الإثنين، 23 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
المرأة المطلَّقة بين رحمة الخلافة وظلم الأنظمة الجاهلية  ضمن حملة "الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية"

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

المرأة المطلَّقة بين رحمة الخلافة وظلم الأنظمة الجاهلية

ضمن حملة "الأسرة: التحديات والمعالجات الإسلامية"

 

يحق لنا عند الحديث عن الزواج والطلاق بشكل خاص، وعن النظام الاجتماعي عامة، أن نرفع رؤوسنا نحن المسلمين عالياً حمداً لله على هذه المنَّة العظيمة. أحكام غرَّاء كرَّمتنا فوق تكريم الله لنا حين خلقنا، وصانت أنفسنا عن ربقة الانحطاط، وارتقت بنا إلى أعلى مكانة وأسمى قدر بما تحمله في طيَّاتها من تنظيم ورعاية وحماية وفضيلة. عجز أي مبدأ أن يخط ولو حكماً واحداً يماثل ما جاء به محمد ﷺ لأمته من هدي وهداية، كيف لا وهو المبعوث رحمة للعالمين؟

 

لطالما كان موضوع الطلاق من المواضيع التي تثير التساؤلات بين المسلمين، رغم اختلاف المقاصد بين مشكك وجاهل يريد علماً بالحكم الشرعي. فالجمعيات النسوية ومراكز حقوق المرأة والمستشرقون وغيرهم طالما أثاروا تساؤلات عن الطلاق والمرأة وغمزوا ولمزوا قاصدين إظهار الإسلام بمظهر الظالم للمرأة. وقد غذَّى الإعلام هذه الأصوات وطرحها وسوَّق لها حتى بات بعض المسلمين حائراً في موقفه فلا هو يُنصف دينه ويسلِّم بالتهم المعدَّة، ولا هو يفهمه ويقدر على الردَّ على الناعقين.

 

هذه المقالة هي محاولة لتوضيح مظاهر الرعاية التي حفَّ الإسلام بها المرأةَ وهي في أصعب فترات حياتها: حيث تصدّع المنزل وانهيار الزواج الذي هو في الأصل مودة وسكينة. فإنه لا يُستغرب أن تحظى المرأة - في ظل أي مبدأ - بالرعاية وهي في رفاه من العيش واطمئنان، فذلك الأمر الطبيعي. لكن التفوق في التشريع يظهر في أوقاتٍ تعاني فيها المرأة من الظلم وفقدان السكينة، وهذا ما تميز به الإسلام إذ رعى المرأة في زواجها وفي طلاقها وحفظ كرامتها في كل حالاتها.

 

إن المأساة في الأمر لا تقتصر على الأعداد الضخمة والمتزايدة لحالات الطلاق في العالم الإسلامي حيث وصلت على سبيل المثال لمليون حالة سنوياً في مصر حسب إحصاء 2015؛ بل تتعداها إلى معاناة المطلّقة من الأنظمة الوضعية من جهة، ومن الموروثات المجتمعية الظالمة التي تنظر للمرأة في أحيان كثيرة نظرة خاطئة فتظلمها وتحمّلها خطأ زواج فاشل، والأدهى والأمر أن بعض هذه الموروثات تُنسب للإسلام زوراً وبهتاناً، مِمَّا أوقع المرأة بين شقَّي الرحى، وأنتج ملايين النساء اللاتي يعانين هن وأطفالهن، ونتج عنه تفكك في الأسر ودمار في العلاقات الاجتماعية.

 

هذا رغم ما تتبناه الأنظمة والمعاهدات الدولية من قرارات عن المساواة وإعطاء المرأة حقوقها. فمؤتمرات السكان والتنمية في مقرراتها طالبت بمساواة المرأة بالرجل في إنهاء العلاقة الزوجية، وقبلها نصت اتفاقية سيداو في المادة (16) على أن "تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة: (ج) نفس الحقوق والمسئوليات أثناء الزواج وعند فسخه" وتلزم هذه الاتفاقية وهذا النص كافة الدول الموقعة على هذه الاتفاقية تعديل تشريعاتها بما يتوافق مع مقررات هذه الاتفاقية.

 

فالمرأة المطلَّقة في العالم الإسلامي الآن تعاني كغيرها من النساء الفقر والعوز، وغياب الرعاية الصحيحة من الدولة، إضافة للنظرات المصوَّبة تجاهها كالسهام والتي تحمّلها ما لا ذنب لها به. تُحرم من حقِّها في حياة طبيعية فتصبح حديثاً للتسلية بين الناس، وقد تُمنع من أطفالها، أو من الزواج مرة أخرى. هذا ناهيك عما تعانيه بعض المطلقات نتيجة امتناع الزوج عن دفع النفقة، أو في بعض الأحيان يرفض الزوج إيقاع الطلاق لتبقى المرأة كالمعلَّقة غافلاً عن أمر الله له بالتقوى ﴿وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾.

 

"حين جاء الإسلام بالتكاليف الشرعية التي كلف بها المرأة والرجل، وحين بيّن الأحكام الشرعية التي تعالج أفعال كل منهما، لم ينظر إلى مسألة المساواة أو المفاضلة بينهما أية نظرة، ولم يراعها أية مراعاة. وإنما نظر إلى أن هناك مشكلة معينة تحتاج إلى علاج، فعالجها باعتبارها مشكلة معينة بغضّ النظر عن كونها مشكلة لامرأة أو مشكلة لرجل. إن واقع الزواج يدل على أنه وجد من أجل تكوين الأسرة، وتوفير الهناء لهذه الأسرة. فإذا حدث في هذه الحياة الزوجية ما يهدد هذا الهناء، ووصل الحال إلى حد تتعذر فيه الحياة الزوجية فلا بد أن تكون هنالك طريقة يستعملها الزوجان للانفكاك من بعضهما. ولا يجوز أن يرغما على بقاء هذه الرابطة على كره منهما، أو من أحدهما. وقد شرع الله الطلاق. قال تعالى: ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ [البقرة: 229] حتى لا يظل الشقاء في البيت، وحتى تظل الهناءة الزوجية قائمة بين الناس. فإن تعذر قيامها بين اثنين لعدم توافق طباعهما، أو لأنه طرأ ما أفسد عليهما حياتهما كان لهما أن يعطيا فرصة ليعمل كل منهما على إيجاد الهناءة الزوجية مع آخر." [من النظام الاجتماعي في الإسلام]

 

رفع الإسلام قدر المرأة حتى في حال كراهية زوجها لها فلم يجعل النفور سبباً للطلاق، بل أمر الزوجين بالعشرة بالمعروف، وحث على تحمل الكراهة فلعل فيها خيراً. قال تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 19]. وحرَّم على الرجل عضل زوجته التي تكره الحياة معه، ومنعها الطلاق عناداً أو خوفاً على المهر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "ولا تعضلوهن" يقول ولا تقهروهن "لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن" يعني الرجل تكون له المرأة وهو كاره لصحبتها ولها عليه مهر فيضرها لتفتدي به [تفسير ابن كثير]. وجعل على الزوج واجب الإنفاق على هذه المطلقة وإسكانها طوال مدة العدة، ومنع الزوج من إخراج معتدته حتى تستوفي عدتها. ولها أن ترضع طفلهما مقابل أجر عليه دفعه لها، يقول سبحانه: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَ﴾. ولها أن تعود له قبل الطلقة الثالثة ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾، كما يحلُّ لها أن تتزوج غيره ﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُون﴾.

 

هذه الأحكام وهذه الرَّحمة فقدتها المرأة بفقدانها الدولة التي ترعى جميع شؤونها من ولادتها لمماتها؛ فلا خلافة ترعى المرأة وتطبق أحكام الإسلام فتنصفها مما هي فيه من قهر وتهميش وتضييع للحقوق والأمانات، فحال المرأة المسلمة شقاء في شقاء ولن تنعم بالأمان والرعاية إلا في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي تطبق هذه الأحكام بشكل عملي مفصل.

 

 

كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أختكم بيان جمال

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع