل المثال، كيف كانت النساء تتقدم بشكاوى إلى القضاة ضد أزواجهن الذين كانوا يقصرون في النفقة وكيف كان القاضي يجبرهم على الدفع. وفي حالة كان زوج المرأة فقيرًا أو ليس لديها أقارب ذكور ينفقون عليها، فإن من واجب الخلافة أن توفر لها النفقة، فقد قال النبي e: «مَنْ تَرَكَ مَالاً فَلأِهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ» (رواه مسلم) كل هذا سيضمن أيضاً عدم تعرض الأفراد لضغوط لتقليص حجم أسرهم خوفاً من الفقر. وبدلاً من ذلك، فإن الخلافة ستشجع الأسر على إنجاب العديد من الأطفال مع معرفة أنهم سيكونون أيضا ضمن رعاية الدولة.


• أيتها الأخوات الكريمات، إن الخلافة هي النظام الوحيد الذي سيعيد وضع الأمومة في المكانة المرموقة التي تستحقها في المجتمع. وكمثال على ذلك، كتبت جولي باردو، وهي مؤرخة ورحالة بريطانية من القرن التاسع عشر، عن وضع الأم في ظل النظام الإسلامي فترة الخلافة العثمانية في كتابها "مدينة السلطان والعادات الوطنية للأتراك في عام 1836"، "سمة جميلة في طابع الأتراك يتشاركون فيها هي احترامهم وتقديرهم لكاتبة قصة وجودهم... الأم وحي؛ فهي تستشار، وتؤتمن على الأسرار، ويستمع إليها باحترام ومراعاة، وتكرم لآخر ساعة من عمرها وتُتذكر بكل حنين وأسف إذا ما ووريت في القبر".


• إلى جانب كل ذلك أيتها الأخوات، سيضطلع النظام القضائي في ظل الخلافة بدور مهم فيما يتعلق بالحفاظ على الوحدة والتناغم في الحياة الزوجية والأسرية. وسيكون لها نهج من عدم التسامح مطلقا تجاه العنف المنزلي، وسيعاقب الجناة بشدة. وستكون بمثابة حارس يمنع الزواج القسري ويتعامل بحزم مع أية ممارسات وآراء تقليدية غير إسلامية تضر بوحدة الأسرة. وستكون بمثابة وسيط مهم لحل النزاعات الزوجية والأسرية بشكل فعال وسريع لمنع تفاقم المشكلات - من خلال ضمان الوصول إلى الإنصاف على نحو سريع وعادل ودون مقابل. وبالفعل، فقد كان مستوى العدالة وحماية الحقوق والواجبات الزوجية في ظل النظام القضائي أيام الخلافة منصفا عظيما إلى حد جعل حتى النساء غير المسلمات في ظل الخلافة العثمانية، كما هو واضح من السجلات القضائية في ذلك الوقت، يفضلن إبرام عقود الزواج وفق أحكام الإسلام والرجوع إلى محاكم القضاة للاستعانة بهم لرد مظالمهن بدلاً من الرجوع إلى إجراءات أديانهن.


(6) الخلاصة:


• أيتها الأخوات العزيزات، من كل هذا الذي ذكر، فإنه واضح بالتأكيد بأن دولة الخلافة هي وحدها القلعة الحقيقية للأسرة، وما يعمل على إسنادها وحمايتها من كل باب. ولهذا السبب قال العالم البارز الإمام الغزالي: "فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع".


• إذاً أيتها الأخوات، إذا ما كنتن تردن حقاً إنقاذ الأسرة من الخراب، فمن الضروري أن تضعن تركيزكن ووقتكن وجهدكن في العمل على إقامة هذه الدولة العظيمة وبإلحاح! وإذا ما كنتن ترغبن في إنقاذ أخلاق وعفة أطفالنا، فمن الضروري أن تعملن من أجل استئناف حكم الله سبحانه وتعالى في الأرض. وإذا ما كنتن تردن بناء جيل مستقبلي، ووحدات عائلية، ومجتمع غني بالقيم الصالحة والنبيلة للإسلام، فعندئذ من الضروري أن تبذلن جهودكن الكاملة من أجل إعادة قلعة هذا الدين دون تأخير! لذا، فإننا في حزب التحرير، ندعوكن للانضمام إلى هذه الدعوة النبيلة لإقامة دولة الخلافة الراشدة التي ستجعل من عائلاتنا من جديد مصدر فخر لهذه الأمة، لا مصدر ألم وكسر للقلوب. يقول الله سبحانه وتعالى، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]

 

 

د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

------

 

لزيارة صفحة المؤتمر اضغط هنا

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع